راجي صوراني: “إسرائيل تضع نفسها فوق القانون”
هل من حق إسرائيل أن تفلت من العقاب، بسبب سَنِّـها قوانين تُجنِّـب جنودها وسياسييها المحاسبة في حالات جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية؟
تساؤل يطرحه الناشط والحقوقي الفلسطيني راجي صوراني، الذي يرى أن تلك القوانين تعمل على منع المدافعين عن حقوق ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية من إسماع صوتهم بالطرق القانونية الداخلية، في الوقت الذي لا زال توجه الفلسطينيين للعدالة الدولية محفوفا بشتّى العراقيل.
على هامش تقديم تقرير ريتشارد فالك، المقرر الخاص الأممي المعني بأوضاع حقوق الإنسان في الاراضي الفلسطيني المحتلة أمام الدورة الحالية لمجلس حقوق الإنسان، نظم راجي صورانين رئيس المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ورئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان ندوة صحفية، تطرق فيها للتغييرات التي أدخلتها إسرائيل مؤخرا على قوانينها لتجنيب جنودها ومسؤوليها المحاسبة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
في لقاء خص به swissinfo.ch، يشرح السيد راجي صوراني تداعيات هذه التعديلات ومدى تعارضها مع القوانين الدولية والقانون الإنساني الدولي.
swissinfo.ch: ما طبيعة التعديلات التي أدخلتها إسرائيل على قوانينها بخصوص المحاسبة في جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية؟
راجي صوراني: لجأت إسرائيل منذ سنوات الى إجراءات إدارية وقضائية وتشريعية، جعلت من توظيف واستخدام النظام القضائي الإسرائيلي للحصول على أدنى حد من العدالة والإنصاف، مهمة مستحيلة. لم يكن في يوم من الأيام لدينا وهْـم بأن النظام القضائي الإسرائيلي سينصف الفلسطينيين، لأننا نعرف أنه نظام عنصري بامتياز، ولكن وصلت الأمور الى أن حتى الـ 5 او 2% التي كانت متاحة، قد تبخرت بالإجراءات الأخيرة.
وما هي هذه الإجراءات، بشكل مبسط وبإيجاز لو سمحتم؟
راجي صوراني: إشتراطهم أن تُفرغ الشكاوى (بخصوص الانتهاكات المرتكبة في عمليات عسكرية تطال المدنيين) في ظرف ستين يوما من وقوعها. وإذا لم تُفرغ لدى المدعي العام العسكري الإسرائيلي، لا تُعد قائمة. وإذا لم يتم تفريغ هذه المخالفات خلال عامين من وقوعها، لا يأخذها القضاء الإسرائيلي بعين الإعتبار على الإطلاق.
واشتراط الإسرائيليين دفع ما يُسمى بالضامنة القضائية، التي تصل الى حوالي 7% من قيمة الدعوى المطروحة. وهذا يعني على سبيل المثال في قضية الانتهاكات المرتكبة في عملية “الرصاص المسكوب”، ما بين 5 الى 7 مليون دولار كضمانة قضائية لهذه القضايا.
بعد ذلك، تطورت هذه القضايا وتم سحبها وتركيزها أمام قاض واحد في بئر السبع. وهناك خطر دائم، عندما يتم تركيز هذه القضايا أمام قاض واحد وأمام لجنة واحدة للنظر فيها. وقد قام هذا القاضي بإدخال تعديلات على موضوع الوكالات، بحيث يشترط أن يحصل محامي إسرائيلي (وليس محامي من الأراضي المحتلة) على الوكالة للدفاع عن المتضررين الفلسطينيين. وبما أن المحامي الإسرائيلي لا يستطيع الذهاب الى غزة لتلقي الوكالة، والمتضرر الفلسطيني من قطاع غزة لا يستطيع الدخول الى إسرائيل، اقترح عليهم الذهاب الى مصر او تركيا أو جنيف او باريس وتوقيع الوكالة أمام مسؤول رسمي إسرائيلي بالسفارة او القنصلية الإسرائيلية.
فتخيل، المتضررين من عائلة “السموني” او “الداية” يتوجهون الى مصر او تركيا لتوكيل المحامي الذي سيتولى قضيتهم أمام القضاء الإسرائيلي. هذه مهمة مستحيلة ولا يقبل بها أحد. فنحن نتحدث عن ضرر حقيقي من حيث إمكانية التمثيل.
