قضية “مسجد جنيف”: غموض رغم التوضيحات
أتاحت اللقاءات التي أجرتها سويس إنفو مع كل من المدير الجديد للمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف السيد فتحي نعمة الله ومع الموظفين الأربعة المفصولين معرفة موقف كل طرف، لكنها لم تسمح برفع الغموض المحيط بهذه القضية.
الإتهامات المتبادلة بين الطرفين تأتي في وقت تشعر فيه الجالية الإسلامية بتعرضها لحملة بسبب استغلال بعض الأحزاب اليمينية لقضية بناء المآذن، ما يدفع كثيرين إلى التساؤل عن مستقبل عملية الحوار والاندماج.
بعد مرور حوالي شهر على عملية تسريح اربعة موظفين كبار من المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف “لأسباب اقتصادية”، حسب المؤسسة، و في “عملية فصل تعسفي” حسب المعنيين بالأمر، وبعد عدم اتضاح الأمور من خلال التصريحات الصحفية المتتالية والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، حرصت سويس إنفو على الاتصال بالطرفين لتوضيح الأمور وإزالة الغموض الذي لا زال يكتنفها.
فالمدير الجديد للمؤسسة السيد فتحي نعمة الله حاول تلخيص الأمر في أنه “ليس هناك توتر لأن أي إجراء إداري يمر مر الكرام في جميع المؤسسات والشركات”، وأضاف “ولكن بعض الناس يحاولون استغلال هذه الأشياء لأغراض شخصية ولأغراض ليست كريمة”.
وحرص السيد نعمة الله على توجيه رسالة مطمئنة بالتأكيد على أن “المؤسسة ليست بها مشاكل وهي مستمرة في عملها بمدرستها وهناك نية لتطوير المؤسسة والنشاطات بها. كما اننا سنضفي مزيدا من الشفافية على المؤسسة امام الجميع أي أمام الدولة السويسرية وأمام الحكومة السعودية وامام رابطة العالم الإسلامي وأمام العالم كله”.
اما المعنيون بالأمر أي الموظفين الأربعة الذين التقت بهم سويس إنفو أيضا، فيقولون إنهم في انتظار رد رابطة العالم الإسلامي على خطاب الاستفسار عن أسباب الفصل. ويقول السيد عبد الحفيظ الورديري الذي كان يشغل منصب الناطق باسم المؤسسة “في الحقيقة لم أفهم أسباب هذا الطرد الجماعي فقد وجهنا رسالة للجهة المعنية أي رابطة العالم الإسلامي للاستفسار. ورغم إرسال الرابطة لمبعوث اجرى مقابلات معنا ومع القنصلية السعودية ومع مدير المؤسسة، لم نحصل بعد على أي رد كتابي لحد الآن. كما أن المحامي المكلف بقضيتنا امام محكمة العمل لم يحصل على أي رد رسمي”.
إتهامات غامضة، و “مؤامرة” تحتاج الى توضيح
مدير المؤسسة الجديد السيد فتحي نعمة الله ركز في بداية حديثه عن ضرورة إضفاء الشفافية على عمل المؤسسة وهو ما دفعنا الى طلب توضيح ما المقصود بمزيد من الشفافية؟ فأجاب: “المؤسسة كانت ثلاثين سنة في ظلام دامس وليس فقط نقص الشفافية، ووضع شائن وهذا الوضع الشائن كان لازم أنه يتغير ويتغير تغيرا جذريا. لذلك حصل ما حصل”.
ويقول السيد نعمة الله: “لقد درست ملف المؤسسة سنة قبل حضوري الى جنيف ولاحظت نقاط الضعف الموجودة في المؤسسة. كما أن رابطة العالم الإسلامي حاولت لمدة ثلاثين سنة التفاهم مع هؤلاء الناس. ما كانت تجد أي رد فعل او أي إقبال من ناحيتهم. كانوا يحجبون عنها جميع المعلومات لذلك، قررت الرابطة انها تضع أناسا يستطيعون أن يظهروا شفافية هذه المؤسسة ويوصلوا هذه المؤسسة للهدف الذي أنشئت من أجله”.
وفي محاولة منا للتعرف على التهم الموجهة لهؤلاء الأشخاص المفصولين بشكل أكثر دقة، عدد السيد نعمة الله “أولا: أن الجماعة الذين كانوا يديرون المؤسسة ليسوا أكفاء لإدارة هذه المؤسسة لأن ليس فيهم من لديه الثانوية العامة ويدعون أنهم خريجي جامعات وما شابه ذلك وهم في الحقيقة اعتبرهم جهلة ويديرون مدرسة. ثانيا ان رغبتهم في إدارة المؤسسة للوصول الى الهدف كانت غير متوفرة وكانوا يعملون لأغراضهم الشخصية. وثالثا طالما أنهم كانوا يشتغلون في ظلام فيجب ان نتساءل لماذا كانوا يقومون بذلك بعيدا الأنظار وهذا ما كان يحدث في هذه المؤسسة”، على حد قوله.
