وزير المالية يعلن عن مغادرته للحكومة السويسرية
أعلن هانس-رودولف ميرتس صبيحة الجمعة 6 أغسطس الجاري في ندوة صحفية مفاجئة عقدها بالعاصمة برن عن استقالته من منصبه في شهر أكتوبر القادم. وبذلك يكون ثاني وزير يعلن عن مغادرته للحكومة الفدرالية هذا العام.
وقد تميزت الفترة التي قضاها السيد ميرتس في الحكومة الفدرالية، والتي ناهزت السبع سنوات، بالأزمة الدبلوماسية مع ليبيا على وجه التحديد.
وأوضح وزير المالية خلال الندوة الصحفية أن الوقت قد حان له للانسحاب من الحكومة قائلا: “لقد بعثت باستقالتي إلى رئيستي مجلسي النواب والشيوخ”. ونوه إلى أن هذا القرار الصعب تيسر بفضل بـلوغه لــ “بعض الأهداف الهامة”، مشيرا إلى تحقيق حصيلة مالية “جيدة جدا” في عام 2009 سمحت للكنفدرالية بالتخلص من ديون بمقدار 11 مليار فرنك.
وقد قضى الوزير ميرتس، أصيل كانتون أبنزيل أوسيرهودن، قرابة سبع سنوات في الحكومة السويسرية تميزت على وجه التحديد بالأزمة الدبلوماسية مع ليبيا على إثر اعتقال شرطة جنيف لنجل الزعيم الليبي هانيبال القذافي في صيف 2008، وبالأزمة الضريبية التي تورط فيها مصرف “يو بي إس” في الولايات المتحدة. وهما ملفان تعرض بسببهما لانتقادات متتالية ولاذعة من طرف الرأي العام ووسائل الإعلام، حيث اتهمه المنتقدون بـ “الفشل” في حل الأزمة الدبلوماسية مع ليبيا وبالتباطؤ في التحرك أمام الضغوط الدولية على سويسرا في مجال السر الــمصرفي.
لكن السيد ميرتس ذكـّر في ندوته الصحفية بجملة من المكتسبات مثل التوقيع والمصادقة على الإتفاقيات العشرة الأولى لتفادي الازدواج الضريبي في إطار ملف السر المصرفي، فضلا عن اعتماد البرلمان الفدرالي لاتفاق اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس” مع الولايات المتحدة، وكذلك عودة رجلي الأعمال السويسريين اللذين احتجزا في ليبيا في إطار قضية هانيبال القذافي. ولهذه الأسباب، اعتبر وزير المالية أن الوقت مناسب لتقديم استقالته بعد الدورة البرلمانية الخريفية التي ستنطلق يوم 11 سبتمبر المقبل.
وبالفعل، يــُحتسب للوزير ميرتس كإنجاز خلال فترة تنصيبه توقيعه نهائيا أو بالأحرف الأولى على اتفاقيات لتجنب الإزدواج الضريبي مع حوالي عشرين بلدا بعد أن خففت سويسرا قوانين السر المصرفي تماشيا مع المعايير الدولية.
وقد انتخب هانس-رودولف ميرتس (67 عاما) عضوا في الحكومة الفدرالية يوم 10 ديسمبر 2003، وأدار منذ التحاقه بها في 1 يناير 2004 وزارة المالية.
ويوم 20 سبتمبر 2008، أصيب بوعكة صحية خضع على إثرها لعملية جراحية على القلب المفتوح. ونابت عنه زميلته وزيرة العدل والشرطة إيفلين فيدمر- شلومبف في مهام الإشراف على سير وزارة المالية إلى حين عودته إلى منصبه يوم 3 نوفمبر 2008. ويوم 10 ديسمبر الموالي، انتـــُخب للرئاسة الدورية للكنفدرالية لعام 2009.
