مع استمرار الإحتجاجات في بلدان عربية.. لماذا العصبية والإحباط في إسرائيل؟
من نصدّق في إسرائيل: بنيامين نتانياهو، الذي يحذّر من أن "الزلزال الذي يضرب المنطقة العربية هذه الأيام" (على حدِّ قوله)، سيؤدّي إلى ثورات دينية على النمط الإيراني أم إيهود باراك الذي ينفي ذلك؟ هل نصدّق اليميني المتطرِّف ناتان تشارانسكي، الذي دعا الإسرائيليين إلى محض الديمقراطية المصرية الناشئة إيمانهم أم اليميني المتطرِّف الآخر موشي أرينز، الذي قال إن تل أبيب لا تستطيع صنع السلام سوى مع الديكتاتوريين العرب؟ سنعود إلى هذا السؤال بعد قليل.
قبل ذلك، إشارة إلى أن هذا التضارب في الآراء خلال الأسبوعين الماضيين، كان يخفي في الواقع موقِـفاً سياسيا وإستراتيجياً إسرائيلياً موحّداً، قِـوامه مساعدة الأنظمة السلطوية العربية على البقاء. وهكذا، تحرّك رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو منذ اليوم الأول للثورة المصرية في 25 يناير 2011، للضغط على إدارة أوباما في اتجاه واحد: السماح لنظام الرئيس السابق حسني مبارك بتصفية الإنتفاضة بالقوة العارية والضغط على الجيش المصري (الذي يُـقيم علاقات وثيقة للغاية مع الولايات المتحدة) لتنفيذ هذه المجزرة. كما كانت تتواتر الأنباء عن أن تل أبيب تشحن إلى القاهرة أطناناً من المساعدات العسكرية إلى قوات الأمن المصرية.
وحين فشلت كل هذه الجهود، بفعل صمود الثورة المصرية وبروز استعدادها لتقديم التضحيات لتحقيق أهدافها (350 شهيداً و5 آلاف جريح خلال أيام معدودة)، انتقلت الحكومة الإسرائيلية إلى شنّ الحملات الإعلامية والسياسية في داخل الولايات المتحدة، التي تتهم إدارة أوباما بـ “التخلي عن حلفائها التاريخيين في الشرق الأوسط” وبتسهيل “الانقضاض الوشيك للإخوان المسلمين على السلطة في مصر”، على غِـرار ما حدث في إيران عام 1979. وقد تقاطع هذا الموقف مع الموقف السعودي، الذي طالب واشنطن هو الآخر بحماية الرئيس مبارك ونظامه، ملوّحاً بالحلول مكان هذه الأخيرة بدفع قيمة المساعدات العسكرية للقوات المسلحة المصرية والتي تبلغ 5،1 بليون دولار سنويا.
جذور القلق
هذه التفاعلات الإسرائيلية الحادّة مع ثورات المواطنة – الديمقراطية في المنطقة العربية، بدت عنيفة وهستيرية وِفق كل المقاييس، لكنها في الحقيقة كانت واقعية. وهنا، كان تعبير “الزلزال”، الذي استخدمه نتانياهو، دقيقا، إذ أنه يتعلّـق مباشرة بموقع إسرائيل العسكري – الإستراتيجي والثقافي – الأيديولوجي في الشرق الأوسط.
فحتى ما قبل توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1979، كان الإعلام الإسرائيلي في الساحة الدولية يُركّـز على أن الدولة العبرية هي “نعجة بيضاء” محاطة بـ “ذئاب عربية سوداء”، تريد تمزيقها ورميها في البحر. بيد أن معاهدة كامب ديفيد مع مصر ثم معاهدة وادي عربة مع الأردن، أسقطتا هذا الطابع الأحادي لمسألة التهديد الأمني لإسرائيل. كما أن سقوط الاتحاد السوفييتي بعد ذلك، والذي كان الخَـصم الأول للدولة العِـبرية في الساحة الدولية، عزّز سقوط هذا التهديد، خاصة في العلاقة مع سوريا التي وجدت نفسها فجأة معزولة في الشرق الأوسط من دون راعٍ دولي.
صحيح أن إسرائيل تعرّضت في تلك الفترة إلى تحديات عدّة من جانب الانتفاضات الفلسطينية المتتابعة، ثم من خلال حروبها غيْـر الناجحة مع حزب الله في لبنان عام 2006 وحماس في غزة عام 2008-2009، إلا أنها لم تكن حروباً من أجل البقاء. فطالما أنه كان ثمة سلام مع مصر والأردن، سواء أكان بارداً أو ساخناً، وطالما أن سوريا عاجزة عن القيام بعمل عسكري مباشر ضد إسرائيل بفعل الترتيبات الإقليمية الجديدة، فإن أمن إسرائيل كان في أفضل حال.
صحيح أيضاً أن بروز إيران كقوّة إقليمية وتقديمها يد العون إلى حزب الله وحماس على حدودها الشمالية والغربية، ناهيك عن سعيِـها لكسر احتكار الدولة العِـبرية للسلاح النووي، عقّـد الصورة الأمنية الإسرائيلية في السنوات القليلة الماضية، إلا أن إيران كانت محاصرة برفض الأنظمة العربية لها في داخل الشرق الأوسط وبالحصار الغربي الشامل خارجه، الأمر الذي مكّـن تل أبيب من إبرام حِـلف غيْـر مُـعلن مع الأنظمة العربية الاستِـبدادية والسُّـلطوية.
أساس هذا التحالف أو “الهندسة الأمنية” وجوهرته الثمينة، كان السلام بين مصر وإسرائيل. وأساس هذا السلام وهذا الرفض العربي لنظام الملالي وللأصوليات الإسلامية، كان نظام حسني مبارك. فهو كان “المستبد الذي حافظ على هذه الهندسة”، على حدّ تعبير مجلة “نيو ربابليكان” الأمريكية. وبالتالي، كان من الطبيعي أن تشعر تل أبيب بالقشعريرة وهي ترى نظام مبارك ينهار خلال أيام معدودات.
وعلى الرغم من أن القيادة العسكرية، التي استلمت السلطة في مصر ما بعد مبارك أكّـدت تمسّكها بمعاهدة السلام مع إسرائيل، إلا أن أي نظام ديمقراطي جديد في مصر، لن يتعامل مع هذه المعاهدة كما فعل نظام مبارك، أي بوصفها أساس الهندسة الأمنية الإقليمية وقاعدتها في الشرق الأوسط. العكس سيكون صحيحاً، حيث ستتحرك مصر لاستعادة موقِـع الزعامة في المنطقة العربية، حتى في ظل معاهدة السلام، وهذا سيجعلها (كما تركيا الأطلسية – الإسلامية الآن)، على طرفَـيْ نقيض مع كلٍ من السياسة الخارجية ونظرية الأمن الإسرائيليتيْـن.
.. وتحدٍّ أيديولوجي
هذا على الجانب العسكري – الإستراتيجي من المعادلات الجديدة، التي قد تنجبها ثورات المواطنة – الديمقراطية في المنطقة العربية. نأتي الآن إلى الجانب الثقافي – الإيديولوجي، الذي لا يقل أهمية البتَّـة عن زميله الأول. واستعادة سريعة للتاريخ ستكون مفيدة هنا أيضا.
فطيلة ستة عقود، كانت الآلة الإعلامية الإسرائيلية فائقة القوّة في العالم، تصف العرب بأنهم شعب عنيف وغير عقلاني وانفعالي، وهم بالتالي غير قادرين على تحقيق أنظمة ديمقراطية ليبرالية فاعلة وحياة مدنية راقية. وفي مقابل هذه “الوقائع”، كانت الدولة العبرية تطالب الغرب بـ “شيك على بياض” للحِـفاظ على أمنها في المنطقة ضدّ هذه القوى العربية اللاديمقراطية الهوجاء.
