ثورة في الذكاء الاصطناعي… بديل منتدى دافوس 2025 للحمائية الاقتصادية
انطلقت فعاليات الدورة الخامسة والخمسين للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لعام 2025 أمس الاثنين، بمشاركة 130 دولة وحوالي 3000 من القادة العالميين.
وسيعمل منتدى دافوس ( WEF ) لهذا العام على تحفيز الدول من أجل التعاون بدلاً من اعتماد سياسات الحمائية، ويَعِد بإحداث ثورة في الذكاء الاصطناعي ستعود بالنفع على الجميع.
من المتوقع أن تشهد القمة السنوية الخامسة والخمسين في دافوس مشاركة عدد من الشخصيات السياسية العالمية البارزة. كما سيقوم كل من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ونائب رئيس الوزراء الصيني دينغ شويشيانغ، والرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بإلقاء كلمات في هذه المناسبة.
المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
وسيركز البرنامج على القضايا الجيوسياسية الهامة الحالية. وستتحدث رئيسة البرلمان الأوروبي، روبيرتا ميتسولا، ووزيرة الخارجية البولندية في ندوة بعنوان: “أوكرانيا: الطريق الذي يجب اتباعه”. بالإضافة إلى ذلك، سيشارك وزير المالية السويدي في مائدة مستديرة مخصصة لمناقشة “روسيا ومكانتها في العالم عام 2025”.
وسيتناول نقاش رفيع المستوى يضم وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والأردن والعراق سبل خفض التوترات في منطقة الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، ستعقد ندوة حول “خطوط الصدع في أمريكا اللاتينية” حيث ستشارك فيها رئيسة بيرو، دينا بولوارتي، ونظيرها من بنما، خوسيه راؤول مولينو.
ومن المنتظر أيضا أن يجري مؤسسّ المنتدى الاقتصادي العالمي، كلاوس شواب، مقابلاته “وجهًا لوجه” (لكن بحضور الجمهور طبعاً) مع رئيس بنغلاديش بالنيابة، محمد يونس، ورئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم.
وضع الأسس لثورة ذكيّة وبيئية
يمكن للمنتدى الاقتصادي العالمي في دورته الخامسة والخمسين، الآن وقد زالت الشكوك حول حضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعيد انتخابه (لن يحضر الفعاليات، لكنه سيشارك بكلمة عبر تقنية الفيديو كونفريس)، التركّيز مرة أخرى على الموضوع “غير الترامبي” إطلاقاً الذي اختاره لعام 2025، ألا وهو: التعاون في عصر الذكاء الاصطناعي.
يجدر بالذكر أنّ دونالد ترامب يتبنّى سياسية حمائية، سواء من خلال التهديد بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات أو من خلال العودة إلى الوطنية الاقتصادية بشعاره “أمريكا أولاً”. في حين أن منظمّي ومنظّمات المنتدى الاقتصادي العالمي يسعون إلى تعزيز الاتجاه المعاكس.
ويحذّر المنتدى الاقتصادي العالمي على موقعه الإلكتروني من اتساع هوة الانقسامات المجتمعية، خاصة عندما تكون مصحوبة بنوع من الحمائية، معتبراً أن ذلك يعيق التبادل التجاري والاستثمار. ويأمل المنتدى في إقناع النخبة الدولية بأن التعاون لمساعدة العالم على الانتقال إلى اقتصاد رقمي ومستدام يمكن أن يكون علاجًا للمنافسة بين القوى العالمية.
ويشير أحدث تقرير للتوقّعات التجارية لمنظمة التجارة العالمية، صدر في أكتوبر 2024، إلى “أن قدرة الاقتصادات على الاستفادة من التبادل في مجال التكنولوجيات الرقمية والخضراء ستكون عاملاً حاسماً في تقارب عائدات التجارة التابعة للاقتصادات النامية والمتقدّمة”. كما يؤكد معدّو التقرير أن “التعاون متعدد الأطراف يظل شرطاً أساسياً لبناء نظام تجاري عالمي شامل يعزّز التحوّل إلى اقتصاد عالمي رقمي ومستدام.”
ويتطلّع المنتدى الاقتصادي العالمي للبحث في السبل التي تمكّن العالم من تحقيق هذا التحوّل. ولقد توصّل موقع سويس (إنفوSWI swissinfo.ch)، من خلال تحليل برنامج المنتدى في دورته لعام 2025، إلى تحديد عدد من المجالات الرئيسية التي تجسّد مفهوم “التعاون في عصر الذكاء الاصطناعي”.
