منظمات غير حكومية سويسرية ترصد مساعدات طارئة لـغزة
في الوقت الذي شدّدت فيه اللجنة الدولية للصليب الأحمر مساء الخميس 8 يناير من لهجتها حيال إسرائيل مؤكدة أن جيش الدولة العبرية انتهك بوضوح القانون الإنساني الدولي في غزة ولم يفِ بالتزاماته لإسعاف المصابين، قررت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" وقف كافة نشاطاتها في القطاع بعد تضرر إحدى قوافلها من القصف الإسرائيلي وسقوط ضحية جراءه.
وفي ظل “الكارثة الإنسانية الخطيرة” التي يتكبدها مئات الآلاف من أهل غزة، تحاول جمعيات تعاونية وخيرية سويسرية جاهدة التخفيف من محنة السكان، لكن شركاءها في عين المكان يكادون يفتقرون للإمكانيات اللازمة للتحرك. وقد أعلنت منظمات غير حكومية سويسرية مؤخرا في بيان مشترك عن رصد مساعدات طارئة لقطاع غزة بقيمة 650 ألف فرنك.
“نحن مذعورون جدا”
“لا أدري ما يحدث في الخارج، ولا يمكنني مغادرة منزلي. وبما أننا لا نتوفر على الكهرباء، فلا أستطيع الاستماع إلى الراديو والارتباط بشبكة الإنترنت”.
بهذه الكلمات، رثت إيناس جودة وضعها، هي التي تعمل في مدينة غزة لفائدة “برنامج غزة للصحة النفسية” الذي يعتبر إحدى أهم المنظمات غير الحكومية النشطة في القطاع، والذي يحظى بدعم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون ومنظمات تعاونية سويسرية أخرى.
ولا مجال للتفكير في العمل في هذه اللحظة – ليس فقط لأن أحد مباني المنظمة تكبد أضرارا هائلة جراء القصف الإسرائيلي، بل لأن “الوضع كارثي”، مثلما تشرح إيناس قبل أن تضيف: “نحن مذعورون جدا، لا سيـّما في الليل عندما تسقط القنابل. ويكاد الأطفال يفقدون القدرة على النوم”.
“أزمة إنسانية خطيرة”
وباتت مساعدة الشعب الفـلسطيني مهمة صعبة حتى بالنسبة للجنة الدولية للصليب الأحمر التي تمكنت للمرة الأولى بعد ظهر الأربعاء 7 يناير الجاري من الوصول إلى عدة منازل تضررت بالقصف في حي الزيتون بغزة، وأسعفت عددا من الباقين على قيد الحياة والجرحى.
لكن الأوضاع تفاقمت يوم الخميس 8 يناير عندما أصابت قذائف إسرائيلية إحدى قوافل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين “أونروا” بالقرب من معبر إيريز شمال قطاع غزة، مما أسفر عن قتل سائق إحدى الشاحنات الأممية.
كما أصيبت شاحنة تابعة للوكالة بعدة رصاصات أطلقها الجيش الإسرائيلي بعد ظهر الخميس في غزة، مما أدى إلى إصابة السائق الفلسطيني بجروح طفيفة.
وقد قررت الأونروا إثر هذه لأحداث وقف كافة نشاطاتها في القطاع إلى أن “تضمن السلطات الإسرائيلية سلامة فرقها”.
أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد شدّدت لجهتها يوم الخميس إزاء إسرائيل، مؤكدة، على لسان نائب مدير عمليات اللجنة، دومينيك ستيلهارت، أن العسكريين الإسرائيليين انتهكوا بوضوح القانون الإنساني الدولي في غزة. وأضاف هذا المسؤول أن “القانون الإنساني الدولي ينص على وجوب مساعدة أطراف النزاع للمصابين والمرضى. لكن عناصر القوات الإسرائيلية على الميدان لم تف بالتزاماتها”.
وأدانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر منع القوات الإسرائيلية من وصول الإسعافات لمدة أربعة أيام إلى منطقة في غزة تم العثور فيها على اثني عشر قتيل وعدد كبير من الجرحى.
من جهته، تحدث ممثل الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في القدس ماريو كاريرا، عن “أزمة إنسانية خطيرة”، منوها إلى أن “الناس يتملـّكهم الارتباك والاضطراب، ويسيطر عليهم الغضب. فالهجوم الإسرائيلي لا يركز على الأهداف العسكرية، بل تتعرض للهجوم أيضا الجسور والمدارس والمساجد”.
وقد شنت القوات الإسرائيلية بعدُ غارات على 15 مسجدا على الأقل، كما تعرضت أكبر مدرسة خاصة في غزة للقصف خلال غارات ليلية. وأكد السيد كاريرا في هذا الصدد بأن “هذه ليست أضرارا جانبية”.