بيد أن أحداث مصر وتونس نسَـفت هذه الرَّكيزة من أساسها. فهاتان الثورتان كانتا “حضاريتيْـن ومتحضرتيْـن” وسِـلميتيْـن إلى حدٍّ بعيد، ولم تُـرفع فيهما شعارات الموت لأمريكا” ولا حتى شعارات واسعة النطاق ضدّ إسرائيل. والآن، إذا ما تحقّـق الانتقال إلى الديمقراطية بسلاسة في هاتيْـن الدولتين، ولاحقاً في بقية السّـرب العربي، فستخسِـر تل أبيب نهائياً حجّـتها بأنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تشاطر الغرب قيمه الليبرالية والديمقراطية والإنسانية.
القاهرة حينذاك، لن تبرز كقوّة مدنية وأخلاقية في موازاة إسرائيل وحسب، بل هي ستمتلك السّـطوة السياسية لتحقيق ما عجزت عنه حتى الدول الكبرى في المنطقة: التسوية العادلة في الشرق الأوسط.
كتب المؤلف الأمريكي بوب شيبَـرد مؤخراً: “أخشى ما تخشاه إسرائيل الآن، هو ترسّخ الديمقراطية في مصر وبقية الدول العربية، إذ أن ذلك سيجبر الولايات المتحدة في نهاية المطاف على وقف دعمها الأعمى للسياسات الاستعمارية الإسرائيلية. تخيّـلوا ماذا يمكن أن يحدث إذا ما أصبحت عُـمان ديمقراطية. ألن تكون مضائق هرمز حينها أهَـم بما لا يُـقاس بالنسبة إلى أمريكا من أي قطعة عقار في إسرائيل؟”.
نعود الآن إلى سؤالنا الأولي: من نُـصدّق في إسرائيل؟ الكل أو لا أحد! لماذا؟ لأن إسرائيل تتخبَّـط خبط عشواء، وهي ترى كل صرح المنظومة الأمنية والأيديولوجية في الشرق الأوسط يتداعى الآن حجراًً حجرا، وبالتالي، سيكون منطِـقياً للغاية في هذه الحالة أن تعيش إسرائيل حالة من الضَّـياع والنزعات الهِـستيرية، التي قد تكون أحياناً خطرة (راقبوا تهديداتها الجديدة بغزو لبنان مرة أخرى).
والأرجح الآن أن تستمر هذه الحالة طويلاً في الدولة العِـبرية. فكلما ازداد العرب ديمقراطية وحرية، كلما ازداد الاكتئاب والإحباط في إسرائيل.
اعتبر الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز الاثنين 21 فبراير في حديث مع الاذاعة الاسرائيلية العامة ان الانتفاضات التي اندلعت في الشرق الاوسط تدل على نهاية “الأنظمة الديكتاتورية”.
وقال بيريز “الواضح الآن هو انه لم يعد بامكان اي ديكتاتور ان يكون مطمئنا في الشرق الاوسط، هم راحلون وفيسبوك باق”.
واضاف الرئيس الاسرائيلي “يتعين على الطغاة من الان فصاعدا ان يجيبوا على ما يراه العالم على الشاشات من الفقر والقمع والفساد (…). لقد بات كل شيء اليوم شفافا الى حد انه لم يعد امام الطغاة اي مكان يختبئون فيه”.
وندد وزير التنمية الاقليمية ونائب رئيس الوزراء سيلفان شالوم بايران مرة جديدة.
وقال “ان محاولة ايران اليوم المشاركة بقوة اكبر في كل الثورات التي تحصل في منطقتنا ينبغي ان يدفع الى خلاصة واحدة: على العالم ان يتحد بهدف منع ايران من تحويل هذه المنطقة الى منطقة معادية ومن وضع يدها على كل الموارد النفطية للسنوات المئة والخمسين المقبلة”.
واضاف الوزير الاسرائيلي “ان العدوى التي وصلت الى ليبيا تدفعنا لطرح السؤال عمن سيكون سيد الشرق الاوسط”.
وقد واصلت الشرارة التي انطلقت في تونس ثم في مصر، طريقها في نهاية هذا الاسبوع لتنتشر في شمال افريقيا والشرق الاوسط مع بلوغها ليبيا التي باتت على شفير حرب اهلية، في حين تسيطر المعارضة البحرينية على وسط المنامة، كما تم تنظيم تجمعات احتجاجية في المغرب وايران.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 21 فبراير 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.