فمن المتوقع أن يصل العجز العالمي في البنية التحتية، وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، إلى 15،000 مليار دولار (13،600 مليار فرنك سويسري) بحلول عام 2040. وسيتعيّن على البلدان أن تقرّر أيّ الاستثمارات المادية والرقمية والمؤسسّية التي يجب اعتمادها من أجل إنجاح التحوّل الرقمي، وتقديم خدمات عامة على نطاق واسع.
وقد تشمل البنية التحتية العتاد والأجهزة، مثل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي وشبكات الطاقة الذكية، بالإضافة إلى أنظمة رقمية لتحديد الهوية والدفع.
ويتعيّن على الحكومات أن تتعاون مع القطاع الخاص من أجل تنفيذ نظام اقتصادي رقمي يعود بالفائدة على المجتمع بأسره. وينبغي للحكومات أن تتعهد بفتح البيانات الحكومية ونشرها في كتالوج مركزي، في حين ينبغي للشركات أن تقبل تطبيق المعايير العالمية وتطوير نماذج مسؤولة للذكاء الاصطناعي.
ويعدّ مشروع “إكس رودرابط خارجي” (X-Road) نموذجاً جيداً لهذا النوع من التعاون. وهو عبارة عن نظام لتأمين تبادل البيانات بين القطاعين الخاص والعام. ويمثّل العمود الفقري لإستونيا الإلكترونية (e-Estonia)، حيث يوفّر على سكان إستونيا ما يقدر بـ 1،345 سنة من وقت العمل كل عام، حسب التقديرات.
إلى جانب ذلك، تقتضي الثورة الرقمية الشاملة تبادل البيانات عبر الحدود. ولابد من ذلك إذا أردنا استغلال التقدّم في مجالات كالطب، والمركبات ذاتية القيادة، والمالية أحسن استغلال.
كيف يمكن، في ضوء ذلك، تشجيع تبادل البيانات وتحقيق أعلى الفوائد للجميع؟ يُعتبر “غايا إكسرابط خارجي” (GAIA X) مثالاً للمبادرة في هذا المجال.
وهذا البرنامج هو عبارة عن جدول بيانات سحابية (كلاود) لا مركزي يضمّ عدة بلدان وصناعات ومنظّمات أوروبية، يهدف إلى تحسين التبادل الآمن للبيانات وتطوير الذكاء الاصطناعي. ويُمكِّن الشركات الناشئة والمؤسسات العمومية في جميع أنحاء القارة من الوصول إلى مجموعات هامة من البيانات العامة، طبقاً للائحة العامة لحماية البيانات. فعلى سبيل المثال، يمكن توظيف مقاطع فيديو خاصة بعمليات جراحية لتدريب الذكاء الاصطناعي على الكشف عن مخاطر أثناء العمليات الجراحية.
تسخير التكنولوجيا لصالح شعوب المعمورة
يمكن للتعاون العابر للحدود أن يحقّق فوائد الثورة الرقمية للسّكان الذين هم في أمسّ الحاجة إليها. ويوجد أكثر من 4.5 مليار شخص محروم من خدمات الرعاية الصحية الأساسية. ويمكن للذكاء الاصطناعي ومنظومات البيانات الحدّ من هذه الفوارق العالمية، من خلال تحسين الوصول إلى الخدمات والكفاءة.
فيما يتعلق بالسرطان، يمكن أن تسهم تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والتطبيب عن بُعد والمنصات الرقمية للصحة في تحسين جودة التشخيص والوصول إلى العلاج، فضلاً عن تقليل نفقات الأدوية.
يمكن أن تلعب التكنولوجيا أيضا دوراً مهماً في توزيع اللقاحات، حيث إن حوالي واحد من كل عشرة أشخاص لا يحصل على التطعيمات الأساسية. يمكن للتكنولوجيا المستخدمة في سلاسل التوريد الصناعية أن تساعد في تحديد أنسب وسائل النقل لتحسين مواعيد التسليم، بالإضافة إلى تحسين إدارة سلسلة التبريد لضمان فعالية اللقاحات.
كما يمكن أن يكون التحوّل الرقمي العالمي مفيدًا للبيئة أيضًا. ويتطلب النمو الاقتصادي استغلالاً متزايداً للموارد، ومن المتوقع أن يرتفع بنسبة 60% من الآن وحتى عام 2060، وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي.
لهذه الأسباب كلها، ستصبح أهمية التكنولوجيا والابتكار للاقتصاد الدائري، من حيث الاستخدام الأكثر كفاءة وفعالية للموارد، موضوعًا رئيسيًا في قمة دافوس 2025.
وفي سياق الاقتصاد الدائري بالتحديد، يشهد قطاع الاقتصاد الحيوي نمواً ملحوظاً، حيث من المتوقع أن تصل استثماراته إلى 30،000 مليار دولار بحلول عام 2030. يعتمد هذا القطاع على استغلال المواد الأولية العضوية المتجددة مثل المحاصيل الزراعية، والموارد الغابية، والموارد البحرية، في إنتاج الأغذية والمواد والطاقة. ويعتبر الوقود الحيوي، والبلاستيك الحيوي، والمواد الكيميائية، والمستحضرات الصيدلانية التي تعتمد على مصادر بيولوجية جزءاً أساسياً من هذا الاقتصاد.
التغلّب على النزعة الحمائية والوطنية الاقتصادية
لا ريب أن تبادل البيانات يعد أمرًا حيويًا، كما سبق الذكر، لتحقيق الفوائد المتزايدة من التقنيات والخدمات الرقمية. ومع ذلك، فإن هذه المهمة ليست بسيطة بالنسبة للاقتصادات المتنافسة التي تتوخى الحذر من بعضها البعض.
وتقول نينغ وانغرابط خارجي، الخبيرة في الأخلاقيات والشؤون السياسية لدى “مبادرة المجتمع الرقميرابط خارجي” في جامعة زيوريخ إن “الكثير من الدول منشغلة بمعرفة المكان الذي تستطيع فيه إيواء بياناتها ومن يحق له الاطلّاع عليها”. وتردف قائلة: “إن بعض هذه الدول تعتبر البيانات ملكية وطنية، ولهذا تبذل قصارى جهودها لضبط ومراقبة تدفقّات البيانات خارج حدودها.”
وتشير الخبيرة إلى أن توحيد التشريعات والأطر التنظيمية المتعلقة بحماية البيانات قد يشكّل تحدّيًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بتبادل البيانات الحسّاسة، مثل الملفات الطبية أو بيانات الاستشعار للمركبات ذاتية القيادة.
نتيجة لذلك، يثير تبادل البيانات عبر الحدود مسائل أساسية تتعلق بالأخلاقيات والحوكمة، حيث تختلف المعايير والقدرات الخاصة بأمن وسريّة البيانات من بلد إلى آخر.
ومع ذلك، فإن وضع معايير واتفاقيات دولية بخصوص تبادل البيانات يمكن أن يوفّر إطارًا يسمح للبلدان بالتعاون، مع مراعاة انشغالاتها المتعلقة بالسيادة.
وترى نينغ وانغ أن هناك مؤسسّات دولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، وكذلك جمعيات مهنية مثل معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات، يمكنها أن تؤدي دوراً مركزياً في تحديد هذه المعايير.
وتقول الباحثة في هذا الصدد: “إن التركيز على المنافع المتبادلة لتبادل البيانات، في إطار هذه العملية، يمكن أن يساعد على التغلّب على الوطنية الاقتصادية. يمكن مثلاً أن يؤدي تحصيل البيانات من عدة دول إلى مجموعات بيانات أكثر اكتمالاً لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ممّا يعود بالفائدة على كافة الأطراف المعنية.”
كما يمكن للتطوّرات التكنولوجية، مثل تقنيات التشفير التي تحمي البيانات مع السماح بالتبادل العابر للحدود، أن تساعد أيضاً في التخفيف من بعض الهواجس. وأخيراً، يمكن للحكومات أن تدعّم الابتكار من خلال سياسات تشجّع تبادلاً مسؤولاً للبيانات مع ضمان حماية المصالح الوطنية.
توضّح نينغ وانغ أن ذلك يمكن أن يتم مثلاً من خلال “حثّ الشركات على تبادل البيانات غير الحسّاسة أو إنشاء صناديق بيانات تديرها هيئات دولية خدمة للمصلحة العامة.”
تحرير: بالتس ريغيندينغر
ترجمة: موسى آشرشور
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.