وتدرس الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون حاليا إمكانية إرسال أخصائيين لوجستيين من خلال برنامج الغذاء العالمي، كما تعمل الوكالة في قطاع غزة بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”.
علاجات نفسية أوّلية
في سياق متصل، يتعاون عدد قليل من المنظمات غير الحكومية السويسرية مع شركاء فلسطينيين في قطاع غزة، من بينها المنظمة النسائية من أجل السلام (cdf) وجمعية “ميديكوس موندي سويس” (شبـكة الصحة للجميع) اللتان تدعمان مشاريع في إطار برنامج غزة للصحة النفسية.
هذا البرنامج الذي يشتمل على فروع مختلفة ويوظف نحو 150 شخصا، يعالج أمراضا نفسية ويوفر دعما نفسيا واجتماعيا لسكان القطاع، كما يركز على تقديم المساعدة على المدى البعيد.
غير أن جمعية “ميديكوس موندي سويس” قررت تقديم مساعدة فورية أيضا لبرنامج غزة للصحة النفسية. فإلى جانب مجموعة الإسعافات الأولية، تمول أيضا مساعدة نفسية طارئة. وتؤكد الدكتورة مايا هيس، الأخصائية النفسية ورئيسة الجمعية السويسرية: “في الوقت الراهن، لا يمكن سوى التدخل بالأسلوب الذي تفرضه الأزمات”.
ويتمثل هذا التدخل في بحث المتعاونين مع برنامج غزة للصحة النفسية عن الأسر التي سقط فيها ضحايا، لكن لم يتضح بعد كيف ينبغي تنظيم هذه المساعدة.
من جهتها، أشارت إسيتير ستيبلر، من المنظمة النسائية من أجل السلم، إلى أنه من الصعب بالفعل البقاء على اتصال بالمنظمات الشريكة في أوقات الأزمة هذه..
أرض البشر تحث سويسرا على الاضطلاع بواجباتها
أما منظمة أرض البشر (TDH) المعنية بحقوق الطفل، فقد حثت سويسرا على إعلاء صوتها في هذا الصراع، والاضطلاع بواجباتها كبلد مؤتمن على معاهدات جنيف حول القانون الإنساني الدولي، وتذكير الطرفين بوجوب حماية السكان والسماح بوصول المساعدات الإنسانية.
وفي بيان مشترك، أعلنت أرض البشر مساء الأربعاء 7 يناير، مع منظمات وجميعات تعاون سويسرية (جمعية كاريتاس الخيرية، وهانديكاب أنترناسيونال لمساعدة ضحايا الألغام، والصليب الأحمر السويسري) عن رصد معونات طارئة بقيمة 650000 لمساعدة النظام الصحي الذي تضرر بشكل فادح من جراء القصف الإسرائيلي. وأوضح البيان أن “المستشفيات مكتظة ومتضررة جزئيا وإمدادها بالماء والكهرباء غير مضمون”.
وجاء في البيان المشترك الصادر عن جمعيات التعاون السويسرية بأنها تعتزم، بالتعاون مع “سلسلة السعادة”، التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (المؤسسة الأم لسويس انفو)، تنظيم عملية وطنية لتجميع التبرعات “فور اتضاح الوضع في منطقة الصراع وفور ضمان وصول مباشر إلى سكان غزة”.
وللسماح بإيصال المساعدات الطارئة، أوقفت إسرائيل عملياتها العسكرية لمدة ثلاث ساعات بعد ظهر الأربعاء والخميس، لكن إقامة هذا “الممر الإنساني” لم يُقنع المنظمات غير الحكومية، إذ قال أندرياس هيربست، أحد ممثلي أرض البشر، إن الأمر مجرد إجراء “رمزي” لـ “تظهر للتلفزيون مرور بعض الشاحنات”.
من جهته، صرح السيد دومينيك ستيلهارت من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مؤتمر صحفي يوم الخميس بأن التوقف عن القتال لمدة ثلاث ساعات “خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح” لكنها غير كافية على الإطلاق، مضيفا أنه “لا يمكن للجرحى الانتظار حتى تعليق (العمليات العسكرية) الموالي، بل ينبغي إجلاؤهم على مدار الساعة، والتمكن من الوصول إليهم بشكل دائم”.
ويشار إلى أن ماريو كاريرا، أكد بدوره، في حديث بالهاتف من رام الله مع إذاعة سويسرا الروماندية (الناطقة بالفرنسية) مساء الأربعاء 7 يناير أن “مرور 10 أو 12 شاحنة ليس كافيا تماما لإسعاف سكان غزة بأكملها”.
أطفال تحت وقع الصدمة
ولا تنشغل المنظمات غير الحكومية فقط بالتنمية القصيرة الأمد، بل تخشى من أن يؤدي الهجوم الإسرائيلي إلى تطرف السكان الفلسطينيين.
