مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“اتباع نفس سياسات نظام مبارك يزيد من الإحتقان والغضب الشعبي”

من اليمين، اليسون كوركيكري، وهبة خليل، وربيع وهبة أثناء حديث منظمات المجتمع المدني عن تقرير مصر أمام آلية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في جنيف swissinfo.ch

شمل عرض مصر لتقريرها حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأول مرة منذ 12 عاما أمام الآلية الأممية المعنية بذلك في جنيف، حصيلة انتهاكات يتقاسمها نظام مبارك قبل الثورة والأنظمة التي توالت بعدها. لكن منظمات المجتمع المدني تبدي تخوّفا من التراجع الحاصل اليوم، عن بعض المكاسب التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير.

ومصر التي انضمت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عام 1982، كانت قد انقطعت عن رفع تقاريرها للجنة المعنية منذ عام 2000.

ونتيجة لذلك، تطلّب الأمر القيام بتمرين معقّـد نوعا ما، نظرا لكون التقرير الذي تمّت مناقشته يوم 14 نوفمبر 2013، قد تمّ إعداده في عام 2010 من قِـبل نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأن مصر منذ ذلك التاريخ، عرفت ثورة 25 يناير، ثم تولّي المجلس العسكري الحُـكم، قبل تولّي جماعة الإخوان الحُـكم لحوالي عام، ثم عاد الجيش مرة أخرى لتولي السلطة بعد الإطاحة بنظام محمد مرسي. لكن أليسون كوري من مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ترى بأن “المراجعة أمام آلية حقوق الإنسان تعني مراجعة ملف بلد، بغضّ النظر عمّن هو في  الحُكم اليوم”.

ومع ذلك، تعالت أصوات  بعض الإعلاميين في الندوة الصحفية التي عقدها وفد منظمات المجتمع المدني المصرية في جنيف يوم 15 نوفمبر، للتساؤل: أليس من باب المنطِق “أن يتم التطرق  أولا وقبل كل شيء للوضع السياسي، وبالأخص الموقِف من الانقلاب أو من الثورة الثانية، قبل الخوض في موضوع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟”، وهو ما تم الردّ عليه إيجابيا من قِـبل ممثلي المجتمع المدني المصري بأن “الحديث يمس كل الحكومات التي تعاقبت على مصر، وأن المثول أمام هذه الآليات الدولية، هو فرصة لممارسة الضغط على الحكومة الحالية من أجل الالتزام بالمعايير الدولية، وأنه بدون التطرّق للجانب السياسي، لا يمكن ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”.

وكانت 27 منظمة غيْـر حكومية مصرية قد ساهمت في إعداد التقرير الموازي، الذي قُـدِّم لخبراء اللجنة المعنية، بتطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن النقاط التي ركز عليها الخبراء في أسئلتهم للوفد المصري: “كيف ينوي الدستور الجديد تعزيز حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟”، وكان الرد هو أنه “سيكون هناك بند خاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، بدون تقديم توضيحات حول طبيعة هذا البند.

كما تمّ التركيز على حق المشاركة والشفافية في اتخاذ القرارات، خصوصا وأن هناك العديد من القرارات الهامة التي تمّ اتخاذها خلال السنتين الماضيتين، رغم عجز الأنظمة المتعاقبة خلال الثلاث سنوات الأخيرة في احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالأخص لفئة الشباب التي تعاني أكثر من غيرها من البطالة والتهميش.

 تجمع عشرات من المتظاهرين المؤيدين والمعارضين للجيش المصري في ميدان التحرير في القاهرة الثلاثاء لإحياء ذكرى تظاهرات مناهضة للجيش شهدها الميدان نهاية 2011.

وفي 19 نوفمبر 2011 وعلى خلفية الحملة الانتخابية لأوّل انتخابات تشريعية بعد الاطاحة بالرئيس الاسبق حسني مبارك، نظمت تظاهرات في شارع محمد محمود في ميدان التحرير ضد المجلس العسكري الذي كان يتولى السلطة حينها. واسفرت المواجهات بين المتظاهرين وقوات الامن التي استمرت نحو اسبوع عن سقوط 40 قتيلا واكثر من ثلاثة آلاف جريح.

