غضب ضحايا زلزال الجزائر!
تصاعدت حدة غضب سكان الجزائر العاصمة والمناطق المحيطة بها واتهمت السلطات المحلية والوطنية بعدم الكفاءة والتراخي في التعامل مع ترتيبات الوقاية من الزلازل.
وقد تجاوز عدد الضحايا 2100، ويواجه الناجون صعوبات كبيرة في ترتيب حياتهم اليومية.
توقعت مراكز رصد الزلازل حول العالم أن تضرب هزة قوية شمال الجزائر، وكانت السلطات الجزائرية على علم بهذا التحذير. كما حذر المجلس الاقتصادي الاجتماعي الجزائري قبل أسبوع أعلى السلطات في البلاد، أن النسيج العمراني مهدِّد لحياة السكان في حالة هزة أرضية. ثم وقع الزلزال بالفعل، وقتل الآلاف من الأبرياء.
إن ما كان متوقعا حدث بالفعل. هزة أرضية عنيفة تضرب شرق العاصمة الجزائرية، لكن عنفها لم يكن كما حذر الخبراء، إذ أن شدتها لم تتجاوز حسب أسوء التقديرات، 6.8 درجات على سلم ريشتر.
ومن الوهلة الأولى، لاحظ الجميع أن بنايات دون غيرها هي التي تهاوت، في حين مكث أخرى دون أن تُـصاب بأدى وهو كثير جدا كأنه لم يُصب بأذى.
في كل بلديات الجزائر يوجد بقسم العمران، وثيقة يحفظها الجميع عن ظهر قلب، وفحواها أن مقاييس البناء في كامل الشمال الجزائري، أي من شاطئ البحر إلى النقطة الجنوبية، التي تبعد 600 كلم، يجب أن تحترم معايير في غاية القسوة، والسبب بسيط لأن الجزائر بلد زلزالي.
وما حدث، أن كل تحذيرات الخبراء والمواطنين والصحافة طيلة السنوات العشر الماضية لم تجد صدى لدى السلطات، التي لم تبال “بالتقارير الوطنية” حول انتشار الرشاوى وسوء الإدارة أو حتى الذين يستغلون المؤسسات الأمنية من أجل توقيع مشاريع بناءات ضخمة أو متواضعة دون احترام المقاييس. فكل رطل حديد ناقص في متر مربع، معناه مليارات الدينارات التي تدخل جيوب المرتشين.
مليارات جعلت ما يظهر بعد الزلزال في غاية الغرابة، إذ وُجد أساس بعض العمارات المنهارة مكونا من أربع أعمدة حديدية، في حين أن المواصفات الزلزالية تقتضي أن يكون الأساس مكونا من ثمانية.
كما لوحظ أن بعض العمارات لم تصمد أكثر من خمس وأربعين ثانية، وهي مدة الزلزال، ووجد أن حطامها أكثره رمل وإسمنت، وأن الحصى به قليل أو منعدم، وفقدانه يعني أيضا أن قيمته التي تم توفيرها ذهبت لجيب هذا المسؤول أو ذاك.
ضرب الزلزال ولاية بومرداس الواقعة 50 كلم شرق العاصمة، والواقع يدل على أن فصل ولاية بومرداس عن العاصمة الجزائرية من حيث العمران، أمر يدخل في إطار التقسيم الإداري أكثر منه شيئا آخر، لأن العمران متصل من العاصمة إلى مدينة بومرداس من غير انقطاع ظاهر.
إضافة إلى أن قرب مدينة الجزائر من مركز الزلزال بحوالي أربعين كيلومترا، جعل سكان العاصمة يشعرون بالزلزال، كما شعر به إخوانهم في ولاية بومرداس، ولكن بشكل أقل نسبيا. وما حدث في أغلب قرى وأحياء بومرداس، وقع في الجزء الشرقي من العاصمة، إذ انهارت بنايات دون أخرى، واختلط المنهار بين تابع للدولة وملك للخواص.
الغريب أن مجموعة من 500 فيلا انهارت في بلدية برج البحري، الواقع على بعد حوالي 14 كيلومترا شرق العاصمة، كثيرا ما وصفتها الصحافة، أن أراضيها بيعت بالرشوة خلال الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر، وأن رؤساء البلدية الذين تعاقبوا عليها باعوا رُخَـص البناء دون اكتراث بالمواصفات، والنتيجة هلاك عشرات المواطنين في بيوتهم، لدرجة أن البعض عبر عن الوضع بقوله: “هُـلِـك الراشي، وفَـرّ المرتشي”.
كان مركز رصد الزلازل في العاصمة الجزائرية يتوقّـع تزلزل الأرض، لسبب بسيط هو أن الجزائر يقع جزؤها الشمالي على حدود الرصيف القاري لإفريقيا، رصيف أضحى يحتك بقوة مع نظيره الأوروآسيوي، والنتيجة الطبيعية لاحتكاك كهذا، إما براكين أو زلازل.
وأكدت هذا المعطى جميع المراصد العالمية وصراحتها تزعج السلطات في الجزائر، لأنها تعلم أنها لو تحدثت بنفس الصراحة مع مواطنيها سيكون من الصعب تصور رد فعلهم.
استياء الضحايا
بداية الخيط، ما حدث للرئيس الجزائري نفسه، إذ بعد وصوله لمدينة بومرداس اقترب من بعض المنكوبين في الخيام ثم حيا بعضهم، غير أن حراسه لاحظوا أن الترحيب تحول إلى غضب وهتف المنكوبون: “السلطة قاتلة”، ما دفع حرس الرئيس إلى إقناعه بركوب سيارته التي رجمت بوابل من الحجارة، وخرجت بصعوبة من بومرداس، رغم الحراسة الشديدة لقوات الأمن.