وتوضح الدكتورة مايا هيس أن الأطفال هم الأكثر عرضة للخطر، “فهم ليسوا فقط شهودا على الموت والعنف، بل يشعرون أيضا بعجز والديهم”، وهو إحساس يمكن أن يـُدمّر الثقة الأساسية ويتسبب في خلق اضطرابات إحباط ما بعد الصدمة، مثل الخوف المزمن واضطرابات النوم.
وأضافت الدكتورة هيس بهذا الشأن أن “برنامج غزة للصحة النفسية سيواجه عملا متزايدا” في الفترة القادمة.
وكانت منظمة أرض البشر قد أعلنت منذ يوم الإثنين 5 يناير أنها تعمل أيضا على تعزيز مشروع المعونة “الأم – الطفل” في غزة مع شركائها في جمعية “أرض الإنسان” الفلسطينية الخيرية.
سويس انفو مع وكالة “أنفو سود” ووكالات الأنباء
غزة/الامم المتحدة (رويترز) – دعا مجلس الامن التابع للامم المتحدة يوم الخميس 8 يناير 2009 إلى هدنة فورية في قطاع غزة، لكن الطائرات الحربية الإسرائيلية واصلت هجماتها.
وبعد أيام من المفاوضات الشاقة، أصدر مجلس الامن قرارا يحث على هدنة فورية ويطالب إسرائيل بالانسحاب التام من غزة بعد هجوم مضى عليه 13 يوما خلف 765 قتيلا. وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على القرار.
ودعا القرار أيضا إلى ترتيبات في غزة لمنع تهريب السلاح إلى النشطاء الفلسطينيين، وإعدة فتح المعابر الحدودية، وإلى “التوصيل بلا عوائق” والتوزيع للمعونات في غزة.
وقبيل صدور القرار بدقائق، اسقطت طائرات حربية إسرائيلية قنابل على مناطق في ضواحي غزة المدينة الرئيسية في شمال القطاع.
وفي وقت سابق، غامرت فرق الانقاذ بدخول مواقع المعارك في قطاع غزة يوم الخميس لتنتشل جثثا من بين الحطام. وقال مسؤولو حركة حماس إن عدد القتلى الفلسطينيين في الهجوم الاسرائيلي الذي مضى عليه 13 يوما ارتفع إلى 765.
ومع أن الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت على القرار، فان وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس أشادت في كلمتها في المجلس بالقرار وقالت إنها امتنعت عن التصويت لا لشئ إلا لان الولايات المتحدة كانت تريد أن ترى نتيجة جهود الوساطة المصرية.
وفي غزة، قالت أطقم الاسعاف المحلية والهلال الاحمر التي استغلت فترة هدوء تم تنسيقها مع القوات الاسرائيلية إنها انتشلت جثثا متعفنة في أماكن كان يتعذر الوصول إليها منذ بدأت القوات الاسرائيلية هجوما بريا قبل ستة أيام.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن عمال الانقاذ عثروا على أربعة أطفال يتضورون جوعا بجوار جثث أمهاتهم وأجلوا عشرات من المحاصرين والمصابين.
وفقدت إسرائيل ثلاثة جنود في معارك مع مقاتلي حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة. وماعدا حادث النيران الصديقة الذي قتل فيه أربعة جنود، فإن هذا كان أكبر محصلة للقتلى في صفوف الاسرائيليين في يوم واحد.
وقتل حتى الان عشرة جنود في الحملة التي شنتها إسرائيل لسحق قوات حماس ومنع إطلاق الصواريخ من غزة على اسرائيل.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 يناير 2009)
هو منظمة أهلية فلسطينية غير ربحية أسست عام 1990 بهدف تقديم خدمات الصحة النفسية المجتمعية بصورة شاملة ومتكاملة لسكان قطاع غزة.
من بين النشاطات التي ينظمها مخيمات صيفية للأطفال، وهي بمثابة بدائل لمخيمات حماس، مثلما تشرح الدكتورة مايا هيس، رئيسة جميعية “ميديكوس موندي سويس” السويسرية (أو الصحة للجميع، مضيفة “يجب أن نظهر للأطفال آفاقا أخرى غير الموت كشهداء”.
وتدير المنظمة أيضا برامج تكوين مستمر للعاملين في المجال الطبي حول سؤال محوري: “كيف تتحدث مع المعنيين عما جرى؟”. ويمنح برنامج تمكين المرأة، التابع للمنظمة، للنساء إمكانية الحديث عن مشاكلهن كي يتمكن من جلب شيء إيجابي في أسرهن، حسب توضيحات إيستير ستيبلير من المنظمة النسائية السويسرية من أجل السلم.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.