وصباح الثلاثاء، تجمع العشرات من مؤيدي الجيش والفريق اول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع وقائد الجيش في منتصف ميدان التحرير، رمز الثورة الشعبية التي اطاحت بمبارك في فبراير 2011.

في المقابل وفي استجابة لدعوة القوى الثورية المناهضة للجيش والاسلاميين، تجمع عشرات من الشباب في شارع محمد محمود لاحياء ذكرى التظاهرات الدموية. ورفع المتظاهرون الشباب الغاضبون لافتات واعلام بيضاء مناهضة للجيش ولجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها مرسي. ولم تتواجد قوات الامن في ميدان التحرير بحسب مصورين فرانس برس.

ومساء الاثنين وفي خطوة مفاجئة وسريعة، اقدم مئات المتظاهرين المعارضين للجيش والاخوان المسلمين على تحطيم نصب تذكاري كانت دشنته السلطات المصرية الموقتة صباحا تكريما ل”شهداء الثورة”، أي جميع المتظاهرين الذين قتلوا منذ ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011 التي اطاحت بمبارك حتى نهاية يونيو من ذلك العام.

وقام المتظاهرون بطلاء النصب ببقع حمراء ترمز الى “دم الشهداء”، متهمين الحكومة بعدم اتخاذ اي اجراءات لمحاكمة قتلة “الشهداء” من رجال الامن. وعلى الاثر، الغت حركة تمرد، التي دعت للتظاهرات التي اطاحت بالرئيس الاسلامي المعزول محمد مرسي نهاية يونيو الماضي، كافة فعالياتها الثلاثاء عبر البلاد لاحياء ذكرى احداث 2011.

وناشد بيان للحركة التي تؤيد الجيش المصريين عدم التظاهر الثلاثاء “حتى لا نعطى لفصيل خائن للثورة المصرية والوطن مثل جماعة “الإخوان الإرهابية” فرصة لتوريط الثورة المصرية مرة أخرى فى معارك هي المستفيد منها”.

من جانبه، اعلن التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب عدم مشاركته في احياء ذكرى تظاهرات 2011. ودعا التحالف في بيان له مساء الاثنين انصاره عدم الاقتراب من شارع محمد محمود “لعدم اعطاء الفرصة للمتآمرين لافتعال عنف والقاء اللوم على التحالف الوطني”. وعلى غير العادة، لم تشهد شوارع القاهرة صباح الثلاثاء اي تكدسات مرورية وبدت كثير من الطرق شبه خاوية.

ويخشى كثير من المصريين من اندلاع اعمال عنف عبر البلاد في الذكرى الثانية لتظاهرات 2011. وعززت الشرطة المصرية وجودها في محيط المؤسسات الحيوية القريبة من ميدان التحرير، وانتشرت تشكيلات من الامن المركزي (قوات مكافحة الشغب) امام مجلس الشعب ومجلس الشورى ووزارة الداخلية على مقربة من ميدان التحرير.

ومنذ الاطاحة بالرئيس الاسلامي محمد مرسي في الثالث من يوليو، تشهد البلاد اضطرابات امنية وسياسية متواصلة. وقتل نحو الف شخص اغلبهم من الاسلاميين في مواجهات بين المتظاهرين وقوات الامن عبر البلاد، بحسب بيان لمصلحة الطب الشرعي في مصر.

عودة للتباهي بإنجازات الدولة

ربيع وهبة، عضو حركة الحق في السكن وفي تملك الأرض بشبكة هابيتات انترناسيونال، الذي كان ضمن وفد منظمات المجتمع المدني، يرى من جهته أن أداء الوفد الحكومي “عاد إلى فترة التباهي بإنجازات الدولة، بدل الحديث عن اهتمامات الشعب”.  

ولئن عبّر عن “سعادته” لكون الحكومة الحالية قررت أخيرا تقديم التقرير المصري أمام آلية حقوق الإنسان، إلا أنه يرى أن الوفد الحكومي الذي عبّر عن “افتخاره بحدوث الثورة، كان خطابه أمام اللجنة وفيا لِما كان معهودا من قبل، ولم يتطرق للتحديات الحالية التي طرحها الخبراء، وهي مهمة بالنسبة لغالبية أفراد الشعب اليوم”.

