عباس .. انتهى شهر العسل
يعود أبو مازن من واشنطن، وقد نجا من تاثيرات ضربات العيار الثقيل التي راح يوجهها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون للنيل من مصداقية القيادة الفلسطينية.
وقد عاد أيضا متسلحا بالإطراء الذي أسبغه عليه الرئيس الأمريكي ومنحه تطمينات شفاهية لا ترقى باي حال للتعهدات التي قطعها بوش على نفسه لشارون حول القضايا الرئيسة في الصراع.
وفي العودة التي استغرقت زمانا ومسافة اطول ما بين واشنطن ورام الله يمكن للرئيس الفلسطيني ان يتباهى بقدراته الرائدة في العلاقات العامة وفي اثبات حضور مدني انساني قوى بعيد عن سنوات العجاف الاخيرة من عمر حصار الرئيس الراحل ياسر عرفات.
ويمكن اضافة المزيد من المنجزات المعنوية الى ملاحق زيارة عباس الرئاسية الاولى الى البيت الابيض والتي تحمل في طياتها ما يبعث على استتباب الموقف المتوتر على الارض وفي احياء ولو آمال خافته بقرب تحقيق انطلاقة سياسية مع اسرائيل.
ومع أن رياح اخر الربيع لا تحمل لقاحا بعد ان نضجت ثمار البساتين في رام الله وعلى ضفاف البوتوماك، فان ارتفاع سلم الحرارة في تل ابيب وغزة على الشاطىء الشرقي للمتوسط يمكن ان يبث سموما فوق قدرة الاحتمال والمقاومة.
واذا كان لابد من حسم المواقف بجوار الحديقة الوردية الأمريكية، فان ترجمتها على الارض ستظل حكرا على قرارات الاحتلال في رؤيته للانسحاب من جانب واحد في غزة وفي امر المقاومة الفلسطينية التي بدأت طاقتها القتالية تتبدد امام شهوة السلطة والسيطرة.
واذ يعود عباس منتشيا او على الاقل غير منهك بالضغوطات الخارجية، فانه لامحالة ملاق ضغوطا داخلية فوق تلك التي يسببها شارون وخطته، وهي لاشك لن تعمل سوى على ارهاق الزعيم الذي تكاثرت الظباء من حوله فلا يعرف ما يصيد.
قيمة الشيء بما ليس فيه
ربما نجا عباس في رحلته الى البيت الابيض من مخاوف القاء اللوم على الفلسطينيين وحدهم وتحمليهم مسؤولية، كما درجت العادة في البيت الابيض، عدم تحقيق تقدم وبالتالي دفعهم الى أتون التعامل مع شارون دون نصير وحليف.
وربما حظي عباس بدعم معنوي للاستمرار في خططه الرامية الى تطبيق برنامج الاصلاح الاداري والسياسي والامني للسلطة الفلسطينية وبالتالي منح الفلسطينيين صورة الشريك الحقيقي في المفاوضات القادمة.
بيد ان مسالة المفاوضات المرتقبة هذه ستظل معلقة باسباب واهية لا يقوى على بث الروح فيها سوى عاملان أساسيان، امتحان الجبهة الداخلية ما بين فتح وحماس من جهة وكيفية تطبيق الحكومة اليمينية في إسرائيل لخطة الانسحاب الاحادي من غزة، من جهة أخرى.
وفي الموضوع الداخلي، ثمة تفاعلات لا تدفع على التفاؤل ولا تحمل في ثناياها ما يمكن الاطمئنان اليه، لاسيما وان صراع فتح وحماس يتحول تدريجيا الى منافسة قوية وربما غير أخلاقية حول من يسيطر على الشارع الفلسطيني.
وهو امر لم تحسم معانيه ولا حتى ادواته حتى اللحظة خصوصا وان الحركتين منشغلتان في تثبيت حقوقهما في الانتخابات البلدية التى، على الارجح باتت البديل عن الانتخابات التشريعية، حيث غاب رهان تحقيقها وحلت اسباب التاجيل مكانه.
حتى حركة حماس ، التي ما فتأت خرجت من معركة المقاومة، ما لبثت ان اصبحت منشغلة في الحفاظ على المراكز والمواقع التي حققتها في الانتخابات المحلية وفي بعض الانتخابات النقابية.
وليس غريبا ان يدفع التنافر بين الحركتين في قضية اعادة الانتخابات في بعض المواقع بغزة والضفة الغربية، الى تدخل مصري سريع على مستوى نائب مدير المخابرات العامة وتحت شعار “عدم الانجرار الى الاقتتال”.
ولعل مثل هذا التدخل يفسر الدرجة التي وصلت اليها رغبة كل حركة في الحفاظ على مواقعها سواء في الموالاة او المعارضة.
بعيدا عن الانسحاب الاحادي
وفي حين تتلهى حماس وفتح في قضية الانتخابات وينشغل عباس في رحلة العلاقات العامة، يرسخ شارون قوانين الاحادية في قضية الانسحاب المرتقب من غزة، لتصبح مسالة التشاور والتنسيق مع الفلسطينيين وقد تجاوزها الزمن.
بل ان اسرائيل،حسب باحثين استراتجيين، قد تكون قد حسمت امرها في وضع سيناريو استراتيجي لما بعد الانفصال ويشير اهم ما فيه الى استمرار الازمة بين الجانبين حتى في حالة النجاح للخطة في التطبيق العملي.
فعلى سبيل المثال، كتب الباحث الاستراتجي شلومو بروم من “مركز يافا للدراسات الاستراتيجية” مؤخرا يقول: “ان الازمة حتى بعد نجاح خطة الانفصال هي شبه حتمية” مشيرا إلى أن ما يقلقه هو مواصلة اباطرة الحكومة الاسرائيلية صرف النظر عن ما يسميه “الوسائل المتاحة لاحتواء الازمة المقبلة”.
ويقول بروم ان في مقدمة تلك الوسائل اعتماد آلية تسعف في تجاوز الازمة وتستند الى محادثات مع الفلسطينيين بقدر ما تستند الى منح دور مهم للولايات المتحدة واوروبا.
ويضيف ان تركيبة الحكومة الاسرائيلية الحالية سوف تجد في كل الاحوال صعوبة كبيرة في وصولها هي ذاتها إلى وفاق حول خطة الاستمرار ما بعد الانفصال حيث تؤشر جميع التقديرات إلى ان الامور ستتوقف عند ذلك الحد.
وهو الحد الذي ستنطلق منه اسرائيل مجددا لمطالبة عباس والقيادة الفلسطينية بتطبيق استحقاقاتها من خارطة الطريق الا وهي، بالمفهوم الاسرائيلي، تفكيك مجموعات المقاومة المسلحة من مختلف الفصائل والحركات.
ثمة وقت قصير جدا امام عباس لينهض بمشاريع الاصلاح والامن والاقتصاد والانتخابات واحتواء قضية الانسحاب من غزة والسيطرة على شهوات فتح وحماس في السيطرة، وهي مهمة اقل ما يقال فيها انها شبه مستحيلة.
هشام عبدالله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.