انتقادات لاذعة من الإشتراكيين
وبينما فسر بعض المراقبين استقالة ميرتس باستجابته لدعوات حزبه الليبرالي الراديكالي الذي كان يأمل في أن يتمكن من خوض حملة الإنتخابات الفدرالية لعام 2011 بوجوه قيادية جديدة، أكد الوزير أن أحدا لم يدفعه إلى تقديم الإستقالة وأن الإتفاق مع حزبه نص على استفادته من عطلة الصيف للتفكير بهدوء في حصيلة ما قام به منذ التحاقه بالحكومة. وفي هذا السياق، قال ميرتس أمام الصحفيين: “لقد تم هذا بحرية تامة”، موضحا أنه ناقش الحصيلة مع إدارة الحزب وبأن قراره جاء ثمرة تفكير ناضج، مشددا على أنه “لم يكن من السهل اتخاذه”.
وفي بداية هذا العام، كان ميرتس قد قرر أن وقت مغادرته سيعتمد على نتيجة الدورة الصيفية للبرلمان الفدرالي، وهي دورة تمت بطريقة سمحت له بالتفكير في الإنسحاب. ومن المنتظر أن يُنتخب خلف السيد ميرتس أثناء الدورة البرلمانية الشتوية القادمة (ديسمبر 2010).
وبدأ الحديث بالفعل عن مغادرة وزير المالية للحكومة الفدرالية منذ يوم 8 يوليو الماضي ومنذ إعلان زميله في الحكومة، الإشتراكي موريتس لوينبرغر، في اليوم الموالي عن استقالته في موفى السنة بعد أن قضى 15 متواصلة على رأس وزارة البيئة والنقل والطاقة والاتصالات.
وقال وزير المالية إنه أثار مسألة انسحابه أيضا مع السيد لوينبرغر، موضحا أنهما خلصا إلى أن الوضع لم يكن مماثلا بالنسبة لهما. وأضاف ميرتس: “سأغادر الحكومة الفدرالية بضمير مقتنع بأنني مارست هذه المهمة بكل ما أملكه من قوة”، قبل أن يتابع وقد بدا التأثر على ملامحه ونبرته: “إن خدمة هذا البلد لشرف لي”.
لكن إعلان ميرتس عن استقالته ومغادرته الحكومة قبل زميله الاشتراكي، سيسمح للحزب الليبرالي الراديكالي، حسب متابعي التطورات السياسية تحت قبة القصر الفدرالي، بسلب الإهتمام الإعلامي من الاشتراكيين من جهة، وعلى تنصيب سيدة في الحكومة رغم أنف الاشتراكيين. ويجري الحديث بعدُ عن تعويض ميرتس بالسيدة كارين كيلر-سوتر، النائبة في مجلس الشيوخ عن كانتون سانت غالن.
وقد وجه الحزب الاشتراكي انتقادات لاذعة لأداء السيد ميرتس عقب إعلانه عن استقالته حيث وصف حصيلته في بيان بـ “السلبية عموما”، مشيرا إلى أنه “سيترك خلفه جملة من المشاكل الرئيسية التي لم يتم حلها”.
وذكر الاشتراكيون بتفاصيل قضية “يو بي إس” منوهين إلى أنه “لم يتم بعدُ تحديد المسؤولين عنها، بدأ بمستوى التواطئ بين يو بي إس وهيئة رقابة الأسواق المالية (فينما) ووزارة المالية السويسرية”. أما على مستوى السياسة الخارجية، فأكدت رئيسة المجموعة الاشتراكية أورسولا فايس بأن أداء السيد ميرتس خلال سنته الرئاسية لم يكن “بارزا”، معتبرة أن وزير المالية قام بـ “دور تعيس على الخصوص” في القضية الليبية، كما أن أداءه كان “سلبيا في ملف السر المصرفي”، على حد قولها.