هناك من علق بأن الرئيس الجزائري غامر وقام بخطوة لم يجرؤ عليها بعض رؤساء بلديات المناطق المنكوبة، لأنهم يعلمون أن الناس قد يرجمونهم، وقد يصل الأمر إلى ما هو أخطر…
من ناحية أخرى، وفي وسط العاصمة نفسها، انهارت بعض البنايات حديثة التشييد، وصمدت في المقابل بنايات قديمة في حي القصبة العتيق، الذي بناه الأتراك العثمانيون بعد الزلزال الذي ضرب العاصمة الجزائرية عام 1715، ودمرها بشكل شبه كامل.
صمود حي القصبة، رغم أن عمره جاوز القرون الأربعة، دفع بالمراقبين إلى اتهام المقاولين والمسؤولين بقتل آلاف الجزائريين. ويرى الكثير من المراقبين أن بوتفليقة لن ينسى رجمه من طرف مواطني بومرداس وسيدفع ثمن رجمه برؤوس مسؤولين كثيرين توجد أسماؤهم في ملفات مشاريع البنايات التي تهدمت في ولاية بومرداس وشرق العاصمة.
وبعيدا عن البكاء وعن الضحايا، هناك حقيقة لا يجب إخفاؤها، وهي أن بنايات الموت كثيرة في كامل الشريط الشمالي الزلزالي للجزائر، وولاية بومرداس ليست وحدها من دون سائر الولايات من حيث عدم احترام مقاييس البناء، لأن هناك 47 ولاية أخرى تعاني من نفس المشكل، وأغلب هذه الولايات يقع في الشمال.
ولا يخفي خبراء الزلازل “حول العالم”، توقعاتهم بأن الجزائر ستصبح في المستقبل بلدا زلزاليا، كاليابان وربما بشكل أكبر، لأنها أقرب إلى الرصيف القاري الإفريقي الذي يحتك بنظيره الأوروآسيوي.
وهذا يفرض تغيرا في العقليات يراه البعض صعبا، إذ قال رئيس الحكومة الجديد أحمد أويحي: “إن الذين يقولون إن ما بني قبل الاستقلال لم يتهدم، وما بني بعد الاستقلال تهدم، إنما يتبعون منطقا استعماريا، وينبغي أن يشعروا بالخجل للانتماء إليه”.
كلام سليم لولا أن الواقع أظهر أن بنايات خاصة وعمومية بنيت بعد الاستقلال لم يُؤذها الزلزال، لأنها بنيت حسب المقاييس المنصوص عليها قانونيا.
أزمة اجتماعية
من ناحية ثانية، تعرضت السلطات إلى انتقادات حادة بسبب تثاقلها في تسيير عمليات الإغاثة واستوجب الأمر يومين كاملين حتى يُعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أن المناطق المتضررة بالزلزال مناطق منكوبة. ولم تتحرك أغلب الجرافات إلا بعد أن نظمتها الإدارة، في حين أن مئات الناس لازالوا تحت الأنقاض يُسمع صوت بعضهم، وبعضهم الآخر عثرت عليهم كلاب الإنقاذ، غير أن حجم الردم عليهم كان كبيرا والجرافات لم تصل بعد.
كما أدى الزلزال إلى أزمة سكن خانقة. فقد خصصت الدولة المساكن الاجتماعية التي بنتها لصالح من ليس لهم سكن إلى المنكوبين، وجعلت من كان ينتظر سكنا بعد أيام، ينتظر إنجاز بيوت جديدة، إضافة إلى إحصاء عائلات كانت ستنتقل من بيوتها بسبب القدم مضطرة إلى المكوث فيها، وهي الآن مهددة بالسقوط بعد أن هز الزلزال أركانها.
فوضى هائلة تعيشها البلاد لا حل لها، سوى نشر الغسيل الوسخ والتبرؤ من المسؤولين الذين تسببوا في هذه الكارثة، ولو كانوا سندا انتخابيا لهذا الطرف أو ذاك.
يرى البعض أن إصلاح الوضع مستحيل، في حين يرى المتفائلون، أن الجزائريين ليسوا أحط من اليابانيين، ولو قُدر للشعب أن يعيش على وقع الزلازل، فبإمكانه أن يتحداها وفق السنن التي خلقت للتعامل مع اهتزاز الأرض، والتكافل الهائل الذي أبداه الجزائريون تجاه بعضهم البعض قبل وصول الدعم الحكومي، دليل على أن مواجهة الطبيعة بالنظام أمر ممكن.
لم يُرجم الرئيس الجزائري من قبل سكان بومرداس لأنهم غضبوا على موت أهلهم، بل لأن أغلبهم مؤمن راض بقدر الله، غير أنهم غضبوا منه لأن الفوضى التي يعيشونها، والرشوة التي تحدث عنها الرئيس في بداية حملته الانتخابية، لم يحاربها كما يجب أن تُحارب، وربما يكون رجمه من قبل رجال ونساء أضحوا تحت الخيام، سببا لإعلان الحرب.
حرب قد تكون على الذات، غير أنها تُشبه قطع جزء من الجسم بسبب السرطان، خوفا على حياة المرء من الهلاك المحتوم.
هيثم رباني – الجزائر
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.