في الجزائر: تعيين يمهّد لتعديل الدستور.. والإنتظار سيد الموقف
عاد أحمد أويحي رئيس التجمع الوطني الديمقراطي إلى رئاسة الحكومة من جديد، خلفا لعبد العزيز بلخادم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي كان قد حل مكان أويحي نفسه في منصب رئاسة الحكومة قبل عامين.
تبادل الأدوار هذا يدفع المراقبين والرأي العام داخل الجزائر وخارجها إلى التساؤل عن سببه (او أسبابه) والغاية (أو الغايات) المرجوة منه.
هناك إجماع بين الجزائريين، على أن من أسباب التغيير الحكومي الأخير، تنظيم الانتخابات الرئاسية التي يريدها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعد تعديل الدستور الحالي، الذي لا يمنحه الحق إلا في عهدتين رئاسيتين، ما يعني أن أويحي نفسه سيكون منظم التعديل الدستوري المرتقب.
في المقابل، ألقى “تسمّر” الرغبة الرئاسية في شخصين فقط، بظلال من الشك حول قدرة بوتفليقة على التعامل مع أكثر من شخصين، أو بمعنى آخر: “رجال سياسة جدد”، تحتم عليه أبجديات منصبه أن يعرفهم بشكل جيد، ويُرجع الكثيرون حالة الرئيس هذه إلى وضعه الصحي.
من ناحية أخرى، ترى الإعلامية غنية عكازي أن تعيين أويحي على رأس الحكومة له معنيان، الأول هو تأكيد أن موقف ما يعرف بالأسرة الثورية أي من بيدهم القرار معتمدين على شرعية ثورة التحرير، لا يقبلون بأي حال من الأحوال برئيس قبائلي في شخص أويحي، وهو من بربر وسط شمال الجزائر.
أما المعنى الثاني الذي يلي المعنى الأول، حسب غنية عكازي دائما، فهو جاهزية أحمد أويحي لتنظيم الحملة الانتخابية التي سيحتاج لها بوتفليقة، و قبل هذا إعداد التعديل الدستوري، الذي سيمكن بوتفليقة من الحصول على عهدة رئاسية ثالثة لا يخولها له الدستور الحالي، الذي ينص في مادته الرابعة والسبعين، على عهدتين اثنتين لا غير.
الركود سيد الموقف
ولقد أضحت أغلب القرارات التي يتخذها بوتفليقة مترجمة إلى معنيين اثنين، إما حالته الصحية و إما تعديل الدستور، لدرجة أن مصادر دبلوماسية فرنسية، قد أكدت لسويس إنفو عقب نهاية زيارة رئيس الحكومة الفرنسي فرانسوا فيّون أن “فشل فيّون في الحصول على قرار من بوتفليقة بالمشاركة في قمة الاتحاد المتوسطي في الثالث عشر من شهر يوليو القادم لا يفسر إلا بعدم تأكد بوتفليقة من حسن حالته الصحية يوم القمة، لذلك فضل عدم إعطاء موعد محدد كي لا يقع في مأزق إذا ما تدهورت صحته يوما أو يومين قبل القمة، فتكثر حينها الإشاعات وقد تحدث فضيحة”، حسب قول المصدر.
وبسبب هذا الاحتمال، ترى مصادر دبلوماسية ألمانية أن تعيين أحمد أويحي، “لا يؤكد إلا القاعدة القائلة بأن الركود هو سيد الموقف في الوقت الحالي، بسبب صحة الرئيس أو بسبب تعديل الدستور، وتأكّـدُ قوة أحد السببين عن الآخر لا يهمّ بقدر ما تأكد لدينا أن الركود السياسي، تعيشه الجزائر الآن، وبشكل لم يسبق له مثيل”.
لم تأت التفسيرات الفرنسية و الألمانية من العدم، بل بسبب أن مثل هذه المواقف موجودة بالفعل في الساحة السياسية الجزائرية، التي تغلي بكل المواقف التي يمكن تخيلها إلا أنها في الغالب لا تحمل صفة الرسمي، والدولة ممثلة في الرئاسة والحكومة، تستمع إلى ما يقال من دون الإجابة عليه، بل وقد تأخذ بنصيحة هذا الطرف أو ذاك من دون أن تخبره بذلك أصلا.
