ممارسات “الحرب ضد الإرهاب” أضعفت المعايير القانونية الدولية
توصل التقرير الذي أعدته لجنة الخبراء القانونيين رفيعة المستوى تحت إشراف لجنة الحقوقيين الدولية إلى أن الطريقة التي تمت بها الحرب ضد الإرهاب أضرت بشكل كبير بالقانون الدولي والقانون الإنساني وبحقوق الإنسان. وطالب مُعدّوه الدول بالاستفادة من أخطاء الماضي ومراجعة كل القوانين التي اعتمدت تحت بند محاربة الإرهاب "قبل حدوث انحرافات لا رجعة فيها".
إنها المرة الأولى التي يقوم فيها فريق من القانونيين المرموقين بإجراء دراسة واسعة وشاملة حول تأثيرات القوانين التي شُـرّعـت من أجل “محاربة الإرهاب” على احترام القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان. وقد تم عرض الخلاصات التي توصلت إليها هذه الدراسة يوم الاثنين 16 فبراير في جنيف من خلال تقرير شامل جاء تحت عنوان “توثيق الأضرار والمطالبة بتحرك عاجل”.
ويهدف التقرير الذي اشتمل على حوالي 200 صفحة وسهرت على إعداده نخبة من القانونيين المرموقين في العالم، إلى الحد من الانحرافات التي شهدها العالم بدعوى “محاربة الإرهاب”. وكما قال آرتور شاسكالسون، القاضي الجنوب إفريقي ورئيس لجنة التحقيق فإن “ما توصلنا إليه هو إصابتنا بالصدمة عند وقوفنا على فداحة الأضرار المتراكمة منذ سبعة أعوام بسبب اتخاذ إجراءات صارمة وغير محترمة للقانون في مجال محاربة الإرهاب من قبل عدد كبير من دول العالم”.
أما رئيسة لجنة الحقوقيين الدولية والمفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان، ماري روبنسن فترى أنه “من الضروري الآن أن تعيد الدول تطبيق التزاماتها في مجال حقوق الإنسان وأن تلعب الأمم المتحدة دورا رئيسيا في ذلك”.
التحقيقات شملت 40 دولة
التحقيق الذي أنجزته لجنة الخبراء القانونيين اشتمل على جلسات استماع في أربعين دولة من بينها بالنسبة لشمال إفريقيا كل من المغرب والجزائر وتونس، وبالنسبة لدول المشرق العربي كلا من مصر والأردن وسوريا واليمن والأراضي الفلسطينية وإسرائيل.
والخلاصة التي توصل إليها التقرير تتمثل في أن “بعض الدول وفي تجاهل لدروس الماضي، دخلت في حربها ضد الإرهاب باعتماد إجراءات مستعجلة لا تحترم المعايير القانونية الدولية التي تم السهر على تطويرها منذ الحرب العالمية الثانية”.
ومع أن التقرير يعترف بأن ظاهرة الإرهاب “أمر واقع وأن من حق الدول محاربتها”، إلا أنه يرى أن “عددا من الإجراءات التي تم اتخاذها هي إجراءات غير قانونية وغير مجدية للحد من الإرهاب”، ويؤكد أنها “ألحقت أضرارا كبرى بحقوق الإنسان”.
فقد أشار التقرير عموما إلى أن “العديد من الدول قد تخلت عن التزاماتها التي تعهدت بها بالتوقيع على المعاهدات الدولية، وأن ذلك خلق فراغا خطيرا أدى الى تحول الإرهاب أو الخوف من الإرهاب الى مبرر لعدم احترام المعايير الأساسية في مجال حقوق الإنسان مثل مبادئ منع التعذيب، والمعاملة العنيفة والمخلة بالكرامة، والاختفاءات القسرية، وضرورة توفير شروط المحاكمة العادلة”.
في المقابل، لم يستثن التقرير الإشارة الى مسؤولية الدول الديمقراطية بالقول “إن الدول الديمقراطية التي كانت عادة تدافع عن المعايير القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان ساهمت اليوم في إضعاف معايير القانون الدولي إما بانتهاك تلك المعايير، أو بالتواطؤ مع دول أخرى تنتهك تلك المعايير وذلك بغض الطرف عن انتهاكاتها”.
وفي سياق الأمثلة التي أوردها التقرير للتدليل عن التواطؤ اشار إلى أنه “اتضح للجنة التحقيق أن عملية تسليم المشتبه فيهم بأنهم إرهابيين لم تكن من مسؤولية الإدارة الأمريكية وحدها… بل شاركت فيها بشكل أو بآخر عدة دول مثلما أظهرت جلسات التحقيق في كل من كندا ودول الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط والفدرالية الروسية وجنوب شرق آسيا”.
كما أشار التقرير إلى أن “هناك دولا يُزعم أنها ساعدت في عمليات التسليم هذه مثل البوسنة وكندا وإندونيسيا وإيطاليا ومقدونيا وباكستان وبولندا ورومانيا وإسبانيا وبريطانيا”، مضيفا بأن “هناك دولا قدمت دعما في عملية تسليم المشتبه فيهم بتوفير أماكن اعتقال لهم بعد نقلهم من البلد الذي تم اختطافهم فيه وهذه الدول تشمل أفغانستان ومصر والأردن والمغرب وسوريا وتايلندا وأوزباكستان”.
القوانين الحالية .. كافية
في سياق متصل، يعترف المحققون بان القوانين الحالية قد تحتاج في بعض الأحيان إلى إدخال إصلاحات عليها لمواجهة ظاهرة الإرهاب، فإنهم يعتبرون أن “قوانين العقوبات يجب أن تكون الأداة الأولى التي يتم الاعتماد عليها لمحاربة الإرهاب”. وقد أشار التقرير إلى أن “غالبية الدول واجهت ظاهرة الإرهاب باتخاذ إجراءات استثنائية بعيدة عن الإجراءات القانونية العادية التي تمت تجربتها منذ عقود”.
