“لن نتوصل بالضرورة إلى حلّ سحري”
تستقبل البرازيل يومي 23 و24 أبريل الجاري "كأس العالم في مجال إدارة الإنترنت"، حسب وصف مجلة "وايرد". إذ سيجتمع ممثلو الدول، والمؤسسات، والمنظمات المدنية لعقد ما يمكن وصفه بـ "الخطوة الهامة نحو الأمام" في طريق إدارة وحوكمة الإنترنت، حسب أحد المفاوضين السويسريين.
من بين المشاركين في الوفد السويسري المفاوض الذي توجه إلى مدينة ساو باولو بالبرازيل للمشاركة في مؤتمر “النت العالمي” الذي يشارك فيه حوالي 800 ممثل من مختلف أنحاء العالم يومي 23 و24 أبريل 2014، السيد فريديرك ريهل، نائب مدير المكتب الفدرالي للإتصالات.
ومن المنتظر أن يرتكز مشروع الإتفاق المحضر للإجتماع، على ما ستقدمه لجنة تضم ممثلين عن الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص. ويتمثل هدف هذا المؤتمر في التوصل إلى اتفاق حول الخطوط العريضة لحوكمة أو إدارة الإنترنت. ومن ضمن هذه المبادئ حماية حقوق الإنسان، والمعطيات الشخصية، والشروع في عملية إصلاح للمؤسسات العاملة في هذا الميدان.
في الأثناء، اتضح أن حوالي ثلث المطالب المقدمة في هذا المجال، تتعلق بتدويل حوكمة أو إدارة الإنترنت، وإدخال إصلاحات على المنظمة غير الحكومية المسؤولة عن تحديد أسماء النطاقات، أي مؤسسة الأيكان ((«Internet Corporation for Assigned Names and Numbers) التي يُوجد مقرها في الولايات المتحدة.
في الحوار التالي، يُقدم السيد فريديريك ريهل أجوبته عن الأسئلة المطروحة كما يشرح بعض الإشكالات القائمة.
تمر قضية إدارة الإنترنت في الوقت الحاضر بمرحلة حساسة. إذ يحاول الشركاء البحث عن صيغة جديدة تسعى للتوفيق بين مواقف الداعين إلى الإحتفاظ بالوضع الحالي المتمثل في إدارة من قبل منظمات غير حكومية ومؤسسات خاصة، وبين أنصار تقوية دور الدول.
أسفرت المؤتمرات السابقة عن انقسام في المواقف بين معسكرين: يضم الأول روسيا والصين وإيران وبعض الدول العربية، التي ترغب في تقوية سلطة ونفوذ الإتحاد الدولي للإتصالات، فيما يشتمل الثاني على الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، التي تسعى جاهدة للحفاظ على الوضع الحالي.
swissinfo.ch: سقف التوقعات لمؤتمر” النت العالمي” مرتفع جدا. وهناك بعض الخبراء الذين يعتبرون أن هذا اللقاء سيكون حاسما. ما هو تقييمكم أنتم؟
فريديريك ريهل:ما هو مهم في نظرنا، هو محاولة فتح نقاش مع كافة الشركاء، من حكومات، ومجتمع مدني، وأوساط جامعية، وشركاء اقتصاديين، من أجل التوصل الى شبه إجماع حول المبادئ العامة المتعلقة بإدارة الإنترنت، ومن أجل تحديد خارطة طريق تتضمن تفاصيل عما نريد تحقيقه جميعا، وجدول زمني لذلك، وعن الوسائل التي نريد تسخيرها لتحقيق الأهداف المتفق عليها.
لقد طُرح موضوع إدارة الإنترنت للنقاش منذ حوالي عشر سنوات، ولكن لم يسفر ذلك عن نتائج كثيرة. إذ هناك وجهات نظر متعددة، لم يتم التوصل فيها الى أي إجماع حول بنود خطة العمل التي تم تحضيرها في المؤتمر العالمي لمجتمع المعلومات.
لو توصلنا إلى اتفاق حول المبادئ العامة، عندها سيصبح مؤتمر البرازيل مرحلة هامة. هناك نص شبه جاهز على مستوى التحرير، وهو يرتكز على مشاركات من الدول ومن شركاء آخرين. وعقد مؤتمر لمدة يومين وبمشاركة حوالي 800 مشارك سوف لن يسمح بإدخال تغييرات كثيرة، كما أنه لن يسمح بإيجاد حل سحري!
swissinfo.ch: jedv مؤسسة ” أيكان” الكثير من التوترات، خصوصا فيما يتعلق بارتباطها بالوكالة الحكومية الأمريكية (IANA). ما هي وجهة نظركم في هذه المسألة؟
فريدريك ريهل: لقد طُرح موضوع العلاقة بين مؤسستي ICANN و IANA منذ مدة طويلة. وكانت اللجنة الأوروبية قد أخطرت الأمريكيين قبل سنوات أنه من غير المقبول الإستمرار في إسناد مسؤولية تحديد أسماء النطاقات لجمعية يوجد مقرها في كاليفورنيا، وتخضع للقوانين الأمريكية. وهناك العديد من الدول التي يعسر عليها قبول هذا النظام. وعندما طلبت اللجنة الأوروبية إدخال اسم نطاق جديد ممثل في شعار “eu”، فإن وزارة الاقتصاد الأمريكية كانت هي الجهة التي أعطت الضوء الأخضر لذلك، وهذا ما يبدو غريبا.
وقد أصبح الضغط اليوم أكثر فأكثر، من أجل تدويل الإشراف على المؤسسات المختصة، بل حتى فادي شحادة، رئيس مؤسسة أيكان، يدعم هذه الجهود. ولكونه منحدرا من بلد آخر، فإن ذلك يلعب دورا كبيرا. لكن المسؤولين في مؤسسة أيكان ليسوا موافقين على ذلك. وكان الأمريكيون قد سربوا ما مفاده أنهم على استعداد للتوجه نحو إدارة دولية، ولكن لم يتم تحديد الطريقة التي ستكون بها هذه الإدارة الدولية.
يجب أن نبقى حذرين إلى أبعد الحدود، لأن الأمر يتطلب تسوية العديد من القضايا التقنية، وهذا ما قد يستغرق الكثير من الوقت. ما نعرفه هو أن الأمريكيين لا يرغبون في أن تكون مؤسستهم (أي IANA) خاضعة لمراقبة منظمة دولية مثل الأمم المتحدة أو الإتحاد الدولي للإتصالات (مقره جنيف). وهناك العديد من القضايا المُبهمة الأخرى التي تتطلب التوضيح.
swissinfo.ch: مؤسسة ICANN ليست إلا جزءا من النظام المتحكم في إدارة الإنترنت. فهناك أيضا دور الحكومات، التي ترغب في التحكم بشبكة الإنترنت، وهناك دور الأوساط الإقتصادية وغيرها من الأطراف، الذي يثير الكثير من الجدل. فهل يُمكن توقع التوصل إلى إحراز تقدم بخصوص نُظم إدارة وتحكم جديدة؟
فريدريك ريهل: لقد توصلنا الى حل بخصوص القضايا السياسية، والى تعاون يوصف ب “المُحسّن” بين الشركاء المختلفين. لكن ذلك يبقى عرضة لتأويل كل طرف. فقد فتحنا النقاش بهذا الخصوص منذ حوالي عشر سنوات ولم نتوصل لحد اليوم إلى أي إجماع. فمجموعة السبعة والسبعين للدول النامية داخل منظومة الأمم المتحدة تريد أن يكون للحكومات دور مشابه لدور ممثلي المجتمع المدني والمؤسسات الإقتصادية. لكن مجموعة ما يُعرف بـ “العيون الخمس” أي الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا، تقول بأن كل شيء يسير على أحسن ما يرام، ولا حاجة لإضافة مؤسسات جديدة. وهناك دول أخرى لا تقبل بفكرة مسؤولية متقاسمة بين عدد من الشركاء. لكن الجيد في الأمر، هو أن النقاش متواصل. كما أن هناك مشكلة في نظام اتخاذ القرارات الذي يكتنفه الكثير من الغموض. إذ ترى بعض الدول بأنه من غير الممكن تصوّر نظام تشترك فيه الحكومات مع ممثلي المجتمع المدني ومع الأوساط الإقتصادية.
