هدوء حذر في مدينة العيون بعد عاصفة “الإثنين الأسود” الدموية
لا زالت سحب الدخان التي انطلقت من حرائق يوم الاثنين 8 نوفمبر 2010، تتصاعد بمدينة العيون لتظلل محادثات غير رسمية في نيويورك بين الأطراف المتنازعة عليها ولتلبد سماء مدينة، ظلت حتى الامس القريب شبه صافية، حتى وإن كان صخب التنازع حول الصحراء الغربية عاليا.
والدخان المتصاعد، بات – منذ أن سيطرت قوات الأمن المغربية على الوضع الأمني وأعادته الى هدوئه الطبيعي نسبيا – دخانا سياسيا ينفث في صدور صناع القرار بالرباط والفاعلين السياسيين الذين فوجئوا بحدة وعنف الإحتجاج وحجم الدمار الذي خلفته المواجهات التي شهدتها شوارع وأحياء مدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء الغربية بعد تفكيك السلطات لمخيم أقيم على مشارف المدينة للمطالبة بالسكن والشغل.
وحسب التقارير الأولية للسلطات المغربية فإن هذه المواجهات، التي حدثت بين مواطنين ورجال الأمن وبين مواطنين ومواطنين تبادلوا اقتحام المنازل وحرقها، أسفرت عن مقتل 10 من رجال الأمن، قضى أحدهم نحبه ذبحا، وحرق بنوك وإدارات رسمية ومراكز شرطة ومحلات تجارية وسيارات بالإضافة الى مبنى الإذاعة والتلفزيون.
وكانت مجموعة من الشبان من السكان الأصليين لمدينة العيون قد نصبت منذ 19 أكتوبر الماضي مجموعة خيام شرق المدينة في منطقة “اكديم ايزيك” على الطريق المؤدية إلى السمارة للمطالبة بالسكن والشغل أسوة بمواطنين آخرين قدموا من مدن مغربية أخرى أو كانوا في صفوف البوليزاريو وعادوا إلى مدينة العيون.
السكن.. والشغل!
في بداية الأمر، لم تُـول السلطات المحلية المسألة اهتماما يُذكر، ما دام نصب الخيام خارج المدار الحضري، تقليدا صحراويا، ولم تتحرك إلا بعد أن زاد عددها ليصل إلى 2000 خيمة وارتفع عدد سكان المخيم ليصل إلى أكثر من 20 ألف نسمة يحملون نفس المطالب أي “السكن والشغل”، في ظل حرص على عدم تسييس مطالبهم ورفضهم إدخال أي ناشط سياسي أو رفع أي علم أو ترديد شعارات بعيدا عن مطالبهم الاجتماعية.
في الأثناء، كان المسؤولون المغاربة يؤكدون على الطابع الإجتماعي للإحتجاج ويُدرجون المسألة برمتها في إطار السلوك الحضاري، كما تحدثت الصحف المغربية عن فشل جبهة البوليزاريو التي تنازع المغرب على السيادة على الصحراء باندحار انصار الجبهة وإفشال كل محاولاتهم لدخول المخيم وتحدثت في تقاريرها عن التنظيم المُحكم والإدارة الدقيقة للمُخيم.
في الوقت نفسه، وصل الحوار الذي دار بين المحتجين والسلطات (شارك في بعض حلقاته وزير الداخلية المغربي الطيب الشرقاوي) حسب المصادر الرسمية إلى نتائج ايجابية تؤدي بالضرورة إلى تفكيك المخيم وعودة سكانه إلى منازلهم بانتظار تلبية مطالبهم وبقية بنود الإتفاق الذي تم التوصل إليه في غضون شهر، لكن بوادر التوتر ظهرت بالمدينة مساء يوم الأحد 7 نوفمبر، حين خرج شبان من الأحياء التي ينتمي اليها المُحتجّون في المخيم الذي أطلقوا عليه تسمية “مخيم العزة والكرامة”، بعد أن تردد أن قوات الأمن تمنع سكان المدينة من الوصول إلى المخيم. وفي نفس ذلك المساء، حدثت مواجهات لم تسفر عن سقوط ضحايا.
مواجهات دموية
التوتر تحول صباح الاثنين 8 نوفمبر إلى مواجهات دموية داخل المخيم حين اقتحمته قوات الأمن المغربي بخراطيم المياه وفي المدينة حين امتلأت شوارعها بالمحتجين يعبرون عن غضبهم على الإقتحام بحرق كل ما يجدون أمامهم رمزا للدولة ومصالحها أو من يظنون أنه مؤيد للدولة، وتحولت الشوارع الرئيسية في العيون إلى كتلة من اللهب بسبب الإطارات المطاطية التي تم إحراقها وانتشرت أعلام جبهة البوليزاريو في أماكن مختلفة من المدينة.
وإلى جانب رجال الأمن الذين تحركوا لمواجهة هذا العنف، جال مُواطنون تقول السلطات إنهم “كانوا يبحثون عن مثيري الشغب”، ويقول المحتجون إنهم “كانوا يقتحمون منازل الصحراويين ويحرقونها”.
الناشط الجمعوي بشير ادخيل، أحد مؤسسي جبهة البوليزاريو والعائد للمغرب منذ بداية التسعينات قال في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “إن مخيم “الكرامة” كان التعبير الصادق لدى الصحراويين حينما يريدون التعبير عن عدم موافقتهم على أمر ما يحملون خيامهم عن المغضوب عليه وهو أسلوب سلمي وسليم، أما التعبير الآخر فيعني الترجمة الفعلية لفشل السياسة المحلية المغربية والتي ارتكزت بالأساس في المرحلة الأولى بالتعامل القاسي والغير المنصف للساكنة الأصلية وأيضا بالتركيز على إبراز نخبة معظمها لقيطة ولا تخدم إلا مصالحها الخاصة، إلى درجة أنها أصبحت “دولة داخل الدولة” تهدد المصالح العليا للبلاد وفي نفس الوقت أصبحت العائق الأساس في وجه التقدم في حل المشكل بصفة عامة”.
ويتساءل ادخيل عن صمت السلطات المحلية وتجاهلها لأعداد قليلة من المحتجين على أوضاعهم الاجتماعية وعدم تحركها منذ البدايات لتلبية مطالبهم ويرى أن “فقدان آليات التتبع وانعدام سياسة التوقعات والإستهزاء بالرأي العام الصحراوي المحلي وما يشكو منه بعض المُكلفين بالملف من قصر نظر يُعدّ من بين المشاكل الكبرى التي تحُول دون وصول صورة الوضع الحقيقية إلى المسؤولين الكبار في الدولة المغربية”.
ويؤكد بشير ادخيل، أن على المسؤولين المغاربة المكلفين بتدبير ملف الأقاليم الصحراوية إدراك أن “الثامن من نوفمبر سيكون محطة تاريخية وامتحانا حقيقيا لإعادة النظر في كيفية تدبير هذا الملف وإنهاء سياسة الإقصاء وتهميش الأطر الأكفاء وتحريف الواقع الحقيقي للوضع السائد في تلك الأقاليم”.
دور لجبهة البوليزاريو؟
المسؤولون المغاربة – وبعد شهر من تأكيدهم المتكرر بأن مخيم “اكديم ايزيك” مجرد احتجاج اجتماعي – لمسوا من خلال تمنّع القائمين على تنظيمه وإداراته من الإلتزام بالإتفاقات التي تم التوصل إليها ودمويّة المواجهات التي حدثت وممارسة العنف والإحراق للمؤسسات الرسمية والعمومية “بُعدا سياسيا ودورا لجبهة البوليزاريو وناشطيها” بالمدينة.
وتشير تقارير صحفية تداولتها وسائل إعلام مغربية بأصابع الإتهام الى عائدين من مخيمات تندوف حيث التجمّع الأساسي للاجئين الصحراويين وجبهة البوليزاريو، بل اعتبرتهم نفس التقارير “المحرك الرئيسي للعنف” الذي ساد كرأس حربة لتوتر اجتماعي – سياسي داخل الصحراء بعد أن أدركت البوليزاريو أن العودة للحرب والهجمات على القوات المغربية ليست مستحيلة لوجيستيكيا فقط وإنما مرفوضة دوليا أيضا.
ويذهب المسؤولون المغاربة إلى أن جبهة البوليزاريو أرادت من خلال المخيم وهذا العنف الذي شهدته مدينة العيون “فرض أجندة وجدول أعمال على محادثات غير رسمية” بين المغرب والبوليزاريو (ترعاها الامم المتحدة بحضور الجزائر وموريتانيا) عُقدت في مانهاست القريبة من نيويورك نفس يوم اندلاع أعمال العنف ولم تسفر عن اختراق حقيقي يؤشر بامكانية عودة قريبة لاطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات المباشرة المُجمّدة منذ انتهاء جولتها الرابعة في يناير 2008.
ورغم ان وفد جبهة البوليزاريو أثار مواجهات العيون في نيويورك وهدد بعدم بدء المحادثات قبل الإطلاع على ما يجري، فإن كريستوفر روس المبعوث الشخصي للأمين العام للامم المتحدة للصحراء الغربية والذي دعا للإجتماع ورعاه، حرص على إبعاد ظلال أحداث العيون عن نيويورك واكتفى بالوصول إلى اتفاق يقضي بإعادة العمل بتبادل الزيارات بين العائلات الصحراوية جوا والتأكيد على التبادل برّا “في أقرب الأوقات”.
واعتبر روس أن اتفاق المغرب وجبهة البوليزاريو على جولتين للمحادثات غير الرسمية تعقدان الشهر القادم وبداية العام القادم “إشارات ايجابية” تمهد لامكانية العودة إلى المفاوضات المباشرة حول حل لنزاع طال أمده ولا يظهر في الأفق أي حل له.
