الشيخوخة في الصّين… فرصة للشركات السويسرية متعدّدة الجنسيات؟
تتيح الزيادة السريعة في عدد المسنّين والمسنّات في الصين، بالإضافة إلى نمو الطبقة الوسطى، فرصاً استثمارية جديدة لشركتين سويسريتين متخصصتين في المجال الطبي، تستهدفان السوق الصينية كمحور رئيسي لتحقيق نموّهما ضمن ما يُعرف بالاقتصاد الفضّي*.
وتجذب التحديات الصحية المرتبطة بالمجتمع المتقدم في السن، اهتمام كبرى شركات الرعاية الصحية العالمية، التي ترى فرصاً ربحية كبيرة في سوق ينمو بوتيرة سريعة. من بين هذه الشركات، تبرز شركة “سونوفا” (Sonova)، التي تتخذ من سويسرا مقرّاً لها، والتي تُعتَبَر أكبر مصنع لأجهزة السمع في العالم، ومجموعة التكنولوجيا الطبية “إيبسوميد” (Ypsomed)، المتخصصة في تصنيع مضخات الإنسولين لمرضى السكري.
وتقول فانغ فانغ، الخبيرة في صناعة الرعاية الصحية والمديرة العامة لشركة “سونوفا” في الصين: “إن السبب الجوهري للأهمية الاستراتيجية للصين، يكمن في زيادة أعداد المسنين.ات فيها “. وتضيف قائلةً: “كل عام، ينضمّ نصف إجمالي سكان فرنسا أو ألمانيا من الرجال والنساء إلى مجموعة عملائنا وعميلاتنا المحتملين.ات”.
يتنبّأ معهد ماكينزي للصحة بأن عدد الأشخاص، من الرجال والنساء، الذين واللاتي تتجاوز أعمارهم.هن 65 عاماً في آسيا، سيتضاعف، ليصل إلى 1.6 مليار نسمة بحلول عام 2050. ويصف هذه الزيادة بأنها “واحدة من أعمق التحولات الديموغرافية في التاريخ”. ويظهر هذا الاتجاه بشكل ملحوظ في الصين، حيث ينمو عدد المسنين.ات بوتيرة أسرع من أي من الاقتصادات الناشئة الأخرى في العالم.
ويسهم ارتفاع متوسط العمر المتوقع في تعقيد التحديات القائمة. ففي عام 2021، أصبح بإمكان المواطن.ة الصيني.ة توقع العيش حتى بلوغ سن 78، بزيادة تقارب الأربع سنوات مقارنة بعام 2010. ووفقاً لدراسة أجراها كل من المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وجامعة نانجينغ للعلوم والتكنولوجيا، قد يرتفع متوسّط العمر المتوقّع إلى 81 عاماً بحلول عام 2035.
وبينما يُعتبر عيش السكان من الرجال والنساء، لمدّة أطول، خبراً ساراًّ، إلا أنه يجعلهم.هن أكثر عرضة للأمراض. وتقدّر منظمة الصحة العالمية معاناة حوالي 75% من الأشخاص، الذين واللاتي تتجاوز أعمارهم.هن الستين عاماً في الصين، من أمراض مزمنة مثل السكري والسرطان واضطرابات القلب والأوعية الدموية.
وقد يكون لذلك تأثير عميق على اقتصاد الصين وعلى الإنفاق الاستهلاكي والحكومي. ووفقاً لما ذكره مؤلفو.ات ورقة بحثية، من معهد ماكينزي العالمي لعام 2023، بعنوان “الضرورة الصينية للشركات متعددة الجنسيات”، فإن “الطلب على المنتجات سيتأثر في قطاعات معينة. فمن المحتمل، على سبيل المثال، أن يزيد الإنفاق على الرعاية الصحية وينخفض على السلع والخدمات التي لا تُعد ضرورية وملحّة بالنسبة للسكان المسنين.ات”.
