مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عضوية المجلس البلدي .. تتويج مسار أم بداية طريق؟

حسن العربي، مدير المكتبة الاسلامية في كياسو وأول نائب من أصول عربية وإسلامية في مجلس مدينتها، ناشط في مجال خدمة الجالية العربية والمسلمة المقيمة في كانتون تيتشينو swissinfo.ch

حسن العربي، هو أول عربي ومسلم يُنتخب لعضوية أحد المجالس البلدية في كانتون تيتشينو الناطق بالإيطالية والواقع بجنوب سويسرا.

هذا التطور يلقي بمسؤوليات جديدة عليه ويمثل اختبارا “مصغرا” للدور الذي يمكنه أن تلعبه شخصية سويسرية من أصول عربية ومسلمة في الحياة السياسية المحلية في الكنفدرالية.

في القاهرة نشأ، وفي مدينة جِدة السعودية بدأ حياته العملية، ومنها إلى زيورخ وبعدها حط الرحال في “كياسو” في أقصى جنوب سويسرا، ليصبح بعد عشرين عاما أول نائب عربي ومسلم في مجلس بلدية مدينتها.

فبعد العمل التطوعي في مجالات اجتماعية كثيرة لفائدة الجالية العربية والمسلمة في كانتون تيتشينو، جاءت فكرة الاتجاه نحو السياسة بتأييد من جمعية المسلمين في الكانتون، في سياق المساعدة على مساهمة فعلية لمواطنين سويسريين من أصول مسلمة في الحياة السياسية المحلية.

هذا التوجه بدأ بخطوة أولى ذات شقين. تمثل الأول في خوض الآنسة نادية صديقي الباكستانية الأصل الانتخابات البلدية الأخيرة في إحدى مدن الكانتون على قائمة الحزب المسيحي الديمقراطي، ولكن لم يحالفها الحظ في النجاح. أما الشق الثاني فتمثل في دخول حسن العربي المعترك الإنتخابي في مدينة كياسو كمرشح مستقل، على القائمة المشتركة لحزبي الخضر والاشتراكي. وبالمناسبة، يؤكد حسن العربي أن أسمه لا علاقة له ببرامج الحزبين، وأن له مطلق الحرية في رفض أو تأييد بعض أفكارهما في المجلس البلدي لمدينة كياسو.

وقد شكل نجاح الأستاذ حسن العربي مرحلة جديدة في حياته العملية، إذ اصبح الآن محط أنظار الناخبين الذين صوتوا لصالحه، كما أن الرأي العام سيتابع عن كثب مداخلاته في المجلس البلدي ومقترحاته أو كيفية تعامله مع المشكلات من منطلق المسؤولية واتخاذ القرار وليس من منظور المتلقي أو الناقد، وهو ما يلقي بمسؤولية كبيرة على عاتقه، حيث أن نجاحه في التجربة الجديدة قد يمهد للدخول لاحقاإلى البرلمان المحلي للكانتون.

عمل دؤوب

هذه النتيجة، التي أثارت ارتياح الجالية المسلمة في كانتون تيشينو، جاءت ثمرة منطقية لتحرك استغرق عشر سنوات كاملة، جرى فيها حسن العربي سعيا وراء تحسين صورة الجالية المسلمة المقيمة في الكانتون ومحاولة الحصول على بعض حقوقه. وقد تركت دماثة أخلاقه وإتقانه الحديث باللغة الإيطالية المستعملة في هذه المنطقة من سويسرا أثرا إيجابيا، وانطباعات جيدة لدى أغلب من يقابلونه.

كما أن مشاركته في العديد من المقابلات مع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية في التيشينو، للحديث عن شؤون وقضايا الجالية العربية والمسلمة، تركت انطباعا جيدا لدى الرأي العام حول توجهاته الفكرية، في ظل إصراره على توضيح الإسلام بسماحته ووسطيته، أمام تنامي انتشار الصور النمطية السلبية عن هذه الديانة ومعتنقيها داخل سويسرا وخارجها.

على صعيد آخر، سمح له عمله في مجالات متنوعة ومشاركته في تنظيم العديد من المحاضرات والأنشطة العامة بتوطيد علاقاته مع الرأي العام في تيشينو من ناحية، وصناع القرار من ناحية أخرى، إلى جانب الإعلاميين بالطبع، وهو ما أتاح له توسيع شبكة علاقاته لتشمل مختلف التوجهات السياسية والدينية والنقابية التي يمكن التواصل معها في قضايا أفراد الجالية العربية والإسلامية التي تطفو من حين إلى آخر على السطح، سواء كانوا من حاملي الجنسية السويسرية أو من المقيمين بشكل دائم أو من طالبي اللجوء.

تجدر الإشارة إلى أن مدينة كياسو الواقعة على الحدود السويسرية الإيطالية، تضم أحد المراكز الرئيسية لاستقبال طالبي اللجوء الجدد الذين يشتملون على نسبة مهمة من المسلمين، سواء كانوا من أكراد العراق وتركيا أو من منطقة البلقان أو من بلدان شمال إفريقيا. وفي هذا السياق يعمل الأستاذ حسن العربي على مساعدتهم وتلبية بعض احتياجاتهم، من خلال “الجمعية الإسلامية” من ناحية، أو عبر المكتبة الدعوية التي يديرها، فيوفر لهم الاطلاع على وسائل الأعلام، والاتصال بشبكة الإنترنت.

الجالية جزء من نسيج المجتمع

ويقول الأستاذ حسن العربي في حديثه مع سويس انفو، إن الاهتمام بمشاكل الجالية نابع من حقيقة أنهم جزء لا ينفصل عن نسيج المجتمع الذي يعيشون فيه، وتجب عليهم المساهمة في تشييده والحفاظ عليه، وكان لزاما عليهم التفاعل مع قضاياه والمشاركة في وضع الحلول المناسبة لها، لاسيما تلك المتعلقة بشكل مباشر بالجالية العربية والمسلمة، مثل التصدي للعنصرية والعداء للأجانب، أو المساهمة في حملات توعية الشباب من مخاطر المخدرات والكحوليات.

ومن بين التقاليد الحميدة التي ساهم الأستاذ حسن العربي في ترسيخها، إقرار موعد سنوي للقيام بـ”مسيرة سلام” صامتة تطوف الشوارع الرئيسية في مدينة “كياسو” وتختتم بتلاوة القرآن الكريم وإلقاء بعض الكلمات من الشخصيات العامة المشهورة حول التضامن الاجتماعي والسلام وحب الآخرين. وتحظى هذه المسيرة السنوية بمشاركة جيدة من طرف سكان المدينة وتغطية وسائل الإعلام المحلية.

ومن أهم النتائج الإيجابية لهذه التحركات فتح قنوات الحوار بين أبناء الجالية والسلطات المحلية وإجراء الإتصالات الضرورية للتنسيق في المشكلات التي تواجههم، وقد سمحت هذه الأجواء الإيجابية في التوصل إلى حلول لبعض المسائل الشائكة مثل إنشاء مقبرة خاصة بالمسلمين في مدينة لوغانو منفصلة بشكل كامل عن بقية المقابر الأخرى.

وقد ساعدت الجهود التي بذلها الأستاذ حسن العربي على تحويلها من مقبرة خاصة بالمقيمين في لـوغانو، إلى المثوى الأخير لجميع المسلمين المقيمين في كانتون تيشينو، وهي خاصية لا تتمتع بها أية مقبرة إسلامية أخرى حاليا في سويسرا.

أنشطة هامة .. رغم غياب الدعم

لا شك في أن الحملة التي يتعرض لها المسلمون في الغرب عموما تترك بصماتها على كانتون تيشينو الصغير وتصيب بعضا من أبناء الجالية بالإحباط، إلا أن حسن العربي يرى من خلال خبرته الطويلة في التعامل مع الآخرين، أن التغلب على هذا الإحباط يحب أن يكون من خلال المشاركة لتصحيح الصورة الخاطئة واستبدالها بأخرى إيجابية.

ومما يساعد على ذلك، وجود فرق واضح بين كيفية تعاطي وسائل الإعلام المحلية مع الإسلام بصفة عامة، وبين الجالية المسلمة المقيمة في هذا الكانتون الجنوبي، ويرجع السيد حسن العربي ذلك إلى تأثير قنوات الإعلام الإيطالية على توجهات الرأي العام، الذي لا يعاني من أية مشاكل مع الجالية.

ومن خلال عمليه كمدير ومؤسس للمكتبة الإسلامية في تيشينو، (وهي مكتبة دعوية غير ربحية تهدف حسب قوله إلى المساهمة في التعريف بالإسلام بشكله الصحيح)، يطلع الأستاذ حسن العربي بشكل يومي ما يكتبه الإعلام عن الدين الإسلامي والمسلمين عموما. وبإمكانيات محدودة للغاية، يتولى هو وبعض المتطوعين تجميع كل هذه المواد الإعلامية لقراءتها وتصنيفها وحفظها، قبل الاستعداد للرد عليها بالشكل المناسب.

ومن الملفت أنه لا توجد في بقية الأنحاء السويسرية التي توجد فيها أعداد أكبر من العرب والمسلمين جهود مماثلة لهذا العمل الطوعي الذي بوسعه أن يتحول – إذا ما توفرت له الأدوات المناسبة، والدعم المادي المطلوب – إلى مؤسسة حيوية تسد الفراغ القائم في مواجهة الحملات الإعلامية القاسية التي يتعرض لها العرب والمسلمون، ومثالا يحتذى به في بقية الجهات السويسرية.

كما يقوم الأستاذ حسن العربي من خلال مكتبته الإسلامية المفتوحة لكل زائر بتوفير المواد التي يحتاجها طلاب المعاهد الثانوية لكتابة بحث أو موضوع يتعلق بالإسلام أو بالبلدان العربية والإسلامية أو بالجالية العربية والمسلمة المقيمة في سويسرا أو في كانتون تيشينو.

إلى جانب هذا يشرح السيد العربي في محاضرات، تكاد لا تنقطع، أهمية إدماج الجالية في المجتمع وكيفية التعامل مع مشكلاتها، كما يؤدي في كل عام زيارة إلى معهد الشرطة حيث يلقي على الدارسين فيه محاضرة حول مشاكل الجالية وكيفية التعامل معها من طرف أعوان الأمن (وكذلك مع الدوائر المختلفة في الكانتون)، وهي مشاكل ذات طابع اجتماعي في معظم الأحيان، نجمت عن تغير ظروف الحياة والمعاناة التي يمر بها أفراد الجالية في حياتهم سواء كانوا مهاجرين أو طالبي لجوء في سويسرا.

وفي المحصلة يمكن القول أن انتخاب حسن العربي كعضو في مجلس بلدية مدينة كياسو له دلالات عديدة من أهمها أن حسن المعاملة وسعة الأفق يمكن أن تساهم جذريا في تغيير الصورة السلبية المترسخة لدى الآخرين عن الأجنبي المقيم في سويسرا، إلا أن ذلك يتطلب أيضا المزيد من دعم أفراد الجالية لمثل هذه الجهود حتى يتحول نجاح السيد العربي في التيشينو إلى حافز يشجع الآخرين على دخول المعمعة السياسية على المستويين المحلي والوطني.

تامر أبو العينين – سويس أنفو

يقع كانتون تيتشينو في جنوب سويسرا من ناحية الشرق، ويتحدث سكانه باللغة الايطالية.
من اهم مدنه لوغانو ولوكارنو وبيللينزونا، وكياسو الحدودية.
يبلغ تعداد سكانه 300000 نسمة من بينهم 6000 مسلم، أغلبهم من أبناء البلقان والأتراك يليهم العرب.
يعتبر السيد حسن العربي أول مواطن سويسري من أصول عربية وإسلامية يتم انتخابه في عضوية أحد المجالس المحلية في هذا الكانتون.

نشأ الاستاذ العربي في القاهرة، وبدأ حياته العملية في السعودية قبل أن ينتقل إلى سويسرا قبل عشرين عاما.
مارس العمل الإجتماعي لخدمة الجالية المسلمة في أكثر من مجال مثل مكافحة العنصرية والتوعية من مخاطر المخدرات والكحوليات، ومشاكل اندماج الأجانب في المجتمع.
إلى جانب هذا يدير المكتبة الاسلامية، وهي مركز غير ربحي للتعريف بالدين والحضارة الإسلامية، ويقدم من خلالها خدمات عديدة تساهم في تحسين صورة الجالية لدى الرأي العام المحلي وفي وسائل الإعلام.
انتخب الاستاذ حسن العربي مؤخرا من طرف سكان كياسو عضوا في المجلس البلدي لهذه المدينة الحدودية مع إيطاليا.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية