مصر وتونس.. فوارق هامة رغم تشابه الأوضاع
في صبيحة يوم السبت 13 يوليو، انتقلت شعارات كثيرة من ميادين القاهرة إلى شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة التونسية، ومن بينها شعار مُدوّي "يسقط.. يسقط.. حُكم العسكر".
ليس المقصود بذلك عسكر تونس، الذين يقومون بعملهم داخل ثكناتهم، وإنما الجيش المصري هو الذي كان المُستهدَف من تلك الشعارات، التي ردّدتها حناجر أنصار حركة النهضة، في سياق مسيرة نُظِّمت مُساندة للرئيس المُطاح به محمد مرسي.
في خط مُوازي لذلك، ذكرت مصادر مجموعة تمرّد التونسية، أن عدد التوقيعات التي جمعتها حتى الآن على عريضتها التي تُطالب بإقالة “المجلس الوطني التأسيسي”، قد بلغت حدود مائتي ألف شخص عبّروا عن إرادتهم في إنهاء المسار السياسي الرّاهن في تونس.
هكذا وجد التونسيون أنفسهم مَعنيِّين مُباشرة بالانقسام الحاد الذي يعيشه المصريون، منذ أن قرّرت قيادة الجيش إنهاء حُكم الإخوان، استجابة لذلك العدد الضّخم من المصريين الذين غصّت بهم الشوارع يوم 30 يونيو الماضي. فهل يُمكن أن يتكرّر ذات السيناريو في تونس؟
تراجع شعبية الإسلاميين
تشابهت الأوضاع كثيرا بين البلدين في كثير من المجالات، إلى درجة جعلت البعض يعتقِد بأنهما محكومتيْن بمسار واحد، إذ كلّما حصلت مشكِلة هنا إلا وتكرّرت بنفس الطريقة هناك، والعكْس صحيح. فعلى سبيل المثال، يواجه البلدان صعوبات اقتصادية حادّة وأوضاعا أمنية مُتشابِهة، كما تشكو الحكومتان مما تعتبرانه “مؤامرات” من قبل الإعلام والإدارة وأزلام النظام السابق، وشرائح واسعة من رجال الأعمال، إلى جانب قطاع واسع من المثقفين والفنانين وغيرهم.
كذلك، تراجعت شعبية الإسلاميين في كلا البلديْن، حسبما تعكسه عمليات استطلاع الرأي التي أصبحت تُنظّم بشكل دوري من قِبل مؤسسات محلية وأخرى دولية. ومن هذه الزاوية، ظن البعض بأن ما حصل للإخوان يمكن أن يتكرّر مع حركة النهضة.
راشد الغنوشي رأى في ما تردّده حركة تمرّد، مجرّد أحلام، واعتبر تلك الجهود “مَضيَعة للوقت”، لكن أحزابا وازنة، مثل “نداء تونس” و”الجبهة الشعبية”، انخرطت بدورها في هذا الحِراك المتزايد، داعية بدورها إلى نفس المطالب التي نادت بها حركة تمرّد التونسية، واعتبرت أن البلاد في حاجة إلى تغيير سريع وراديكالي.
فعديد السياسيين المعارضين للترويكا الحاكمة، يعتقدون في قرارة أنفسهم بأن تونس في مأزق خطير، وأن الانتخابات القادمة قد لا تكون مضمونة النتائج لصالح المعارضة، وعلى هذا الأساس، يعملون في اتجاه دفع الرأي العام نحو التمرّد على الوضع القائم من أجل تغييره، بعيدا عن صناديق الاقتراع. غير أن هذه الأصوات لم تصبح أغلبية، حيث يتمسّك رئيس الحزب الجمهوري، نجيب الشابي، بأن ما حصل في مصر، ليس سوى انقلابا، والتفافا على الشرعية، وهو ما جعله عُرضة لهجوم عاصِف من قِبل جُزء من أوساط المعارضة، ومتّهما بالتحالف مع حركة النهضة.
