جـرائـمُ طالبي اللجوء التونسيين قد تدفع سويسرا إلى مزيد التشدد
يبدو أن الإرتفاع المفاجئ في نسبة الجرائم المرتكبة في سويسرا من قبل المهاجرين غير الشرعيين من شمال افريقيا، سيؤدي إلى توحيد وجهات نظر كافة الأطياف السياسية بشأن تشديد الإجراءات، بما في ذلك الإعادة القسرية إلى البلد الأصلي.
هل ستفلح العناصر المنحرفة من طالبي اللجوء ومن المهاجرين غير الشرعيين من بلدان شمال افريقيا عموما، ومن تونس بالخصوص، في توحيد مواقف التيارات السياسية المختلفة في سويسرا من عملية التشدد في مجال اللجوء، بعد أن كان ذلك مقتصرا على التيارات اليمينية الشعوبية؟
هذا التساؤل لم يعد يدور حوله أي شك، بعد الخطوة الجريئة التي أقدم عليها أوليفي قينيا، رئيس الشرطة في كانتون جورا، المعروف بانفتاحه وإدماجه لليد العاملة الأجنبية بشكل أكثر تقدمية من معظم الكانتونات السويسرية، عندما صرح في حديث صحفي نشر يوم الأحد 19 أغسطس 2012 بـ “ضرورة تقنين تعميم أخذ عينات من الحمض النووي لطالبي اللجوء أو على الأقل بالنسبة لمن يفدون بدون عائلة ويدّعـون بأنهم لا يملكون وثائق تثبت هويتهم”.
وقد جاء هذا التصريح داعما لنداءات كثيرا ما ردّدها حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) المعروف بمناهضته لسياسة اللجوء والهجرة في سويسرا، والذي جدد في شهر يونيو الماضي طلبه الداعي إلى “إقامة مراكز اعتقال مغلقة بالنسبة لمرتكبي الجرائم من طالبي اللجوء”.
تزايد الجرائم بشكل لم يسبق له مثيل
وفي الواقع، يكفي أن يُلقي المرء نظرة خاطفة على عناوين الصحف السويسرية الصادرة هذه الأيام، لمعرفة القلق السائد بعد نشر صحيفتي سونتاغ تسايتونغ (أسبوعية تصدر كل أحد بالألمانية في زيورخ) ولوماتان ديمانش (أسبوعية تصدر بالفرنسية في لوزان) يوم الأحد 19 أغسطس الجاري، إحصائيات الشرطة المتعلقة بالجرائم المرتكبة في ثمان كانتونات سويسرية.
هاتان الصحيفتان أشارتا إلى أن “نسبة الإجرام تضاعفت مرتين منذ قيام ثورات الربيع العربي”، كما أوردتا بأن “توافد أعداد من المهاجرين وطالبي اللجوء من بلدان المغرب العربي، عملت على زيادة نسبة جرائم سرقة السيارات بحوالي 1500% والسرقة في أجنحة المحلات التجارية بحوالي 390% وسرقة المنازل بحوالي 150% والنشل بحوالي 130%”.
في الوقت نفسه، تشير الإحصائيات إلى أن 52% من مرتكبي الجرائم من بين طالبي اللجوء في النصف الأول من عام 2012، كانوا من بلدان شمال افريقيا (تونس والجزائر والمغرب)، على الرغم من أن هذه الفئة لا تمثل سوى 6% من مجموع طالبي اللجوء في سويسرا الذين رفضت طلباتهم أو الذين لا زالت ملفاتهم قيد الدرس.
وإذا كانت زيادة نسبة الإجرام في صفوف طالبي اللجوء قد ارتفعت في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 77%، فإن أوليفي قينيا، رئيس شرطة كانتون جُورا صرح بأن “جميع طالبي اللجوء من التونسيين في كانتون جورا حاليا، تورطوا في جرائم”.
رئيس الحزب الإشتراكي كريستيان لوفرا، عبّـر عن عدم استغرابه من هذه الأرقام، وأوضح لصحيفة لوتون (تصدر بالفرنسية في جنيف) أن “المسؤولين في الميدان حذرونا منذ أشهر بخصوص تدهور الأوضاع، لذلك يجب التحرك بسرعة، ولكن ليس على طريقة ساركوزي (الرئيس الفرنسي السابق)، بل يجب عزل تلك العناصر على وجه السرعة ووضعهم في مراكز اعتقال خاصة لمنع (انتقال) العدوى… تكون خارج المناطق الحضرية، وفرض تحديدات تنقل عليهم وتشغيلهم أثناء الإعتقال”.