“أفضل وزير للمالية في أوروبا”
على العكس من ذلك، أثنى الحزب الليبرالي الراديكالي على انجازات وزيره في بيان نشره هذا الجمعة شكره فيه على عمله. وذكر هذا الحزب البورجوازي بالمناسبة بضرورة احتفاظه بمقعدين في الحكومة السويسرية بصفته يمثل القوة السياسية الثالثة في البلاد بـحصوله 17,7% من أصوات الناخبين في آخر انتخابات عامة (أجريت عام 2007).
وأكد الحزب “احترامه” لاستقالة هانس-رودولف ميرتس، شاكرا إياه على “التزامه المثير للإعجاب”، ومشددا على حصيلته المالية الإيجابية. ولم يتردد رئيس الحزب في وصف السيد ميرتس بـ “أفضل وزير للمالية في أوروبا”. كما تعهد الراديكاليون باحترام مبدأ التوافق الذي تقوم عليه الحكومة الفدرالية والذي يصفونه بـ “أهم ركيزة للاستقرار”.
من جهتها، أشادت رابطة الشركات السويسرية Economiesuisse بالحصيلة “الإيجابية جدا” للوزير ميرتس “على المستويين المالي والضريبي”. وأعربت عن أملها في أن تظل وزارة المالية في أيدي سياسيين بورجوازيين.
وشدد رئيس الرابطة، باسكال جينتينيتا، في تصريح لوكالة الأنباء السويسرية على أن “هانس-رودولف ميرتس طبق تدابير كبح الديون وأصبح وضعنا المالي اليوم على ما يرام”.
ومن نجاحات السيد ميرتس التي عددها رئيس رابطة الشركات السويسرية، إصلاح النظام الضريبي المفروض على الشركات المتوسطة والصغرى وتبسيط شهادات الأجور. كما صرح السيد جينتينيتا أن السيد ميرتس شهد “سنة رئاسية محفوفة بالمخاطر يجب تأملها من منظور الظروف الدولية الصعبة”.
بداية السباق الحزبي لانتزاع المقعد
ويذكر أن ميرتس هو أحد مُمثلــيْ الحزب الليبرالي الراديكالي في الحكومة الفدرالية المكونة من سبعة أعضاء، ويعتبر قريبا من رجال المال والأعمال.
وبالإضافة إلى حزب السيد ميرتس، تتشكل الحكومة من أعضاء ينتمون إلى أربعة أحزاب أخرى هي: الحزب الاشتراكي بمقعدين أيضا، بينما تتوزع المقاعد المتبقية بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب البورجوازي الديمقراطي وحزب الشعب السويسري.
وقد فتح الإعلان عن استقالة ميرتس الباب على مصراعيه للمنافسة على انتزاع مقعده في الحكومة.
الحزب البورجوازي الديمقراطي أعرب عن اعتقاده بأنه يحق لأحزاب الوسط فقط المطالبة بشغل منصب ميرتس. وحذر في بيان أصدره يوم الجمعة 6 أغسطس من أن حزب الشعب “لا يمكنه المطالبة بالمقعد”.
ووصف الحزب عمل ميرتس بـ “الجيد جدا”، مشيرا إلى أن جانبه الإنساني كان يحظى بإعجاب شديد. أما بالنسبة لمن سيخلف السيد ميرتس، فأوضح الحزب البورجوازي الديمقراطي أنه سينتظر “أن تعين كافة الأحزاب مرشحيها” للإعلان عن اسم مرشحها.
وقد طالب حزب الشعب (يمين متشدد) بالفعل بمقعد ثان في الحكومة بعد الإعلان عن استقالة ميرتس. ويرى هذا الحزب الذي يعتبر أول قوة سياسية في البلاد أنه يحق له أن يُمثل بوزيرين في الحكومة، موضحا في بيان بأنه وصل إلى هذا الإستنتاج في شهر أبريل الماضي، ومضيفا: “لا يمكننا السماح بأن لا يمثَّل قرابة ثلث الناخبين في الحكومة الفدرالية”.