استثمرت السلطات السويسرية مؤخرا حوالي 400 الف فرنك سويسري في تأسيس منتدى يحمل اسم “منصة جنيف للإنترنت” “Geneva Internet Platform”، بالإشتراك مع مؤسسة “ديبلو”.
يهدف هذا المنتدى لتوجيه النقاش الدائر حول إدارة الإنترنت من أجل تسهيل مهمة نشر المعلومات. ومن بين أهدافه، مساعدة الدول الصغيرة النامية على المشاركة في هذا النقاش. ويرى المكتب الفدرالي للإتصالات أن بإمكان هذا المنتدى التعاون مع منتدى مماثل أسسه الإتحاد الأوروبي.
للتذكير، تُؤوي مدينة جنيف العديد من المنظمات التي لها علاقة بنظام الإتصالات والإنترنت، مثل الإتحاد الدولي للإتصالات، ومؤسسة “إنترنت سوسايتي”، ومؤسسة “WorldWideWeb”، وجمعية “Internet Engineering Taskforce”. وفي الآونة الأخيرة، افتتحت مؤسسة ICANN مكتبا لها في المدينة المطلة على بُحيرة ليمان.
swissinfo.ch: وما هو موقف سويسرا؟
فريدريك ريهل: نحن نؤيد إدارة يتقاسم فيها الشركاء المختلفون المسؤولية، لكن ذلك يتوقف على طبيعة الموضوع المطروح. إذ من الممكن أن نجد شركاء يرغبون في الإهتمام أكثر بموضوع معين مثل القضايا التقنية. وفي هذه الحالة لا يمكن للحكومات أن تلعب دورا أكبر. هناك حديث دوما عن مساواة في المسؤولية بين الشركاء، ولكن يجب أن نعرف بعض الليونة في هذا المجال.
swissinfo.ch: وهل ستستحوذ قضايا المراقبة على نطاق أوسع، ومسائل التجسس على أشغال مؤتمر البرازيل أيضا؟
فريدريك ريهل: هناك بعض الأشخاص الذين يقولون بأن المؤتمر تم تنظيمه من قبل البرازيل كرد فعل على قضية “سنودن”. وهناك إجماع من قبل الجميع على ضرورة ان تخضع عملية المراقبة لقوانين مقبولة، ومناسبة، وتقوم على أسس قانونية. ولكن هذا الموضوع يبقى محط تأويل وفهم من قبل الدول.
لكن بعض ممثلي منظمات المجتمع المدني ومندوبي بعض الدول، يرون أن إعطاء مزيد من المسؤولية للحكومات قد يُعرّض موضوع الوصول إلى شبكة الإنترنت، ومحتوى الإنترنت الى خطر التشديد في المراقبة. ومن المعلوم أن بعض الدول مستعدة للقيام بذلك.
تستضيف الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف المستاءة من فضيحة التنصت لوكالة الامن القومي الاميركية، قمة دولية غير مسبوقة تفتتح يوم الاربعاء 23 أبريل 2014 في ساو باولو لاعادة النظر في الوصاية الاميركية على حوكمة الانترنت.
وتبدو القمة التي سميت “نت مونديال” وتستغرق يومين حدثا مؤسسا. فحضورها يشمل ممثلي 87 بلدا واكاديميين ومؤسسات تقنية ولاعبين خاصين ومنظمات، فيما تطمح الى صياغة مبادئ حوكمة وخارطة طريق يقرها للمرة الاولى جميع الفاعلين على الشبكة.
وتبدو هذه المبادرة مؤاتية جدا بعد مرور 25 عاما على انشاء الشبكة العنكبوتية التي يتصل بها حوالى ثلث البشر بحسب الامم المتحدة.
وترمي برازيليا قبل كل شيء الى التحرر من الهيمنة الاميركية على هيئات ضبط الانترنت، في مبادرة مدفوعة بفضيحة التجسس على البريد الالكتروني لروسيف ومعاونيها من طرف وكالة الامن القومي.
وصرح امين عام الرئاسة البرازيلية ديوغو سانتانا للصحافة ان “البرازيل تريد التشديد بقوة على آلية لتغيير حوكمة الانترنت”. وتابع “نحتاج الى تغيير الان”.
(وكالات)
(نقله من الإنجليزية وعالجه : محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.