“قضاة مصر صمام الأمان لنزاهة الانتخابات”
أكد المستشار أحمد صابر إصرار القضاة في مصر على مقاطعة الإشراف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، ما لم يحصلوا على الضمانات الكافية للإشراف التام على جميع مراحل العملية الانتخابية.
تصريح المتحدث الرسمي باسم نادي القضاة المصري جاء في إطار حديث أجرته معه سويس انفو في القاهرة…
يطالب القضاة الحكومة المصرية إقرار مشروع قانون السلطة القضائية الذي يخصص ميزانية مستقلة للقضاة، وينقل التفتيش القضائي من وزارة العدل إلى مجلس القضاء الأعلى.
وقال المستشار أحمد صابر، عضو مجلس إدارة نادي القضاة في حوار شامل مع سويس إنفو بالقاهرة: “الإشراف القضائي على الانتخابات الرئاسية والتشريعية منصوص عليه في الدستور، وأي انتخابات تجرى بعيدا عن إشراف القضاء ستكون مزورة، ويكون محكوم عليها بالبطلان مقدما. لذا، يجب مقاطعة الإشراف عليها لأن المشاركة في التزوير جريمة”. كما أشار إلى أن شعب مصر “بكل طوائفه يتطلع إلينا بعد أن تحول نادي القضاة إلى منبر للحرية والديمقراطية”.
وكان “نادي قضاة مصر” قد أصدر يوم السبت 2 يوليو 2005 تقريرا، أعدته “لجنة تقصي الحقائق” بالنادي، وشكك في النتائج الرسمية لاستفتاء 25 مايو 2005 حول التعديل الدستوري لانتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع المباشر بين أكثر من مرشح.
وجاء في التقرير أن “95% من لجان الانتخاب الفرعية أفلتت تماما من رقابة القضاء، فكانت مسرحا لانتهاك القانون وتزوير بيانات حضور الناخبين”.
تأتي أهمية هذا التقرير من أنه يصدر في وقت أعلن فيه غالب قضاة مصر تخوفهم من أن الدولة تخطط لتزوير نتائج انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها في سبتمبر 2005، وكذا الانتخابات البرلمانية (بمجلسيها) المقررة في نوفمبر ويناير القادمين، فضلا عما تردد عن مطلب أمريكي وأوروبي بإرسال “مراقبين دوليين” لمتابعة عملية الانتخابات.
سويس إنفو: “المجلس الأعلى للقضاء” و”نادي قضاة مصر”، ماهية كلا منهما؟ وما الفارق بينهما؟
المستشار أحمد صابر: بداية، أوضح أن هناك فارقاً بين “المجلس الأعلى للقضاء” و”نادي قضاة مصر”. فنادي قضاة مصر يعتبر بمثابة النقابة العامة للقضاة في مصر، وقد تأسس عام 1939 كجمعية خاصة مشهرة، وفقا لقانون الجمعيات الأهلية المصرية، وهذا النادي له مجلس إدارة منتخب من الجمعية العمومية لقضاة مصر، ويتكون مجلس إدارة النادي من 15 عضوا ينتخبهم القضاة انتخابا حرا مباشرا، فهو إذن مجلس يعبر – بصدق – عن القضاة ويمثلهم تمثيلا حقيقيا.
أما “المجلس الأعلى للقضاء” فهو مجلس مشكل بحكم القانون، وأعضاؤه معينون بموجب قرار يصدره رئيس الجمهورية، وهو بهذا “مجلس حكومي”.
سويس إنفو : لماذا ظهر للناس أنهما مختلفان في الرأي حول مطالب القضاة وشروطهم للإشراف على الانتخابات؟
المستشار أحمد صابر: ليس هناك خلاف. فالكل متوحد خلف مطالب النزاهة والشفافية، والفارق بينهما هو أن نادي القضاة يشترط تلبية مطالب القضاة قبل المشاركة بالإشراف على الانتخابات. وتتلخص الشروط في ضرورة توفير الضمانات الكافية للإشراف التام على جميع مراحل العملية الانتخابية، وسرعة إقرار مشروع قانون السلطة القضائية الذي يخصص ميزانية مستقلة للقضاة، وينقل التفتيش القضائي من وزارة العدل إلى مجلس القضاء الأعلى.
أما المجلس الأعلى للقضاء، فهو يطالب بسرعة تلبية مطالب القضاة، لكنه يرفض فكرة الضغط على النظام لإجباره على الموافقة على المطالب، وتهديده بعدم الإشراف على الانتخابات.
سويس إنفو : لماذا هب القضاة في مصر الآن، أين كانوا طوال السنوات الماضية؟ ولماذا لم نسمع أصواتهم واعتراضاتهم من قبل، رغم كل ما يقال عن أن معظم الانتخابات السابقة شابها التزوير والبطلان؟
المستشار أحمد صابر: منذ عام 1986 ونحن نقول هذا الكلام وننادي بأعلى صوت لكن لا أحد يسمع. ولم يكن ما قلناه في 1986 من باب الرومانسية، ولكنه كان يستهدف تجنيب الانتخابات شبهة البطلان. في 1986 قلنا، وفي 1991 عقدنا ندوة خصصت للحديث عن الإشراف القضائي على الانتخابات، وما قلناه وحذرنا منه عام 1991 هو نفسه ما حكمت به المحكمة الدستورية.
