من جنيف.. انطلقت رحلة البحث عن “حـلّ بديــل” في الحرب ضد المخدرات
تأسست في جنيف لجنة دولية جديدة لتحديد سياسة بديلة في مجال محاربة المخدرات، تشارك فيها شخصيات بارزة من عدة مناطق، وهي تهدف إلى تفادي سياسة التجريم التي فشلت لحد اليوم، ولكن ليس إلى حد الترخيص المُطلق بالإستهلاك. ينطلق المشاركون في الجلسة التأسيسية للجنة الدولية لمناقشة السياسات المتبعة في مجال محاربة المخدرات، التي انعقدت في جنيف يومي 24 و25 يناير 2011 من خلاصة تفيد بأن "الحرب ضد المخدرات بالطرق التي تمت حتى اليوم قد أظهرت فشلها ولذلك يجب البحث عن طرق بديلة".
والملفت أن معظم المشاركين في هذا الإجتماع التأسيسي من الشخصيات البارزة في عدة مناطق من العالم من بينهم رؤساء دول حاليون وسابقون ومسؤولون في منظمات دولية وإقليمية وفنانون ومثقفون مشهورون، وكانت سويسرا ممثلة بالرئيسة السابقة للكنفدرالية روت درايفوس التي شغلت منصب وزيرة الشؤون الداخلية في الحكومة الافدرالية المعنية بملف محاربة المخدرات ومعالجة الإدمان.
إقرار بفشل السياسات المتبعة
عمليا، تدعو الشخصيات المؤسسة إلى فتح النقاش على مستوى أوسع لإعادة النظر في الطريقة المثلى لمحاربة المخدرات بعد أن توصل الجميع الى نتيجة مفادها أن “السياسات المتبعة حاليا قد آلت الى الفشل”.
وترغب هذه الشخصيات أن يتم الإنطلاق من التجربة التي أنجزتها اللجنة التي تم تشكيلها في بلدان أمريكا اللاتينية بمبادرة من كل من الرئيس الأسبق في البرازيل كاردوزو، والرئيس الأسبق في كولومبيا غافيريا، والرئيس الأسبق في المكسيك زيديللو. ومن الدوافع إلى إطلاق هذا التحرك أيضا اقتناع هذه الشخصيات بأن “الترابط القائم بين تجارة المخدرات، والعنف والرشوة هي كلها عوامل تهدد استتباب الديمقراطية”.
وبعد أن حللت هذه الشخصيات السياسات المنتهجة في مجال محاربة المخدرات من خلال تقارير الخبراء، توصلت حسب تأكيد الرئيس البرازيلي الأسبق فيرناندو هنريكي كاردوزو إلى أنه “يجب التخلي عن سياسة تجريم المستهلك للمخدرات واعتباره مريضا يحتاج الى رعاية صحية”، خصوصا بعد أن اتضح أن “السياسات المتبعة لحد اليوم قد فشلت ولذلك يجب البحث عن سياسة بديلة”، حسب تعبير كاردوزو.
من جهتها، ترى روت درايفوس، الرئيسة السابقة للكنفدرالية والعضوة في هذه اللجنة أن “السياسات المتبعة وطنيا ودوليا منذ خمسين عاما، والمرتكزة على بنود المعاهدة الدولية لعام 1961 المتعلقة بمراقبة المخدرات، قد فشلت بشكل كبير سواء في الحد من انتشار وتفاقم ظاهرة تعاطي المخدرات، كما أخفقت في الحيلولة دون استيلاء الجريمة المنظمة على هذا “القطاع التجاري” (بين ظفرين)، والمدر لأرباح كبيرة على مستوى القارات الخمس”.
وترى الوزيرة السويسرية السابقة أن هذه السياسة المتبعة في مجال محاربة المخدرات فشلت بشكل كبير “عندما ظهر مرض نقص المناعة المتكسب وانتشار هذا المرض بين متعاطي المخدرات عبر الحقن مما أدى الى تفشي الإصابات في العديد من الدول من بينها سويسرا”.
ضرورة التحرك بسرعة
أثناء تدخلها أمام وسائل الإعلام شددت الرئيسة السابقة للكنفدرالية على “ضرورة التحرك على وجه السرعة”، في حين رأى الرئيس البرازيلي الأسبق كاردوزو أن على الولايات المتحدة إيلاء مزيد من عناية لهذا التحرك بحكم أن سجونها تؤوي أكثر من 500 ألف سجين لهم علاقة بشكل أو بآخر بالمخدرات، وإذا ما نظرنا بإمعان سنجد أن غالبيتهم من الفقراء ومن السود”. كما اشار كاردوزو إلى أن بلدا مثل أفغانستان “تحول إلى مصدر أولي لتصدير الأفيون رغم تواجد قوات دولية من عدة دول غربية هناك”.
وفي رد على سؤال طرحته swissinfo.ch عن سبب اختيار هذا الإطار للتحرك في الوقت الذي تضم فيه اللجنة شخصيات سبق لها أن تقلدت مناصب عليا في الدولة وكان بإمكانها الشروع في تعميم هذا التفكير وطنيا أو إقليميا، أجاب الرئيس البرازيلي الأسبق: “أكيد أن هناك العديد من العراقيل التي تحول دون ذلك وهناك حتى بعض التابوهات أو المواضيع المحرم الخوض فيها عندما يتعلق الأمر بمناقشة موضوع المخدرات ويفضلون معالجة الموضوع فقط من زاوية القمع والردع وأن ذلك من اختصاص الشرطة وليس السياسيين أو المفكرين”.
وأعرب الرئيس البرازيلي الأسبق عن اقتناعه بوجود “ضرورة لتغيير هذا المنطق وهو أمر لا يمكن أن يحدث من خلال مرسوم حكومي بل عبر تغيير العقليات والأفكار عبر حوار موسع يضم السياسيين والمفكرين ومنظمات المجتمع المدني، ومن خلال حملة إعلامية شاملة وهذا ما ننوي القيام به”. وبما أن ظاهرة المخدرات دولية الطابع، يرى المشاركون في عضوية هذه اللجنة أن معالجة الموضوع لا يجب أن تقتصر على إجراءات وطنية “بل من خلال حلول دولية أيضا”.
النموذج السويسري والأوروبي
السيدة روت درايفوس ترى بدورها أن مشاركة هذه الشخصيات في تركيبة هذه اللجنة ينبع من ضرورة الإستفادة من الخبرة التي حصلت عليها أثناء توليها للمسؤوليات في بلدانها والتي سمحت بتطوير نظرة لمعالجة موضوع محاربة المخدرات قائمة على أساس الملاحظة والتحليل والمتابعة العلمية.
وخصت بالذكر الإجراء الذي اتخذته سويسرا عندما تفاقمت وضعية مجموعة من المدمنين الذين لم تنجح الوسائل المتاحة في معالجة وضعيتهم مما دفع المسؤولين السويسريين الى الاعتماد على بند من بنود الدستور الفدرالي من أجل الترخيص “بوضع هؤلاء ولفترة تجريبية وتحت رقابة طبية لعملية توزيع الهيروين عليهم”.
وتقول الرئيسة السويسرية السابقة أن “المتابعة اليومية لهذه التجربة من خلال وسائل الإعلام وعلى مدى عدة سنوات، سمح بإطلاع الجمهور على النتائج وعلى سير العملية”، وهو ما ترى فيه وسيلة يجب تعميمها “حتى نظهر (للجمهور) بأن هناك وسائل أخرى سمحت لدول بإحراز تقدم أحسن في مجال حماية مواطنيهم وتقديم رعاية صحية فعالة لهم”.
وفي معرض تركيزها على ضرورة تعزيز الإعلام في هذا المجال لتبديد المخاوف والأفكار المُسبقة، ذكـّرت السيدة روت درايفوس بالجدل الذي أحاط بالإجراء المتمثل في “توزيع إبر نظيفة على مدمني المخدرات في السجون حيث تخوف البعض من احتمال تحول هذه الإبر إلى سلاح يُستخدم ضد الحراس” أو المخاوف من احتمال أن يصل جزء من كميات الهيرويين التي توزع رسميا على فئة من المدمنين في إطار العلاج إلى الأسواق”، لكنها انتهت الى خاتمة مفادها أن “التجربة السويسرية في الحالتين أظهرت بأن المخاوف لم تكن مبررة بدليل أنه لم تقع لحد اليوم اية اعتداءات بالإبر في السجون كما لم يتم العثور على أية كمية من الهيروين التي توزع رسميا في إطار العلاج كبضاعة تباع في سوق المخدرات”.
ويبدو واضحا أن أعضاء هذه اللجنة المشكلة حديثا يرغبون في تقاسم هذا الصنف من التجارب مع باقي الدول حتى تكون هناك معرفة شاملة عن كافة المحاولات والتجارب المتبعة وتوجيه الدول والمسؤولين لاتخاذ قرارات نابعة من تطبيقات عملية أظهرت نجاعتها.
ومع أن اللجنة لا تضم في تشكيلتها التأسيسية أي شخصية من المنطقة العربية، إلا أن السيدة روت درايفوس أوضحت في حديثها مع swissinfo.ch بوجود رغبة في الإتصال مستقبلا بمندوبين عن المنطقة كي يصبح التمثيل شاملا لكل مناطق العالم.
أعضاء اللجنة الدولية لمناقشة السياسات المتبعة في مجال محاربة المخدرات في جلستها التأسيسية المنعقدة في جنيف يوم 24 و25 يناير 2011 هم:
أسمى جاهانجير: الناشطة الباكستانية في مجال حقوق الإنسان والمقررة الأممية الخاصة السابقة في مجال الاعتقال التعسفي والاعدامات الجماعية.
كارلوس فوينتيس: كاتب ومفكر مكسيكي
سيزار غافيريا: الرئيس الأسبق في كولومبيا
إيرنيستو زيديللو: الرئيس السابق في المكسيك
فيرناندو هنريكي كاردوزو: الرئيس السابق في البرازيل
جورج شولتس: وزير الخارجية الأمريكي الأسبق
خافيير صولانا: المسؤول السامي السابق في الاتحاد الأوربي المكلف بالسياسة الخارجية والسياسية الأمنية.
جون مايتهيد: مصرفي
ماريا كاتاوي: عضو مجلس إدارة بيتروبلوس، والأمينة العامة السابقة للغرفة التجارية الدولية.
ماريون كاسبرس ميرك: كاتبة الدولة السابقة في الخارجية الألمانية.
ماريو فارغاس لوزا: كاتب ومفكر من بيرو
ميخائيل كازاتشكين: المدير التنفيذي للصندوق الدولي لمحاربة الإيدز والملاريا والسل.
رتيشارد برونسون: مقاول ومؤسس شركة “فيرجين”
روت درايفوس: الرئيسة السابقة للكنفدرالية السويسرية ووزيرة الشؤون الداخلية (تشمل الصحة) سابقا.
طورفالد ستولتنبيرغ: وزير خارجية النرويج السابق والمفوض السامي الأسبق لشؤون اللاجئين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.