اعلنت السلطات المغربية يوم الاربعاء 10 نوفمبر 2010 مقتل شخصين إضافيين ما يرفع عدد القتلى الى أحد عشر – وبينهم عشرة من قوات الامن – اثناء تفكيك مخيم للصحراويين المحتجين قرب العيون، كبرى مدن الصحراء الغربية.
واعلن مراسل لوكالة فرانس برس نقلا عن مصدر مغربي رسمي ان عنصرين من قوات الامن المغربية اصيبا بجروح اثناء التدخل يوم الاثنين 8 نوفمبر في مخيم “اكديم ايزيك” قرب العيون “توفيا متاثرين بجروحهما”.
من جهتها، اعلنت جبهة البوليساريو الثلاثاء 9 نوفمبر ان احد عشر شخصا قتلوا وجرح 723 واعتبر 159 في عداد المفقودين اثناء تدخل قوات الامن المغربية.
واعلن المغرب ايضا الاربعاء 10 نوفمبر توقيف 163 شخصا ونفى معلومات تحدثت عن اختفاء ناشط صحراوي مستقل.
وفي باريس، وصف وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الثلاثاء امام الجمعية الوطنية المواجهات التي وقعت في العيون بين الجيش المغربي ومدنيين صحراويين بأنها “خطيرة للغاية”.
والصحراء الغربية المستعمرة الاسبانية السابقة ضمها المغرب في 1975. وتطالب جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر، باجراء استفتاء حول تقرير المصير برعاية الامم المتحدة ما يضع الصحراويين امام الاختيار بين الاستقلال او الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية او الانضمام الى المغرب.
ويدعم المغرب خيار الحكم الذاتي تحت سيادته رافضا اي فكرة للاستقلال.
(المصدر: نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتصرف بتاريخ 10 نوفمبر 2010)
مانهاست (الولايات المتحدة) (رويترز) – قال وسيط للامم المتحدة ان المغرب وجبهة البوليساريو رفضا مجددا اقتراحات قدمها كل جانب للاخر حول مستقبل الصحراء الغربية وذلك في محادثات خيمت عليها أعمال عنف في المنطقة.
لكن الجانبين اتفقا على السعي لاجراءات بناء ثقة محدودة واسراع وتيرة اجتماعاتهما في اطار ما وصفه الوسيط كريستوفر روس يوم الثلاثاء 9 نوفمبر 2010 بأنه “ديناميكية جديدة” للمفاوضات التي تسير ببطء.
والصحراء الغربية مستعمرة إسبانية سابقة تقع في شمال غرب افريقيا ضمها المغرب اليه عام 1975 مما أثار حركة تمرد من جبهة البوليساريو. وتوسطت الامم المتحدة لوقف اطلاق النار عام 1991 لكن المفاوضين فشلوا في التوصل لتسوية سياسية لاطول نزاع على الاراضي تشهده أفريقيا.
وتجدد العنف في الصحراء الغربية يوم الاثنين 8 نوفمبر 2010 عندما اقتحمت قوات الامن المغربية مخيما لمحتجين بالقرب من مدينة العيون كبرى مدن الصحراء الغربية. وقالت البوليساريو ان 11 مدنيا قتلوا بينما قال المغرب إن 10 من أفراد قواته الامنية قتلوا.
وفي بيان صدر بعد يومين من المحادثات في مانهاست القريبة من مدينة نيويورك قال روس إن الاجواء بين الجانبين “سادها الاحترام المتبادل على الرغم من استمرار كل جانب في رفض مقترحات الاخر كأساس لمفاوضات في المستقبل”.
وفي حديثهم للصحفيين بعد المحادثات تجادل مسؤولون من الجانبين حول اشتباكات يوم الاثنين 8 ننوفمبر في المخيم الذي أقامه صحراويون قبل شهر للمطالبة بتوفير وظائف وخدمات أفضل لهم.
وقال خطري أدوه كبير، مفاوضي البوليساريو ان العنف خلق “جوا متوترا بين المشاركين” في المحادثات لكن الشيء الأهم هو أن الاجتماع عُـقـد.
وقال وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري إن قوات الأمن المغربية اقتحمت المخيم لأن بعض المحتجين رفضوا تسوية سلمية. واتهم البوليساريو بالسعي لاستغلال أي شيء لتجنب التفاوض المستمر والمتعمق.
وانتشرت قوات الامن المغربية بأعداد كبيرة في مدينة العيون يوم الثلاثاء 9 نوفمبر ولم تتكرر أعمالُ عنف يوم الاثنين الا أن سكانا يقولونإان التوتر لازال قائما.
(المصدر: نقلا عن وكالة رويترز بتصرف بتاريخ 10 نوفمبر 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.