مفاجأة المصالحة الفلسطينية ليست بِـلا ثمن
فاجأ الإعلان عن توقيع حماس وفتح ورقة تفاهُـم ومصالحة الجميع من حيث المضمون والتوقيت، ربما لأن السلطات المصرية تعاملت في عهد الثورة، مع هذه القضية باعتبارها تخُـص مصر وفلسطين وليس من شأن أي طرف ثالث أن يتدخّـل أو يشترط أو يُـمارس الضغوط.
فكانت السرية في الاتصالات والكِـتمان في طرح البدائل وربما أيضا لأن الطرفين الفلسطينيين، أي حماس وفتح، باتا يُـدركان أن هناك بيئة عربية جديدة بفعل الثورات الشعبية، وأن المصالحة كفيلة بأن تحفظ ماء الوجه للجميع وأن تعيد الاعتبار مرة أخرى للقضية الفلسطينية، عربيا ودوليا، كما تُـعيد الاعتبار لهما في الآن نفسه.
عاملان يفسِّـران المفاجأة
صحيح أن الإعلان عن توقيع ورقة تفاهُـم بين حركتيْ فتح وحماس، جاء في صورة مفاجأة للجميع، ولكن الصحيح أيضا أن هذه المفاجأة يُـمكن تفسيرها في عامليْـن متكامليْـن: الأول، الثورة المصرية وما تلاها من عملية – ما زالت في بدايتها – لإعادة بناء سياسة خارجية مصرية جديدة، تُـنهي بدرجة أو بأخرى ميراث النظام “المباركي” السابق بكل انحيازاته الفجّـة لإسرائيل والولايات المتحدة.
والثاني، انتفاء الضغوط السورية والإيرانية، التي كانت تُمارَس على حركة حماس وتمنعها من التجاوب مع المبادرات المصرية السابقة. فسوريا الرسمية مشغولة باحتِـواء الانتفاضة الشعبية المُـتنامية من أجل الحرية والكرامة وإنهاء الفساد وتسلّـط الأقلية العلَـوية الحاكمة بالحديد والنار، وإيران بدورها، تتطلّـع لإنهاء القطيعة الدبلوماسية مع مصر الثورة، وبالتالي، فليس لحماس عُـذر.
والأمر نفسه يمكن أن يُـقال بالنسبة لفتح وللسلطة الفلسطينية ولرئيسها عباس، حيث تَـوارَت في الأشهر القليلة الماضية، الضغوط الإسرائيلية والأمريكية التي كانت تُـمارَس على السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، وتمنعه من التواصل بجدِيّـة مع حركة حماس لإنهاء الانقسام الفلسطينى.
فالدور الأمريكي اختفى في ظروف غامضة، وعملية التسوية في حالة موت سريرى، وإسرائيل تتحكّـم فيها قناعة بأن السلطة الفلسطينية ليست لديْـها أية بدائل، سوى قبول الفَـتات المطروح عليها، وأن الرئيس عباس مغلول اليَـد وفُـرص المصالحة وإعادة اللُّـحمة الفلسطينية مُـنعدمة، وِفقا لتقديرات المخابرات الإسرائيلية التي قُـدِّمت لحكومة نتانياهو في الأسابيع القليلة الماضية.
مفاجأة المضمون
هذه العناصر مُـجتمعة، وإن كانت تفسِّـر المفاجأة، من حيث التوقيت بشكل عام ودور البيئة العربية الجديدة في توفير عناصر دافِـعة للخروج من مأزق الانقسام الفلسطيني، يُـمكن القول أيضا أن المفاجأة ليست في عامل التوقيت وحسْـب، أو العناصر التي سهَّـلت التوصُّـل إلى هذا الاتفاق، بل أيضا في المضمون. فورقة المصالحة التي توصَّـلت إليها المخابرات المصرية في السابق، بعد حِـوارات مكثَّـفة ومتكرِّرة مع الفصائل الفسطينية المُـختلفة، وقبل انهيار نظام الرئيس مبارك، والتي وقَّـعتها حركة فتح في حينه في أكتوبر 2009، ما زالت تشكِّـل أساس المصالحة الفلسطينية، وما زاد عليها، هو ورقة توضيحات لبعض المفاهيم والخطوات ومجالات التنسيق المُـنتظرة في المرحلة المقبلة.
ووفقا لبنود ورقة التفاهم التي وقَّـعت عليها فتح وحماس، من حيث المبدأ، ولم توقِّـع عليها بعدُ الفصائل الفلسطينية الأخرى وربّـما يوقِّـع البعض منها على هذه الورقة أيضا يوم الأربعاء المقبل (4 مايو) في القاهرة، فهناك عدّة استحقاقات يجب على الجميع الوفاء بها، منها تشكيل اللجان الخمسة الخاصة بإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية والإعداد للانتخابات ولجنة لشؤون الأسرى، وأخرى لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني الفلسطيني، خلال عام.
أولويات الحكومة الانتقالية
فضلا عن الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية لها سِـت أولويات رئيسية، وهى تهيئة الظروف لانتخابات رئاسية وتشريعية وانتخابات مجلس وطني والإشراف على تنفيذ بنود الورقة المصرية وتسوية القضايا المتعلِّـقة بالمؤسسات الخَـيرية والأهلية والتعامل مع القضايا الأمنية والإدارية، الناجِـمة عن الانقسام الفلسطينى وتوحيد مؤسسات السلطة الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقُـدس والاستمرار في بَـذْل الجهود التي تهدِف إلى إنهاء حصار إسرائيل لغزّة وإعادة الإعمار في القطاع.
تأمُّـل هذه البنود والاستحقاقات، يكشف عن أنها ذات طابع تنظيمي ولا تمَـسّ في العُـمق، ما كان يُطرح من قبل كأسباب لعدم توقيع حماس ورقة المصالحة المصرية قبل عام ونصف تقريبا، كما أنها تعكِـس اتفاقا بين فتح وحماس، وهما الفصيلان الأكبر فلسطينيا، وليس اتفاقا بين كافة الفصائل الفلسطينية، رغم أن بعض البنود تتعلّـق بمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي المنظمة التي تجمع كل القوى الفلسطينية، دون حركة حماس، وأيضا تتعلّـق بالأجهزة الأمنية، وهو أمر يخص الجميع، وليس فقط فتح وحماس.
ومن هنا، تثار عدّة أسئلة حول مدى قبول حركة حماس أن تتخلّـى عن السيْـطرة الأمنية على القطاع أو أن تقبَـل بمشاركة مع فتح والفصائل الأخرى من أجل أن توفِّـر مناخا إيجابيا لإنجاح المصالحة برمَّـتها. وإن قبِـلت حماس، فهل ستقبل القوى الاجتماعية التي نشأت في ظل سيْـطرتها على القطاع، أن تتنازل عن بعض امتيازاتها من أجل القضية الأكبر والمصير المُـشترك؟ وإن لم تقبل هذه القوى الاجتماعية تقديم التنازلات المطلوبة، فكيف ستتصرّف حماس؟
بيْـد أن المهم في هذا الاتفاق، أنه حدّد طبيعة الحكومة المُـشتركة والجديدة التي ستُشكّـل لاحقا، فهي حكومة مؤقتة مكوّنة من مرشَّـحين مستقلِّـين يمتلِـكون مؤهِّـلات وطنية ومهنية يتّـفق عليها كِـلا الطرفيْـن، وهو اتفاق من شأنه أن يجعل المرحلة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات، ذات طابع وطني عام وشخوصها تكنوقراط مقبولون من كل القوى الفلسطينية، هذا بافتراض أن كافة الفصائل تقبَـل بمثل هذا الطّـرح، وأن هذه الشخصيات المستقِـلة ستكون موضع تعاوُن من الجميع.
حكومة لا علاقة لها بالمفاوضات
والواضح، أن دور هذه الحكومة المُـنتظرة سيُـركّـز على قضايا الداخل، وبالتالي، ستظل عملية المفاوضات، بفرض أنها قد تُـستأنف بأي صورة كانت، ستكون مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثمّ سيُـرفع الحرج على هذه الحكومة باعتبارها لا تضُـم حركة حماس، التي تعتبِـرها الولايات المتحدة وإسرائيل منظمة إرهابية ويتحفّـظ عليها الاتحاد الأوروبي، لأنها لا تعترف بإسرائيل.
وهذا المعنى أكّـد عليه بالفعل الرئيس عباس، بهدف إثبات أن عملية السلام هي من اختصاصه ومن شأن المنظمة، وبالتالي، لن تتأثّـر المفاوضات، إن بدأت في المستقبل، بالمصالحة مع حماس التي ستكون مُـستبعَـدة من الحكومة الجديدة، كما هو شأن فتح. أما قضايا الداخل، فهي شأن داخلي يخضَـع للمساومات والتّـوازنات بين القِـوى الفلسطينية المختلفة.
