فيدمر – شلومبف: “لن أستقيل ولن أغادر حزب الشعب”
أكد متحدث باسم حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد صبيحة الجمعة 4 أبريل أن الحزب سيواصل مسعاه الرامي إلى طرد وزيرة العدل والشرطة إيفلين فيدمر – شلومبف من الحزب، ومن فرع الحزب في كانتون غراوبوندن الذي تنحدر منه.
وكان الحزب قد وجه للوزيرة إنذارا نهائيا يطالبها بمغادرة حزب الشعب بحلول 11 أبريل الجاري وإلا حلّ فرع الحزب في كانتونها، كما دعاها إلى الانسحاب من الحكومة. لكن فيدمر – شلومبف، التي قد تصبح أول وزيرة سويسرية من دون حزب، أكدت أنها لن تستسلم لتلك التهديدات.
زخرت الصّحف السويسرية الصادرة يوم الجمعة 4 أبريل الجاري بالتعليقات على الضغوط المُتزايدة التي يـُمارسها حزب الشعب على وزيرة العدل والشرطة إيفلين فيدمر – شلومبف التي يُطالبها بمغادرة الحزب وحتى الاستقالة من الحكومة الفدرالية بحلول 11 أبريل.
ويكتسي هذا التاريخ أهمية خاصة بالنسبة للوزيرة إذ يـُصادف موعد جرد حصيلة الأيام المائة الأولى التي قضتـْها داخل الحكومة، وهي تتطلع لذلك اليوم بحماس وبفارغ الصبر ولا تعتزم الامتثال لأحكام حزب الشعب.
فقد أكدت السيدة إيفلين فيدمر – شلومبف أمام وسائل الإعلام – التي احتشدت حولها أمام باب مكتبها في القصر الفدرالي في برن يوم الخميس 3 أبريل – أنها تعتزم “الاستمرار في تمثيل الأفكار والقيم التقليدية لحزب الشعب في الحكومة”. وقالت بصوت هادئ: “لقد انتدبني البرلمان ولا بد أن أنجز مهمتي وإن كانت ليست سهلة”.
كما نفت الوزيرة الجديدة،التي كانت قد اندهشت بتعيينها من قبل البرلمان يوم 12 ديسمبر الماضي (عوضا عن زعيم حزبها كريسوف بلوخر الذي أطاح به البرلمان) اتهامات التآمر والتلاعب بشأن انتخابها، مؤكدة أنها ستواصل عملها.
ويـُذكر أن حزب الشعب يـُبرر عزمه على طرد فيدمر – شلومبف بالزعم أنها أخرجت بلوخر من منصبه و”وضعت مصلحتها الشخصية ومصلحة الحزب الاشتراكي فوق مصالح حزبها”.
خــيارٌ وحيـد
صحيفة “لا ليبرتي” (تصدر بالفرنسية في فريبورغ) استعانت بـالمُراسل السابق لديها، جورج بلون، الذي يُلقّب بـ”ذاكرة الصحافيين البرلمانيين” في محاولتها لتسليط الضوء على الوضع الذي تعيشه الوزيرة الجديدة.
بلون، الذي كان ضمن الحشد الصحفي الذي استمع لردود السيدة فيدمر – شلومبف يوم الخميس، قال “لم تشهد سويسرا وضعية مماثلة منذ 1848” (أي تاريخ تأسيس سويسرا الحديثة واعتماد الدستور الفدرالي).
وأوضح هذا المراقب المحنك للسياسة السويسرية أن وضعية الوزيرة “صعبة”، لأن التخلي عن ورقة انتمائها الحزبي ليس خيارا بالنسبة لها، خاصة وأن ممثلي الحزب الاشتراكي والحزب الديمقراطي المسيحي وبعض المنشقين الراديكاليين الذين انتخبوها يوم 12 ديسمبر الماضي شددوا على أنهم سيحترمون مبدأ التوافق بين الأحزاب الذي تقوم عليه الحكومة الفدرالية (بما أنهم عوضوا ممثلا عن حزب الشعب بممثلة أخرى عن نفس الحزب). وإذا ما اختارت شلومبف مغادرة حزب الشعب، “ستنهار البنية التي شرّعت انتخابها”، حسب تحليل بلون.
وبالتالي فإن شرعية الانتخاب تظل الخيار الوحيد الذي يتعين للسيدة فيدمر – شلومبف التمسك به، وهذا ما أكدته بالفعل من خلال دفاعها عن نفسها أمام الصحافة قائلة: “لم أكذب في أي وقت من الأوقات”، وذلك في إشارة للتلميحات التي وردت في شريط وثائقي بثته مؤخرا القناة الأولى للتلفزيون السويسري الناطق بالألمانية حول الإطاحة ببلوخر. كما حرصت على تذكير وسائل الإعلام بأنها عضوة في حزب الشعب “منذ أكثر من 30 عاما”.
“سابقة في سجلات التاريخ السياسي السويسري؟”
أما صحيفة “لا تريبون دو جنيف” (تصدر بالفرنسية) فتساءلت إن كان بإمكان الوزيرة مواصلة عملها من دون انتماء حزبي؟
“نعم” يجيبها أندرياس لادنير، الأستاذ في معهد الدراسات العليا للإدارة العمومية في لوزان، لكن “شرط أن تـُقدم لها غالبية البرلمان التي انتخبتها الدعم الذي لا يبديه تجاهها حزب الشعب. فقد اختارها البعض بغرض الإساءة لحزب الشعب، وعليهم الآن أن يـُظهروا بأنهم يستطيعون مساندتها، خاصة داخل اللجان البرلمانية”، التي عادة ما يحتدم فيها النقاش مع الوزراء.
من جانبه، يغوص جورج أوندري، المؤرخ المتخصص في تاريخ الانتخابات في سويسرا، في أعماق ذاكرته للعثور على حالة مشابهة لوضع الوزيرة الجديدة، ويقول: “في عام 1891، عرض الراديكاليون، في سابقة تاريخية، مقعدا على المحافظ الكاثوليكي جوزيف زيمب من كانتون لوتسرن، ليُنعتَ بعد ذلك من قبل أسرته السياسية بالمُرتد والمُناهض للكاثوليكية والمُلحد، وكان ذلك بمثابة نوع من الإقصاء الأخلاقي من قبل حزبه”.
أما فرونسوا شيري، الأمين الاشتراكي لـ “المركز من أجل إصلاح المؤسسات السويسرية”، فأعرب عن اعتقاده في تصريحاته لنفس الصحيفة أن “هنالك مغالاة في تقييم الرابط العضوي بين الحزب ومستشاره الفدرالي (أي وزيره في الحكومة الفدرالية)”، قائلا: “إذا كان وزير يدير جيدا وزارته ويتوفر على قاعدة شعبية جيدة، فلا شيء يمنعه من الاستمرار في الإدارة دون دعم حزبه. فلقد اضطر للقيام بذلك، على سبيل الذكر وليس الحصر، كل من شميد (وزير الدفاع الحالي، حزب الشعب)، وأوغي (وزير الدفاع السابق، حزب الشعب)، ودولامورا (وزير الاقتصاد الراحل، الحزب الراديكالي)، ودرايفوس (وزيرة الداخلية السابقة، الحزب الاشتراكي)، وكوشبان (وزير الداخلية ورئيس الكنفدرالية الحالي، الحزب الراديكالي)”.
نفس الاستنتاج عبر عنه أندرياس غروس، الخبير السياسي والنائب الاشتراكي في مجلس النواب الفدرالي: إذ نوه إلى أن “التوافق قد مات منذ زمن طويل على كل حال. ثم إن اعتبار سامويل شميد (من قِبل حزبه) كـ “نصف مستشار فدرالي” (نظرا لعدم اتفاقه بالكامل مع مواقف القيادة المركزية لحزب الشعب) لا يمنعه بتاتا من إدارة وزارته، وقد تُعتبر بالتالي إيفلين فيدمر – شلومبف “رُبع وزيرة”، لكن ذلك لن يطرح مشاكل لا يمكن تجاوزها. وسيتعين عليها كسب مُساندة البرلمانيين للحصول على دعم الغالبية التي يُفترض أن تكون واعية بمسؤولياتها المترتبة عن تصويت 12 ديسمبر”.
