قانون مثير للجدل.. رغم الصعوبات
سارعت الاعتداءات الإرهابية في الدار البيضاء إلى مصادقة البرلمان المغربي على قانون مثير للجدل حول مقاومة الإرهاب.
وتتخوّف العديد من منظمات المجتمع المدني من العودة إلى الخطاب الأمني الصارم على حساب المكتسبات في مجال تكريس الحقوق واحترام الحريات.
لم توقف مصادقة البرلمان المغربي على مشروع قانون مكافحة الإرهاب النقاش حول هذا المشروع الذي يحمل في موادّه وبنوده غموضا كبيرا يحتمل التأويل السلبي أكثر من الإيجابي.
ولم تكن الحكومة المغربية، التي وجدت في الاعتداءات الانتحارية التي استهدفت الدار البيضاء في 16 مايو فرصتها لتمرير المشروع بعد تعثر دام أكثر من 4 أشهر، تطمح أكثر من مصادقة برلمانية بالأغلبية، لكنها وجدت أن الإجماع ينتظر هذا المشروع الذي يرى فيه البعض تراجعا خطيرا عن مكتسبات تحققت في البلاد في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، وحرية التعبير.
عُـرض مشروع “قانون مكافحة الإرهاب والهجرة السرية” على مجلسي البرلمان المغربي في دورة أكتوبر التشريعية. وتجلّـت من قراءته الأولية بصمات 11 سبتمبر والحملة العالمية ضد ما أطلق عليه “الإرهاب الدولي” خارجيا، وداخليا اكتشاف الخلية النائمة لتنظيم القاعدة التي ضمت 3 مواطنين سعوديين وأيضا ما قالته السلطات عن تفكيك شبكات لجماعات أصولية متطرفة مارست عنفا ضد المواطنين المغاربة.
وكانت الحكومة المغربية تستغرب كثيرا من حدة الحملة التي شنتها العديد من منظمات المجتمع المدني على مشروعها، وتؤكد أن المشروع ينسجم مع اتفاقية عربية حول مقاومة الإرهاب مؤكّـدة أن في المشروع من الضمانات ما يحول دون أي تراجع عن المكتسبات في ميدان الحريات العامة، وأيضا ما يحول دون إطلاق يد الأجهزة الأمنية.
لكن المعارضين لمشروع القانون، سجلوا الكثير من السلبيات والتراجعات، مثل التحديد الفضفاض والمطاط للفعل الإرهابي، وتحويل عدد من الجنح والجرائم العادية التي يعاقب عليها القانون الجنائي إلى جرائم إرهابية يتم التعامل معها بشكل استثنائي لا يراعى الضمانات القانونية والحقوقية ومقتضيات المحاكمة العادلة، مثل إلزامية حضور المحامي مع المعتقل، وإبلاغ عائلته فور اعتقاله، وتمديد الإيقاف التحفظي إلى مدة تصل 12 يوما، فيما هو في القانون 48 ساعة تمدد لفترة واحدة، إلى جانب تشديد عقوبة الحبس.
وعلى صعيد الحريات، يقول منتقدو المشروع، إنه أضفى مشروعية قانونية على انتهاك حرمة المنازل، وسرية المراسلات والمكالمات الهاتفية والحسابات المصرفية والتصرف فيها، والمس بحرية الصحافة والتعبير والرأي من خلال تكييف قانوني لأي رأي مناهض لتصرفات السلطة وأجهزتها واعتباره “دعوة للإرهاب”.
الإجماع الاضطراري
ولم تجد الحكومة معارضة لمشروعها من طرف المعارضة البرلمانية أو منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية فحسب. فحتى أحزاب الأغلبية أبدت تحفظات على عدد من نصوص المشروع، أجبر الحكومة على سحبه من لجنة التشريع والعدل وحقوق الإنسان، قبل تقديمه لجلسة عامة للمناقشة والمصادقة لإدخال تعديلات تخفف من حدة المعارضة.
كان مشروع الحكومة ينتظر في الأدراج، ومستشاروها القانونيون يعيدون دراسته لإيجاد مخرج يضمن التأييد والمصادقة، ولا يمس في القصد والهدف. وكاد المعارضون أن ينسوا المشروع ويتّـكئون على انتصارهم في سحب الحكومة له، إلى أن جاءت صدمة انفجارات الدار البيضاء وجعلت معظم الفصائل السياسية، بما فيها المعارضة الإسلامية الممثلة في البرلمان، تلتفّ حول موقف الحكومة.
وجه الوزير الأول المغربي إدريس جطو، في أول خطاب له حول التفجيرات بعيد ساعات من وقوعها، لوما شديد اللهجة إلى معارضي مشروع قانون الإرهاب والهجرة السرية، وحمّـلهم ضمنا جزءً من مسؤولية ما جرى. وأدرك المعارضون أن لوم وعتاب جطو تهديد مبطن لاستمرار رفضهم له.
الحفاظ على المكتسبات؟
محمد سعد العلمي، وزير العلاقات مع البرلمان، نفى لسويس انفو أن تكون الحكومة استغلت هجمات 16 مايو لابتزاز الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وقال، إن التعاطي مع مصادقة البرلمان على المشروع من هذه الزاوية، يظهر وكأن المشروع مؤامرة على البلاد، في حين أنه يسعى لحماية البلاد والعباد من وباء لا أحد يستطيع القول إنه بريء منه.
وأعلنت الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، خاصة حزب العدالة والتنمية الأصولي المعتدل وقائد المعارضة، بعد المصادقة على المشروع، أن مصلحة البلاد واستقرارها وأمنها، تقتضي وحدة قواها وفعالياتها السياسية والمدنية.
في المقابل، لم تتراجع المنظمات الحقوقية والإنسانية عن موقفها المعارض للمشروع، وأبدت تخوفاتها من أن تتحول هجمات الدار البيضاء إلى ذرائع لتراجعات خطيرة في مجال حقوق الإنسان. وقال عبد الحميد أمين، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن السلطات تحاول من خلال الاستناد إلى ما شهدته الدار البيضاء، وبتمرير قانون مكافحة الإرهاب، أن تُـجهز على الحقوق والحريات والتراجع عن مكتسبات، وإن كانت جزئية، انتزعتها الحركة الحقوقية المغربية.
لن تنزعج الحكومة المغربية كثيرا من انتقادات منظمات المجتمع المدني، إذ أن عمل هذه المنظمات حتى الآن في مجتمع مثل المجتمع المغربي، لا يشكل أداة فاعلة للتغيير.
وكانت الحكومة تخشى من توحد هذه المنظمات مع الأحزاب والتيارات السياسية الفاعلة، خاصة الأصولية منها. لكن بعد 16 مايو تفكك هذا التوحد، لأن هذه الأحزاب والتيارات تُـدرك أنها قد تكون مستهدفة وأن تقليص نفوذها، بغض النظر عن الأسلوب، سيلقى دعما وتأييدا داخليا وخارجيا.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.