عباسي مدني مؤسس الجبهة الإسلامية للإنقاذ يوارى الثرى في الجزائر
ووري الثرى جثمان عباسي مدني، الزعيم التاريخي المثير للجدل للجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، بعد ظهر السبت، وسط أعداد كبيرة من المشيعين احتشدوا ساعات قبل وصوله من الدوحة حيث توفي الاربعاء عن عمر ناهز 88 عاما امضى منها 16 في المنفى.
ونقل الجثمان محمولا على الاكتف من منزله العائلي نحو مقبرة سيدي امحمد وسط آلاف المشيعين الذين اكتظ بهم شارع محمد بلوزداد على صيحات “الله أكبر” و”لا إله إلا الله محمد رسول الله عليها نحيا وعليها نموت وفي سبيلها نجاهد وعليها نلقى الله”، وهو الشعار الذي التصق بالجبهة الاسلامية للإنقاذ مطلع التسعينات.
وكان مدني من دعاة تأسيس دولة إسلامية في الجزائر، ودعا الى الكفاح المسلح بعد أن أبطل الجيش في 1992 نتيجة الانتخابات التعددية الأولى في البلاد التي فازت بها آنذاك الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وتمّ حل الحزب وسجن قادته.
ودعا مدني الذي أودع السجن قبل الانتخابات في حزيران/يونيو 1991 للمرة الأولى إلى وضع حد لأعمال العنف في حزيران/يونيو 1999 حين أعلن “الجيش الإسلامي للانقاذ” إلقاء السلاح. وكان متهما بأنه يدير من سجنه سرا عمليات الفصيل المسلّح.
وأطلق سراح مدني في تموز/يوليو 2003 بعد أن صدرت بحقه عقوبة السجن 12 عاما، قضاها بين الزنزانة والإقامة الجبرية، لإدانته بالمساس بأمن الدولة، وقد منع من ممارسة أي نشاط سياسي.
وإذا كان “المجاهد” عباسي مدني بالنسبة الى الكثيرين، زعيما تاريخيا “لم تتلطخ يداه بالدماء”، فإنه بالنسبة الى معارضيه “مجرم” كان يقود “عمليات القتل” من زنزانته خلال الحرب الأهلية (1992-2002) التي أسفرت عن 200 ألف قتيل بحسب حصيلة رسمية.
وذكرت أجواء الجنازة الجزائريين بالمسيرات الضخمة التي كانت تقودها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في شوارع العاصمة كل يوم جمعة، قبل أن تحظرها السلطات في 1992.
وعاد للظهور بعض الوجوه القديمة للجبهة الاسلامية واعتلوا المنصة لالقاء خطابات، أمثال علي جدي وكمال قمازي الذي قرأ كلمة تأبينية.
ودافع قمازي عن “شيخه ومعلمه” وردّ على منتقديه قائلا “حاولوا ان يطمسوا علمه وتربيته وتضحيته في خدمة الجزائر” بينما ردّد الحاضرون “يا عباس ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح”.
واعتقلت الشرطة الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية علي بلحاج ومنعته من حضور الجنازة، كما ذكرت صفحته الرسمية على فايسبوك.
-حلم العودة-
وبعد معلومات ترددت عن دفنه في مقبرة العالية بالضاحية الشرقية للعاصمة القريبة من المطار، عادت السلطات واختارت دفنه قرب مسكنه العائلي “لتفادي مسيرة طويلة على بعد 12 كلم” كما أكد مصدر رسمي.
وكانت طائرة أقلته صباحا من الدوحة حيث توفي إلى مطار الجزائر، ثم تم وضع الجثمان في سيارة تبعها العشرات من المطار إلى منزل العائلة.
ومدني من مواليد عام 1931 بمدينة سيدي عقبة الغنية بأشجار النخيل في شرق الجزائر. تلقى تعليمه في مدرسة قرآنية.
في تشرين الثاني/نوفمبر 1954، شارك في حرب الاستقلال ضد السلطات الاستعمارية الفرنسية، لكن سرعان ما أوقف بعد محاولة للهجوم على إذاعة الجزائر ليقضي نتيجة ذلك سبع سنوات في السجن.
وحاز مدني الذي يحمل إجازة في الفلسفة على دكتوراه في العلوم التربوية والتعليمية بمنحة دراسية في بريطانيا.
عمل أستاذاً لعلم النفس التربوي في جامعة الجزائر، ونشط باكراً في الترويج للإسلام السياسي في بلد كان خاضعا لحكم الحزب الواحد، وبات زعيماً لهذا التيار. لكن نشاطه أوصله الى السجن عام 1982 حيث أمضى عاما كاملا.
كان يوصف بالسياسي المحنك، علما أن الرجل صاحب اللحية الحمراء المشذبة لم يكن يملك مواهب خاصة في الخطابة. رغم ذلك، كان يتكلم بتمهل وقادرا على الإقناع. وترك لعلي بلحاج مهمة التوجه الى الحشود بعباراته الحماسية.
ولعب مدني على التناقض بين شخصيته وشخصية بلحاج النارية ليبدو هو بمظهر المعتدل.
ورغم عدم بروزهم في التظاهرات الحاشدة وغير المسبوقة ضد “النظام” التي تشهدها الجزائر ، إلا ان حلم قادة “الجبهة” بالعودة إلى العمل السياسي مازال قائما، كما قال علي جدّي “سيعيدنا الشعب يوما ما”.