كما تم إدخال إجراءات أخرى، مثل تجزئة القضايا المشتركة التي كانت تقدّم بشكل جماعي. وعلى سبيل المثال، في حالة عائلة السموني التي تضرر فيها 29 شخصا والتي كانت تقدَّم في ملف واحد، طلب القاضي تقديمها في 29 ملفا، وبالتالي، تقديم 29 ضمانة قضائية مختلفة، وهذا يضعنا نحن (كمدافعين) أمام أحد أمرين: إما أن نضاعف هذه الضمانات القضائية بـ 29 ضعف أو أن نختار واحدا من بين الـ 29 متضررا لنرفع قضيته أمام المحكمة. وهذا يُخفض عدد القضايا بصورة دراماتيكية ومقصودة.
وقد لجأ القضاء الإسرائيلي مؤخرا، نتيجة لما قرره الكنيست الإسرائيلي في تشريعين، هما التعديل السابع والتعديل الثامن، الخاصين بما يسمى بقانون التعويضات في إسرائيل، إلى القول بوضوح بأن “أي من الضحايا او الأهداف المدنية التي تقع في إطار عمليات عسكرية او في إطار الدفاع عن أمن إسرائيل، لا يمكن اعتبارها جرائم حرب او جرائم ضد الإنسانية”. وبذلك، وضعت إسرائيل نفسها فوق القانون الدولي والقانون الانساني الدولي وحقوق الإنسان ووضعت شريعتها كما تراها، وهذا يعني وجود حصانة مُطلقة لكل المستوى السياسي والعسكري والأمني في دولة إسرائيل.
كما أن القُضاة قالوا، إن إبقاء هذه القضايا أمام المحاكم الإسرائيلية، رغم معرفتنا بالتعديلات الأخيرة، يترتب عنه بشكل واضح وصارم ونهائي، تغريم المحامين لمعرفتهم بالقانون وتجاهلهم له وتعطيلهم لعمل المحاكم وإضاعتهم لوقتها .
إن نتيجة كل هذه الإجراءات التي تم إدخالها منذ عملية “الرصاص المسكوب”، تم تجميعها من قبل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في تقريرين: الأول، تحت عنوان “معاقبة الضحايا”. والثاني، عبارة عن جرد لكل الإجراءات تحت عنوان “التمنع الذكي”، وهذا يعني بأن إسرائيل بإدخالها لكل هذه الإجراءات وهذا التعديل التشريعي، إنما دفعت جهازها القضائي لمنع الضحايا منعا كاملا من اللجوء الى الجهاز القضائي.
في كلمته التي ألقاها يوم 11 يونيو 2013 أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، شدد ريتشارد فالك، المقرر الخاص المعني بأوضاع حقوق الإنسان في الاراضي الفلسطينية على تأثيرات احتلال إسرائيل لأكثر من 46 عاما على أوضاع الفلسطينيين.
وقد دعم ذلك بالارقام حيث أورد أن إسرائيل أدخلت الى فلسطين أكثر من 650 الف مستوطن. وان العام 2012 وحده عرف زيادة نسبة المتوطنين بحوالي 4،5%. وا، الحكومة الإسرائيلية الحالية لديها نية في مواصلة ذلك بحيث قامت قبل أسبوعين باحتجاز حوالي 60 الف متر مربع إضافية في ضواحي نابلس. كما سجنت أكثر من 750 الف منذ بداية الاحتلال، وأن 5000 لا يزالون قيد الاعتقال اليوم. وهي تمارس العقاب الجماعي في حق أكثر من 1،75 مليون فلسطيني في قطاع غزة.
وبخصوص قطاع غزة، أوضح المقرر الخاص بالاعتماد على تقرير صادر عن الأمم المتحدة بأن قطاع غزة سوف لن يصبح قابلا للحياة ابتداء من العام 2020 بسبب المشاكل الصحية والبيئية. وأن 70% من السكان يعتمدون على المساعدات الخارجية، وأن 90% يستهلكون مياها غير نظيفة.
وطالب المقرر الخاص بضرورة فتح تحقيق مستقل في أسباب وفاة المعتقل الفلسطيني عرفات جرادات، الذي يشتبه في تعرضه للتعذيب. وأشار الى تقرير المنظمة الحقوقية الإسرائيلية “بيت زلم” التي اوردت بأن 700 شكوى ضد قوات امن ارتكبت تجاوزات ما بين 2010 و2011، لم يتم تعريض أي منها للتحقيق الإجرامي. كما جلب المقرر الخاص الانتباه الى وضع المؤسسات المتعددة الجنسيات، التي تستفيد من سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وطالب بإجراء تحقيق في هذا المجال.
وفي توصياته، وجه المقرر الخاص خطابه للمجموعة الدولية ولإسرائيل في آن واحد، من أجل فتح تحقيق في وضع المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وللتحقيق في حالات الإفلات من العقاب التي يتمتع بها ضباط السجون الإسرائيلية. كما طالب المجموعة الدولية وإسرائيل بالعمل معا، من أجل إعادة تأهيل القطاع الصحي والقطاع الزراعي في قطاع غزة.
أخيرا، طرح المقرر الخاص موضوع المواجهة بينه وبين منظمة يو إين ووتش، وهي منظمة تدافع عن إسرائيل في المحافل الأممية والتي هاجمته مرارا في السابق، مطالبا مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان بأن يقوم – بالتعاون مع مجلس حقوق الإنسان – بتأسيس آلية تدعم المقررين الخاصين، وبالأخص أولئك “الذين يتعرضون لعمليات تشويه، نظرا لتولّـيهم مهام حساسة، تتمثل في التشهير بانتهاكات حقوق الإنسان”.
أمام هذه العراقيل وهذه التعقيدات، ما الذي تبقى لكم كفلسطينيين، من أجل إيصال أصوات الضحايا؟
راجي صوراني: أنا بتقديري، مطلوب من القيادة الفلسطينية أمر بسيط وواضح، وهو ان تتوجه الى المحكمة الجنائية الدولية وأن تعمل على التوقيع على ميثاق روما الأساسي والمصادقة عليه.
هناك طلب مُقدّم من مارس 2009، فإما يُعمل على تجديده أو يُقدم طلب جديد الى المدعية العامة. وأنا بتقديري، هناك تصريحات واضحة من الأمين العام بان كي مون وتصريحات واضحة من المدعية العامة السيدة بن سودة، تشجع وتحرّض السلطة الفلسطينية على التوجه الى المحكمة الجنائية الدولية.
وقد أثرنا هذا الموضوع مع السلطة الفلسطينية ومع السيدة بن سودة. وما نريده، ما هو إلا فتح الباب ليس إلا، بتقديم ملف من بضعة أوراق لمكتب المدعية العامة. أما ملفات الإسقاط القانوني، فنحن على يقين بأنه بإمكاننا فتح بوابة جهنم على إسرائيل بالقانون وبالحقائق والوقائع وباستخدام وتوظيف هذه الاليات الدولية، التي هي حق مشروع للضحايا.
وأُذكِّر بأن تقرير غولدستون، تم دفنه بحجة واحدة، وهي أن القضاء الإسرائيلي هو جهاز قريب من مستوى الأجهزة القضائية الغربية وهو مستقل ولديه مهنية عالية، وأن القانون في إسرائيل هو قانون حديث ومتطور ويُنصف الضحايا. وهذا ما قاله غولدستون شخصيا عند تراجعه.
وأنا اقول، بعد كل هذه السنوات، بأنه ثبتت صحة ما قُلناه وثبت فشل ما قالوه بالحقائق والوقائع والإثباتات. وهذه هي النتيجة التي خلص إليها مؤتمر مالاغا (إسبانيا)، الذي بادر بتنظيمه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في 22 ابريل 2013، وحضرته منظمات فلسطينية وإسرائيلية يهودية ودولية، وأقرت بأن الجهاز القضائي الإسرائيلي، ليس مفتوحا بعدُ أمام مطالب الضحايا الفلسطينيين.
هل عرضتم بعدُ أم تعتزمون عرض هذه التحقيقات على الجهات الأممية والآليات المعنية باستقلالية القضاء، وعلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر لكي تتخذ مواقف من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للمعايير الدولية وللقانون الدولي والقانون الانساني الدولي؟
راجي صوراني: لقد قابلنا مدير مكتب الصليب الأحمر في قطاع غزة وناقشنا معه الموضوع وقدمنا له كلا المذكرتين، وقد وعد بنقلها الى قيادة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف.
وفي اجتماعنا في مالاغا بإسبانيا، قررنا بأن يكون ذاك الاجتماع بمثابة لوحة قفز للمجموعة الدولية وأن نتوجه الى بروكسل لطرح هذا الموضوع على دائرة حقوق الإنسان بالاتحاد الأوروبي. كما أنه من الضروري التوجه الى الحكومة السويسرية، بوصفها راعية معاهدات جنيف، وكذلك لنقابة المحامين الدوليين والمقرر الخاص باستقلال القضاء وغيرها من الآليات الدولية.
هذا الأمر يتطلب الكثير من الوقت والجهد. لكن مع ذلك، سنواصل العمل باتجاهين: فضح ما تقوم به إسرائيل من شريعة الغاب، وما يمارس تجاهها من توفير حصانة دبلوماسية وسياسية، حيث يتم تغيير بعض القوانين في بعض الدول الأوروبية، التي تشهد رفع قضايا ضد مسؤولين إسرائيليين، لاستخدام آلية التشريع الدولي أو في المحافل الدولية، عندما يتم منح إسرائيل حق النقض أو منع التصويت لتجنب إدانة لها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.