عودة مغربية إلى ملف الشرق الأوسط..
دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس لجنة القدس الإسلامية التي يرأسها إلى اجتماع تعقده يوم الجمعة القادم في الرباط لبحث التطورات التي تشهدها القضية الفلسطينية واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية للاماكن المقدسة في مدينة القدس. إلا أن أهمية الاجتماع قد تكمن في أنه يعيد للدبلوماسية المغربية شيئا من حيويتها.
تتكون لجنة القدس التي تأسست عام 1979 من المغرب وفلسطين وموريتانيا ومصر والسعودية والأردن وسوريا ولبنان والعراق من الدول العربية والسنغال والنيجر وغينيا من الدول الإسلامية الأفريقية، و باكستان وإيران وبنغلادش و إندونيسيا من دول آسيا الإسلامية، وتعقد اجتماعاتها برئاسة ملك المغرب وحضور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ووزراء خارجية الدول الأعضاء، دون أن تكون هناك جدولة زمنية لهذه الاجتماعات.
آخر اجتماعات اللجنة كان في أغادير ( أغسطس 2000 ) التي عقدت لدعم الموقف الفلسطيني بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الفلسطينية الإسرائيلية، و كان ذلك الاجتماع هو الأول الذي يعقد برئاسة الملك محمد السادس.
احتجاب الدور الدبلوماسي المغربي..
منذ اجتماع أغادير احتجب الدور الدبلوماسي المغربي وغاب عن الساحة العربية والإسلامية بصورة تدريجية غير مفهومة، فالعاهل المغربي غاب عن القمة العربية في عمان والقمة الإسلامية في الدوحة ولم يقم المغرب بأية مبادرة في عملية سلام الشرق الأوسط أو في تداعيات أحداث الحادي عشر من ديسمبر التي شهدتها نيويورك وواشنطن من حرب لم تنته بعد على أفغانستان ومنظمة القاعدة.
وترافق الغياب الرسمي مع محاصرة أي نشاط غير رسمي داخلي يرتبط بالقضايا العربية الإسلامية الساخنة، كان أخرها منعه لمسيرة سلمية للتضامن مع الشعب الفلسطيني كان مقررا تنظيمها الأحد، مما حرم المغرب من إشعاع كان يمكن احتياجه لتحسين ملفات مفاوضاته الخارجية، وهو ما كان يتقنه الملك الراحل الحسن الثاني .
فانتفاضة الأقصى اندلعت منذ سبتمبر 2000 والسبب المباشر لاندلاعها كانت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي أرييل شارون للحرم القدسي، وفي الصيف الماضي قامت جماعة يهودية متطرفة بوضع حجر الأساس للهيكل، واحتل بيت الشرق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في القدس و أغلقت جميع المؤسسات الفلسطينية و رغم كل ذلك لم تستدع لجنة القدس لاجتماع وتم الاكتفاء ببيانات لوزارة الخارجية المغربية باسم اللجنة تندد وتدين.
احتجاب الدور المغربي قد يكون لقناعة لدى أوساط صانع القرار المغربي بضرورة عدم إثارة الولايات المتحدة الأمريكية في أية مبادرة قد تزعجها ويكون الثمن ضغوطا في ملفات تعتبر بالنسبة للمغرب حساسة خاصة ملف نزاع الصحراء الغربية الذي تتولى الأمم المتحدة تسويته سلميا، أو عدم إثارة اللوبي اليهودي في أوروبا والولايات المتحدة، ويشيرون إلى أن اجتماع لجنة القدس بأغادير أدي إلى حملة إعلامية في الصحف الفرنسية والأسبانية مست في جزء كبير منها الملك محمد السادس شخصيا.
عودة محسوبة…
والصيف الماضي أدرك العاهل المغربي، أن الابتعاد النسبي للمغرب عن دوره أدى إلى تهميشه خاصة فيما يتعلق بسلام الشرق الأوسط التي يحرص على التذكير الدائم بما يمكن أن يساهم به من خلال استمرار علاقة بلاده مع يهودها الذين هاجروا إلى فلسطين وشكلوا الجالية الأولى في الدولة العبرية.
وإذا كانت الأصابع في السابق تومئ إلى القاهرة كحاجز أمام دور مغربي منذ توقيع اتفاقية أوسلو بهدف احتكار الرعاية العربية لعملية السلام، فإن شخصية الحسن الثاني ومكانته و علاقاته الدولية ورغبته سمحت لاختراق هذا الحصار بين الفينة والأخرى.
ويبدو أن هذه الرغبة لم تكن حاضرة بشكل ملح لدى الملك محمد السادس ولا يثير اهتمام صانعي سياسته الخارجية، لذلك كان مفاجئا له هذا الإهمال للدور المغربي في سلام الشرق الأوسط المتعثر.
هل سيتمكن عرفات من حضور الأجتماع؟
حضور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لاجتماعات اللجنة وعودته بعد ذلك إلى أراضى السلطة الفلسطينية، سيكون الهم الأبرز لمعرفة مدى الدور المغربي وتأثره من جديد، فعرفات محاصر في مقر قيادته في مدينة رام الله منذ أكتوبر الماضي وترفض الحكومة الإسرائيلية السماح له بالتنقل داخل مناطق السلطة الفلسطينية أو خارجها، وسيكون غيابه عن اجتماع الرباط الأول من نوعه منذ إنشاء لجنة القدس.
يبذل المغرب ومنذ الاتفاق على عقد دورة جديدة للجنة جهودا استثنائية لتأمين حضور الرئيس الفلسطيني و يراهن على هذه الجهود التي تتعدد اتجاهاتها شرقا و شمالا وغربا، وإذا ما نجح فإن إشارة تكون قد أعطيت عن عدم الممانعة لإعادة الدور المغربي إلى سابق عهده.
وقد تواجه الجهود المغربية بتعنت رئيس الحكومة الإسرائيلية و عدم الحماس الأمريكي إلا أن عقد لجنة القدس الآن سيعبر عن اتجاه جديد في السياسة الخارجية المغربية التحدي جزء من سماتها.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.