«في إيران، لا أحد يريد حرباً مفتوحة مع الولايات المتحدة»
في بداية العام الجاري، أثارت التوترات الشديدة بين إيران والولايات المتحدة المخاوف من احتمال تطورها إلى تصعيد عسكري لكنه لم يحدث، ما أسفر عن شعور بارتياح كبير لدى الشعب الإيراني والمجتمع الدولي. بعيداً عن العلاقات الدبلوماسية، كيف يعيش السكان هذا الوضع في حياتهم اليومية؟ لمعرفة ذلك، أجرت swissinfo.ch حوارا (*) مع فارسين بانكي، وهو أستاذ جامعي سويسري - إيراني سابق أقام في الجمهورية الاسلامية في الأسابيع الأخيرة.
في يناير 2020، قامت الولايات المتحدة باغتيال اللواء قاسم سليماني بغارة جوية بواسطة طائرة بدون طيار في بغداد، ما أثار غضبا شديدا لدى حكومة طهران والحرس الثوري الإيراني. ورداً على ذلك، قامت إيران بقصف قاعدة عسكرية أمريكية في العراق أسفر – حسب أحدث التقارير عن إصابة 64 جندياً أمريكياً بجروح.
swissinfo.ch: بعد اغتيال اللواء سليماني، كانت المخاوف من التصعيد العسكري في الشرق الأوسط كبيرة. وازدادت هذه المخاوف عندما ردَّت إيران على الضربة. كيف كانت ردة فعلك تجاه هذه الأحداث؟
فارسين بانكي: كنت خائفاً جداً، ولكن كانت ترتابني أيضاً مشاعر غريبة. كنت أتساءل كيف يمكن لدولة عظمى [الولايات المتحدة] أن تنتهك الاتفاقيات الدولية بهذه الطريقة، ثم تدَّعي الاحترام ـ وذلك بغض النظر عن الأشخاص الذين تمَّ استهدافهم في الهجوم.
بعد ذلك، عندما قصفت الحكومة الإيرانية القاعدة الأمريكية، انقطعت أنفاسي. فقد ظننا أننا ذاهبون نحو حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة، وهو مالا يتمناه أحد هنا. لقد عدت لتوي من طهران وتنقلت في جميع أنحاء البلاد. والغريب أنك لا تشعر بأي شيء من الأحداث السياسية التي وقعت مؤخراً، حتى وإن كانت هناك حالة من الغليان في الداخل. كل واحد يعلم بما حدث ولكن لا يُظهر أي نوع من الشفافية ويُشغل نفسه بأعماله اليومية.
swissinfo.ch: انتظرت الحكومة الإيرانية ثلاثة أيام قبل أن تعترف بتورطها في تحطيم طائرة البوينغ 737 التابعة لشركة الخطوط الأوكرانية الدولية، والتي راح ضحيتها 176 راكبا، ما أدى إلى خروج عدة مظاهرات. فهل شاركت فيها؟ وهل لا زالت مستمرة؟
فارسين بانكي: لا، أنا وعائلتي لم نُشارك فيها. لم أكن لأبقى على قيد الحياة خلال الإحدلى وأربعين سنة الماضية لو أنني خاطرت لهذا الحد، كشخص عادي وكأستاذ جامعي في نفس الوقت.
“يدرك الشعب الإيراني بشكل متزايد أن الوعود الكبرى للحكومة وإعلاناتها لا تتوافق مع الواقع”
لقد توقفت المظاهرات. ولكن الشعب الإيراني يدرك شيئاً فشيئاً أن وعود الحكومة وتصريحاتها لا تتوافق مع الواقع. ولا بُد أنهم سيُعربون عن استيائهم من جديد في ظروف أخرى.
swissinfo.ch: منذ عدة أسابيع، لم نعد نسمع في أوروبا كلاماً عن التوترات الإيرانية ـ الأمريكية. هل ما زال الموضوع من مواضيع الساعة في إيران؟
فارسين بانكي: نعم، وسيبقى مستمراً طالما أن الطرفين لم يجلسا على طاولة واحدة من أجل التفاوض. ليس هناك رفض صريح للتحاور من أي من البلدين، ولكنَّهما يضعان شروطاً تعرقل هذا النوع من اللقاءات. برأيي الشخصي، هذه هي الطريقة الوحيدة لوضع حد لهذا الخلاف.
swissinfo.ch: هل انعدام الثقة تجاه الغرب هو شعور سائد لدى الشعب الإيراني أم أنه شعور لا تشارك فيه سوى الأقلية الداعمة للنظام؟
“معظم الإيرانيين يُقدّسون الغرب لأنهم يعتقدون ـ وهم مُحقّون في ذلك ـ بأنه هو الضامن لحرية التفكير”
فارسين بانكي: في الوقت الراهن، يوجد في متناول الناس طرق أخرى للحصول على المعلومات. ولكن من الضروري إرشادهم حول استخدام وسائل الإعلام أو شبكات التواصل الاجتماعي حتى لا يُصدّقوا كل ما يُقال. ويصبح ذلك أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بالانتخابات.
