مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“جـرائـم حـرب وجـرائـم ضد الإنسانية ارتكبت في ليبيا”

شريف بسيوني، رئيس لجنة تحقيق مجلس حقوق الإنسان في ليبيا أثناء الندوة الصحفية في جنيف يوم 09.06.2011 swissinfo.ch

توصلت لجنة التحقيق الدولية التي ارسلها مجلس حقوق الإنسان إلى ليبيا الى أن "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت، وأنها الى حد كبير من فعل الحكومة". وفيما عزت بعض التجاوزات لقوات المعارضة أيضا، شددت على أنها "لا تشكل جزءا من أي هجوم واسع النطاق أو منتظم".

 بعد تأجيل لأكثر من اربعة ايام بسبب  الخلافات حول  من يحق له الحديث أمام  المجلس هل ممثلي حكومة طرابلس أم ممثلي المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي، تم يوم الخميس عقد الجلسة المخصصة للاستماع الى تقرير لجنة  التحقيق التي ارسلها المجلس لرصد الانتهاكات المرتكبة في ليبيا.

وبما أن الصراع الدائر في ليبيا مر بعدة مراحل ترى لجنة التحقيق  مثلما أوضح السيد شريف بسيوني” أنه كان لزاما عليها مراعاة الانتهاكات من منظور قوانين حقوق الإنسان في الفترة السلمية للمظاهرات في بداية الانتفاضة، ثم من منظور القانون الانساني الدولي بعد أن تحول الصراع الى حرب أهلية، وأخيرا من منظور القانون الجنائي الدولي بعد أن تمت إحالة الموضوع من قبل مجلس الأمن الدولي الى المحكمة الجنائية الدولية”.

انتهاكات الجانب الرسمي : البعض مؤكد…!

خلصت لجنة التحقيق الى ” أن هناك أدلة كافية تشير الى أن القوات الحكومية لجأت الى استخدام مفرط للقوة ضد المتظاهرين  وعلى الأقل في الأيام الأولى من الاحتجاجات مما أدى الى سقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين . وهذه الأعمال تشكل انتهاكا جسيما لمجموعة من الحقوق  التي ينص عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة، والحق في الأمن الشخصي، والحق في حرية الاجتماع، والحق في حرية التعبير”.

واقر التقرير بأن السلطات الليبية الحكومية “مارست الحبس التعسفي في حق عدد كبير من الأشخاص في شتى انحاء البلاد” و نُفذت عمليات التوقيف والاحتجاز” بأسلوب معمم يستهدف أنصار المعارضة المشتبه فيهم في المناطق التي يُنظر إليها على أنها معارضة للنظام بدل ارتباط ذلك بأفعال جنائية أو بأسباب أمنية متصلة بالنزاع المسلح”.

 الى جانب ممارسة التعذيب في حق المعتقلين اقرت لجنة التحقيق  اتخاذ القوات الحكومية لإجراءات “لعرقلة  او منع الوصول الى المستشفيات بعد المظاهرات، واستهداف الأطباء وعمال الاغاثة ، والادعاء باختطاف الأشخاص من المستشفيات “. كما اقرت لجنة التحقيق ” إساءة استخدام القوات الحكومية للشارات المميزة لاتفاقيات جنيف”. وبخصوص الادعاءات بمنع وصول فرق الاغاثة الانسانية ، يرى التقرير أن ” هناك ضرورة لمزيد من التحقيق لتحديد ما إذا كان ذلك متعمدا”.

بخصوص معاملة الصحفيين  يقول التقرير ” أن اللجنة توصلت بتقارير عن اعتداءات تعرض لها الصحفيون وغيرهم من المهنيين العاملين في وسائط الإعلام ، وتستهدف بصورة رئيسية إعاقة تغطية الرد الحكومي على المظاهرات والنزاع المسلح الجاري. كما ان العاملين في وسائط الإعلام تعرضوا للاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة والتحرش والتخويف والاختفاء القسري وفي بعض الأحيان للاعتداءات التي تستهدفهم. كما اتخذت السلطات إجراءات لحد من تدفق المعلومات داخل البلد وخارجه  مثل قطع وسائل الاتصال والإنترنت”.

