في انتظار الإنتخابات الفلسطينية ..
في خضم أوضاع مأساوية ووسط تجاهل عربي ودولي، يبدو أن الفلسطينيين لا يترددون في سلوك الطرق الوعرة وغير المأمونة.
ففي التحضيرات الجارية لانتخابات لا زالت مجهولة، ما يحمل قرائن وأدلة تصب في صلب المشكلة الأساسية التي لا زالت تهدد مصير الأراضي الفلسطينية، ألا وهي الاحتلال.
في حين تشهد استطلاعات الرأي ونسبة التسجيل العالية التي حققها سكان الضفة الغربية وقطاع غزة في سجل الناخبين عشية إغلاقه على حماسة منقطعة النظير لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، فإن السياق العام يبقى رهنا بمتغيرات الوضع الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على الأرض.
وثمة مؤشرات على رغبة مراكز قوى داخلية في الاستمرار بتأجيل عملية الانتخابات إلى اجل غير مسمى، وهي مسألة ترتبط بمصالح القوى والحركات الفلسطينية، وان كانت تتفاوت بدرجات بين طرف وآخر.
بيد أن اكثر ما يميز قضية الانتخابات هذه، أنها تمس عصبا حساسا يختصّ في احتمال الوقوف على تغيير جذري في النظام السياسي الفلسطيني، لاسيما إمكانية بروز قيادة سياسة جديدة ستكون الأولى منذ عهد قيام القيادة الوطنية الفلسطينية الحالية.
ربما كان هذا الاحتمال، ما يفسّـر جملة التناقضات التي تخضع لها مسألة تعيين موعد رسمي أكيد للانتخابات العامة، وتلك الضغوط الخفية التي حاولت التأثير على مجرى وسَـير عملية تسجل الناخبين.
لكن عملية التسجيل التي باتت في حكم الأمر الواقع، بعد قيام ما نسبته أكثر من 60% من مجموع الناخبين، بتثبيت حقهم في الاقتراع والترشح، أصبحت الدرع الأول الواقي في رحلة ضمان إجراء الانتخابات.
وقد شكّـل إقبال السكان على التسجيل مفاجأة لكثيرين، اعتقدوا أن الشارع الفلسطيني الذي تشغله ضربات الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة، والحصار الخانق الذي تعيشه مدن أكثر من أربع سنوات، قد انشغل عن مهمة التفكير في التغيير.
فوق التوقعات
ولعل إبطاء الحكومة الواضح في المُـضي بعملية الإصلاح وعجزها الكبير أمام العدوان الإسرائيلي المتواصل، واستمرار حصار الرئيس ياسر عرفات، وانعدام فُـرص تحقيق أي انفراج، كلها وقفت وراء الاندفاع نحو سجل الناخبين.
وبالرغم من اقتصار حملة لجنة الانتخابات المركزية في الترويج لحملة التسجيل على إعلانات الصحف ويافطات الأماكن العامة، وشيء من مهارات الاتصال، فإن الإقبال الذي شهده التسجيل فاق كل التوقعات.
واعتبر علي الجرباوي، أمين عام لجنة الانتخابات، في حديث إلى سويس انفو أن “نسبة التسجيل تُـضاهي تلك الموجودة في دول متقدمة ومستقرة، وأنها فاقت كل توقعاتنا، بالرغم من الوضع الصّـعب على الأرض، ولأنها بلا شك كرّست وثبّـتت مبدأ إجراء الانتخابات”.
وأوضح الجرباوي أن نسبة التسجيل المُـعلنة لا تشمل منطقة القدس، التي منعت إسرائيل عملية التسجيل فيها، واضطرت لجنة الانتخابات إلى نقلها إلى أماكن أخرى. ورفض الجرباوى تقديم أي معلومات تفصيلية عن نسبة التسجيل في منطقة القدس.
وتعتبر نسبة التسجيل عالية جدا، إذا ما عرفنا أنه تخلّـلتها اجتياحات إسرائيلية متكررة إلى مناطق مختلفة في الضفة الغربية وقطاع غزة، لاسيما الهجوم الإسرائيلي المتواصل في شمال قطاع غزة.