معظم الإيرانيين يُقدّسون الغرب لأنهم يعتقدون ـ وهم مُحقّون في ذلك ـ بأنه هو الضامن لحرية التفكير.
swissinfo.ch: في الآونة الأخيرة، تمَّ اعتقال علماء مزدوجي الجنسية (ثُم أُطلقَ سراحهم فيما بعد). هل يقلقك هذا الأمر شخصياً؟
فارسين بانكي: الأخبار من هذا النوع هي دائماً مُقلقة. لكن احتمال أن أكون معنياً بالأمر بشكل مباشر هو ضئيل، لأنني أستاذ فخري وليس لي تأثير كبير على طلابي.
swissinfo.ch: هل لفرض العقوبات على إيران آثار ملحوظة في الحياة اليومية؟
فارسين بانكي: بالتأكيد. هناك مقولة في إيران مفادها أنَّ الناس يتقاضون أجورهم بالريال، في حين تُحسَب الأسعار بالدولار. فدخل الموظفين لا يتحسَّن وهو مدفوع بالريال. وبحسب مصدر السلعة المستوردة، يتم تحديد الأسعار وفقاً لسعر صرف الدولار أو اليورو. وفي معظم الأوقات، لا تكفي رواتب الناس لدفع الإيجار. ولمواجهة هذا الواقع، يضطرون للعمل في وظيفتين أو ثلاث أو حتى أربع وظائف.
منذ زمن بعيد لم تعد الأسعار في إيران تتناسب مع قيمتها الحقيقية. فهي مدعومة جزئياً من الحكومة بواسطة بعض القنوات المختلفة. وينطبق نفس الأمر على سعر البنزين. فمع أنَّ سعره ارتفع ستة أضعاف، إلا أنني أشعر أنَّ ذلك لم يكن له أي تأثير على حركة المرور!
swissinfo.ch: هل هناك تدابير أمنية خاصة للأجانب المقيمين في إيران أم أنَّ الحياة تسير بشكل طبيعي؟ وهل يخرج الناس ليلاً في طهران وكأن شيئاً لم يكن؟
فارسين بانكي: في إيران، غالباً ما تنحصر الحياة الاجتماعية بين أربعة جدران. معظم السويسريين الذين كنت أعرفهم في إيران عادوا إلى بلادهم. أما أولئك الذين يعيشون بحكم عملهم في السفارات فهم يتزاورون فيما بينهم أو أنهم يلتقون مع وافدين آخرين. وطالما لا يوجد خطر يهدد الحياة، كما هو الحال في البلدان المجاورة، يجب أن تستمر الحياة بشكل طبيعي قدر الإمكان. والغريب، أنَّ إيران هي البلد الأكثر أماناً في الشرق الأوسط.
وُلِدَ فارسين بانكي، البالغ من العمر 67 عاماً، في إيران وعاش جزءاً من طفولته في ألمانيا. قدِمَ إلى سويسرا للدراسة ويعيش فيها منذ أكثر من 46 سنة، مع بعض الانقطاعات. يحمل الجنسيتين السويسرية والإيرانية ويقضي حوالي ثلاثة أشهر من السنة في إيران. كان باحثاً وأستاذاً في المعهد الحكومي للعلوم الإنسانية والثقافية في طهران.
بحسب المكتب الفدرالي للإحصاء، في عام 2018، كان عدد السويسريين الذين كانوا يعيشون في إيران 214 شخصا. عقب الأحداث التي وقعت في بداية العام الجاري، حثت الخدمة المُوجّهة للمسافرين من طرف وزارة الخارجية المواطنين السويسريين المقيمين هناك على أخذ الحذر والسرية والابتعاد عن أي تجمع أو حدث جماهيري.
الجدير بالذكر أنَّ سويسرا وإيران تربطهما علاقات جيدة وتجتمع الدولتان بانتظام لإجراء تشاورات سياسية. وبصفتها قوة حماية، تقوم سويسرا بتمثيل مصالح الولايات المتحدة في إيران.
فهي تُطبق العقوبات الدولية للأمم المتحدة، المُلزمة قانونياً، وفي بعض الحالات، تنحاز إلى العقوبات أُحادية الجانب المفروضة من قبل شركائها التجاريين الرئيسيين، ومن بينهم الاتحاد الأوروبي، كما تؤكد على ذلك وزارة الخارجية السويسريةرابط خارجي.
(*) تم إنجاز هذا الحوار كتابيا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.