اتهامات لم يستمع إليها الرئيس
ويعتبر الإعلامي سعد بوعقبة، أن تبادل الأدوار بين بلخادم وأويحي، يمثل قمة تناقض النظام الحاكم، بل وقمة فساده أيضا على حد تأكيده، إذ يعتبر أن منصب رئيس الحكومة الذي عاد إليه أويحي، إنما يمثل “العودة إلى ملك شخصي، وليس العودة إلى منصب له مسؤولياته الجسام ضمن هرم السلطة”، حسب قوله.
ولقد شوهد سعد بوعقبة، مع قياديين كبار في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وسط العاصمة وهم يتحدثون إليه باهتمام بالغ، علما أن حزب التجمع يرأسه أويحي نفسه، ومن بين من كان يتحدث إلى بوعقبة، ميلود شرفي احد أقرب المقربين إلى أويحي، ما قد يعني أن “الجهاز الحكومي” يريد سماع المعارضة “الحقيقية” وإصلاح الوضع على قدر المستطاع.
هذا المستطاع، هو الذي جعل وضعية عبد العزيز بلخادم، غاية في الحرج، لأنه عاني الأمرّين من سوء الأداء الاقتصادي وبخاصة الصناعي خارج ميداني البترول والنفط، بل وكانت علاقاته مع بعض الوزراء غريبة جدا، لأنهم كانوا لا يعيرونه الاهتمام الكافي، إذ يعتبرون أنفسهم مسؤولين أمام الرئيس لا غير…
وهناك من يعتبر أن بلخادم “إسلامي لا يصلح لقيادة حكومة علمانية”، وبأنه ساعد في انتشار المد الأصولي داخل أجهزة الدولة، ولقد أثار تقرير أرسل من قبل سفير دولة أوروبية نافذة إلى مخابرات بلاده، أكد فيه أن الحكم في الجزائر “يتأسلم بشكل لم يسبق له مثيل” الكثير من اللغط. وردت مصادر مقربة من بلخادم بتأكيد خبر أن سفير هذه الدولة لا يصلح بأي شكل من الأشكال لتقييم أو للحكم على أشياء ليست من صلاحياته، ومن شدة الغضب أكدت هذه المصادر أن سفير هذه الدولة “شاذ جنسيا”، وهو وصف خطير في أبجديات المجتمع الجزائري، وليس أمرا عاديا كما هو الحال في العالم الغربي.
وبعيدا عن الغضب والتشنج، أكدت صحف جزائرية ناطقة باللغة الفرنسية، أن بلخادم إسلامي بأتم معنى الكلمة ومن بينها يومية “الوطن”، غير أن مصطلح إسلامي لا يعني بالضرورة المعنى الدقيق للشريعة الإسلامية، بل لأن الرجل يحافظ على الصلاة، ولا يعرض الخمر على ضيوفه في حفلات الحكومة، فنال بالتالي صفة الإسلامي، وإلا فالبنوك الإسلامية منتشرة، ويتعامل معها حتى من يصفون بلخادم بالإسلامي.
إلا أن بوتفليقة ” لم و لا ” يستمع إليهم، وعيّن بلخادم، وزير دولة مكلف بمهمة لدى رئيس الجمهورية، وهو منصب يوازي وزارة الخارجية في مفهوم بوتفليقة، الذي سيقوم على الأرجح بتوجيه بلخادم في مهمات خاصة إلى الدول العربية والإسلامية لأنه يملك الشكل الخارجي واللسان اللذان يسمحان له بذلك، في حين سيهتم مراد مدلسي وزير الخارجية، بالدول الغربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
مدرستان متباينتان
الشارع الجزائري لا يُبالي بهذه المتغيرات التي لا تقع في محيطه المعقد بالمشاكل والأزمات، وعلى حد تأكيد جبهة القوى الاشتراكية فإن الدولة في واد والمجتمع في واد آخر، بسبب العقلية الاستعلائية للحاكم على المحكوم.
والواقع أن قليلا جدا من أصحاب الحكم، وقليلا جدا من أصدقائهم و حلفائهم، ثم قليلا جدا من الإعلاميين من يملك جاه الدخول في حلقة العائلة الضيقة، التي تحوي مزيجا متناقضا يشمل الجيدين والسيئين وأولئك الذين يحافظون على مصالحهم في كل الأحوال.
ولعل سكوت الرئاسة على كل ما يقال عنها إلا في القليل النادر، دليل واضح على المدرسة التي ينتمي إليها الساكنون في قصر المرادية الرئاسي، فهم لم يتعودوا على النقاش المفتوح إلا فيما بينهم، وحسابات الحكم وتعديل الدستور على شرعيتها من ناحيتي العرف والقانون، لا تنهيان أزمة اختلاف مدرستين، ينتمي إلىها قرابة أربعين ألفا من الإطارات والطاقات العلمية التي هاجرت من دون رجعة إلى كندا العام الماضي، وبين المدرسة التي ترى أنها الأحق رأيا والأحق حكما والأحق جاها ومالا وسلطانا.
والمؤكد أن من هاجر غاضبا، يبتغي الرزق، وعدالة الغير، بريء من تهمة الإهمال التي تطال من بقي هنا وتمسك بالمسؤولية، لأن عليه حق الرعاية، وهل الدمار الشامل الذي يلحق بمؤسسات الدولة عندما يخرج شباب قرية من القرى غاضبين ومحتجين على سوء المعيشة، إلا دليلا واضحا على خيبة الأمل في رعاية الذين لم يتمكنوا – بعدُ – من الهجرة إلى ما وراء البحار؟
هيثم رباني – الجزائر
الجزائر (رويترز) – أفادت وكالة الانباء الجزائرية أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عين أحمد أويحيى رئيسا للوزراء للمرة الثالثة في تعديل وزاري يوم الاثنين 23 يونيو 2008 خلفا لعبد العزيز بلخادم الذي عين مساعدا للرئيس.
ويتزعم أويحيى الذي اشتغل بالعمل الدبلوماسي فترة طويلة وعرف بمهاراته الادارية حزب التجمع الوطني الديمقراطي وسافر الى الخارج عدة مرات في الشهور الاخيرة بصفته ممثلا شخصيا لبوتفليقة.
وعاد بلخادم ليشغل منصب وزير الدولة والممثل الشخصي للرئيس الذي كان يتولاه قبل اختياره رئيسا للحكومة عام 2006 .
وقال أحد المحللين ان التعديل الوزاري يمكن أن يتيح الفرصة لبوتفليقة ليعمل على اعادة انتخابه لمنصب الرئاسة اذا عدل الدستور ليسمح له بفترة ولاية ثالثة.
وقال المحلل أستاذ العلوم السياسية اسماعيل معارف غاليا ان تعيين أويحيى لقيادة فريق الحكومة يعني في الوقت نفسه أن بوتفليقة يسعى لتقوية جانبه قبل خطوات سياسية مثل تعديل الدستور وانتخابات الرئاسة.
وأضاف أن أويحيى يتمتع بنفوذ كبير وكان يمكن أن يصبح منافسا لبوتفليقة على الزعامة اذا لم يعين في منصب رسمي مشيرا الى أن بوتفليقة رجل واقعي ويعرف كيف يتفادى العقبات.
ودفع بوتفليقة بسياسة المصالحة الوطنية بعد مواجهات مع الاسلاميين استمرت عقدا من الزمان. وخصص 140 مليار دولار لاعادة بناء البلاد وتشجيع القطاع الخاص المتهالك.
وتهدف الخطة لتحسين وتوسيع البنية الاساسية وخلف مليوني فرصة عمل وبناء مليون منزل بحلول عام 2009 .
ويمكن أن يساعد تعيين أويحيى في التعجيل بعمليات الخصخصة المؤجلة بما في ذلك خصخصة بنك كريدي بابيولير داليجيري.
ونسبت وكالة الانباء الجزائرية الى أويحيى قوله انه سيسعى لتطبيق برنامج الرئيس بوتفليقة والسير على نفس النهج.
وذكرت الوكالة نقلا عن بيان لمكتب الرئيس أن التعديل يتضمن دخول وجوه جديدة لتولي حقائب النقل والصحة والزراعة.
ولم تذكر الوكالة أي تغيير في وزارة الطاقة والمناجم التي يتولاها شكيب خليل الرئيس الحالي لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
وكان أويحيى أصغر رئيس للوزراء في الجزائر عندما عين في المنصب عام 1995 واستمر فيه حتى عام 1999 .
وانتخب بعد عام من ذلك رئيسا لحزب التجمع الوطني الديمقراطي المعروف بمعارضته للاصوليين الاسلاميين وعين وزيرا للدولة ووزيرا للعدل في أولى حكومات بوتفليقة.
ثم عين رئيسا للوزراء مرة ثانية في مايو أيار عام 2003 في أعقاب أزمة سياسية بين بوتفليقة ورئيس الحكومة انذاك علي بن فليس أدت الى اقالة بن فليس.
ويرأس بلخادم حزب جبهة التحرير الوطني المهيمن المحافظ الذي ظهر الى الوجود خلال الكفاح من أجل الاستقلال عن فرنسا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 يونيو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.