منظمات أهلية تتجند لإلغاء عقوبة الإعدام في المنطقة العربية
يحتضن قصر المؤتمرات وقصر الأمم المتحدة في جنيف ما بين 24 و 26 فبراير الجاري انعقاد المنتدى الدولي الرابع لمناهضة عقوبة الإعدام بمشاركة حوالي 1000 ممثل عن الحكومات والمنظمات الإقليمية والمنظمات الأهلية من شتى أنحاء العالم.
ومن المثير للإهتمام أن تتميز دورة المنتدى لهذا العام بحضور عربي مكثف خصوصا على مستوى منظمات المجتمع المدني المعنية بمناهضة عقوبة الإعدام، وعلى مستوى وسائل الإعلام.
ومن أجل معرفة المزيد منالتفاصيل عن واقع ممارسة عقوبة الإعدام في العالم العربي وجهود التوعية لمناهضة تطبيق هذه العقوبة التي تنفذ سنويا في حق أكثر من 6000 شخص في العالم (يوجد جزء لا يستهان به منهم في البلدان العربية)، أجرت swissinfo.ch الحوار التالي مع السيدة تغريد جبر القاضي، الناشطة الحقوقية الأردنية ومديرة فرع المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تشارك منظمتها في هذا المنتدى بتنظيم حلقة نقاش حول موضوع “إلغاء عقوبة الإعدام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الآليات والإستراتيجيات”.
swissinfo.ch: هل تحولت مناهضة عقوبة الإعدام إلى موضوع مطروح للنقاش في العالم العربي، وهل تُرجى نتائج كبرى من وراء هذا الحضور العربي المكثف في المنتدى؟
تغريد جبر القاضي: أود أن أقول في البداية أن التواجد العربي والمشاركة العربية في مثل هذا المنتدى هو إشارة واضحة لمدى اهتمام نشطاء حقوق الإنسان العرب بإلغاء عقوبة الإعدام. نتوقع ونأمل أن يكون هناك استمرار لدعم عمل حركة مناهضة عقوبة الإعدام في العالم العربي. هناك مشاركة في هذا المنتدى لثلة من الخبراء العرب القانونيين والحقوقيين وأيضا النشطاء من مؤسسات المجتمع المدني ومن الجهات الرسمية المختلفة كجامعة الدول العربية لمناقشة الآفاق المستقبلية لإلغاء عقوبة الإعدام في العالم العربي. وأملنا أن يجسّد هذا نقطة انطلاق لنقاش مفتوح لهذه المسالة فيما يتوافق مع خصوصية المنطقة العربية.
هذه المنطقة العربية كثيرا ما تُقدم على أنها من المناطق التي تطبق بها أو ببعض من بلدانها عقوبة الإعدام بشكل مفرط. حسب تقييمكم، كيف يمكن تصنيف الدول العربية من حيث التعامل مع هذه العقوبة؟
تغريد جبر القاضي: لنقل أولا أننا كنا حريصين على أن يكون هناك تواجد لكل الدول العربية ذات العلاقة بعقوبة الإعدام. وإذا أردنا الحديث عن واقع عقوبة الإعدام في العالم العربي يمكن القول أن الدول العربية تصنف في ثلاث فئات: فئة الدول التي تستخدم عقوبة الإعدام بشكل كثير مثل العراق على سبيل المثال. وأيضا الدول المجمدة للعقوبة مثل تونس والمغرب والأردن التي لا زالت تنطق بالعقوبة في أحكامها ولكن لا تنفذها ويبقى السجناء في السجن ينتظرون في أي لحظة من اللحظات تطبيق العقوبة في حال إعادة الدولة نظرتها في هذه العقوبة وشاءت أن تطبقها. وهناك الدول التي تسعى إلى إلغاء عقوبة الإعدام من خلال استخدامها لإستراتيجيات مختلفة كالأردن ولبنان حاليا. ونشير الى أن هناك دولة واحدة في العالم العربي ألغت عقوبة الإعدام وهي دولة جيبوتي.