استثمارات بملايين الدولارات
إحدى الشركات التي تستفيد من هذا التحول الديموغرافي في الصين هي مجموعة التكنولوجيا الطبية “إيبسوميد”، وهي متخصصة في مجال معالجة السكري ورائدة عالميا في أنظمة الحقن والتسريب للتطبيب الذاتي. وفي هذا الصدد، يقول الرئيس التنفيذي للمجموعة، سيمون ميشيل: “ترى المجموعة فرصاً استثمارية هائلة في الصين، وهي بلا شك واحدة من أسرع الأسواق نمواً لتعزيز أعمالنا”.
ويضيف: “نحن الشركة الغربية الوحيدة التي تصنع أقلام حقن الإنسولين والأجهزة الطبية لإعطاء الأدوية السائلة في الصين. ولطالما كانت لدينا شبكة علاقات قوية وعلاقات وثيقة مع كبرى الشركات الصيدلانية الصينية”.
وتعتبر الصين أكبر سوق لأدوية مرضى ومريضات السكري في العالم. ووفقاً لمؤسسة مرض السكري الدولية، يعاني 13% من البالغين.ات، في الفئة العمرية التي تتراوح من 20 إلى 79 عاماً، من هذا المرض، وهو ما يمثل أكثر من 140 مليون حالة، بالمقارنة مع نسبة 6% فقط في سويسرا. وتتوقع المؤسسة أن يرتفع عدد المصابين.ات بالسكري في الصين إلى أكثر من 174 مليون شخص بحلول عام 2045.
وتُعتبَر الصين فعليّاً، أكبر سوق لشركة “إيبسوميد” خارج أوروبا، حيث تقدّر الشركة المسجّلة في سويسرا أن هناك حوالي 500 مليون من أقلامها القابلة للاستخدام مرة واحدة، بالإضافة إلى 10 ملايين قلم قابل لإعادة الاستخدام، متداولة حالياً في البلاد.
ويعلّق ميشيل على ذلك قائلاً: “هناك عدد كبير من الأدوية الحديثة القادمة التي تُعطى للمرضى والمريضات عن طريق الحقن، والطلب عليها في تزايد ملحوظ”، مشيراً بذلك إلى علاجات لأمراض مثل السمنة، السكري، الزهايمر، والسرطان.
وتعمل مجموعة “إيبسوميد” بجهد للاستفادة من الطلب المتزايد على الأدوات الطبية في الصين. وقد افتتحت في شهر أبريل من عام 2023، منشأة إنتاج حديثة في مدينة تشنغتشو، التي يقطنها 5.3 مليون نسمة، وتقع على بعد حوالي 190 كيلومتراً شمال غرب شنغهاي. ووفقاً لأحدث تقاريرها السنوية، تؤكد “إيبسوميد” أن الإنتاج محلّياً سيسهم في توفير الوقت، وخفض تكاليف الشحن، كما أنه سيعزز الثقة مع الشركاء والشريكات الصينيين.ات. بالإضافة إلى ذلك، ستتمكّنّ “إيبسوميد” من التكيف بسهولة أكبر مع التغيرات التنظيمية في الصين نظراً لأنه سيتم تسجيل منتجاتها محلياً.
انتشار واسع، اختراق منخفض
وتعمل شركة أخرى، هي شركة “سونوفا”، أكبر مزود عالمي لحلول العناية بالسمع، تحت علامات تجارية مثل “فوناك” (Phonak)، “سينهايزر”( Sennheiser) ، و”يونيترون” (Unitron)، على الاستفادة من التحوّل الديموغرافي في الصين. حيث تحقق “سونوفا” مبيعات سنوية إجمالية تبلغ 3.7 مليار فرنك سويسري، وتنشط في أكثر من 100 دولة. وبينما تُعد كل من ألمانيا والولايات المتحدة أكبر أسواقها، إلا أن تركيز نشاط الشركة يتحوّل حالياً نحو الصين، حيث ترصد إمكانيات نمو أكبر بكثير.