من جهته، ردد ماريو فيهر، الوزير المكلف بالشرطة في الحكومة المحلية لكانتون زيورخ نفس الخطاب عندما وصف الأوضاع بأنها “غير مقبولة”، أما كريستوف داربولي، زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي فانتقد القانون الجنائي الحالي واعتبر أنه “غير ملائم لمعالجة حالات الإجرام الصغيرة، وبالأخص نظام الغرامات المالية بدل الإعتقال”.
ضجر عام يُرغم الجميع على التحرك!
هذه التطورات دفعت صحيفة لوتون إلى الحديث عن “ضجر في مواجهة المنحرفين التونسيين” في سياق مقال نشرته في عددها الصادر يوم الثلاثاء 21 أغسطس 2012، بعد أن فتح تصريح رئيس شرطة كانتون جُورا، الداعي إلى تقنين تعميم أخذ عينات من الحمض النووي لطالبي اللجوء بغرض تسهيل التعرف عليهم وتقديمهم أمام العدالة في حالة ارتكاب جرائم، المجال لإطلاق نقاش واسع بين المختصين.
فقد صرح أوليفي قينيا بأن “مرتكبي الجرائم من هذه الفئة يرفضون عند توقيفهم من قبل الشرطة، الإعتراف بالدلائل ويستهزؤون بالشرطة”، لذلك فإن الحل الوحيد للتعرف على هوياتهم وتسريع عملية تقديمهم للمحاكمة يكمن إما في بصمات الأصابع أو الحمض النووي. لذلك، يطالب المسؤول الأمني بتعميم أخذ عينات الحمض النووي من كل طالبي اللجوء من أجل توفير الوقت والجهد المطلوبين للتعرف بدقة على هوية مرتكبي الجرائم من بينهم.
من جهة أخرى، تتعرض الإجراءات الجنائية المتبعة حاليا لمعالجة هذا الصنف من الجرائم، لانتقاد شديد من طرف العديد من الأطراف، وخاصة مسألة تعويض أيام الإعتقال بغرامات مالية، نظرا لعدم توفر أماكن شاغرة في السجون السويسرية لمرتكبي مثل هذه “الجرائم البسيطة”، إذ يرى أولفيي قينيا أن “هذه العقوبات تثير الضحك لدى مرتكبي الجرائم من بلدان شمال افريقيا، الذين يعرفون أن لا أمل لهم في البقاء في سويسرا، ويُقدمون بالتالي على ارتكاب أكبر قدر من جرائم السرقة بدون توقف. ويكفي أن تنشط مجموعة صغيرة منهم في مكان ما، لكي تعمل على شل النظام ككل”، على حد قوله.
وفيما وجدت اقتراحات رئيس الشرطة في كانتون جورا آذانا صاغية لدى هانس يورغ كيزر، رئيس ندوة مدراء العدل والشرطة في الكانتونات السويسرية الذي صرح بأنه “سيقترح ذلك على زملائه في اجتماعهم القادم” (يومي الخميس 23 والجمعة 24 أغسطس 2012)، اعتبر عدد من الخبراء أن مثل هذا الإجراء يمكن تطبيقه منذ الآن بالنسبة للأشخاص الذين يرفضون الإفصاح عن هويتهم عند توقيفهم، فيما يؤكد آخرون أنه من أجل أن تصبح هذه الخطوة سارية المفعول بالنسبة لجميع طالبي اللجوء، فإن الأمر يتطلب إصدار قانون فدرالي بهذا الخصوص وهي خطوة تبدو متعذرة في الوقت الحاضر سياسيا وقانونيا.
“لا فائدة من البقاء في أوروبا”
في سياق متصل، اتسع مجال تطبيق الفكرة القاضية بتقديم الدعم لمن يرغب في العودة الطوعية إلى بلاده ممن رُفضت طلبات لجوئهم (التي أطلقتها إيزابيل روشا وزيرة العدل والشرطة في كانتون جنيف وحققت بعض النجاح النسبي مع مجموعة الشباب المنحرفين المغاربيين، الذين أزعجوا جنيف طوال السنوات الأربع الماضية، وأغلبهم من الجزائريين)، وأصبحت اليوم محط تطبيق على المستوى الوطني من قبل المكتب الفدرالي للهجرة، ولكن بشروط مُغايرة.