تهديدات إسرائيلية وقِـصَـر نظر مركّـب
إسرائيل من جانبها، ووراءها واشنطن المُـتقاعِـسة عن أي فعل لإعادة تنشيط عملية التسوية، ترى اتفاق المصالحة بعيون أخرى، هي نفسها العيون الصمّـاء التي لم تعُـد ترى ما يجري في المنطقة العربية وتأثيراته المُـستقبلية المُـحتملة على مُـجمل التوازن الإقليمي، وبالتالي، كان طبيعيا أن يُـعيد الطرفان نفس الأسطوانة المتعلِّـقة بحماس، أنها منظمة إرهابية وأن عليها أن تقدِّم القربان المتمثل في الانصياع الكامل لشروط الرباعية، قبل النظر في إمكانية التعامل معها كفصيل فلسطيني له حضور وجماهير فلسطينية وعربية أيضا، ناهيك عن تخيير عباس، إما إسرائيل أو حماس، حسب تعبيرات نتانياهو والتهديد بوقف التعامل مع الرئيس عباس كشخصية مهمّـة، وِفقا للمعايير الإسرائيلية، ومن ثَـمّ حصاره في رام الله، وكذلك التهديد بأن المصالحة الفلسطينية ستحُـول دون قِـيام دولة فلسطينية والتهديد بتجميد تحويل الضرائب المقتطَـعة في إسرائيل لحساب السلطة الفلسطينية، حسب تصريحات الوزير المتطرّف أفيغدور ليبرمان، وهي التهديدات التي تعكس تكلس الإدراك الإسرائيلي وفقدانه القُـدرة على القراءة الصحيحة لِـما يجرى في المنطقة العربية بوجه عام، وما يجري في مصر بوجه خاص.
بيْـد أن هذا التهديد الإسرائيلي، المدعوم أمريكيا، يضع عِـبئا أكبر، ليس على الرئيس عباس والسلطة وحسب، بل على حركة حماس أيضا والتي تتحمل مسؤولية أكبر في إنجاح المصالحة والعُـبور من عُـنق الزجاجة الحالي.
توقع كافة الفصائل الفلسطينية يوم الثلاثاء 3 مايو على ورقة المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس في القاهرة بحسب مسؤولين فلسطينين.
وقال عزام الاحمد رئيس وفد حركة فتح للمصالحة ان “جميع الفصائل الفلسطينية وصلت الى القاهرة للتوقيع على المصالحة”، موضحا ان “وفدا من المخابرات المصرية سيلتقي بكافة الفصائل كل على حده لاخذ ملاحظاتهم على الاتفاق ومن ثم التوقيع عليه”.
واضاف ان موضوع تشكيل الحكومة واختيار رئيسها سيكون الخطوة القادمة.
ومن المقرر ان يصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس مساء الثلاثاء وان يلتقي مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والذي وصل الى القاهرة الاحد 1 مايو.
ويبلغ عدد الفصائل الفلسطينية التي ستوقع اتفاق المصالحة 13 فصيلا.
ويأتي التوقيع بعد ابرام مذكرة تفاهم في القاهرة في 27 أبريل 2011 وقعها عزام الاحمد مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح وموسى ابو مرزوق المسؤول الثاني في المكتب السياسي لحركة حماس في اختراق مفاجىء بعد جولات عدة من المحادثات بين الحركتين كان مصيرها الفشل.
ومن المقرر اقامة احتفال رسمي بالمصالحة يوم الاربعاء 4 مايو في حضور عباس ومشعل وهو اللقاء الاول بينهما منذ سيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو 2007 وسيلقي عباس كلمة بهذه المناسبة.
وسيحضر الاحتفال الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ووزير الخارجية المصري نبيل العربي ورئيس المخابرات المصري مراد موافي وقد دعي للاحتفال ايضا الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر.
ويشكل توقيع حركتي فتح وحماس الثلاثاء في القاهرة اتفاق مصالحة الخطوة الاولى لإنهاء اربع سنوات من الإنقسام السياسي بين الضفة الغربية وغزة.
وينص الاتفاق على تشكيل حكومة من المستقلين للتحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة في غضون عام واحد.
وتسيطر حماس على قطاع غزة منذ منتصف يونيو 2007 بعد ان طردت قوات فتح الموالية للرئيس الفلسطيني بعد اشتباكات دامية دامت اكثر من اسبوع.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 3 مايو 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.