“قانون محاسبة سوريا”!
تتعرض سوريا منذ سقوط النظام العراقي إلى ضغوط أمريكية مُـحكمة لإجبارها على الإنصياع الكامل لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة.
وقد بلغت هذه الضغوط ذروتها بمصادقة الكونغرس الأمريكي على قانون أطلِـق عليه “قانون محاسبة سوريا” بذريعة أن دمشق غير جادة في الحرب العالمية على الإرهاب
واصل المحافظون الجدد نجاحهم في الابتعاد بالسياسة الخارجية الأمريكية عن أي منطق متبع في العلاقات الدولية ومواصلة السير في طريق واحد هو الانحياز الكامل لإسرائيل، حتى وإن كان ذلك على حساب المصالح القومية الأمريكية.
فقد نجحوا هذه المرة في إيفاد أحد صقورهم في وزارة الخارجية، وهو جون بولتون وكيل الوزارة لشؤون السيطرة على التسلح، إلى الكونغرس ليثير زوبعة بتهم مثيرة مثل حيازة سوريا لأسلحة دمار شامل ومساندتها للإرهاب.
وتلقفت إليانا ليتنين، وهي كوبية أمريكية لا تعرف الكثير عن الشرق الأوسط وتنتمي للحزب الجمهوري وتشغل منصب رئيسة اللجنة الفرعية للشرق الأوسط المنبثقة عن لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس، تلك الاتهامات غير الموثقة، وجددت الدعوة لإقرار مشروع قانون محاسبة سوريا مستندة إلى أن الرئيس بوش يُـصِـرّ على منع ما يصفه بالدول المارقة من حيازة أسلحة الدمار الشامل لضمان عدم حصول التنظيمات الإرهابية التي ترعاها تلك الدول على أسلحة يمكن أن تهدد الأمن القومي الأمريكي.
ولما كان من غير المنطقي تكرار مهزلة تبرير استخدام الحرب الوقائية الاستباقية بوجود أسلحة دمار شامل في العراق لم يعثر عليها أحد، فإن التلويح بعصا العقوبات من خلال قانون محاسبة سوريا يمكن أن يضفي صورة غير شريرة تقول بأن الرئيس بوش، والكونغرس من خلفه، يفضل استخدام الوسائل الدبلوماسية والسلمية لوقف انتشار أسلحة الدمار الشامل وضمان عدم وصولها لأيدي الإرهابيين.
معنى قرار محاسبة سوريا
ووسط حملة منسقة لتصعيد انتقادات الكونغرس لسوريا لعب فيها زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب توم ديلي دورا رئيسيا في تغيير موقف الرئيس بوش، تراجع البيت الأبيض عن معارضته لقانون محاسبة سوريا، وقال سكوت ماكليلان، المتحدث باسم البيت الأبيض، إن سوريا اختارت الجانب غير السوي في الحرب على الإرهاب.
وفي بيانه أمام مجلس النواب، قال النائب الجمهوري توم ديلي “لقد جربنا مع سوريا كل شيء ولكن برغم تلويحنا بغصن الزيتون وبالجزرة التي عرضناها على سوريا، اختار النظام السوري أن يقف إلى جانب الإرهابيين. ولذلك، لم يعد أمامنا في مجلس النواب إلا أن نحدد السبل التي يمكننا بها أن نغير تفكير الزعماء السوريين.”
وطبقا لنص قانون محاسبة سوريا الذي أقره مجلس النواب بأغلبية ساحقة، حيث وافق عليه 398 عضو، وعارضه خمسة أعضاء فقط، وينتظر مناقشة نصه في مجلس الشيوخ ليتم عرضه على الرئيس بوش للتصديق عليه، فإن سوريا ستواجه طائفة منوعة من العقوبات:
أولا، حظر تصدير السلع الأمريكية باستثناء الغذاء والدواء إلى سوريا أو استثمار رؤوس أموال أمريكية أو عمل الشركات الأمريكية فيها.
ثانيا، تجميد الأرصدة والممتلكات التابعة للحكومة السورية في الولايات المتحدة.
ثالثا، تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وسوريا، وتحديد مجال سفر الدبلوماسيين السوريين في واشنطن أو نيويورك بخمسة وعشرين ميلا من مقار أعمالهم.
الضغط على نظام دمشق بكل الوسائل
ونص قانون محاسبة سوريا على أن سياسة الولايات المتحدة هي:
1- أن سوريا تتحمل مسؤولية كل الهجمات التي يشنها حزب الله وباقي التنظيمات الإرهابية التي لها مكاتب في دمشق أو قواعد في المناطق التي تحتلها سوريا من لبنان.
2- أن الولايات المتحدة ستعمل على حرمان سوريا من القدرة على مساندة أعمال الإرهاب الدولي، وكذلك جهودها لتطوير أو حيازة أسلحة دمار شامل.
3- ستواصل واشنطن إدراج سوريا على لائحة الدول التي ترعى الإرهاب إلى أن توقف دعمها لحزب الله والجماعات الإرهابية الأخرى، وتتخلى عن استضافة تلك المنظمات في دمشق.
4- أن استعادة لبنان لسيادته الكاملة ووحدة أراضيه أمر يدخل في نطاق المصلحة القومية للولايات المتحدة.
5- أن سوريا انتهكت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 520 الصادر عام 1982 بمواصلتها احتلال لبنان.
6- أن التزام سوريا بالانسحاب من أراضي لبنان لا يرتبط بتحقيق تقدم في المفاوضات السورية أو اللبنانية مع إسرائيل.
7- أن حيازة سوريا لأسلحة الدمار الشامل والصواريخ الموجهة يهدد أمن الشرق الأوسط والمصالح القومية للولايات المتحدة.
8- أن سوريا انتهكت كذلك قرار مجلس الأمن رقم 661 الصادر عام 1990، وكذلك قرارات لاحقة للمجلس بقيامها بشراء البترول من العراق.
9- ستقيد الولايات المتحدة المساعدات الأمريكية لسوريا، وستعارض تقديم مساعدات دولية لها حتى تسحب قواتها من لبنان، وتوقف تطوير أسلحة الدمار الشامل والصواريخ الموجهة، وتلتزم بقرارات مجلس الأمن.
وقد علق توم ديلي، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي على القانون بأنه سيكون رسالة واضحة لن يكون بوسع سوريا تجاهلها، وهي أن الولايات المتحدة لن تسمح لأحد بدعم الإرهاب.
أما البيت الأبيض فقال، إنه سينتظر الصياغة النهائية بعد أن يناقشها مجلس الشيوخ، حيث يحظى القانون بتأييد ثلاثة أرباع أعضاء المجلس. وصرح سكوت ماكليلان، المتحدث باسم البيت الأبيض بأن المسؤولين في الإدارة الأمريكية تباحثوا مع زعماء الكونغرس حول قانون محاسبة سوريا، وأعربوا لهم عن تخلي البيت الأبيض عن معارضته للقانون، ولكن الرئيس ينتظر الصياغة النهائية قبل المضي قدما.
ومن بين المعارضين القلائل في مجلس النواب الأمريكي، النائب الجمهوري رون بول من ولاية تكساس، الذي وصف القانون بأنه فكرة سيئة وذكّـر زملاءه في مجلس النواب بحقيقة أن سوريا وقفت إلى جانب الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، وقدمت لها مساعدات قيمة.
ونبه النائب رون بول إلى أن الولايات المتحدة بإقدامها على فرض تلك الطائفة من العقوبات على سوريا، تغلق باب الحوار معها وتضيف جانبا سلبيا آخر إلى العلاقات الأمريكية مع سوريا.
آثار متوقعة للقانون
ويعتقد محللو شؤون الشرق الأوسط في واشنطن أن قانون محاسبة سوريا يوجه رسالة إلى الدول التي تساعد الولايات المتحدة في حربها التي لن تنتهي على الإرهاب، بأنها لن تكون بمأمن من الغدر بها إذا قرر المحافظون الجدد وصقور المجابهة، عوضا عن الحوار تغيير علاقة التعاون وتحويلها إلى مجابهة.
كما أن القانون رسالة واضحة لكل من تشدقوا بعبارة أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون شريكا نزيها في عملية السلام ليدركوا حقيقة انحيازها لإسرائيل، واستحالة قيامها بدور الوساطة للتوصل إلى حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي، خاصة وأن القانون يطالب بعدم الربط بين سحب القوات السورية من لبنان، رغم أنها دخلت بموجب طلب لبناني ووفرت الاستقرار وأنهت الحرب الأهلية، وبين تحقيق التقدم في المسار السوري الإسرائيلي والمسار اللبناني الإسرائيلي.
والقانون هو أيضا رسالة أخرى إلى الدول العربية بضرورة الوقوف بكل قوة ضد الضغوط الأمريكية للتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، بعد أن رضخت قبل سنوات ووقّـعت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فيما لم توقع عليها إسرائيل.
ويعتقد بعض المحللين أن لجوء الإدارة الأمريكية لتغيير موقفها المعارض للقانون، ربما يكون مجرد مناورة لممارسة الضغط على سوريا بهدف تغيير بعض مواقفها، دون اللجوء بالفعل إلى تنفيذ ما نص عليه قانون محاسبة سوريا من عقوبات.
ويستند هؤلاء المحللون في ذلك إلى حقيقة أن القانون ينطوي على الشروع في تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وسوريا، ولو كانت حكومة الرئيس بوش تعتزم ذلك لما أرسلت السفيرة مارغريت سكوبي كسفيرة جديدة إلى دمشق بعد أن كان السفير الأمريكي تيودور قطوف قد غادر العاصمة السورية قبل شهرين وسط إشاعات متنامية بأن الولايات المتحدة تعتزم تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي لدى سوريا.
ولكن مهما قيل في تفسير القانون وما يمكن أن ينطوي عليه من آثار، فإنه يشكل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، حيث يعني بكل بساطة أن بوسع دولة كبرى كالولايات المتحدة أن تجعل من نفسها قاضيا عالميا خارج نطاق الأمم المتحدة يحمل دولة أخرى بالمسؤولية عن تصرفاتها في الشرق الأوسط، وليس على حدود مشتركة مع تلك الدولة.
ولكن توجه المحافظين الجدد في الولايات المتحدة لا يعبأ بالقانون الدولي ولا بمجلس الأمن، ويجعل من البيت الأبيض الخصم والحكم في العلاقات الدولية من خلال سياسة الانفراد بالقرار الدولي.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.