وفد دبلوماسي شعبي يحقق اختراقا في ملف “حوض النيل”
أوضح مصطفى الجندي، النائب السابق بالبرلمان المصري والمنسق العام لوفد الدبلوماسية الشعبية لدول حوض النيل، أن المكاسب التي حققها الوفد خلال زيارته لأوغندا ثُـم إثيوبيا، تُـعتبر "تقدما ملموسا في هذا الملف الشائك".
وأضاف الجندي أنها “إنجاز كبير بكل المقاييس”، مشيرا إلى أن “مهمة الوفد كانت تتلخص في تنقية الأجواء من الكدر والشوائب وتخفيف حدة التوتر بين دول المنبع من جهة، ودول المصبّ، وخاصة مصر، من جهة أخرى، وتهيئة الأرض للزيارة الرسمية التي يقوم بها وفد رفيع المستوى برئاسة الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء”.
وقال الجندي، وزير الشؤون الإفريقية في حكومة الظل التي شكلها حزب الوفد في حوار خاص مع swissinfo.ch: “حصلنا على وعود قاطعة من يورى موسيفيني، الرئيس الأوغندي، ورئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي، بتأجيل التصديق على اتفاق الإطار الجديد، إلى حين حدوث استقرار سياسي بمصر، بعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتشكيل حكومة مستقرة، فضلا عن الموافقة على تشكيل لجنة علمية من خبراء مصريين وإثيوبيين وسودانيين وأوروبيين، لدراسة موضوع بناء سدّ الألفية وتحديد مدى تأثيره على حصة مصر من المياه، من عدمه، ليتقرر على إثره هل يتم بناؤه أم لا؟”، معتبرا أن “من أبرز المكاسب، عودة مصر في أحضان إفريقيا مجددا، كأخت كبرى، وعودة الثقة المفقودة بين مصر ودول حوض النيل”. مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
swissinfo.ch: كيف جاءت الفكرة وكيف تحول الحلم إلى حقيقة؟
مصطفى الجندي: الفكرة وليدة البرلمان الشعبي، الذي أسسته قوى المعارضة، احتجاجا على تزوير نظام الرئيس المخلوع مبارك للإنتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2010. وبعد الثورة، قررنا تشكيل وفد دبلوماسي شعبي، يضم ممثلين عن كافة الأحزاب والحركات والقوى السياسية وشباب ثورة 25 يناير. ونظرا لأنني كُـنت نائبا بالبرلمان الإفريقي لدورتين وتربطني علاقة طيبة بعدد من السياسيين الأفارقة منذ 15 عاما، قررت القيام بدور وطني وطلبت من البرلمان الشعبي تفويضا بالسفر، ففوَّضني.
فقمت على الفور بزبارة أوغندا والتقيت الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، وشرحت له الظروف التي تمر بها مصر وطلبت منه تأجيل التصديق على اتفاق الإطار، حتى تستقر الأوضاع. فأبدى موافقة مبدئية وطلب مني تكرار الزيارة وأن أصطحب معي وفدا من الشباب الذي فجّـر الثورة. فعدت واجتمعنا وشكلنا وفدا من 35 عضوا وقرّرنا القيام بجولات لدول حوض النيل، وأن نبدأ بأوغندا، رغم أن 15% فقط من حصة مصر من المياه، تأتي عن طريقها، لكننا آثرنا البدء بها، تلبية لرغبة الرئيس الأوغندي.
وكيف استُقْبِلْتُم بأوغندا؟ وبماذا خرجتم؟ وإلى أي البلاد توجهتم بعدها؟
مصطفى الجندي: لم نتوقع هذه الحفاوة. فقد استُـقْبِلْنَا استقبالا رسميا وشعبيا، على أعلى مستوى، واتفقنا على ميثاق شرف شعبي، يقوم على أساس أن الماء سِـر الحياة وأنه حق لكل إنسان. وخرجنا بوعد من الرئيس، بتأجيل التصديق على الاتفاق، إلى حين استقرار الأوضاع، وطلبنا منه أن يتصل بباقي رؤساء دول الحوض، ليمهلونا بعض الوقت إلى حين ترتيب أوراقنا الداخلية. وبعد عودتنا، طَعمنا الوفدَ بعلماء ومفكّـرين وناشطين وبرلمانيين ومرشحي رئاسة، حتى وصل العدد إلى 48 عضوا، ثم توجّـهنا إلى إثيوبيا. فلا يخفى أنها الدولة الأهم بين دول المنبع. فـ 85% من حصة مصر من مياه النيل، تأتي عن طريقها.