فوارق هامة
رغم التشابه بين الحالتيْن، التونسية والمصرية، إلا أن البعض يغفل في المقابِل عن الفوارِق الهامة والقائمة بين التجربتيْن. ففي مصر، انفرد الإخوان فعلا بالسّلطة، واختزلوها في الرئيس مرسي الذي منح لنفسه صلاحيات مُطلقة لم يسبَق أن تمتّع بها رئيس سابق، بمن في ذلك جمال عبد الناصر، وذلك وِفق المرسوم الذي وضعه على قياسه، في حين أن حركة النهضة، وإن استفادت من قيادتها للحكومة، إلا أنها تواجه ضغوطا حقيقية من حليفيها في السلطة، وهو ما حدّ من رغبتها في التوسّع والسيطرة على مفاصل الدولة.
الاختلاف الثاني بين البلدين، يتمثل في التبايُن القائم بين المشهديْن السياسييْن. ففي مصر، تقف المعارضة في وادي والإخوان في وادي آخر، في حين يوجد في تونس مجلس تأسيسي مُنتخَب، يمثل أبرز التيارات الحزبية والفِكرية، وهناك دستور لا يزال في طريقه نحو التوافُق، وذلك رغم حدّة التنازع على بعض فصوله. كما أن آليات استكمال المرحلة الانتقالية هي بصدد التجسّد على أرض الواقع، مثل هيئات الإعلام والقضاء، وقريبا الهيئة المستقِلة للانتخابات. في حين أن مصر بقيت ولا تزال تُعاني من غياب خارطة طريق مُتّفق عليها من قِبل كافة الأطراف، ولا يوحد بين مواطنيها دستور جامع، ولم تُنظّم بها انتخابات برلمانية أو تأسيسية تضُم الأطراف الفاعلة.
أما الاختلاف النوعي الثالث، فيتمثل بالخصوص في طبيعة المؤسسة العسكرية ودورها في الدولة والمجتمع. إن الجيش المصري يحكُم البلاد منذ سنة 1952 ويتصرّف في جزء من الثروة الوطنية، ويعتبر أكبر جيش في العالم العربي، في حين أن المؤسسة العسكرية في تونس وُلِدت مدنية في بِنيتها ودورها، لا تتدخّل في الشأن السياسي، وتعتبر نفسها وفية للجمهورية وملتزمة بمبادئها. حتى الرئيس السابق، رغم أنه يعتبر ابن المؤسسة، لم يستنِد على العسكر في انقلابه على بورقيبة، ثم استمر بعد تولّيه السلطة في منهج إبعاد العسكر عن إدارة شؤون الحكم.
أنهى المجلس الوطني التأسيسي في تونس مساء الاثنين 15 يوليو مناقشته العامة الأولى لمشروع الدستور وأحال الموضوع على لجنة توافقات، سعيا الى إحراز تقدم حول عشر نقاط خلافية.
وقالت لطيفة حباشي، عضو لجنة التوافقات لإذاعة شمس إف م الخاصة، “الثلاثاء سيكون المهلة الأخيرة لتقدم الكتل البرلمانية اقتراحاتها حول عشر نقاط عالقة”. وأضافت “سنكتفي بالقضايا الرئيسية ونتجنّب مناقشة التفاصيل”.
وتتعلق نقاط الخلاف، بالعلاقة بين الدولة والدّين في الدستور وشروط الترشّح للرئاسة و”الأحكام الانتقالية”.
وتستثنى هذه “الأحكام الانتقالية” للقوانين المُصادق عليها في ظلّ حكومة النهضة منذ انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في اكتوبر 2011، من المراقبة الدستورية لمدة ثلاث سنوات.
وهيمنت هذه الأحكام على المناقشات وأثارت احتجاج المعارضة، حين عرضها المقرر العام للدستور الحبيب خذر، الذي اتهم بالتفرّد في صياغتها.