أما فيما يتعلق بالانتهاكات المترتبة عن سير العمليات العسكرية ، وبالأخص استهداف المدنيين، فيرى التقرير” أن اللجنة خلصت الى وقوع انتهاكات جسيمة للقانون الانساني الدولي” مع التشديد على “ضرورة إجراء مزيد من التحقيق لتقييم التقارير تقييما كاملا”. لكن من خلال ما توصلت به اللجنة من معلومات عن الإصابات ونوع الضحايا ، ترى ” أنها توحي بأنه كانت هناك على الأقل هجمات عشوائية ضد المدنيين ارتكبتها القوات الحكومية ولم تتخذ إجراءات كافية لحمايتهم”. كما أنها تشير بخصوص استخدام الأسلحة ” الى أن السلطات لم تتخذ التدابير الضرورية للحيلولة دون استخدام أسلحة من قبيل قذائف الهاون  في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان”. وبخصوص التقارير الواردة عن استخدام اسلحة محرمة مثل القنابل العنقودية والرصاص المتمدد والأسلحة الفوسفورية ترى اللجنة أنه “يجب القيام بمزيد من التحقيق وتحليلات الطب الشرعي لتحديد ما إذا تم استخدام هذه الأسلحة ، و لتحديد ما إذا كان هناك أي استهداف متعمَّد للمدنيين ولتدمير اللاعيان المحمية والثقافية  مثل المساجد والمرافق الضرورية للمواطنين”.    

موضوع المرتزقة الذي كثيرا ما اثار الاهتمام ترى بشأنه لجنة التحقيق “بأن هناك إثباتات حول مشاركة رعايا أجانب في النزاع، منهم من ارتكب انتهاكات لحقوق الإنسان ، لاسيما من الجانب الحكومي”. لكنها تشدد على ” ضرورة القيام بمزيد من التحقيق لتحديد ما إذا كان هؤلاء الأفراد المسلحون يقعون ضمن فئة المرتزقة طبقا لأحكام القانون الدولي”. ومن أجل ذلك يتطلب الأمر “الحصول على مزيد من المعلومات حول صفة إقامة الرعايا الأجانب المشاركين ضمن قوات الأمن  الحكومية، وشروط تجنيدهم والغرض من ذلك”.

نفس الشيء ينطبق على موضوع الاغتصاب بحيث أشارت اللجنة  إلى توصلها ” بروايات فردية تفيد بوقوع حالات إغتصاب ، دون ان تتمكن اللجنة من التحقق من ذلك “. وترى ” أن ما وصلها من معلومات يكفي للتأكيد على ضرورة مواصلة التحقيق لدى الجانبين”.  وحتى عند تساؤل Swissinfo.ch أثناء الندوة الصحفية التي اعقبت تقديم التقرير،  عن سبب التضارب   بين ما وصلت إليه اللجنة وما أصدره النائب العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو بهذا الخصوص ” من أن الاغتصاب أصبح وسيلة من وسائل القمع”، أوضح رئيس اللجنة السيد شريف بسيوني ” بأن اللجنة لم تتوصل إلا بثلاث حالات اغتصاب من مصراتة … ولم تحقق بشأنها”. كما اضاف “بان سيدة من بنغازي أدعت أنها ارسلت 70 الف استمارة وحصلت على 60 الف رد تبين منها أن هناك 259 حالة اغتصاب، تجوب العالم بهذه المعطيات ولربما أنها اقنعت أوكامبو بذلك. ولما طلبنا منها تسلمينا الوثائق لم نحصل منها على ذلك”. لكن اللجنة أوضحت بأنها تنوي مواصلة التحقيق في هذه القضية وفي باقي ادعاءات الاغتصاب” نظرا لوجود إدعاءات تفيد بأن الاغتصاب إرتكب في إطار سياسة ترمي الى نشر الخوف “.     