هناك معاهدات وبرتوكولات دولية معنية بعقوبة الإعدام بشكل أو بآخر. ما واقع انضمام الدول العربية لهذه المواثيق الدولية؟
تغريد جبر القاضي: الواقع أنه لا يوجد في الاتفاقيات الدولية السبعة الرئيسية لحقوق الإنسان نص واضح يدعو إلى إلغاء عقوبة الإعدام وإنما يمكن الإشارة الى العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية الذي يدعو الى الحق في الحياة. وقد وُجدت بعض التفسيرات الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان بخصوص العهد الدولي لحقوق السياسية والمدنية التي دعت الدول الى تقليص عقوبة الإعدام لكي لا تطبق إلا على الجرائم الأكثر خطورة. ولنقل أن معظم الدول العربية مصادقة على العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية ولكنها للأسف لا تعمل فعليا على تطبيق هذه التوصية الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان. فنجد مثلا في القوانين اليمنية معاقبة بعقوبة الإعدام فيما يزيد عن 361 جريمة، وفي القوانين المغربية في حوالي 365 جريمة. فلا اعتقد أن هذه الجرائم جميعها شديدة الخطورة.
وهناك أيضا البروتوكول الاختياري الداعي لإلغاء عقوبة الإعدام، الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، وهو البروتوكول الذي لم تصادق عليه أي دولة عربية لحد الآن حسب علمي. وربما قد تستخدم هذه المناسبة كدعوة مفتوحة للدول العربية التي ترغب في إدارج إصلاحات تشريعية على نظامها الجنائي وأن ندعوها ونحثها على المصادقة على هذا البروتوكول تجسيدا لقرارها في احترام الحق في الحياة.
هل العراقيل التي تقف في وجه انضمام الدول العربية لقائمة الدول التي ألغت عقوبة الإعدام هي ذات طابع عقائدي له علاقة بأحكام الشريعة أم له دوافع أخرى راجعة إما للتقاليد أو للظروف السياسية؟
تغريد جبر القاضي: من حيث المبدأ هناك عدة عراقيل وهي تختلف نسبيا من دولة الى دولة ومن الطريقة الى ينظر بها نظام الى آخر لهذه العملية. وإذا ما أردنا الخوض في العراقيل، أود دوما الإشارة إلى ما يمكن وصفه بالتفسير والفهم الخاطئ لما ورد في الشريعة الإسلامية حول عقوبة الإعدام أو ما نستطيع أن نسميه بحد الرجم أو بالتعزير أو بالقصاص. يعتقد البعض أن الشريعة الإسلامية تدعو الى تنفيذ عقوبة الإعدام. ووفقا للعديد من الفقهاء والمفكرين الإسلاميين الذين تحدثوا عن هذا الموضوع قالوا إن الشريعة الإسلامية تجسد الحق في الحياة باعتباره هبة الخالق لنا في هذه الدنيا. وأن الشريعة الإسلامية تضع الكثير من القيود والعراقيل على تطبيق الحدود التي شرعها الله سبحانه وتعالى بما يضمن عدم تطبيقها او استحالة تنفيذها على أرض الواقع. ومن حيث المبدأ هناك دول قليلة هي التي تلتزم بتطبيق عقوبة الإعدام وفقا للشريعة الإسلامية، بينما القوانين العربية الأخرى (مثلما ذكرت اليمني والمغربي) هي قوانين وضعية من وضع البشر وليست مستمدة فيما يتعلق خاصة بالجزئية الخاصة بعقوبة الإعدام من أحكام الشريعة.
السبب الثاني له علاقة بعاداتنا الثقافية من ناحية ما يسمى بالثأر بحيث ترى بعض الدول أن إلغاء عقوبة الإعدام هو بمثابة إشعار بإعطاء للضحية الحق في أن يأخذ حقه بنفسه وهذه مسألة تحتاج فعليا الى عمل دؤوب لتغيير القناعات الفكرية، ونجسد لدور القانون باعتبار أنه الأساس فيما يتعلق بمسألة العدالة التي نرغب جميعا في تحقيقها على ارض الواقع.
وهناك سبب ثالث أرغب دوما في الإشارة إليه، وهو موضوع مكافحة الإرهاب بشكل عام. وقد رأينا جميعا التعديلات التشريعية التي طرأت مؤخرا على بعض القوانين العربية التي جسدت لتنفيذ عقوبة الإعدام على بعض الحالات الإرهابية.