وتقول فانغ، التي تقود أعمال “سونوفا” في الصين منذ عام 2022: “لدينا أكثر من 280 مليون شخص من الرجال والنساء فوق سن الستين. ومن المتوقع، ارتفاع هذا العدد مع انضمام الجيل القادم من مواليد ومولودات طفرة الإنجاب إلى فئة عمر 65 عاماً فأكثر”. وتضيف أنّ “هناك عاملاً آخر يحفّز جهودنا الرامية إلى توسيع نطاق خدماتنا ومنتجاتنا، وهو الزيادة الكبيرة في دخل الأسر، والتي طرأت خلال العقد الماضي”.
ووفقاً للإحصاءات الحكومية، بلغ متوسط الدخل السنوي الصافي في الصين في عام 2023، 39218 يوان (أي ما يعادل 4988 فرنك سويسري) وهو دخل يشكّل أكثر من ثلاثة أضعاف ما كان عليه في عام 2010، حيث بلغ آنذاك 12520 يوان (1627 فرنك سويسري).
وضمن خطة طويلة الأمد تم إعلانها في عام 2023، تستهدف الحكومة مضاعفة الدخل الفردي بحلول عام 2035، مقارنة بمستواه في عام 2020. وتختتم فانغ بقولها: “إن تحسن الوضع المالي للعائلات، كما يتضح من قدرتها على شراء سيارة، يُظهر أنها ستكون قادرة أيضاً على استثمار المزيد في الرعاية الصحية، مثل شراء أجهزة السمع”.
وكانت شركة “سونوفا” قد رصدت إمكانية الاستفادة من السوق الصينية في وقت مبكر، في عام 2003، عندما أقامت أول منشأة تصنيع لها في مدينة سوتشو. حيث بعثت “سونوفا” منشأة التصنيع، التي تقع على مسافة حوالي 110 كيلومترات إلى الغرب من مدينة شنغهاي. ثمّ ما لبثت أن عززت الشركة نشاطها في الصين في عام 2014، عندما بدأت في تطوير أجهزة السمع للسوق المحلي.
وقد حققت شركة “سونوفا” قفزة نوعية في عام 2022، عندما استحوذت على مجموعة “هايساوند” (HYSOUND) لتوسيع نطاق بصمتها التجارية. وأتاحت تلك الصفقة للشركة، امتلاك سلسلة وطنية تضم حوالي 200 عيادة للعناية السمعية في 70 مدينة بالصين، وتوظف 650 عاملاً.ة . ويعني ذلك أن أكثر من 10% من قوة عمل الشركة متعددة الجنسيات، التي يقع مقرها في ستافا، تعمل حاليّاً في الصين.
وتقرّ فانغ بأن توسيع نطاق الأعمال في الصين سيستغرق وقتاً رغم الإمكانيات الكبيرة المتاحة. وتقدّر الشركة امتلاك أقلّ من 3% من الأشخاص، الذين واللاتي يعانون.ين من فقدان السمع في الصين، جهازَ سمع قابلاً للبرمجة. وهي نسبة استخدام منخفضة، تُعزى جزئياً إلى عدم استعداد المصابين.ات بضعف السمع لتقبّل وصول هذا الضعف إلى مستوى حاجتهم.هن إلى جهاز مساعد. بالإضافة إلى وجود أحكام مسبقة، بأن الأجهزة غير مريحة.
تحدّيات النموّ على المدى الطويل
ويُنظر إلى استخدام أجهزة السمع بشكل سلبي ضمن المجتمع الصيني، حيث يسود الشعور بالحرج أو الاستياء من استخدام هذه الأجهزة، بسبب الصور النمطية المرتبطة بها. ويفسّر ذلك التردّد وعدم الرغبة في استخدام الأجهزة المذكورة، حتى وإن كانت هناك حاجة لاستخدامها. وتقدّر فانغ أن الفترة الزمنية بين تشخيص فقدان السمع، والحصول على أول طقم من أجهزة السمع، تمتد من ست إلى سبع سنوات. وتقول إنه “علينا العمل على وضع حد لهذه الصورة السلبية”.