معاناة العمال المهاجرين على ايدي القوات الحكومية تجلت من خلال تقرير اللجنة ” في “الاعتقال التعسفي والاعتداء البدني”. وتشير اللجنة الى ضرورة مواصلة التحقيق بخصوص تقارير مفادها” أن مدنيين مسلحين لا ينتمون إلى أي طرف قاموا بهجمات استهدفت العمال الأجانب ووصلت الى حد القتل خارج نطاق القانون”.

وخلصت لجنة التحقيق الى” أن لديها إثباتات بوقوع عمليات قتل وسجن وغير ذلك من أشكال الحرمان … والتعذيب والاضطهاد والاختفاء القسري والاعتداء الجنسي”. وأن القوات الحكومية ” ارتكبت هذه الانتهاكات ضمن هجوم واسع النطاق أو منتظم على السكان المدنيين وعن علم بالهجوم وهو ما يدخل في إطار مفهوم جرائم ضد الإنسانية”.

كما ثبت لدى اللجنة وقوع انتهاكات جسيمة للقانون الانساني الدولي من قبل القوات الحكومية “ترقى الى مستوى جرائم الحرب”.

وأضافت اللجنة في خلاصتها “أن النمط الثابت للإنتهاكات يوحي بانها ارتكبت نتيجة قرارات سياسية اتخذها العقيد القذافي ودائرة المقربين منه”. واضافت اللجنة بأنه ” يجب مواصلة التحقيق بغرض التوصل الى تحديد هوية المسؤولين”.       

 اتهامات أقل موجهة للثوار.

تتلخص الاتهامات التي وجهتها لجنة التحقيق للثوار، في ممارسة التعذيب في حق السجناء، وضرورة إجراء مزيد من التحقيق في الادعاءات المتعلقة “بتحريض من قيادات كلا الجانبين فيما يتعلق بالعنف الجنسي”. وقد برأت اللجنة الثوار من سوء استخدام الشارة المميزة لاتفاقيات جنيف.

ولا شك في أن أكبر اتهام موجه للثوار هو استهداف عمال أجانب من أصول افريقية للشك في كونهم مرتزقة. إذ يقول التقرير “يبدو أن أخطر الهجمات التي شنت على العمال المهاجرين مرتبطة بشك في أن هؤلاء الأشخاص مرتزقة على اساس أصلهم القومي او لون بشرتهم . وكثيرا ما كانت هذه الهجمات من فعل أشخاص مرتبطين بقوات المعارضة”.

وفي خلاصتها تقول اللجنة ،”تلقينا تقارير اقل تفيد بوقوع أحداث ترقى الى ارتكاب جرائم دولية من قبل القوات المرتبطة بالمعارضة … لا سيما ضد أشخاص رهن الاعتقال، وعمال مهاجرين، وضد من ظُن أنهم مرتزقة”.كما ترى أن هناك حاجة لمزيد من التحقيق ” في اتهامات الاغتصاب، وتجنيد الأطفال في العمليات القتالية”. ولكنها تنتهي الى ” أنها لا ترى أن الانتهاكات المرتكبة من قبل القوات المسلحة للمعارضة تشكل جزءا من أي هجوم واسع النطاق او منتظم على سكان مدنيين من قبيل ما يرقى الى مستوى جرائم ضد الإنسانية”.   

تبرئة لقوات حلف شمال الأطلسي

وفيما يتعلق بالاتهامات الموجهة لقوات حلف شمال الأطلسي من قبل القيادة الليبية، يرى التقرير ” بأن اللجنة ليس في استطاعتها في الوقت الحالي تقييم مدى مصداقية المعلومات الواردة بشأن الهجمات العشوائية  التي شنت على المدنيين ، كما أن اللجنة لم تقف على أدلة تشير الى تعمد قوات حلف الأطلسي استهداف المدنيين او المواقع المدنية ولا إلى مشاركة هذه القوات في هجمات عشوائية”.

 ونشير الى أن مجلس حقوق الإنسان ينظر في مشروع قرار يطالب بتمديد مهمة لجنة التحقيق . وفي حال حصوله على النصاب المطلوب  يُتوقع أن تستأنف اللجنة أشغالها من جديد ابتداء من شهر سبتمبر القادم.

أرسل نظام القذافي في طرابلس مصطفى شعبان المستشار ورئيس دائرة المجلس الاجتماعي والاقتصادي بوزارة الخارجية الليبية ممثلا خاصا  “ليساعد على فهم أقرب للحقائق”، على حد قوله وللرد على انتقادات لجنة التحقيق وعلى موقف مجلس حقوق الإنسان من الأزمة الليبية.   

ومن انتقاداته للمجلس بخصوص قراره الصادر في 25 فبراير 2011 الذي أدان فيه ليبيا ، قوله: “ان هذا القرار قد بُني على معلومات مغلوطة وملفقة نقلتها بعض وسائل الإعلام المعادية لبلادي والتي نجحت في تصوير الحالة في ليبيا على غير ما هي عليه: حالة احتجاج سلمي ترفع مطالب مشروعة وتواجهها الدولة بالعنف والانتقام”.

المندوب الليبي تحدث عن “حركة احتجاج سلمية لم تدم سوى ساعات قليلة يوم 15 فبراير لتتحول الى تمرد مسلح غير مسبوق” على حد زعمه. وقد اتهم المعارضين بـ “العصابات المسلحة التي ترتكب انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان وجرائم بشعة… مثل الذبح بالسكاكين وتقطيع الجثث وتقطيع صدور النساء وأن بعضهم اعترف بأكل اللحم البشري”، كما جاء في كلمة ممثل نظام العقيد القذافي أمام المجلس.

وفي سياق انتقاده لقوات حلف الأطلسي، قال ممثل النظام الليبي: “إنها ترتكب جرائم خطيرة لحقوق الإنسان في ليبيا في شكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب”. كما تقدم بشكوى أمام المجلس “لوقف هجمات حلف الناتو” والمطالبة بالعدول عن “تعليق عضوية ليبيا في مجلس حقوق الإنسان”.       

عبر إبراهيم الدريدي، السفير الأسبق للجماهيرية الليبية الذي أعلن منذ فترة عن التحاقه بالثورة عن “الأسف لكون المجلس سمح لمثل النظام الذي يرتكب الانتهاكات بالحديث، في الوقت الذي رفض السماح لممثلي الشعب بذلك”. وكان المجلس بعد جدل طويل قد منح ممثلي المجلس الانتقالي إمكانية  الحديث عبر منظمة غير حكومية او دولة تقبل الحديث باسم المجلس الانتقالي( وهو ما تم عبر الأردن).  وفي رد فعله على خطاب ممثل نظام القذافي قال السيد الدريدي” إن كل ما جاء في خطاب النظام هي مجرد أكاذيب وهذه هي طبيعة النظام كما نعرفه”.

وبخصوص تقرير لجنة التحقيق أوضح السفير الدريدي” أن المجلس الانتقالي مستعد للتعاون مع لجنة التحقيق ولتطبيق ما جاء في التقرير من توصيات”. وشدد بالخصوص ” على أن المجلس الانتقالي ملتزم من جهته  بالتحقيق في اية انتهاكات لحقوق الإنسان وللقانون الانساني الدولي وذلك في تعاون مع منظمة الأمم المتحدة”.    

أعضاء اللجنة: السيد شريف بسيوني( رئيسا)، السيدة اسماء خضر، والسيد فيليب كيرش.

زارت كلا من بنغازي وطرابلس ما بين

تقابلت اللجنة مع ممثلي الطرفيين في بنغازي وطرابلس، أي حوالي 350 شخصا  منهم  (113 من عمال المستشفياتو المرضى والجرحى وعائلاتهم)، 30 شخصا من المحتجزين في طرابلس وبنغازي،148 من النازحين داخل اراضي الجماهيرية أو في مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة.

حصلت اللجنة على أكثر من 5000 صفحة من الوثائق، وأكثر من 570 تسجيل فيديو، و 2200 صورة فوتوغرافية.

تقديرات اللجنة لعدد ضحايا هذا الصراع المسلح في ليبيا، اعتمادا على ما جاء في اقوال الطرفيين، تتراوح ما بين 10 آلاف و 15 ألف قتيل.  

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية