مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

صمت عما يجري في العراق

مقابر جماعية في عهد الاحتلال تضاف الى المقابر الجماعية التي عرفها عهد صدام Keystone Archive

رغم التقارير الصحفية المتتالية عما يجري في الفلوجة وباقي أنحاء العراق، تلتزم لجنة حقوق الإنسان بصمت غير منطقي بخصوص الإنتهاكات المرتكبة من قبل قوات الاحتلال.

إذا كان هذا نتيجة للضغوط الأمريكية، فإن البعض يرى أن ذلك يدخل في حسابات الدول التي ترغب في تجريد لجنة حقوق الإنسان من أقوى سلاح بين أيديها، أي “آليات إدانة الدول”.

في الوقت الذي تعترف فيه إحصائيات أكاديمية بمقتل حوالي احد عشر ألف مدني عراقي منذ بداية الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، وفي الوقت الذي تناقلت فيه وسائل الاعلام المختلفة صور الضحايا المدنيين في الفلوجة وباقي المناطق العراقية، نشاهد صمتا غير عادي داخل لجنة حقوق الإنسان بخصوص الانتهاكات التي تطال المدنيين في العراق تحت حكم الاحتلال.

وما يدفع إلى الاستغراب أكثر، أن المجال الوحيد الذي تجرؤ لجنة حقوق الإنسان على التطرق فيه لوضع حقوق الإنسان في العراق، رغم كثرة المواضيع المطروحة للنقاش، هو مجال الانتهاكات المرتكبة أثناء حكم النظام السابق، أي في عهد صدام حسين.

إحراج للوفد العراقي وللعرب

إثارة هذا الموضوع سواء مع الوفد العراقي المشارك في دورة حقوق الإنسان او مع ممثلي الدول العربية يثير نوعا من الإحراج الذي لا يمكن إخفاؤه، خصوصا وأن أي طرف لم يجرؤ لحد الآن على معاودة التقدم باقتراح لإثارة النقاش حول ملف حقوق الإنسان العراقي تحت حكم الاحتلال، منذ إفشال إمكانية عقد جلسة خاصة اثناء بداية الحرب الأمريكية البريطانية في العام الماضي.

وحتى موضوع التطرق للانتهاكات المرتكبة خلال عهد النظام السابق يرى القائم بالأعمال العراقي السيد مقداد هادي سلمان “أنها قد حلت ولم يعد هناك مبرر لوجود مقرر خاص للنظر في تلك الخرقات” حسب الموقف الرسمي العراقي.

لكن فيما يتعلق بعدم تطرق لجنة حقوق الإنسان للانتهاكات الحالية تحت الاحتلال فيرى القائم بالأعمال العراقي السيد مقداد هادي سلمان ” أن العراقيين يديرون أمورهم اليوم ولا يرغبون من أحد ، وهم كثيرون، أن يتدخل وأن يتخذ من وضع العراق ذريعة لأمور خاصة به”.

ويعترف السيد مقداد ” بأن العراق اليوم دولة تحت الإحتلال، وهذا التواجد لقوات الاحتلال هو بقرارات من مجلس الأمن الدولي”، لذلك يرى القائم بالاعمال العراقي أن على ” الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص في العراق السيد الأخضر الإبراهيمي المطلعين على ما يجري في العراق أن يعالجوا هذا الموضوع بالاشتراك مع السلطات العراقية وبدون تدخل من جهات خارجية”.

أما الدول العربية او الإسلامية، التي عادة ما تتقدم بمشاريع قرارات او تتطرق في تدخلاتها أمام اللجنة إلى إثارة بعض المواضيع ذات الاهتمام المشترك في المنطقة، فقد فضلت لحد الآن تجنب أية إشارة لما يرتكب اليوم من انتهاكات في العراق.

ونفس الشيء يمكن أن يقال عن المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان التي عادة ما تثير ضجة إعلامية صاخبة للتنديد بانتهاكات اقل بكثير عما حدث هذه الأيام في الفلوجة والذي قد يعاد تكرارها في النجف في حال قيام القوات الأمريكية بتنفيذ خططها.

الكل يجد مبتغاه .. ما عدا الضحايا

هذا الموقف السلبي لدورة حقوق الإنسان تجاه ما يحدث في العراق اليوم من انتهاكات تحت حكم قوات الاحتلال، يرى فيه الناشط السويسري في مجال حقوق الإنسان ورئيس منظمة جنيف من أجل حقوق الإنسان كلود آدريان زولر “أنه يعود لعدة عوامل”، أولها ضغوط الدول المشاركة في التحالف مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واليابان واستراليا وإيطاليا وغيرها التي لا ترغب في إثارة الموضوع.

ولكنه يعتبر أن هذه الدول لا تشكل الغالبية داخل اللجنة الأممية، بل إن الغالبية هي من الدول الإفريقية والآسيوية. وهذه الدول التي يرى أنها “حاولت منذ مدة إفشال آليات إدانة الدول داخل لجنة حقوق الإنسان، لكنها وجدت نفسها في وضع حرج في وضع العراق”.

والعامل الثالث الذي يفسر هذا العجز في نظر كلود آدريان زولر، هو ” عدم اتضاح الرؤى لدى الدبلوماسيين فيما يتعلق بالتطورات القادمة في العراق، وعدم تحديد الزاوية التي يمكن للجنة حقوق الإنسان أن تتطرق منها لهذا الملف في العراق حاليا، وهل هو من منظور اختطاف الرهائن ام من باب محاربة الإرهاب ؟

فإذا كان من المعقول تطرق لجنة حقوق الإنسان للأوضاع في العراق من زاوية محاربة الإرهاب او اختطاف الرهائن وتجاهل الانتهاكات التي تستهدف المدنيين العراقيين ، فإن الناشط السويسري يعترف بأن ” لجنة حقوق الإنسان قد فقدت مصداقيتها منذ عدة سنوات”. ويستشهد على ذلك “بإلغاء إرسال مقرر خاص للكونغو رغم مقتل اكثر من اربعة ملايين شخص، أو إلغاء المقرر الخاص بالسودان عشية بداية الانتهاكات في منطقة دارفور”.

الاحتجاج بالاستقالة

ولاشك أن إقدام الوزير العراقي لحقوق الإنسان، إلى جانب بعض من زملائه، على الاستقالة من منصبه قد يبقى لحد الآن الموقف الوحيد الذي يخرج عن هذا الإجماع على الصمت تجاه ما يرتكب في العراق من انتهاكات لحقوق الإنسان العراقي تحت الاحتلال.

فقد عبر الوزير العراقي عبد الباسط تركي عن اضطراره للاستقالة احتجاجا على ما وصفه ” بالخرق المتعمد لحقوق الإنسان من جانب قوات التحالف”. وقال في حديث صحفي سابق “أنه لم يجد ضرورة لبقائه وزيرا لقضية لا تجد تقديرا لدى أطراف تملك القوة والسلطة وتتحكم بالوطن وبمصير الشعب”.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية