عندما تنهى واشنطن عن المنكر وتنسى نفسها
أتهمت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الولايات المتحدة بارتكابها سلسلة من انتهاكات لحقوق الإنسان، معتبرةً أن القوة العظمى في المعمورة تنهى عن الفعل، وتأتي بمثله.
جاء ذلك في وثيقة تقدمت بها المنظمة الدولية، التي مقرها نيويورك، إلى الدورة الحادية والستين للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
في وقت تنهى فيه إدارة الرئيس بوش حكومات العالم عن الاستبداد، وتطالب بضرورة احترام حقوق الإنسان، وترفع لواء نشر الحرية في كل مكان، خاصة في العالمين العربي والإسلامي، قدمت منظمة مراقبة حقوق الإنسان، التي تتّـخذ من نيويورك مقرا لها، وثيقة إلى الدورة الحادية والستين للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تتهم فيها الولايات المتحدة بسلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان في إطار حملتها الدولية ضد الإرهاب.
فبعد أيام من إصدار وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان في العالم، والذي تضمّـن انتقادات شديدة لأوضاع حقوق الإنسان في عدد كبير من دول العالم، خاصة الدول العربية، أظهرت منظمة هيومان رايتس واتش الأمريكية أن إدارة الرئيس بوش تعمل بالمثل القائل” تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم”.
إدانة الإدارة الأمريكية
فقد قدمت المنظمة وثيقة إلى اجتماعات لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، طلبت فيها بإدانة عمليات اختفاء المحتجزين في الولايات المتحدة وتعذيبهم، وإساءة معاملتهم في إطار الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة على الإرهاب، وطالبت المنظمة بأن تحصل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على موافقة من واشنطن على السماح للجنة بالوصول إلى من تحتجزهم بتهم تتعلّـق بالإرهاب في أماكن عديدة من العالم.
واتهمت المنظمة الولايات المتحدة، بأنها ترفض تطبيق المعايير المعمول بها لاحترام حقوق الإنسان وقوانين الحرب على حوالي 550 معتقلا تحتجزهم في قاعدة غوانتانامو في كوبا، وتحاكمهم لجان عسكرية لا تتوفر على أسُـس المحاكمات العادلة، والأدهى من ذلك، أن الولايات المتحدة أرسلت العديد منهم إلى دول مثل السعودية، والأردن، وسوريا، ومصر، وأفغانستان، وباكستان للحصول على أقصى قدر من المعلومات منهم تحت وطأة التعذيب في هذه الدول، كما اختفى ما لا يقل عن أحد عشر محتجزا بتهمة الشك في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة.
واتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقريرها مسؤولين أمريكيين كبار، مثل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بالموافقة على إخضاع المحتجزين بتُـهم الإرهاب لتحقيقات تنطوي على إجبارهم على الاعتراف أو الإدلاء بالمعلومات، وهو ما يتعارض مع مواثيق جنيف والمعاهدات الدولية التي تحظر استخدام التعذيب والوسائل الأخرى التي تحط من الكرامة الإنسانية.
وذكرت المنظمة أن وزير العدل الأمريكي الجديد ألبرتو غونزاليس زعم أن تلك المواثيق لا تنطبق على معاملة غير الأمريكيين في الخارج، وهو ما يجعل من المسموح به لوكالة المخابرات الأمريكية استخدام وسائل تحط من الكرامة الإنسانية، مثل تقييدهم بالسلاسل وإجبارهم على الجلوس في أوضاع مهينة، واستخدام الكلاب في تهديد المحتجزين وتخويفهم بالتعذيب أو بالقتل، وأمرهم بخلع ملابسهم، وتعريضهم للحرارة الشديدة أو البرد أو الضوضاء لفترات طويلة في غمار التحقيق مع أشخاص غير أمريكيين خارج الولايات المتحدة.
وضربت المنظمة مثالا على التعذيب في حالة خالد شيخ محمد بغمره في الماء حتى يعتقد أنه سيموت مختنقا تحت الماء. كما نبّـهت منظمة مراقبة حقوق الإنسان إلى أن سياسة إجبار المحتجزين على الإدلاء باعترافات أو بمعلومات بشكل قسري أدّت إلى تورط مسؤولين أمريكيين في تعذيب السجناء وإساءة معاملتهم في سجن أبو غريب بالعراق، وكذلك في معتقلات أمريكية في أفغانستان، حيث لقي ستة محتجزين مصرعهم في تلك المعتقلات.
غوانتانامو إكسبريس
واتهمت منظمة مراقبة حقوق الإنسان وكالة المخابرات الأمريكية بالضلوع في عملية منتظمة لنقل المحتجزين بدون إجراءات قانونية إلى دول معروف عنها ممارسة التعذيب بشكل روتيني، مثل مصر وسوريا والأردن والسعودية والمغرب وباكستان وافغانستان، مثل تسليم المشتبه فيه ماهر عرار السوري – الكندي إلى سوريا وتعرُّضه للتعذيب هناك لمدة عشرة شهور، ونقل المصري الأسترالي ممدوح حبيب إلى أفغانستان ثم مصر، حيث تم تعذيبه لمدة ستة أشهر قبل نقله إلى غوانتانامو.
وقد طالب عضو الكونغرس إيرل بلامينور بالتحقيق في أوضاع شركة في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، تمتلك طائرة من طراز بوينج 737 تحمل إسم “غلف ستريم” تم رصدها في عدد من مطارات العالم، وهي تقل محتجزين معصوبي الأعين ومقيدين هبطت بهم في مطارات في دول اتهمها تقرير وزارة الخارجية الأمريكية نفسه بتعذيب السجناء، من بينها مصر والعراق وباكستان وأفغانستان وغيرها، واشتهرت باسم الخطوط الجوية للمخابرات الأمريكية أو غوانتانامو إكسبريس، حيث قامت بأكثر من ستمائة رحلة إلى أربعين دولة منذ هجمات سبتمبر الإرهابية، كان من بينها 30 رحلة إلى الأردن و19 رحلة إلى أفغانستان و17 رحلة إلى المغرب.
وقد أعرب النائب بلامينور عن الهلع إزاء نزول الإدارة الأمريكية إلى مستوى انتهاك حقوق الإنسان في دول مثل مصر والسعودية والمغرب وسوريا، تَـعظُـها الولايات المتحدة وتنصحها باحترام حقوق الإنسان، ثم ترسل إليها المحتجزين في غوانتانامو ليتعرضوا للتعذيب في سجونها لصالح التحقيقات الأمريكية.
وسخر من تأكيد وزير العدل الأمريكي غونزاليس على أن الولايات المتحدة تتلقى ضمانات من تلك الدول بعدم تعذيب المحتجزين قبل أن تسلمهم إليها الولايات المتحدة، وقال إنه من السذاجة بمكان أن تفترض الإدارة الأمريكية أن من تُـرسلهم على متن تلك الطائرة ليتم التحقيق معهم في مصر، لن يتعرضوا إلى التعذيب.
وطالب النائب بلامينور في خطاب رسمي رفعه للنائب الجمهوري هنري هايد، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب بإجراء تحقيق في حقيقة الطائرة التي تستأجرها المخابرات الأمريكية لإنجاز مهمة التعذيب بالوكالة.
رامسفيلد أمام القضاء
كان التحقيق الذي أجراه الأدميرال ألبرت تشيرش، مدير العاملين بالبحرية الأمريكية، على مدى عشرة شهور في الأساليب التي تم استخدامها في التحقيق مع من احتجزتهم القوات الأمريكية ما بين عامي 2002 و2004 في نطاق الحرب على الإرهاب، قد أكّـد للكونغرس أنه لم تكن هناك سياسة رسمية مرخّـص بها لتعذيب السجناء والمحتجزين أو إساءة معاملتهم.
لكن الإتحاد الأمريكي للحقوق المدنية نشر تقريرا يقع في أكثر من ثمانمائة صفحة، تضمّـن وصفا لما جاء في ملاحق كانت سرية، اتهم فيها الجنرال السابق جورج فيي أعلى قيادات وزارة الدفاع والقادة العسكريين الأمريكيين بخلق مُـناخ قاد إلى ارتكاب أعمال وحشية وسادية في سجن أبو غريب بالعراق، وكذلك وثائق تُـقر بإخفاء بعض المحتجزين وعدم السماح للصليب الأحمر بمقابلتهم.
جاء نشر هذه الوثائق فيما رفع اتحاد الحقوق المدنية ومنظمة تُـسمي نفسها “حقوق الإنسان أولا”، أول قضية أمام المحاكم الفدرالية الأمريكية ضد كبار المسؤولين الأمريكيين، وعلى رأسهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بتهمة المسؤولية عن ممارسات التعذيب في العراق وأفغانستان، التي شوّهت سمعة الولايات المتحدة في أنحاء العالم.
وتطالب الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الفدرالية في ولاية إلينوى بالنيابة عن أربعة محتجزين عراقيين وأربعة من الأفغان تعرّضوا للتعذيب وإساءة المعاملة على أيدي القوات الأمريكية بقيادة وزير الدفاع رامسفيلد، بتحميله مسؤولية تلك الممارسات التي انتهكت كلا من الدستور الأمريكي، والقوانين الفدرالية، وكذلك القانون الدولي.
وقال محامي الاتحاد الأمريكي للحقوق المدنية، إن راسفيلد “يتحمّـل المسؤولية المباشرة والنهائية عن الانحدار إلى مستوى أن يأمر شخصيا بإتّـباع أساليب غير شرعية في التحقيق، وبالامتناع عن استخدام صلاحياته كوزير للدفاع في وقف عمليات التعذيب”.
وكشفت صحيفة “ميامي هيرالد تريبيون” النقاب قبل أيام عن أن الحُـراس الأمريكيين في قاعدة غوانتانامو داسوا على نُـسخ من القرآن الكريم أمام المحتجزين المسلمين، ولعنوا الله وأجبروهم على خلع سراويلهم ليمنعونهم من أداء الصلاة.
وقال السيد أنتوني روميرو المدير التنفيذي للاتحاد الأمريكي للحقوق المدنية، إن الدعوى المُـقامة ضد رامسفيلد وعدد من القادة العسكريين الأمريكيين، تستهدف أيضا الحفاظ على سمعة الولايات المتحدة، كما كان يعرفها العالم كشُـعلة للحرية وللحيلولة دون تورّط الجنود الأمريكيين في إساءة معاملة السجناء وانتهاك المواثيق الدولية.
وقد تعهد السناتور جون وارنر، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، بعقد جلسة استماع لبحث التوصيات الكفيلة بإصلاح ممارسات وحدات القوات الأمريكية فيما يتعلق بالتحقيق مع المحتجزين، حيث أن هناك الكثير الذي يجب عمله، حسب قوله.
وقد وجدت الصين، التي طالما تعرّضت لانتقادات حادة من واشنطن بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، فرصة سانحة للرد، فأصدرت تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان وقالت فيه “إن الولايات المتحدة تتّـبع نظاما انتخابيا يعكس التنافس بين من يحشد أكبر قدر من المال للحملة الانتخابية، فيما تسود مستويات من الفقر جوانب من المجتمع الأمريكي، بينما تورّطت القوات الأمريكية ووكالة المخابرات الأمريكية في انتهاكات فاضحة خارج الولايات المتحدة”.
واتهم التقرير الصيني الولايات المتحدة بأنها متسقة في نفاقها، فهي تشجب أوضاع حقوق الإنسان في الدول الأخرى، وتلتزم الصمت عما تقترفه هي من انتهاكات.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.