وأكّـدت لجنة الانتخابات المركزية أن الاجتياح الإسرائيلي المتواصل لقطاع غزة لم يوقف عملية التسجيل، وأنها استمرت في شمال قطاع غزة بالتحديد، بالرغم من عنف الهجوم وإغلاق بعض المراكز.
ولا تشمل نسبة تسجيل الناخبين، الذين يُـقدّر عددهم بحوالي مليون وستمائة ألف نسمة، وحوالي 200 ألف يعملون ويقيمون حاليا في الخارج، لم تتسن لهم العودة والحضور لتثبيت أسمائهم في سجل الناخبين.
الأغلبية الصامتة .. ماذا ستفعل؟
بالرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على انتهاء ولاية سلطة الحكم الذاتي الحالية ومجلسها التشريعي، ومرور ثمان سنوات على إجراء الانتخابات الأولى في الأراضي الفلسطينية، فإن مسألة الانتخابات لم تشهد أي دعوات حقيقية.
وإذا كانت الأسباب الرئيسية لعدم إجراء الانتخابات تتحدّد في انهيار اتفاقات أوسلو، وإعادة إسرائيل احتلال معظم أراضى الضفة الغربية، وقطاع غزة التي كانت انسحبت منها، فإن الإقبال الكبير على سجل الناخبين هذه المرة يضع الأمور في سياق آخر تماما.
لقد سبقت عملية التسجيل بروز عدة ظواهر، أبرزها استمرار حبس الرئيس الفلسطيني في مقره، ووصول السلطة الفلسطينية إلى مرحلة شبه الانهيار وتراجع مصداقيتها، كما تشير استطلاعات الرأي المختلقة.
ولا يمكن بأي حال إنكار الأسباب الكامنة في إصرار إسرائيل على مواصلة احتلالها، وتكرار اجتياحاتها وعمليات القتل والاغتيال اليومية، التي تقوم بها قواتها في المناطق الفلسطينية المختلفة.
وفي خلف الصورة أيضا، قلة حيلة المجموعة الدولية في دعم مبادراتها السياسية، لاسيما خطة خارطة الطريق التي تنصّ على إجراء انتخابات، وعلى قيام دولة فلسطينية بحلول العام المقبل.
ثمة من يؤكّـد في صفوف النخبة الفلسطينية، وحتى على مستوى الرأي العام، أن إسرائيل ومعها الإدارة الأمريكية، لا ترغبان أصلا في إجراء انتخابات عامة فلسطينية، وأنهما يفضلان الإبقاء على الوضع الراهن، الذي يعفي حكومة إسرائيل من استحقاقات، ويُـبقيها على استغلال شعار أن “القيادة الفلسطينية هي العقبة الرئيسية”. أمام جملة العوامل هذه قرّرت القيادة الفلسطينية اللجوء إلى سجل الناخبين، وفيه ما يلزم وما لا يلزم.
ويمكن للقيادة الفلسطينية، التي لم تُـحدد سوى موعدا واحدا لإجراء انتخابات بلدية تدريجية، أن تستخدم عملية التسجيل التي يمكن القول أنها تمّـت في وجه إسرائيل والإدارة الأمريكية، والضغط عليهما للسماح بإجراء انتخابات، الأمر الذي يتطلب انسحابا إسرائيليا، وهي الوسيلة الوحيدة للقيادة في تحقيق إنجازات.
وإن لم تفعلا، فإن القيادة الفلسطينية ستسخدم حجّـة عدم تهيئة الأجواء الملائمة في عدم إجراء انتخابات، ويبقى الحال على ما هو عليه، وإن سمحتا، فإن انتخابات بلدية ستبدأ في مناطق محددة، وبناء على النتيجة، ستحدد القيادة الخطوة التالية.
وعلى هذه الخلفية، جاء موقف حركة حماس المعارضة، التي اختارت دعوة المواطنين للتسجيل، وقرّرت المشاركة في الانتخابات البلدية فقط، دون السياسية، حتى ترى النتيجة على المستوى الأصغر قبل التقدم.
لكن ثمة أغلبية صامتة كبيرة في المجتمع الفلسطيني المحاصر والمخنوق، تشير إليها جميع استطلاعات الرأي، يمكن أن تكون هي من يفاجئ القيادة وحماس.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.