ففي تصريحات بثتها وكالة الأنباء السويسرية (ATS – SDA) يوم 20 أغسطس الجاري، أوضح المكتب الفدرالي للهجرة أن البرنامج الذي بدأ العمل به قبل شهر على مستوى الكنفدرالية، سمح لـ 32 تونسيا بالعودة الطوعية إلى بلادهم وبمغادرة التراب السويسري، في حين بلغ العدد الإجمالي للمسجلين للإستفادة منه 44 شخصا.
وكانت وزيرة العدل والشرطة الفدرالية سيمونيتا سوماروغا قد وقعت مع تونس في شهر يونيو الماضي اتفاقا يقضي بتشجيع العودة الطوعية لطالبي اللجوء التونسيين، الذين لا زالت طلبات لجوئهم تحت الدرس أو لم يُشرع بعد في معالجتها. وعلى النقيض من البرنامج الذي تم تطبيقه في كانتون جنيف، لا ينطبق الإتفاق على الذين رُفضت طلبات لجوئهم أو على من تورط في أعمال إجرامية من طالبي اللجوء. يُشار إلى أن الإتفاق ينص على أنه يقدم للشخص البالغ مبلغ 1000 فرنك وللطفل 500 فرنك، تُسلم عند الوصول الى المطار. كما ينص على أنه – وبعد مرور ثلاثة أشهر على تاريخ العودة الى تونس – على العائدين الراغبين في الإستفادة من الدعم السويسري، أن يُقدموا أفكارا بمشروع يرغبون في تنفيذه، تُعرض لاحقا على لجنة مكونة من ممثلين عن المنظمة العالمية للهجرة وعن الديوان الوطني للتونسيين في الخارج لدراستها. وإذا ما تم قبول فكرة المشروع، يحصل الشخص على مبلغ 4000 فرنك على دفعتين على الأقل. ويمكن للمشاريع الجماعية أن تحصل على دعم يمكن أن يصل إلى 15000 فرنك.
من جهته، يعلق جلال الماطري، عضو “جمعية التونسيين في سويسرا”، آمالا كبرى على نجاح اتفاق الهجرة المبرم بين برن وتونس وقال في تصريحات نقلتها عنه صحيفة لوتون: “إننا نشجع الشباب التونسي على العودة، لأن الغالبية وصلت الى قناعة أنه لا فائدة من البقاء في أوروبا”. ومع الإقرار بأن قسما من هؤلاء الشباب ممن لهم سوابق إجرامية استفاد من فترة الثورة للهروب من السجن ومغادرة البلاد، إلا أن الماطري يؤكد أن “الغالبية هم شبان من الأحياء الفقيرة والمهمشة، الذين عانوا من البطالة ومن مختلف المشاكل. لذلك، نحاول تجنيبهم السقوط بين أياد مجرمة في سويسرا والعودة إلى البلد في أقرب وقت”.
في بداية الأسبوع الجاري، تناقلت وكالات الأنباء نبأ إنقاذ عدة قوارب لمهاجرين غير شرعيين قبالة السواحل الإيطالية والمالطية.
إذ أوردت وكالة الأنباء السويسرية نبأ إنقاذ قوات خفر السواحل المالطية لحوالي ثمانين شخصا كانوا على متن قارب مطاطي بعد أن أشعرتها البحرية الإيطالية بذلك.
وهذا الزورق من ضمن عدد من الزوارق التي وصلت الى مالطا هذه الأيام قادمة من شمال افريقيا.
وكانت البحرية المالطية قد انتشلت في الأسبوع الماضي جثتي غريقين وأنقذت حوالي 160 مهاجرا ادعوا أنهم من اريتريا والحبشة وكانوا على متن قاربين مهددين بالغرق.
وفي يوم الإثنين 20 أغسطس الجاري، أوقفت قوات خفر السواحل الإيطالية قاربا مطاطيا وعلى متنه واحد وثمانون راكبا واصطحبتهم الى جزيرة لامبيدوزا.
وكان حوالي 400 مهاجر من تونس ومن بلدان افريقية تقع جنوبي الصحراء قد نزلوا بدورهم بجزيرة لامبيدوزا بعد أن وصلوا إليها على متن قاربين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.