والمشكلة أننا مررنا ونمر بأربع انتخابات. ففي مايو الماضي، أجري الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور، وفي سبتمبر القادم سيجري الانتخاب على اختيار رئيس الجمهورية، وفي نوفمبر ستجرى انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى من البرلمان)، وفي يناير 2006 ستجرى انتخابات مجلس الشورى، 4 انتخابات مهمة جدا ستحدد مسار البلاد، ألا تستحق تشكيل لجنة من القضاة؟!
سويس إنفو : البعض ينادي بعدم تدخل القضاة في السياسة، انطلاقا من وجوب حياديتهم، فما تعليقكم على هذا؟
المستشار أحمد صابر: هناك خلاف حول هذه المسألة. فهناك فريق من القضاة يتبنى مبدأ المشاركة مع القوى السياسية والشعبية المطالبة بالإصلاح، بينما يتمسك آخرون بأن يظل القضاة بمنأى عن حلبة الصراع السياسي حفاظا على حيادهم، وعلى أية حال، فإن القضية محل مناقشة، وسيتم حسمها بطريقة ديمقراطية تأخذ في اعتبارها مبدأ الأغلبية؛ لأن البعض يرى أن القضاة جزء من هذا المجتمع لا يمكن أن يبقى بعيدا عما يجري من أحداث في الداخل والخارج”.
سويس إنفو : هل ينص الدستور على وجوب إشراف القضاة على الانتخابات؟ وما موقف الانتخابات – من الناحية القانونية – في حال إجرائها بلا إشراف قضائي ؟
المستشار أحمد صابر: الدستور واضح فيما يتعلق بتكليف القضاة بالإشراف على أي انتخابات تجرى في مصر، والمادة (88) من الدستور تنص على وجوب “أن يتم الاقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية”، ولذلك، اعترض القضاة بصفة خاصة على استحداث مشروع القانون بابا ينص على إنشاء “لجنة عليا للانتخابات” لا تقتصر عضويتها على القضاة، واعتبروا أن ذلك يتعارض مع المادة 88 من الدستور.
وردا على من يقولون أن قلة عدد القضاة (8 آلاف قاض) تجعل الإشراف الكامل على الانتخابات في مصر مستحيلا (نظرا لوجود 20 ألف لجنة انتخابية عامة وفرعية)، فإنه يمكن إجراء الانتخابات على أكثر من يوم، وقد أجريت انتخابات مجلس الشعب عام 2000 على 3 مراحل، فالدستور لم يستلزم إجراء الانتخابات أو الاستفتاء في يوم واحد.
سويس إنفو : ما هي شروط القضاة للإشراف على الانتخابات؟ ولماذا يصرون عليها بلا هوادة هذه المرة ؟
المستشار أحمد صابر: تتلخص شروط القضاة للإشراف على الانتخابات في ضرورة توفير الضمانات الكافية للإشراف التام الكامل والشامل على جميع مراحل العملية الانتخابية، بدءا من تنقية كشوف وجداول الناخبين وحتى إعلان النتائج النهائية للانتخابات مرورا بالعملية الانتخابية ذاتها، وسرعة إقرار مشروع قانون السلطة القضائية الذي يخصص ميزانية مستقلة للقضاة، وينقل التفتيش القضائي من وزارة العدل إلى مجلس القضاء الأعلى.
أما عن الإصرار عليها، فلأن بداية الإصلاح الحقيقي في مصر يجب أن تبدأ بإصلاح المنظومة القضائية، فإذا كانت هناك إرادة حقيقية للإصلاح فلا بد أن تكون البداية بالقضاء؛ فهو ضمير العدالة في مصر، ثم ننتقل إلى إصلاح باقي قطاعات الدولة المختلفة بعد ذلك.
سويس إنفو : نسمع كثيرا عبارة “الإشراف الشامل والكامل” للانتخابات… فما هو المقصود بها؟
المستشار أحمد صابر: هذه العبارة “الإشراف الشامل والكامل” للانتخابات، تعني كما قلت في السؤال السابق أن يكون الإشراف على جميع مراحل العملية الانتخابية، بدءا من تنقية كشوف وجداول الناخبين من الأموات ومن ليس لهم حق التصويت، وإضافة من بلغ السن القانونية، وحتى إعلان النتائج النهائية للانتخابات، مرورا بمتابعة العملية الانتخابية ذاتها
وأقصد بها الصندوق من خلال التأكد من خلو الصناديق قبل بدء التصويت، والمحافظة على الصناديق بعد انتهاء مواعيد اللجان، وحتى انتهاء عملية فرز الأصوات.
