صورة من غزّة في ذكرى النكبة
يحيي الشعب الفلسطيني يوم 15 مايو ذكرى نكبة 1948 في ظروف عصيبة زادها عسرا الاجتياح الاسرائيلي الاخير لمناطق الحكم الذاتي والحصار المفروض عليها. اكثر الفئات الاجتماعية الفلسطينية عرضة للمعاناة والتهميش هما النساء والاطفال، لاسيما في قطاع غزة الذي هو اكثر المناطق كثافة سكانية في العالم.
قطاع غزة: 360 كيلومتر مربع. مليون ومائتي الف نسمة، نصفهم تقل اعمارهم عن خمسة عشر عاما. معدل البطالة 40%.
بين الحرب والسلام يتعرض الإنسان لأضرار متفاوتة، تبدأ بالقتل والدمار، وتنتهي إلى الآثار النفسية والاجتماعية والصحية والتعليمية التي يعاني منها طوال سنوات .
النموذج الاكثر ملاءمة لهذه الصورة القاتمة، هو قطاع غزة، وبالتحديد المرأة والطفل الفلسطينيان. فالنساء في المجتمع الفلسطيني أكثر عدداً من الرجال، ونسبة الأطفال تمثل نصف عدد سكان القطاع، وتتفاوت معاناة هاتين الفئتين حسب الزمان والمكان والظروف الاجتماعية.
فالمرأة الفلسطينية تعاني من مشاكل عديدة تتمثل في القيود المجتمعية والزواج المبكر، والذي عادة ما يكون مفروضاً على الفتاة بالإضافة إلى الإنجاب المبكر وتحمل مسؤولية الأسرة، ناهيك عن الأعباء التي تفرضها الظروف الاستثنائية. فقد أفرزت الانتفاضة مشاكل اجتماعية تحملت نتائجها المرأة والطفل. فارتفاع نسبة البطالة لدى الرجال، جعل المرأة تخرج مجبرة ومكرهة إلى سوق العمل دون أدنى المؤهلات وبأجور متدنية، وأحيانا يفرض عليها عمل يتجاوز قدراتها .
وأثبتت الدراسات أن من أهم أسباب عمل المرأة في فلسطين هو الإعالة، سواء كانت الشخصية أو الأسرية. فالإعالة الأسرية
الجزئية سببها ضعف دخل الزوج، أما الإعالة الكاملة فسببها الأول مقتل الزوج في ساحات الصراع أو أسره لفترات طويلة أو إصابته بإعاقة مستعصية ودائمة. السبب الثاني هو الوفاة الطبيعية للزوج أو الطلاق .
تعاني المرأة الفلسطينية العاملة من عدم توفر الحماية القانونية والاجتماعية والصحية لها في أماكن العمل، بالإضافة إلى المضايقات .كما تعرضت العديد من النساء للقتل أو الإصابة بالرصاص، والولادة على الحواجز الإسرائيلية خلال فترات النزاع.
وتفتقر المرأة الفلسطينية إلى أبسط إمكانيات ووسائل الترفيه مثل المسرح والسينما والحدائق والأنشطة المختلفة. أما الطفل فهو ضحية مرتين، الأولى نتيجة الصراع المزمن في المنطقة، والثانية نتيجة الظروف الاجتماعية والأسرية القاسية والمستعصية احيان.
اطفال المخيمات
أما أطفال المخيمات والأحياء الشعبية، فلا يعرفون عن هذا العالم الواسع شيئاً سوى ما تنقله شاشات التلفزيون، التي أصبحت بدورها مسرحاً لمشاهد العنف. فهذه المخيمات والاحياء تسودها كثافة سكانية عالية، وتفتقر بيوتها إلى أدنى مقومات الحياة الطبيعية، حيث المياه الغير صالحة للشرب، وتراكم أكوام النفايات، ومياه الصرف الصحي المكشوفة، بالإضافة إلى سوء التغذية وضيق السكن، اذ يعيش في الغرفة الواحدة ما بين ثمانية وعشرة أطفال.
كما أن انشغال الوالدين في كسب لقمة العيش يجعل هؤلاء الأطفال يعانون من حرمان عاطفي كبير، يعكس سلوكاً عدوانياً أحياناً وإنطوائياً أحياناً أخرى، بالإضافة إلى مشاهد الموت والدمار التي تلاحقهم في المدرسة والشارع والبيت وحتى على الشاشة
الصغيرة، التي يحاول الاطفال من خلالها الهروب إلى عالم اكثر امانا. وقد قتل خلال فترة الانتفاضة في غزة مائة وثمانية وعشرون طفلاً وجرح اكثر من ألفين وثلاثمائة، منهم من يعاني من إعاقة دائمة.
ويعيش الطفل الفلسطيني في المدرسة اكتظاظا في الفصول الدراسية، وعدم ملاءمتها صحياً لاستقباله، بالإضافة إلى قصر الفترة الدراسية وبقائه في شارع تملؤه المخاطر طوال النهار .وأفرزت فترات النزاع مشاكل استثنائية خطيرة تمثلت في ارتفاع نسبة الغياب عن المدرسة والتي تجاوزت 2% خلال فترة الانتفاضة، وكذلك انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال التي بلغت نسبتها 7%، اغلبهم يعمل في ورشات الحدادة والميكانيكا، هذا بالإضافة إلى ظاهرة التسول في الشوارع.
هذا المشهد الدرامي هو الحياة اليومية للطفل والمرأة الفلسطينيين اللذين يتطلعان في هذه الحياة الى يوم لهم وليس عليهم .
جميلة ابو شنب – غزّة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.