غياب عربي في بورتو أليغري!
أين العرب الخمسون من ما يجري في مدينة بورتو اليغري البرازيلية، سؤال قد يبدو مطروحا في قمة اجتماعية المشاركون فيها مشغلون بهموم ذات حجم دولي. لكن مع ذلك فإن القضايا العربية سبقت أصحابها وفرضت نفسها داخل هذا المنتدى الضخم.
عدد العرب المشاركين في المنتدى الاجتماعي الثاني لا يتجاوز في أقصى التقديرات خمسين مشاركا من مجموع الستين ألف، لكن ذلك لم يمنع أن يكون لهم حضورا متميزا. ويعود ذلك إلى أسباب في مقدمتها التعاطف الكبير الذي يبديه الشعب البرازيلي تجاه القضية الفلسطينية.
لاشك في أن للقوى اليسارية والعمالية تأثير في خلق رأي عام مضاد لإسرائيل في البرازيل. فهذه القوى ما يزال لها حضور قوى على الساحة المحلية خاصة في مدينة بورتو أليغري، لكن إلى جانب ذلك، هناك عامل العداء الصريح والمتزايد للسياسة الأمريكية وهو شعور اصبح سائدا ومتوارثا لدى شعوب أميركا اللاتينية ونخبها.
وفي هذا الإطار، رفعت الفعاليات البرازيلية التي دعت ونظمت وشاركت في مسيرة التضامن مع الشعب الفلسطيني التي ُنظمت بنجاح يوم السبت الماضي داخل رحاب الجامعة شعارا هو:”بوش وشارون هم القتلة والإرهابيون”. لقد ساهمت أحداث 11 سبتمبر في تعميق الهوة بين واشنطن والرأي العام في جنوب القارة الأمريكية.
طغيان الهم الفلسطيني على التحركات العربية
ومن جهة أخرى أعلن مصطفى البرغوثي الذي تحدث باسم اكثر من تسع مائة جمعية فلسطينية عن رفع رسالة قريبا إلى هيئة التنسيق البرازيلية يدعو فيها إلى اقتراح عقد قمة اجتماعية سريعة في مدينة القدس يتولى إدارتها الفلسطينيون. ويكون الهدف منها توفير فرصة للمجتمع المدني العالمي بمختلف شبكاته حتى يعبر عن تضامنه الفعلي مع الشعب الفلسطيني عساه يضع بذلك حدا للتصفية الجماعية التي يتعرض لها.
هذا المقترح يدعمه الأوروبيون بقوة. لكن أطرافا فلسطينية وعربية عبرت من خشيتها من أن تستفيد إسرائيل من هذه المبادرة للظهور أمام العالم بكونها البلد الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط. أما بيير جالون المسؤول عن لجنة مساندة فلسطين في الاتحاد الأوروبي فقد أعتبر أن الوضع الفلسطيني خطير جدا ولا ينتظر الكثير من الوقت لعقد المؤتمر الدولي. وأعلن بدوره عن قرب إرسال مجموعات مدربة على وسائل الدفاع السلمي لحماية السكان المدنيين الفلسطينيين بعد أن عجزت الأمم المتحدة والدول الغربية عن ذلك.
غياب عربي عن الفعاليات الأخرى
هكذا توجه العرب إلى بورتو ألغيري مثقلين بهمومهم وقضاياهم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والحصار المفروض على العراق. هذا الانشغال جعلهم يغيبون تماما عن الورشات ومجمل التظاهرات التي تنتظم يوميا وتخص مختلف تداعيات العولمة على حياة الأفراد والشعوب.
هذا الغياب حاول أن يتداركه المفكر والباحث السياسي سمير أمين، عندما أكد بأن النيو ليبرالية والحرب وجهان لقضية واحدة، وأن العدالة الاجتماعية لا تتحقق إلا بارتباطها بتحقق التقدم الفعلي نحو العدالة العالمية وفلسطين تقع في قلب هذه المعادلة.
تعليل سمير أمين يبقى في محله لكنه لا يقلل من خطورة عدم مواكبة المجتمعات المدنية العربية لهذه القمة الاجتماعية الضخمة. هناك قطيعة مرعبة بين أولويات المنظمات العربية غير الحكومية وبين ما يطرح من أفكار وتجارب في هذا المجال على الصعيد الدولي. وما تقوم به الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية في مجال التنمية على أهميته سيبقى محدودا ما لم تولد في داخل العالم العربي حركات اجتماعية جديدة وحديثة في وعيها وآلياتها ووسائل عملها.
هنا يتدخل بعض العرب المشاركين في هذا المنتدى ليعيدوا الجدل من جديد بطرحهم السؤال المحير والدائم: كيف يمكن أن تنشأ الحركات الاجتماعية في العالم العربي في ظل أوضاع تغيب فيها الديمقراطية ويسود القمع والرأي الواحد.
صلاح الدين الجورشي/ بورتو اليغري
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.