سويس إنفو : ما رأيكم في التشكيل المعلن للجنة العامة للإشراف على الانتخابات الرئاسية المقررة في سبتمبر، والبرلمانية المقررة في نوفمبر، والذي ضم شخصيات عامة ليست من أعضاء الهيئات القضائية؟
المستشار أحمد صابر: بداية فإن تشكيل لجنة عامة للإشراف على الانتخابات تضم شخصيات عامة ليست من أعضاء الهيئات القضائية باطل ومخالف للدستور، لتعارضه الصريح مع المادة (88) من الدستور، التي تنص على وجوب “أن يتم اقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية”.
سويس إنفو : ما تعليقكم على الصيغة النهائية للتعديلات التي أجريت على المادة 76 من الدستور؟
المستشار أحمد صابر: المادة (76) من الدستور صيغت بطريقة غريبة وغير سليمة، فالمفروض أن الصياغة هي وضع الجملة في أجمال صورة، فكلمة (صياغة) من (صاغ وصائغ الذهب).
سويس إنفو : لماذا قرر نادي القضاة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول نتائج استفتاء 25 مايو؟ وما هي المراحل التي مرت بها اللجنة حتى إصدار تقريرها في 2 يوليو الجاري؟
المستشار أحمد صابر: قرر نادي القضاة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول نتائج استفتاء 25 مايو، لأن تقارير القضاة ومذكراتهم التي دونوها عن يوم الاستفتاء، ثم ما أعلن من نتائج الاستفتاء والنسب غير المنطقية، فضلا عن ملاحظات القضاة ومشاهداتهم الشخصية عما وقع يومها، هو الذي جعلنا نقرر تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، تباشر عملها في حرية تامة على أن تقدم تقريرها لمجلس إدارة نادي القضاة، ورغم المعاناة الشديدة التي لاقاها أعضاء اللجنة وبعد التزامهم الكامل بكل المعايير الصادقة في التقييم والمتابعة واستماع شهادات الشهود من القضاة الذين أشرفوا على بعض اللجان الفرعية والعامة، قدمت لجنة تقصي الحقائق تقريرها يوم السبت 2 يوليو 2005م.
سويس إنفو : ما هي أهم النتائج التي انتهى إليها تقرير اللجنة حول نتائج استفتاء 25 مايو؟ وما دلالات هذه النتائج ؟
المستشار أحمد صابر: انتهى تقرير لجنة تقصي الحقائق، التي شكلها نادي قضاة مصر حول نتائج استفتاء 25 مايو 2005، إلى الآتي:-
1- إن القول بأن أكثر من أحد عشر ألف قاض أشرفوا على إجراء الاستفتاء هو قول بعيد عن الحقيقة.
2- إنه لم يكن لرؤساء اللجان العامة رقابة أو إشراف حقيقي على أعمال اللجان الفرعية.
3- إن 95% من اللجان الفرعية أسندت رئاستها لموظفين لا استقلال لهم ولا حصانة، وتعرضوا للترهيب من رجال الشرطة، وأفلتت تماما من رقابة القضاة، وكانت تلك اللجان مسرحا لانتهاك القانون وتزوير بيانات حضور الناخبين وبطاقات إبداء الرأي.
4- إن بعض رؤساء المحاكم الابتدائية عاق محاولات القضاة الإشراف على اللجان الفرعية، وأعان على انتهاك القانون في شأن عضوية تلك اللجان.
سويس إنفو : ماذا سيكون موقفكم لو رفضت الحكومة – وهو الظاهر حتى الآن – الموافقة على شروطكم للإشراف على الانتخابات؟
المستشار أحمد صابر: القضاة أعلنوا مطالبهم صريحة وفي مقدمتها الحصول على الضمانات الكافية للإشراف التام والكامل على جميع مراحل العملية الانتخابية، وهددوا بمقاطعة الإشراف على الانتخابات في حال إصرار الحكومة على موقفها، وعلى أية حال فقد اتفق القضاة في اجتماعهم الطارئ للجمعية العمومية للقضاة التي عقدت الجمعة 13 مايو – والذي حضره أكثر من 5 آلاف قاض – اتفقوا على تحديد موعد لجمعية عمومية غير عادية، يُكلف مجلس إدارة نادي القضاة بمصر بدعوتها في يوم الجمعة الأول من شهر سبتمبر القادم، لتقييم تجربة الإشراف على الاستفتاء والنظر في قرار القضاة في حالة تنفيذ طلباتهم.
سويس إنفو : هل يعني هذا أن احتمال مقاطعتكم للانتخابات تظل واردة؟
المستشار أحمد صابر: قرار مشاركة القضاة النهائي من عدمها في الإشراف على الانتخابات الرئاسية القادمة سيتحدد وفقا لما سيسفر عنه اجتماع الجمعية العمومية، التي سيعقدها نادي القضاة في 2 سبتمبر المقبل، أي قبل الانتخابات الرئاسية بعدة أيام، وفي حال عدم الاستجابة لمطالب القضاة بتوفير الضمانات الكافية لمنع تزوير الانتخابات، فإنه يجب عدم الإشراف عليها؛ لأن المشاركة في التزوير جريمة.
أجرى الحوار في القاهرة همام سرحان
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.