وبالإضافة إلى ضعف الانتشار وقلة الوعي، تواجه “سونوفا” أيضاً نقصاً في المتخصصين.ات في رعاية السمع في الصين. وللتغلب على هذه المشكلة، أنشأت الشركة المعهدَ العالمي للسمع في سوتشو، بغية تدريب فريق كبير من المتخصصين.ات. كما افتتحت متاجر تفاعلية أسمتها “عالم السمع” في شنغهاي ونانجينغ وووهان، وهي مدن يبلغ تعداد سكانها مجتمعة حوالي 50 مليون نسمة – حيث يمكن للأشخاص من الرجال والنساء، القيام باختبار مستوى ضعف سمعهم.هن في غرف مخصصة للفحص الذاتي.
وبالإضافة إلى التحديات التي تواجهها الشركات الطبية الأجنبية في الصين في زيادة مبيعاتها، يتعين عليها أيضاً التكيف مع سياسة الحكومة المتعلقة بالتسعير حسب القيمة (VBP). وقد تم تقديم هذا النظام لأول مرّة في عام 2018، بغية حثّ شركات الأدوية على خفض أسعار الأدوية، مقابل الحصول على مستوى أعلى من المبيعات من جانب السلطات الصحية، وتم توسيع نطاقه بعد ذلك في عام 2019، ليشمل الأجهزة الطبية.
المزيد
شركات تجارية سويسرية تطمح إلى تحقيق أحلامها في الصين
تقول سيبيل بيشوفبرغر المسؤولة في شركة “فونتوبل” المالية السويسرية: “كان تنفيذ سياسة التسعير حسب القيمة تحدّياً كبيراً”. وتضيف أن هذا النظام، يضع ضغوطاً إضافية على الشركات متعددة الجنسيات الأجنبية، حيث يتعين عليها التعامل مع رسوم الاستيراد، التي تُعفى من تحملها الشركات المحلية. وتختتم بالقول: “يبدو أيضاً أن الصين تحاول إلى حد ما، حماية الشركات الصينية من نظيراتها الأجنبية المنافسة.”
تُعد سياسة التسعير حسب القيمة سبباً رئيسيّا وراء تبني شركة “إيبسوميد” استراتيجية “الصين للصين” (استراتيجية محلية موجهة للسوق الصينية). ويشير ميشيل إلى وجود ضغوط ضمنية من جانب الحكومة للدفع باتجاه إنتاج السلع الحيوية محليّاً.
وعلى الرغم من التحديات القائمة، يعتقد دانيل بوختا، المحلّل المالي، أن السوق الصينية تشكّل فرصاً هائلة للشركات السويسرية، على الرغم من أنها لم تصبح بعد سوقاً رئيسيّاً لغالبية هذه الشركات، في مجال الرعاية الصحية. وفي هذا الإطار، يقول: “إذا افترضنا أن بيئة السوق تبقى مواتية بوجه عام، فإن السوق الصينية تقدّم فرصاً لتعزيز النمو طويلة الأمد وجذابة”. ويضيف أنه “في معظم المجالات مثل طبّ الأسنان، العناية السمعية، العناية البصرية، والصيدلة، يعاني السكان، رجالاً ونساء، من نقص في الخدمات. ويُعدّ تقدم العمر عاملاً مهماً في تزايد الطلب على المنتجات والخدمات التي تتوافق مع الاحتياجات الخاصة للسوق الصيني، ومن المفترض أن يعزز الدخل المتزايد للسكان من الرجال والنساء، زيادة الإنفاق الفردي على الخدمات المبتكرة، وهي فرصة يمكن أن تستفيد منها الشركات السويسرية.”
*الاقتصاد الفضي هو مصطلح يشير إلى الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بكبار السن.
تحرير نيريس آفيري/في إم
ترجمة: جيلان ندا
مراجعة: أمل المكي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.