ما هي أهم النتائج التي عدتم بها من أوغندا وإثيوبيا؟
مصطفى الجندي: خلال لقائنا برئيس الوزراء الإثيوبي ميلس زيناوي، أقررنا له بحق إثيوبيا في إنتاج الكهرباء، وقلنا له لا مانع من إقامة سد الألفية، ما لم يكن له تأثير سَـلبي على حصتنا من المياه، وبيّـنا له أن مصر وإثيوبيا، هما اختيار السماء، حيث احتضنت مصرُ المسيحَ (عليه السلام)، فيما حمت إثيوبيا أصحاب النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من بطش النظام المستبد في قريْـش، ولم تُسَـلِم له المهاجرين الذين فروا للحبشة من التنكيل. وطلبنا منه مهلة، إلى حين استقرار الأوضاع، والحق أنه كان كريما، محتفيا بشباب الثورة وداعبهم بقوله: “لقد حققتم في 17 يوما ما عجزنا نحن عنه في 17 عاما”، ووعدنا بزيارة مصر بأقرب فرصة.
ويمكنني إجمال المكاسب، التي تحققت والنتائج التي عدنا بها من هذه المحطة المهمة في النقاط التالية: “عودة مصر في أحضان إفريقيا، كأخت كبرى، وإعادة الثقة المفقودة بين مصر ودول حوض النيل، وتأجيل التصديق على اتفاق الإطار، لحين حدوث استقرار سياسي بمصر بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وتشكيل حكومة، إضافة إلى تشكيل لجنة من خبراء مصريين وإثيوبيين وسودانيين وأوروبيين، لدراسة سد الألفية وتأثيره على حصة مصر من المياه، ليتقرر بناء على رأيها بناءه من عدمه.
ومَـن يضمن أن تلتزم هذه الدول بوعودها، خاصة وأنكم وفد غير رسمي؟!
مصطفى الجندي: رئيسا أوغندا وإثيوبيا، لم يكونا مضطرّين لمنحنا وعودا، وإنما صدرت عن قناعة ورضىًً تام، وقد لمسنا صِـدقهما وإخلاصهما وحفاوتهما البالغة وسعادتهما بهذه المبادرة الشعبية، فضلا عن احتفائهما بالمهندس عبد الحكيم عبد الناصر، نجل الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، لِـما لأبيه من مكانه، كزعيم عربي وإفريقي يمتلك كاريزما خاصة وصاحب دور لا يُـنكر في تحرير معظم هذه الدول من الإستعمار. وأنا مطمئن إلى أنهم سيوفون بوعودهم. فنحن نستطيع جيدا التفريق بين الصِّـدق والكذب.
وماذا عن زيارة السودان وما نشر عن تخصيص مليون فدّان لمصر؟
مصطفى الجندي: زيارة السودان لا علاقة لها مطلقا بجولات وفد الدبلوماسية الشعبية، وإنما هي زيارة خاصة قام بها حزب الوفد برئاسة الدكتور السيد البدوي، رئيس الحزب، وما تم فيها مشروعات خاصة بحزب الوفد، تأتي في إطار جهود الحزب لتدعيم مواقفه السياسية بمصر، قبيْـل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والتي قرّر الحزب خوضها.
قُـبيل البدء بالجولات، مما كنتم تتخوّفون؟ وما الدروس المستفادة منها؟
مصطفى الجندي: قبيل إنطلاق الجولات، كنا لا ننام، من فرط الشعور بالمسؤولية المُـلقاة على عاتقنا، وكنا نتساءل: هل سيتفهّـمون الأمر؟ وهل سيقدِّرون الظروف الإستثنائية التي تمُـر بها مصر؟ وهل سيتجاوبون معنا؟ هل سيلبّـون مطالبنا؟ وعندما فوجئنا بالاستقبال التاريخي، شعبيا ورسميا، لم نصدِّق أنفسنا وأدركنا ساعتها قيمة ومكانة ودور مصر، وفهِـمنا أن مَـن يريد أن يكون كبيرا، عليه أن يتصرّف مع الآخرين باحترام وتقدير واهتمام، دون تعال أو غطرسة أو إهمال. ولهذا كنا، نسهر الليل نفكر ونتدارس الأمر، ونتخيّـل السيناريوهات التي ستحدُث غدا ونحدد المهام ونوزع الاختصاصات… مَـن سيتكلم؟ وماذا سيقول؟ وما توقّـعاتنا لردودهم؟ وما هي تساؤلاتهم المحتملة؟ فنجهِّـز ردودنا ونحدد أهدافنا ومطالبنا، لأننا أدركنا أننا في موقع المحامي عن الشعب وأننا بصدد الدفاع عنه في قضية تُـعدّ من أهم القضايا التي يتعلق عليها مصير 80 مليون مصري. فهي إذن مسألة حياة أو موت.