وقال السيد وهبة: “لا أستطيع تقبّل ما قاله الوفد الحكومي، من أن كل شيء على أحسن ما يُرام، لأن ذلك يُذكَّرني بما كان يقوله نظام مبارك، بأن كل شيء تحت السيطرة، لأن ما عانينا منه طوال الثلاثين عاما من حُكم مبارك بسبب تعاطي الرّشوة وبسبب حرمان الناس من حقوقهم، كالحق في السكن أو الماء الصالح للشرب، ما زالت غالبية الناس تعاني منه حتى اليوم”.

كما أثار السيد وهبة قضية “الدعم الخارجي الذي كانت عدّة مصالح حكومية تحصل عليه من أجل التخفيف من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي لم تُعرف وِجهته ولم يتطرق أي من أعضاء الوفد لتوضيحه”. وهناك حديث عن أن نظام مبارك أضاع حوالي 57 مليار دولار خلال العشر سنوات الماضية”.

تراجع عن مكاسب قامت الثورة من أجلها

ترى هبة خليل من المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدورها أن “الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 25 يناير 2011، بدل أن تراعي كيفية تطبيق العدالة الاجتماعية التي قامت من أجلها الثورة، استمرت في تطبيق السياسات القائمة في عهد مبارك أو حتى تراجعت عن بعض المكاسب”.

ومن بين ما عدّدته السيدة هبة خليل: “الحد من الحق في التجمع، والحد من حق العمال في الإضراب، وتجريم ذلك، وتعاطي الرّشوة، ليس فقط  كظاهرة مستمرة، بل أنها اليوم تحظى بإفلات من العقاب، وإفلاس قطاع الخدمات العمومية مستمر وتراجع خدمات التعليم والصحة بشكل خطير، وما يزيد في خطورة ذلك، اللجوء إلى الخوصصة والحدّ من نفقات الدولة في قطاعات حيوية، بالنسبة لحاجيات الشعب المصري فضلا عن النقص في الشفافية فيما يتعلق بتراخيص عمل منظمات المجتمع المدني، والحركات النقابية، وباقي الجمعيات، والرّضوخ لإملاءات صندوق النقد الدولي، ومؤسسات أوروبية ودولية أخرى،  من أجل جذب الاستثمارات، مما أدّى إلى تجاهل أولويات الشعب المصري”.

وترى السيدة هبة أن “مصر تشهد في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حاليا استمرار تطبيق سياسات سنّها نظام مبارك، وأن الاستمرار في تطبيق نفس السياسات، يعمل على زيادة الاحتقان والغضب الشعبي”.

وما ترى أنه أكثر مساسا بالحقوق الاقتصادية في القوانين الجديدة التي تعمل الحكومة المؤقّتة الحالية على سَـنّها “كون الدستور الذي هو قيْـد الإعداد، يتم في أجواء أقل شفافية ممّا كان الحال عليه أثناء حكم الإخوان، وأن هناك قانونا يسمح لموظفي الدولة ببيع المُمتلكات العمومية، وهو ما كانت حكومة الإخوان المسلمين قد اقترحته من قبل، والقانون الذي يحُول دون التحقيق في عمليات الرشوة التي يقدِّمها المستثمرون”.

ولربما أن أكثر القوانين المقترحة إثارةَ للجدل، القانون المعروف بـ “قانون حُسن النية”، والذي يهدف لتجنيب المتابعة لأي مسؤول يرتكب أثناء أداء مهامه أخطاء، ولكن “بحسن نية”، وهو ما تُـلخِّصه السيدة هبة خليل بقولها أن “هذا القانون الذي يهدِف إلى حماية المستثمرين من أي متابعة، هو بمثابة تغطية على تعاطي الرّشوة التي تمّت في الماضي، وتشجيعا على استمرارها في المستقبل”.

وستقوم لجنة الخبراء المعنية بالسَّهر على مراجعة مدى تطبيق الدول الأعضاء لبنود العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمكوّنة من 18 خبيرا مستقِلا، برفع توصياتها للوفد المصري في نهاية الدورة الحالية.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية