عقدة العلاقات الأمريكية الإيرانية مُـستعصية على الحل
وصف السفير الأمريكي في بغداد رايان كروكر مباحثاته مع السفير الإيراني لدى العراق حسن كاظمي، والتي تُـعد أول لقاء رسمي رفيع المستوى بين الجانبين منذ أكثر من ربع قرن، بأنها كانت "إيجابية".
وأشار كروكر إلى أنه كان هناك تطابق في وجهات النظر فيما يتعلق بمساندة عراق آمن وفدرالي وقادر على السيطرة على أمنه والعيش في سلام مع جيرانه.
ولكن السفير الأمريكي قال، إنه أوضح للجانب الإيراني أن واشنطن تريد الأفعال وليس إعلان المبادئ والأقوال، وأن الولايات المتحدة تتطلع إلى تصرفات إيرانية على أرض الواقع تنسجم مع مبادئ إيران المعلنة.
وقال السفير ديفيد ساتر فيلد، مستشار وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون العراق، إن المباحثات بين السفيرين، الأمريكي والإيراني في بغداد، اقتصرت على بحث سُـبل التعاون لتعزيز الأمن في العراق، ولم تكن لإضفاء الشرعية أو القبول على تصرفات إيران.
أما السفير الإيراني في بغداد حسن كاظمي، فاكتفى بوصف المباحثات بأنها كانت إيجابية وقال، إن جولة ثانية من المحادثات الأمريكية الإيرانية حول العراق ستُـعقد في غضون شهر في بغداد.
توجهت سويس إنفو إلى السيد أفشين مولوي، الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية في مؤسسة نيو أمريكا في واشنطن والمراسل السابق لوكالة رويترز ومؤلف كتاب “الحجاج الإيرانيون: رحلة عبر أنحاء إيران”، لتحليل أول مباحثات رسمية مباشرة بين واشنطن وطهران ومستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية فقال: “إن الجانبين أعربا منذ البداية عن أن هدف اللقاء هو الحوار حول الوضع في العراق فقط، وبالفعل، لم يطرح أي من الجانبين أية قضايا أخرى في لقاء بغداد، ولكن الجانبين يُـدركان في نفس الوقت أنه يلزم لنجاح التعاون الأمريكي الإيراني في العراق توسيع نطاق الحوار، لأنهما يتنافسان بالفعل على النفوذ في منطقة جغرافية واسعة تتضمن فلسطين ولبنان وأفغانستان ومنطقة الخليج والعراق، كما أن هناك خلافا حادا بينهما حول البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم، ولا يستطيع أي جانب في مباحثات بغداد حول العراق أن يغضّ الطرف عن المنظومة الأكبر من هموم السياسة الخارجية والنزاعات القائمة بين البلدين حول طائفة واسعة من القضايا”.
بهذا الخصوص، يرى السيد مولوي أن من مصلحة الولايات المتحدة وإيران أن يعتبرا لقاءهما المباشر حول العراق نقطة انطلاق لطرح كل القضايا، التي تفصل بينهما على مائدة المباحثات، وشبه محاولة الاقتصار على مناقشة الوضع في العراق فقط، بمحاولة إصلاح جزء واحد معطوب في سيارة، بينما يدرك الميكانيكي أن السيارة لن تقوى على السير، إلا إذا تم إصلاح الأجزاء الأخرى الرئيسية، التي لا تعمل في السيارة.
إشارات كوندوليزا رايس
وتطرق الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية إلى الإشارات المتلاحقة الصادرة عن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس برغبة الولايات المتحدة واستعدادها للحوار الموسع مع إيران، فقال إنها كرّرت في فيينا قبل أيام ما سبق وطرحته قبل شهرين، من أنه “لو علقت طهران برنامجها لتخصيب اليورانيوم، فإن واشنطن ستكون مستعدة للدخول في حوار حول مختلف القضايا الخِـلافية” مع إيران.
ولكن السيد مولوي يرى أن كبير المفاوضين الإيرانيين حول الملف النووي الإيراني على لاريجاني ومسؤولين كبار آخرين في إيران، سارعوا إلى استبعاد قبول إيران بهذا الشرط.
وعلق السيد مولوي على ما نسب إلى وزيرة الخارجية الأمريكية من رغبتها في أن يكون تراثها الذي تخلفه وراءها، هو فتح صفحة جديدة في العلاقات الأمريكية الإيرانية فقال: “أعتقد أنها راغبة بالفعل في تحقيق ذلك الهدف، باعتباره سيشكل انتصارا دبلوماسيا لها يماثل ما حققه كيسنجر من انفتاح أمريكي على الصين، ولكن يجب إدراك أن رايس تُـواجه عقبتين هائلتين ستحُـولان دون تحقيق حلمها:أولا، أن الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني لا يشاركانها ذلك الهدف، بل يسعيان إلى مسار أكثر مجابهة مع إيران، ولن يكون بوسع وزيرة الخارجية التغلب على توجه بوش وتشيني. ثانيا، أن هناك في الداخل الإيراني تيارا قويا لا يرغب في الدخول مع الولايات المتحدة في حوار أوسع حول القضايا الإقليمية الأخرى أو البرنامج النووي”.
ويرى السيد أفشين مولوي، الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية في مؤسسة نيو أمريكا الليبرالية، عناصر أخرى على أرض العراق تنطوي على عواقب وخيمة فيما يتعلق باحتمالات المواجهة الأمريكية الإيرانية فيقول: “عندما تجمع أرض العراق بين جنود أمريكيين وعملاء لإيران يساعدون أطرافا تناصب الجنود الأمريكيين العداء، فإن الناتج يكون موقِـفا خطيرا وحرجا، حيث يمكن أن تؤدّي تحركات معيَّـنة في الاتجاه الخاطئ، إلى اشتباكات حقيقية بالنيران بين الجانبين، مما يحمل في طياته تصعيدا لا تُـحمد عُـقباه بين الولايات المتحدة وإيران، وربما تكون المباحثات بين الطرفين حول العراق فقط حاليا، ممارسة مفيدة في مجال احتواء وإدارة الصراع، وليس بالضرورة لحل الصراع”.
أزمة الثقة بين طهران وواشنطن
ويعتقد السيد مولوي أن كلاًّ من الجانبين يضمر كثيرا من الشكوك حول نوايا الطرف الآخر، وفيما تتهم واشنطن طهران بمحاولة زعزعة الاستقرار في الخليج ومناصرة ما تصفه الولايات المتحدة بجماعات إرهابية، ومحاولات إيران حشد المعارضة لعملية السلام في الشرق الأوسط، تتهم طهران واشنطن بالتورط في نشاطات لزعزعة استقرار إيران، بل وتقسيمها من خلال عمليات سرية لتأليب فئات عِـرقية تشعر بالعزلة وعدم الرضا داخل إيران، مثل الآذريين والبلوش والخوزستانيين والتركمان، وهي فئات تشعر بعدم الرضا والعزلة، للقيام بتحدي السلطة المركزية في طهران.
كما تتهم طهران واشنطن بشن حرب نفسية من خلال وجود عملاء لها في أنحاء إيران المختلفة، يسعون لزعزعة نظام الحكم وإشاعة نزعات انفصالية، كما أن سياسة الولايات المتحدة في عهد الرئيس بوش اعتمدت على طنطنة سياسية علنية بمساندة، ما وصفته واشنطن بقوى الديمقراطية والتغيير داخل إيران، ووصل الأمر بوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلى الإعلان عن تخصيص مبلغ 75 مليون دولار لبرنامج مساندة الإيرانيين العاملين من أجل الديمقراطية والتغيير داخل إيران، مما جعل الجماعات الإصلاحية التي كانت تسعى للتحول الديمقراطي داخل إيران، هدفا سهلا للسلطات الإيرانية، وأصبح من غير الممكن لها التعاون مع منظمات غير حكومية أمريكية ومنظمات مجتمع مدني أمريكية، لأن الإصلاحيين أصبحوا في نظر الداخل الإيراني عملاء لمحاولة أمريكية لتغيير النظام، بل وامتدت الاتهامات في الآونة الأخيرة لأكاديميين أمريكيين إيرانيين كانوا يزورون بلادهم واعتقلتهم السلطات الإيرانية.
شروط تحسين العلاقات
ويرى الباحث الأمريكي الإيراني، أن أهم قضية تعترض سبيل الحوار الإيجابي بين طهران وواشنطن حاليا، هي بدون شك قضية الملف النووي الإيراني، وبالتالي، فإنه لو تمكَّـن الطرفان بوساطة أوروبية أو دولية من تسوية الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني، فسيمكن لهما العمل سويا لتسوية القضايا الخلافية الأخرى، ولكن الحكومة الإيرانية قد تريد ثمنا سياسيا واستراتيجيا لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، يتمثل في ضرورة اعتراف واشنطن بالجمهورية الإسلامية في إيران كقوة إقليمية، وتعهدات وضمانات قوية بألاّ تسعى الولايات المتحدة إلى محاولة تغيير نظام الحكم في طهران والإقرار بحق إيران في التمتع بعضوية منظمات التجارة العالمية وقروض البنك الدولي، ووقف الجهود الأمريكية لعزل إيران.
ويرى السيد مولوي، أن الولايات المتحدة على الجانب الآخر تريد من إيران أن تدفع ثمنا لتحسين العلاقات مع واشنطن، يتمثل في وقف مساندتها المالية والمعنوية لحركات إسلامية، مثل جماعة حزب الله في لبنان وحركة المقاومة الإسلامية حماس في الأراضي الفلسطينية ووقف معارضتها لعملية السلام في المنطقة، كما تريد قبل كل شيء أن تتعاون إيران في جهود إعادة الاستقرار إلى العراق وأفغانستان، ولن يمكن التوصل حتى إلى حلول وسط فيما يريده كل طرف من الطرف الآخر، بدون تسوية الخلاف المحتدم حول الملف النووي الإيراني.
وخلص السيد أفشين مولوي إلى أنه “قد يمكن التوصل إلى حل وسط في هذا الملف الشائك، إذا أمكن السماح لإيران بقدر محدود من تخصيب اليورانيوم على الأرض الإيرانية، لا يسمح لها بطبيعة الحال بالتوصل إلى تصنيع سلاح نووي، وإنما يوفر برنامجا للاستخدام السلمي للطاقة النووية”.
ولكنه يرى أن السؤال المطروح حاليا هو: هل الولايات المتحدة مستعدة للقبول بذلك الثمن لتخطِّـي المجابهة الحالية حول البرنامج النووي الإيراني؟ ويجيب عليه بقوله: “لا أعتقد أن إدارة الرئيس بوش راغبة في دفع ذلك الثمن، لذلك، فطالما بقي الرئيس أحمدي نجاد مصِـرا على موقفه، وطالما بقي الرئيس بوش في سدّة الرئاسة في البيت الأبيض، فستستمر عقدة العلاقات الأمريكية الإيرانية مُـستعصية على الحل، ولن تفضي في ظل هذه الظروف، إلا إلى نوع من السلام البارد أو المواجهة الساخنة بين الولايات المتحدة وإيران”.
محمد ماضي – واشنطن
بغداد (رويترز) – حثت الولايات المتحدة إيران يوم الاثنين 28 مايو على وقف دعم الميليشيات في العراق في أكثر لقاء بين البلدين يحظى بالاهتمام منذ نحو 30 عاما، ووصفه الجانبان لاحقا بأنه إيجابي.
وركّـزت محادثات بغداد، التي يندر عقدها تماما على العنف الطائفي المتصاعد في العراق ولم تتطرق إلى البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل والذي أجج التوترات بين البلدين العدوين خلال الشهور الأخيرة. “إيجابي” هو الوصف الذي أطلقه الجانبان على الاجتماع الذي استمر أربع ساعات وبدأ بمصافحة بين السفير الأمريكي في العراق ريان كروكر ونظيره الإيراني حسن كاظمي قمي في مكتب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في بغداد.
وفي أحداث عنف جديدة في العراق، انفجرت شاحنة ملغومة بالقرب من مسجد سُـني مُـهم في وسط بغداد، مما أسفر عن مقتل 24 وإصابة 68 آخرين بجروح، بعد وقت قصير من انتهاء المحادثات.
وبدا أن الإيرانيين يرغبون في مزيد من المحادثات، حيث وصف كاظمي قمي الاجتماع بأنه “خطوة أولى في المفاوضات بين هذين الجانبين”، قائلا إن طهران ستدرس بجدية دعوة عراقية لمزيد من المحادثات.
ومن جانبه، قال كروكر إنه لا يهتم بترتيب مزيد من الاجتماعات درجة اهتمامه بطرح قضية واشنطن وبواعث قلقها من أن إيران الشيعية تسلح الميليشيات الشيعية في العراق وتموِّلها وتدربها، وهو اتهام تنفيه إيران، وأشار إلى أنه لم يقدّم أي دليل، على الرغم من أن الجيش الأمريكي عرض في السابق ما قال إنها صواريخ وقنابل طرق إيرانية الصنع صودرت في العراق، ويقول الجيش إن تلك القنابل قتلت عشرات الجنود الأمريكيين.
وقال كروكر “غرض هذه المساعي، ليس بناء قضية قانونية. فمن المفترض أن الإيرانيين يعلمون ما يفعلون. وجهة نظرنا كانت ببساطة أن نقول إننا أيضا نعلم. أردنا أن نقول إن هذا خطر بالنسبة للعراق وخطر بالنسبة للمنطقة. “المحادثات مضت بصورة إيجابية. ما نريد أن نراه هو التحرك الإيراني على الأرض. حتى الآن، تتنافى تصرفاتهم مع سياستهم المعلنة”. وفي حديث لمؤتمر صحفي أخر قال كاظمي قمي بعدها بعدة ساعات، إن إيران هي الأخرى ترى عدة نقاط ايجابية في المحادثات.
وقال “طُـرحت بعض المشاكل ودُرست، واعتقد أن هذا خطوة إيجابية.. وعلى الصعيد السياسي، اتفق الجانبان على دعم وتعزيز الحكومة العراقية، وهذه خطوة إيجابية أخرى تحققت في هذه المحادثات”، وأضاف أن إيران عرضت المساعدة في تدريب وتسليح قوات الأمن العراقية، وهي المهمة التي يتولاّها في الوقت الراهن الجيش الأمريكي.
وشكل الاجتماع تحوُّلا في السياسة الأمريكية، المتمثلة في وقف كل الاتصالات تقريبا مع المسؤولين الإيرانيين منذ أن قطعت واشنطن العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع طهران في عام 1980 بعد 14 شهرا من قيام الثورة الإسلامية الإيرانية، وبعد خمسة شهور من أزمة احتجاز أمريكيين رهائن في السفارة الأمريكية في طهران.
وقال كروكر، إنه سيُـحيل اقتراحا إيرانيا إلى واشنطن لتشكيل آلية بمشاركة إيرانية أمريكية عراقية، لتنسيق الشؤون الأمنية العراقية، وذكر كروكر أنه أبلغ الإيرانيين بأنه يتعين عليهم الكف عن تقديم الدعم للميليشيات ووقف إمدادها بالمتفجرات والذخيرة، وكبح أنشطة قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني في العراق.
ورفض الإيرانيون تلك الادّعاءات، لكنهم لم يخوضوا في التفاصيل. وفي المقابل، انتقدوا تدريب الجيش الأمريكي “المحتل” للجيش العراقي الجديد وتجهيزه قائلين، إنها “قاصرة عن التحديات التي تواجهه”.
وقال كروكر “فيما يتعلق بما سيحدث في المستقبل سننتظر ونرى، ليس ما سيُـقال ولكن ما سيحدث على الأرض، وما إذا كنا سنبدأ في رؤية بعض المؤشرات على تغيير السلوك الإيراني”.
وفي كلمة مقتضبة للمبعوثين قبل بدء المحادثات، قال المالكي إن العراق لن يكون منصّـة تنطلق منها أي هجمات على الدول المجاورة، في إشارة على ما يبدو، للمخاوف الإيرانية من التعرض لهجوم أمريكي، وأضاف أنه لن يتسامح مع أي تدخل إقليمي في شؤونه.
كان المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون قد قالوا إنهم لا يتوقعون إحراز أي انفراج كبير من هذه المحادثات، التي تأتي في الوقت الذي تجري فيه سفن حربية أمريكية مناورات حربية في الخليج، وبعد إعلان طهران أنها كشفت شبكات تجسس في أراضيها تُـديرها واشنطن وحلفاؤها.
وبالرغم من أن مسؤولين على مستوى متوسط من إيران والولايات المتحدة التقوا بين الحين والآخر في الماضي، فان محادثات يوم الاثنين هي أكثر محادثات ثنائية تحظى بهذا القدر من الاهتمام منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 28 مايو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.