ومَـن الذي تحّـمل نفقاتكم؟ وهل نسّـقتم مع الحكومة؟ وكيف استقبلت الخارجية النتائج التي حققتموها؟
مصطفى الجندي: كل عضو بالوفد تحمّـل تذكرة سفره، مِـن وإلى الدول التي زُرناها، من جيبه الخاص، وقد كانت فلسفتنا، أننا خرجنا في مهمة وطنية باختيارنا الحر، ولذا، يجب علينا أن نضحّـي في سبيل المصلحة العليا للوطن بأوقاتنا وأموالنا، وأن نقدّم هذه المهمة على أعمالنا الخاصة، وقد قدّمَـت لنا الدول التي زرناها، واجب الضيافة، خِـلال الزيارة. أما التنسيق مع الحكومة، فقد كان ضروريا وتم على أعلى مستوى، حيث عرضنا المبادرة على المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتشاورنا مع الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء، والتقينا الدكتور حسين العطفي، وزير الريّ والموارد المائية، والدكتور نبيل العربي، وزير الخارجية. وعندما عدنا والتقيناهم، لمسنا سعادتهم البالغة بالنتائج التي تحققت، بدليل تعجيل الحكومة بالقيام بزيارة رسمية للدولتين.
وكيف يمكن للدبلوماسية الرسمية الإستفادة من جولاتكم وتحقيق تقدم ملموس على الأرض في هذا الملف الشائك والمصيري؟
مصطفى الجندي: وفْـد الدبلوماسية الشعبية كان عليه أن يحرث الأرض ويهيِّـئها، وعلى الحكومة أن تبذر البذور، ليأتي الشعب ليجمع الحصاد ويجني الثمار، وهو ما سيحدث فى الزيارة الرسمية التي يقوم بها وفد رسمي رفيع المستوى لأوغندا وإثيوبيا، يضم رئيس الوزراء وقائد القوات البحرية نائبا عن المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري، ووزاء الخارجية والريّ والموارد المائية والكهرباء والتخطيط والتعاون الدولى، ورئيس الهيئة العامة للاستثمار. ومعلوماتي، أن الوفد يحمل معه عدّة مشروعات عملية في قطاعات مختلفة، ووصيَّـتي لهم أن يقدِّروا قيمة ومكانة مصر وأن يُـدركوا الدور الذي ينتظره إخواننا في دول حوض النيل، خاصة بعد الثورة.
وهل ستكمـلون الجولات؟.. وماذا في جُـعبتكم لمصر بعد ملف حوض النيل؟
مصطفى الجندي: استكمال الجولات أمرٌ ضروري مخطط له منذ فترة، لكننا آثرنا تأجيلها إلى حين الإنتهاء من ملف الفتنة الطائفية، التي ألمت بمصر مؤخرا والتي تهدِّد نسيج الوحدة الوطنية بين شركاء المصير الواحد، المسلمين والأقباط، فقرّرنا التحرك داخليا للقيام بدورنا في تهدئة الأجواء المتوترة والتحرك بين الطرفين، لنزع فتيل الأزمة، والوصول إلى حلول جِـذرية للمشكلة، التي ما تكاد تهدأ بمنطقة، إلا وتشتعل بأخرى، مع قناعتنا بأن المستفيد الوحيد مما يحدث، هو النظام المخلوع وفلوله. وبعد أن تهدأ الأمور، سنعاود استكمال جولاتنا.
كما اتفقنا أن يكون إسقاط الديون الخارجية، هدفنا التالي بعد حوض النيل، خاصة وأن الدَّين الخارجي قد بلغ – حسب تقرير البنك المركزي في نهاية مارس 2011 – حوالي 33 مليار دولار وأعباؤه تعادل 85% من الدَّخل القومي، وهو ما يمثل عبءً كبيرا على مصر الجديدة. وأنتهز الفرصة، لأوجه – عبْـر منبركم الإعلامي الرصين – دعوة إلى دول العالم الدائنة، لتصدر قرارا تاريخيا بإسقاط ديون مصر، دعمًا للثورة وتأييدا لمسيرة الديمقراطية الناشئة.
اشتق اسم نهر النيل كلمة “نيليوس” اليونانية، وهي تعني “وادي النهر”، ويعتبر أطول أنهار العالم على الإطلاق.
يمتدّ النيل 5584 كيلومترا من بُـحيرة فيكتوريا إلى البحر المتوسط، ويغطِّـي مساحة ثلاثة ملايين و349 ألف كيلومتر مربع على الأقل، ويبلغ متوسط تدفّـق مياهِـه حوالي 300 مليون متر مكعّـب يوميًا.
المصادر: يجري النيل الأبيض شمالا من بحيرة فيكتوريا في كينيا، وهي أكبر بُـحيرات إفريقيا، ويمُـر عبْـر أوغندا إلى السودان، حيث يلتقي بالنيل الأزرَق عند الخرطوم ويواصل النهر بعد ذلك جَـريَـانه شمالا باتِّـجاه مصر.
معدّل سقوط الأمطار على الحوض: يبلغ المتوسط السنوي لسقوط الأمطار على حوض النيل حوالي 650 مليمترا، أي حوالي 10% من المتوسط بالنسبة لوادي الرّاين في أوروبا. ويمثل سوء إدارة المياه، مشكلة في الحوض أيضا، حيث يُـضيِّـع 30% في المتوسط من كِـمية الأمطار على المِـنطقة، قبل أن يمكن استخدامها بصورة مُـنتجة. وتحصل مصر على 87% من حاجاتها المائية من النهر، حيث يكاد ينعدِم سقوط الأمطار عليها، ما عدا على امتداد ساحل البحر المتوسط وبعض مناطق شِـبه جزيرة سيناء.
دول حوض النيلالعشر هي: بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإريتريا وإثيوبيا وكينيا والسودان ورواندا وتنزانيا وأوغندا. وتسقط الأمطار بمعدّل كبير، نسبيا، على بوروندي الجبلية وأوغندا وتنزانيا إلى جانب جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، التي توجد بها أيضا موارد مياه وافرة. ولا يقع من أراضي كينيا شِـبه القاحلة داخل الحوض، سوى عشرها، لكن يعيش على مياه النيل 40% من سكان كينيا.
وتسقط الأمطار بمعدّل مرتفع على إثيوبيا وإريتريا، لكنها أمطار موْسِـمية في العادة وتستمر أربعة أشهر من العام فقط. وتُـساهم إريتريا بقدْر صغير في المياه الجارية بنهر النيل، وهي الوحيدة من الدول العشر غير العُـضو في مبادرة حوْض النيل، وهو برنامج يرعاه البنك الدولي أنشئ للمساعدة في إدارة مياه النيل.
خصائص الحوض: يتدفّـق نهر النيل عبْـر ست من أفقَـر دول العالم ويعيش في حوضه حوالي 300 مليون نسمة، أغلبهم في مناطق ريفية. ويضم الحوض – أيضا – بعضا من أكبر مدن إفريقيا، مثل: دار السلام وكمبالا ونيروبي وأديس أبابا والخرطوم والقاهرة. وتسهم القاهرة وحدها بحوالي 10% على الأقل من العدد الإجمالي لسكان حوْض النيل.
النمو السكاني: يزيد النمُـو السكاني الضغْـط على موارد المياه ويفرض طلبا أكثر إلحاحا لإدارة أفضل ومراجعة لكيفية تخصيص حِـصص مياه النيل، لكن نظرا لتنوّع الاحتياجات الاقتصادية والعِـرقية والاجتماعية في المنطقة، يشير المحلِّـلون إلى أن اتِّـخاذ مثل هذا القرار، سيكون صعبا.
الاستخدامات: تختصّ الزراعة بحوالي 80% على الأقل من كل استهلاك المياه في الحوض. ويدعو الخبراء لاستخدام أفضل وأكثر تكاملا لموارد المياه، ويقولون إن كثيرا من الدول كانت بطِـيئة في تبنِّـي تِـقَـنيات ريّ محسنة. وما تزال الطريقة الأكثر شيوعا، الري بالغمر، التي ثبت عدم كفاءتها وإهدارها للمياة.
(المصدر: وكالات الأنباء)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.