وانتقد النائب أحمد الخصخوصي، الذي أعلن خلال الجلسة، استقالته من عضوية المجلس التأسيسي، مُجمل الفصول التي تضمّنها مشروع الدستور، متهما هيئة التنسيق والصياغة بـ “تحريف سبعة فصول لضمان خضوع القضاء للسلطة التنفيذية”.
ولاحقا، صرح الخصخوصي لإذاعة موزاييك إف إم أن “مشروع الدستور ينطوي على أفخاخ بهدف استغلال إرادة الشعب وإرساء نظام قمعي”.
ولم تخل مناقشة الدستور التي بدأت في اوائل يوليو من الفوضى والتراشق الكلامي بين حركة النهضة الإسلامية الحاكمة ومعارضيها.
ولم يحدد أي موعد حتى الآن للتصويت على المشروع الذي يتطلّب موافقة غالبية ثلثي أعضاء المجلس التأسيسي، وفي حال عدم حصول ذلك، يتم إخضاعه لاستفتاء.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 15 يوليو 2013).
ناقـوس الخطر
رغم هذه الاختلافات الهامة، إلا أن ما حصل في مصر، كان بمثابة البطاقة الحمراء التي رُفِعت في وجه حركة النهضة، والتي استشعرت الخطر الذي يُمكن أن يهدِّدها، خاصة مع تصاعد الحملات الموجهة ضدّها من قِبل أطراف سياسية ومدنية وشعبية.
لكن مع ذلك، تعاملت قيادة الحركة مع الحدث وكأن الذي تمّ إبعاده عن الرئاسة في القاهرة، أحد كوادرها وليس محمد مرسي. فالسيد راشد الغنوشي رئيس الحركة، سارع في إصدار بيان أدان فيه الخطوة التي أقدَم عليها الجيش المصري، ولم يكتفِ بذلك، بل طالب المصريين بعدم العودة إلى بيوتهم حتى يُعيدون مرسي إلى منصبه، وهو ما اعتبره الكثير من المصريين تدخّلا في شؤونهم الداخلية.
مخاوف من آثار العدوى
وبلغ احتجاج النهضة قمّته بتنظيم مسيرة تضامنية مع الرئيس مرسي المخلوع يوم السبت الماضي 13 يوليو، هدّد خلالها الصحبي عتيق، رئيس كُتلتها بالمجلس الوطني التأسيسي، الخصوم بقوله “كل من يفكِّر في أن يدوس على الشرعية، ستدوسه الجماهير بأقدامِها في شوارع تونس (…) وكل من يستبيح الشرعية، ستستبيحه الجماهير”، وهي الجملة التي وردت في كلماته الحماسية، والتي أثارت استياء الأوساط السياسية والمدنية، وأحدثت رجّة قوية في الشارع السياسي التونسي. كما أنها فاقمت من حجْم ردود الفعل على الأداء السياسي لحركة النهضة.
لا شك في أن انتماء حركة النهضة إلى قيادة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ممثلة برئيسها، قد دفع بها إلى المساندة غير المشروطة لمرسي، لكن ذلك العامل لم يكن الوحيد الذي يفسّر موقفها. فهي من جهة أخرى تخشى من آثار العدوى، رغم اختلاف المعطيات. كما أنها رأت فيما حدث بمصر مؤشرا سلبيا إضافيا على توسّع دائرة الشروط السلبية المعاكسة لحُكم الإسلاميين، والتي توالت خلال الأشهر الأخيرة.
من المؤكد أن المخاوف التي زادت في صفوف النهضويين، ستدفع بهم إلى مزيد التنازل خلال الفترة القريبة القادمة، حتى تؤكد أنها حريصة على التوافُق الوطني، وحتى تحدّ من اندفاع خصومها نحو إضعافها. لكن الأهم من كل ذلك، هو التساؤل التالي: هل ما يحدُث في مصر كافٍ لتُسرع حركة النهضة في القيام بمراجعات جادة؟
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.