“وفي أسوإ الأحوال، قد تفعل (الوزيرة) مثل دوتفايلر الذي أسس تحالفا للمُستقلين خارج الأحزاب الرئيسية”، مثلما يُذَكِّر جورج أندري. (ويشار إلى أن غوتليب دوتفايلر، 1880 – 1960، هو المقاول والسياسي السويسري الذي أسس أيضا تعاونية ميغرو التي تحولت إلى إحدى أكبر المتاجر السويسرية اليوم، التحرير).
وبالنسبة لأندرياس لادنر قد تخدم “تلك الوضعية المستقلة” مصالح الوزيرة بحيث يمكن أن يجلب لها موقعها “خارج الإيديولوجيات الحزبية تقديرا شعبيا جيدا”.
“دعـُوها تعمل!”
ورغم الضغوط الشديدة التي تُمارس عليها والتهديدات المُتكررة التي تستهدفها، تظل الوزيرة إيفلين فيدمر – شلومبف هادئة، وما يُعزز شعورها بالاطمئنان الدعم الذي تلقته وما زالت تتلقاه من شريحة واسعة من المواطنين، والنواب، والحكومات المحلية في الكانتونات، والحكومة الفدرالية، وحتى من بعض أعضاء حزب الشعب نفسه (بما أن فروع حزب الشعب في مختلف أنحاء البلاد لا تتفق بالضرورة مع المواقف المتشددة للقيادة المركزية التي يسيطر عليها قياديون بارزون في فرع الحزب في كانتون زيورخ).
وكانت الحكومة الفدرالية قد قدمت بالفعل، في ختام جلستها الأسبوعية يوم الأربعاء الماضي، دعمها للوزيرة الجديدة، منتقدة بصرامة فظاظة الأسلوب المعتمد من قبل حزب الشعب إزاءها.
وقالت وزيرة الخارجية ميشلين كالمي ري (من الحزب الاشتراكي) إن التهديدات التي تلقتها وزيرة العدل والشرطة تشكل “هجوما على كافة أعضاء الحكومة وهي غير مقبولة”.
أما الأحزاب السياسية الأخرى، فقد أعربت أيضا عن سخطها إزاء الضغط الذي يمارسه حزب الشعب على الوزيرة. ويقول الراديكاليون، إلى جانب الاشتراكيين، إن رغبة حزب الشعب في استبعاد فيدمر – شلومبف من صفوفه شيء – إذ أنه يتمتع بحرية فعل ما يريد وإن كان ذلك يخص عضوا في الحكومة – لكن الإجراء الذي اختاره الحزب هو من أكثر التصرفات “إثارة للاستغراب” حسب رأيهم. أما الدعوة إلى إقصاء الوزيرة من الحكومة فهو شيء مغاير تماما، لأن حزب الشعب يشكك بذلك في انتخاب شرعي وديمقراطي من طرف أغلبية واضحة من أعضاء غرفتي البرلمان الفدرالي.
وتبعا لذلك، يؤكد الحزب الاشتراكي أن الأساليب المستخدمة من طرف حزب الشعب في هذا الصدد “لا تليق بديمقراطية” عريقة مثل سويسرا. أما الخضر فيدينون ما وصفوه بـ”النزعات الشمولية” لهذا الحزب، وأكدوا في بيان لهم أن “من يرفض الانصياع يُجازى بالإقصاء والقذف والطرد”. وأضاف رئيس الحزب الراديكالي فولفيو بيلي، من جهته، أن تصرفات حزب الشعب “تليق بحزب شيوعي سوفياتي”.
فيما وصف الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي لم يخف صدمته، أساليب حزب الشعب بالـ”الافترائية”. وبعدما دعا الجميع إلى التوقف عن إزعاج الوزيرة قائلا: “دعوها تعمل!” تساءل رئيس الحزب، كريستوف داربولي: “متى ستحدث أخيرا انتقاضة ضد إدارة حزب تتحدث دائما باسم الشعب وتتصرف بهذا القدر الضئيل من الديمقراطية؟”.
سويس انفو – إصلاح بخات
تُشارك الأحزاب الرئيسية الأربعة في سويسرا في الحكومة الفدرالية التي تضم سبعة مقاعد، منذ حوالي 50 عاما.
ظل توزيع المقاعد السبعة ثابتا ما بين 1959 و2003 (2 للحزب الديمقراطي المسيحي، 2 للحزب الراديكالي، 2 للحزب الاشتراكي، 1 لحزب الشعب) إلى أن تم انتخاب كريستوف بلوخر (من حزب الشعب (يمين متشدد) في موفى عام 2003 بمقعد ثان لحزبه على حساب الحزب الديمقراطي المسيحي.
تُمثل الأحزاب الرئيسية الأربعة بغالبية النواب في البرلمان (بنسبة 80%)، بينما يُعتبر الخضر أكبر حزب معارض بـحوالي 10%.
على مدى الـ 15 عاما الماضية، ارتفعت تدريجيا نسبة أصوات الناخبين المؤيدة لحزب الشعب في البرلمان إلى أن بلغت 29% خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 21 أكتوبر 2008.
مُقتطفات من تصريحات وزيرة العدل والشرطة إيفلين فيدمير – شلومبف أمام وسائل الإعلام يوم 3 أبريل 2008 في برن:
“تلقيت خلال الأيام الأخيرة دعما كبيرا وتشجيعات كثيرة من كافة الشرائح السكانية، ومن زملائي في الحكومة الفدرالية وأيضا من زملائي في الحكومات الكانتونية. (…) كما دُعيت، خاصة خلال الساعات القليلة الماضية، إلى عدم الاستسلام للتخويف والترهيب. ويمكنني أن أؤكد لكم ما يلي: سأصمد ولن استسلم للتفزيع. لن أترك حزب الشعب ولن أستقيل من الحكومة الفدرالية”.
إنني عضوة في حزب الشعب منذ أكثر من ثلاثين عاما. أدافع عن قيمه وسأواصل الدفاع عنها في عملي السياسي وفي الحكومة الفدرالية. سألتزم من أجل ترسيخ تلك القيم، وسأستمر في ذلك كما قمت بذلك إلى الآن: بلياقة واحترام وتسامح.
لقد قرر البرلمان في 12 ديسمبر الماضي عدم إعادة انتخاب سلفي (كريستوف بلوخر)، ثم انتُخبت. وانتخاب أعضاء الحكومة من حق وواجب البرلمان. لقد أدهشني انتخابه لي، لكني لم أحصل على ذلك بطريقة غير شريفة أو مُلتوية. لم يتم تدبير ذلك مُسبقا، ولم أكذب أبدا على أي أحد في أي وقت من الأوقات. ومن يدعي الآن غير ذلك، فهو يقوم به من دون أي أساس من الصحة.
(…) لم أتراجع أبدا أمام القيام بمهامي، ولم أهرب أبدا من مسؤولياتي، ولن أقوم بذلك الآن”.
الكاتب أليكس كابوس (من كانتون سولوثورن) لن يشارك في عيد الاحتفال بالربيع في زيورخ “سيخسيلاوتن”، الذي كان أحد ضيوف الشرف فيه، بسبب التهديدات الموجهة للوزيرة إيفلين فيدمر – شلومبف التي أعلنت يوم الأربعاء 2 أبريل أنها لن تحضر الحفل الذي سيقام على ضفاف نهر ليمات. وكتب كابوس “لن أتمكن من المشاركة في تظاهرة بضمير مرتاح” إذا كانت عناصر مستعدة للجوء إلى العنف تقرر لائحة المدعويين. وأضاف الكاتب أنه كان بإمكان السياسيين المُنتخبين التحرك بدون الخوف على سلامتهم الجسدية أو على حياتهم، لكن يبدو أن الأمر لم يعد كذلك.
من جهته، طالب فرع الحزب الديمقراطي المسيحي في زيورخ اللجنة المركزية لشركات زيورخ اتخاذ “موقف واضح” إزاء أعضاء الشركات التي تنشر تصريحات مثيرة للكراهية ضد الوزيرة فيدمر – شلومبف. ويقصد الحزب بشكل خاص نائب حزب الشعب في البرلمان الفدرالي، كريستوف مورغيلي. وأوضح الحزب الديمقراطي المسيحي أن استخدام عيد الربيع كاستفتاء عام لمعرفة من هو “مع أو ضد بلوخر” يظهر ميلا مُتناميا لـ “حكم الحزب الواحد”. وأعرب الحزب عن قلقه من “مشاعر حقد” فرع حزب الشعب في زيورخ تجاه الوزيرة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.