ومن هذه الإجراءات “اتخاذ الدول بكثرة لإجراءات وقائية مثل الطرد أو وضع أسماء الأشخاص والمنظمات في قوائم إرهابية بالاعتماد في بعض الأحيان على معلومات غير موثوق منها أو خاطئة في بعض الأحيان مما يترتب عنه ضرر كبير وبدون أن تتاح للمتضررين إمكانية النقض”.
ومن الظواهر التي اعتبرها التقرير مثيرة للقلق “الدور المتزايد الذي حصلت عليه أجهزة المخابرات في حربها ضد الإرهاب سواء من حيث الصلاحيات أو الأموال، بدون أن تخضع لرقابة أو مساءلة عما تقوم به”، وأضاف بأن من بين النتائج التي ترتبت عن عدم المساءلة “إقامة مراكز اعتقال سرية، وتعريض الأسرى المشتبه في انتمائهم لجماعات إرهابية لعمليات التعذيب، وإفلات مرتكبي تلك التجاوزات من العقاب”.
الجميع مدعوون لمراجعة تصرفاتهم
وإذا كانت لجنة الخبراء قد خلصت إلى أن “الحرب ضد الإرهاب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ 11 سبتمبر 2001 قد مست بشكل كبير بمعايير حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي”، فإنها تطالب الولايات المتحدة الأمريكية “بالتوقف عن تطبيق الإجراءات والقوانين والممارسات المتعسفة التي اتخذتها في إطار حربها ضد الإرهاب، وأن تشرع في دراسة شفافة وشاملة لكل الانتهاكات التي ارتكبت وأن تضمن للمتضررين حق الطعن”، كما طالبت الدول التي ساهمت أو تواطأت في هذه الانتهاكات بأن “تكف عن استخدام مبدإ القوة”
أما بالنسبة للمحافل الأممية والدولية وبالأخص مجلس الأمن الدولي، فيرى التقرير أن “على الأمم المتحدة ومحافلها أن تقوم بالدور الريادي في إعادة احترام حقوق الإنسان في عمليات محاربة الإرهاب التي تقوم بها وكالاتها أو الدول الأعضاء فيها”.
وفي هذا المجال تطرق المتدخلون في الندوة الصحفية التي عقدت في نادي الصحافة في جنيف يوم الاثنين 16 فبراير (وبالأخص السيدة ماري روبنسن) للإشارة إلى دور مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إذ اعتبرت المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان أن عليه القيام بـ “تطوير برنامج عمل مفصل لضمان فحص مدى تطبيق الدول للتوصيات الواردة في تقرير المقرر الخاص المعني بمراقبة حماية حقوق الإنسان أثناء عملية محاربة الإرهاب”.
كما ترى السيدة روبنسون أنه يجب على آلية الاستعراض الدوري الشامل أن “تتطرق بإسهاب أثناء مراجعة تقرير دولة من الدول الأعضاء لكيفية تصرفها أثناء عمليات محاربة الإرهاب ولا تكتفي بالمرور مر الكرام”.
الخبراء الدوليون البارزون رحبوا بالتغيير الذي حدث مؤخرا على رأس هرم السلطة في الولايات المتحدة واعتبروا أنه قد “جاء في الوقت المناسب” من أجل إعادة الإعتبار لمبادئ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، إلا أنهم اعترفوا بأن التحول الفعلي سوف لن يحدث “إلا إذا تجندت منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام”، من أجل إحداث هذا التغيير.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
آرتور شاسكالسون (جنوب إفريقيا)، رئيس فريق التحقيق وقد شغل من قبل منصب رئيس المحكمة الدستورية في جنوب إفريقيا.
جورج ابي صعب (مصر)، شغل منصب أستاذ القانون الدولي بمعهد جنيف للدراسات الدولية العليا، ومنصب قاض بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة ورواندا، ويشغل حاليا منصب قاض بلجنة فض النزعات بمنظمة التجارة العالمية في جنيف.
روبيرت .ك. غولدمان – (الولايات المتحدة)، أستاذ القانون بمعهد واشنطن بالجامعة الأمريكية والرئيس الأسبق للجنة حقوق الإنسان لدول الأمريكيتين.
هينا جيلاني (باكستان)، محامية بالمحكمة العليا في باكستان، وشغلت من قبل منصب الممثلة الخاصة للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة المكلفة بالمدافعين عن حقوق الإنسان.
فيتيت منتاربهورن (تايلندا)، أستاذ القانون بجامعة بانكوك ومقرر خاص لدى مجلس حقوق الإنسان مكلف بأوضاع حقوق الإنسان في كوريا الديمقراطية.
ماري روبنسون(إيرلندا)، الرئيسة الحالية للجنة الحقوقيين الدولية ورئيسة المبادرة من أجل عولمة متماشية مع الأخلاق. وكانت قد شغلت منصب المفوضة السامية لحقوق الإنسان ومنصب رئيسة إيرلندا.
ستيفان تريكسل (سويسرا)، قاض بالنيابة في المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة. وكان رئيسا للجنة الأوروبية لحقوق الإنسان وأستاذ القانون بجامعة زيورخ.
راوول زافاروني (الأرجنتين)، قاضي بالمحكمة العليا في الأرجنتين وأستاذ القانون بجامعة بيونس إيريس كما شغل منصب رئيس معهد الأمم المتحدة للوقاية من الجرائم ومعالجة المنحرفين بدول أمريكا اللاتينية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.