وستقرر المجموعة البرلمانية لحزب الشعب تفاصيل استراتيجيتها إزاء الوضع الراهن المتمثل في مغادرتين وزيرين للحكومة السويسرية خلال جلسة تقرر عقدها يوم 16 أغسطس الجاري. ويعتقد الحزب أن هذا الوضع هو فرصة لمناقشة التشكيلة المقبلة للحكومة مع الحزب الإشتراكي والحزب الليبرالي الراديكالي والحزب الديمقراطي المسيحي. وقد دعا كافة هذه الأحزاب إلى الإلتقاء قبل موفى شهر أغسطس الجاري.
من جهته، طالب حزب الخضر بشغل مقعد السيد ميرتس قائلا في بيان: “لقد حان الوقت لكي يلتحق سياسي مدافع عن البيئة بالحكومة الفدرالية”، منوها إلى أن صفوف الخضر تتوفر على شخصيات تتمتع بقدرات لمتعد هناك حاجة لإثباتها. ففضلا عن تمثيلهم بـ 24 عضوا تحت قبة القصر الفدرالي في برن، يشارك الخضر في المجالس التنفيذية (حكومات محلية) لسبعة كانتونات و45 بلدية.
وورد أيضا في بيان حزب الخضر أن الأزمة الإقتصادية والأزمة المناخية تدعمان المطالبة بالتحاق حزبهم بالحكومة الفدرالية، مع التأكيد على “ضرورة حدوث نقطة تحول بيئية واجتماعية”. ويطالب الخضر أيضا بأن يتم انتخاب خلفي كل من ميرتس ولوينبرغر في نفس الدورة البرلمانية.
swissinfo.ch مع الوكالات
واجه ميرتس خلال عضويته في الحكومة السويسرية الأزمة المالية العالمية التي لم تلفت منها سويسرا والتي كانت ستتسبب في إفلاس اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس”، أكبر بنوك البلاد.
كما خاض معركة على جبهة السر المصرفي الذي هاجمته بلدان أوروبية كبيرة والولايات المتحدة. وبمبادرة منه، وافقت برن في مارس 2009 على تخفيف السرية المصرفية المعمول بها في الكنفدرالية.
كلف ميرتس بملف يو بي إس الشائك في الولايات المتحدة حيث اتــُّهم المصرف السويسري بمساعدة مواطنين أمريكيين على التهرب من الضرائب. وتوصل الجانبان إلى اتفاق يقضي بتسليم بيانات آلاف الحرفاء إلى السلطات الأمريكية.
تعرض ميرتس على وجه التحديد لانتقادات شديدة بسبب دوره في تحرير رجلي الأعمال السويسريين اللذين احتجزا في ليبيا، وبسبب فشله في العودة بهما في أغسطس 2009 بعد الزيارة الخاطفة التي قام بها إلى طرابلس بمبادرة شخصية، والتي قدم فيها الاعتذار لليبيا عن اعتقال نجل الزعيم الليبي، هانيبال القذافي وزوجته آلين من قبل شرطة جنيف في صيف 2008.
ولِـد يوم 10 نوفمبر 1942 في هيريساو (كانتون أبنزيل أوسيرهودن)، وهو دكتور في العلوم السياسية (1979)، وعمِـل لفترة طويلة مستشارا مستقِـلاّ للشركات، وهو متزوّج وأب لثلاثة أبناء.
ينتمي إلى الحزب الراديكالي (يمين)، وقد عوّض كاسبار فيليغر في الحكومة الفدرالية في بداية 2004، حيث تولى إدارة وزارة المالية.
في الفترة الفاصلة ما بين 1997 وتاريخ دخوله إلى الحكومة الفدرالية، كان نائبا عن كانتون أبينزيل أوسيرهودن في مجلس الشيوخ.
من 1977 و2003، عمل السيد ميرتس كمستشار مستقل للشركات. وبهذه الصفة، اشتغل في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا الجنوبية وأمريكا اللاتينية وأوروبا.
تولى السيد ميرتس الرئاسة الدورية للكنفدرالية السويسرية طيلة عام 2009.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.