تحريك الوعي بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام في منطقة تتستر بلدانها بشتى الذرائع من أجل تفادي الخوض في موضوع عقوبة الإعدام لا يمكن أن يتم إلا عن طريق منظمات المجتمع المدني. هل هناك فعلا تجنيد لمنظمات المجتمع المدني في العالم العربي حول هذا الموضوع؟
تغريد جبر القاضي: بالفعل لمنظمات المجتمع المدني العربية نشاطات في هذا الميدان وقد تم تأسيس عدد من التحالفات في المنطقة العربية إذ هناك مثلا تحالف من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في اليمن وفي الأردن ومصر ولبنان والمغرب وغيرها من الدول العربية التي تبنت هذه الأجندة وأدرجتها على سلم أولوياتها وبدأت العمل بها. ولكن هذه المسئولية ليست فقط منوطة بمؤسسات المجتمع المدني ولا بد من تظافر الجهود بالأخص من طرف الجهات الرسمية الحكومية لمراجعة هذه العقوبة ضمن التشريعات المختلفة . كما علينا أن ندخل هذا النقاش الى المدارس وأن نعمل على تثقيف وتوعية الأطفال منذ الصغر لنعود الى ثقافة التسامح التي جسدها ديننا الإسلامي إلى ابعد الحدود ودعا إلى احترام الحق في الحياة باعتباره الحق الأساسي فيما يتعلق بجميع حقوق الإنسان.
تشاركون في أربع ورشات عمل مخصصة لواقع عقوبة الإعدام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فهل ستكتفون بسرد واقع المنطقة العربية في تعاملها مع هذه العقوبة أم أنه يمكن توقع ما هو عملي ويتعدى ذلك؟
تغريد جبر القاضي: المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي كانت حريصة جدا على ألا تكون المائدة المستديرة الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا فقط مبنية على أساس التصريحات وواقع الحال. جميعنا نعرف واقع الحال ويمكننا أن نحصل على هذه المعلومات. ولكن هذه المائدة المستديرة تهدف الى الخروج باستراتيجيات وآليات عملية يمكن استخدامها من قبل نشطاء حقوق الإنسان بهدف دعم حركة مناهضة عقوبة الإعدام في المنطقة العربية. فلنقل إننا نأمل في أن تترجم هذه التصريحات وهذه المداخلات من الخبراء العرب المختلفين المتواجدين في هذا اللقاء الى آليات عملية يمكن استخدامها على أرض الواقع وفي النشاطات المستقبلية للمنظمات المشاركة.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
يعقد المنتدى الدولي الرابع لمناهضة عقوبة الإعدام ما بين 24 و 26 فبراير 2010 بقصر الأمم المتحدة وقصر المؤتمرات في جنيف.
يشارك في المنتدى أكثر من 1000 شخص يمثلون الحكومات والمنظمات الإقليمية والمنظمات الأهلية المدافعة عن حقوق الإنسان في 58 دولة، أغلبها من آسيا والعالم العربي وبعض مناطق الكاريبي.
تعقد الدورة الرابعة في مدينة جنيف بدعم من الحكومة السويسرية إلى جانب جمعية “جميعا لمناهضة عقوبة الإعدام” الفرنسية التي كانت المؤسسة للمنتدى منذ قيامها في عام 2000.
تقدر جمعية “جميعا لمناهضة عقوبة الإعدام” عدد الإعدامات التي تنفذ سنويا في العالم بحوالي 6000 حالة.
في المقابل، تلاحظ المنظمة أن هذه العقوبة التي كانت تطبق قبل 25 عاما من قبل ثلثي بلدان العالم لم تعد اليوم تطبق سوى من قبل الثلث.
من الدول العربية التي توصف بأنها “تنفذ عقوبة الإعدام بكثرة” نجد العراق والمملكة العربية السعودية.
تشمل نشاطات المنتدى إلى جانب الموائد المستديرة المخصصة للتعريف بواقع عقوبة الإعدام في شتى مناطق العالم بما في ذلك المنطقة العربية، تقديم شهادات لمحكوم عليهم سابقين نجوا من تنفيذ العقوبة، كما يقيم عدد من الفنانين العالميين من ضمنهم بعض رسامي الكاريكاتور العرب معرضا بقصر المؤتمرات يتناول هذه القضية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.