أما السيد عبد الحفيظ الورديري فيتساءل “كيف يرددون مرة بأن الفصل كان لأسباب إقتصادية ثم يرددون شائعات شفوية حول كوننا أناسا ذوي أخلاق سيئة. هل هذه هي الطريقة التي علينا إتباعها لحل مشاكل المسجد إذا ما كانت هناك مشاكل؟ وهل هذه هي التعاليم التي لقنها لنا الإسلام في حل الأزمات؟ إن كان كذلك فإنني أتساءل أي اتجاه ستسلكه هذه المؤسسة؟”.
أما زميله فريد موسى (الذي قدم نفسه على أنه ولي أمر) فذهب الى حد اعتبار أن ما تم في حق الأربعة هي “مؤامرة”. وأمام إلحاح سويس إنفو على توضيح معنى ذلك، اكتفى بالقول “لا مجال لذكر الأسماء”، مضيفا “لقد سألنا المدير الجديد عن أسباب هذا الطرد قال بأنه ليست هناك أسباب”.
كل يعود الى مرجعيته
محامي المؤسسة السيد رضا العجمي كان قد صرح لوسائل إعلام سويسرية قبل أسابيع بأن “قرار الفصل استند الى ما توصلت إليه نتائج عمليتي تدقيق حسابات (تمت بطلب من رابطة العالم الإسلامي) في عام 2005″، مضيفا “لقد قرعنا جرس الإنذار اثر ذلك، ولذا فإن عملية الطرد لم تكن مفاجئة لأن هناك ضرورة لتطهير وتحديث المؤسسة”.
لكن الأشخاص المعنيين بعملية الطرد يجمعون على أن مجلس إدارة المؤسسة في تقريره للعام 2004 أوكل المسائل المالية لمحاسب جديد، وعهد لشركة محاسبة بإعداد تدقيق في حسابات المؤسسة. وهم يعتبرون، كما يقول السيد فريحة محفوظ الذي كان يشتغل مساعدا إداريا، “أن مجرد تثبيت الموظفين الأربعة في مناصبهم ولأول مرة بعقد عمل باتم معنى الكلمة، هو اعتراف بجدية عملنا”.
أما عبد الحفيظ الورديري فيقول “نحن لسنا مسئولين عما تم منذ العام 2004 وعن المصاريف التي أنفقت بشكل مبالغ فيه منذ ذلك الحين”، ويضيف قائلا “المحاسب الذي عين هو الذي لم يتمكن من تعديل الحسابات وليس في ذلك مسئولية للفريق الذي كان يتولى العملية من قبل. وهذا المحاسب ما زال في منصبه رغم كل هذا التقصير”، واختتم بالقول “وهذا ما دفع الفريق الجديد الى التضحية بنا نحن الأربعة لمحاولة تقديم ذلك على أنه اقتصاد لموارد المؤسسة”.
الأرشيف والتسجيل؟
من جهة أخرى، أثار مدير المؤسسة الثقافية الإسلامية الجديد السيد نعمة الله في حديثه لسويس إنفو مشكلة عدم تسجيل المؤسسة لدى السلطات السويسرية متساءلا “يؤسفني أن المؤسسة عمرها أكثر من 30 سنة وإلى الآن لم تسجل في الدوائر الرسمية الحكومية السويسرية فهل يعقل أننا ندفع ضرائب لأكثر من ثلاثين سنة ونحن مؤسسة خيرية؟”
وعن أرشيف المؤسسة يقول السيد نعمة الله “أود أن اقول أننا استلمنا المؤسسة ولم نجد فيها ارشيفا. كل الأرشيف مفقود بإدعائهم أنه جاء مطر وأتلف الأرشيف ولا علم لي بهطول أمطار تمت في جنيف بهذا الشكل”.
عن موضوع الأرشيف يقول السيد عبد الحفيظ الورديري “يجب ان نشير إلى ان تغيير المفاتيح ومنعنا من دخول المكاتب يجعلنا غير قادرين على معرفة ما حل بالأرشيف بعد إبعادنا”، ويضيف “الارشيف كان موجودا لمدة تفوق العشرة أعوام. ولم يكن ممكنا إعداد التحقيق الذي قامت به شركة المحاسبة إلا بواسطة هذا الأرشيف”. كما يذكر السيد الورديري بأن “إدارة التأمين على الشيخوخة في سويسرا تقوم بمراجعة الملفات الإدارية للمؤسسات كل خمسة أعوام للتأكد من صرف الاشتراكات للتقاعد. ومن هذا المنطلق يستحيل عدم وجود أرشيف”.
أما زميله فريحة محفوظ فيقول “حتى ولو تصورنا ان الأرشيف قد أتلف ما دام تعاملنا كان مع البنوك والمصالح الإدارية فإنه بالإمكان الحصول على نسخ من المراسلات المختلفة ولفترة تفوق حتى العشرة أعوام، وما نؤكده هو ان الأرشيف كان موجودا قبل مغادرتنا وهذا بالتأكيد للعشرة أعوام الأخيرة على الأقل”.
مواصلة خدمة المسلمين كل على طريقته
في انتظار رد فعل رابطة العالم الإسلامي التي هي المسؤولة قانونيا عن المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف، وفي انتظار حكم محكمة العمل في الشكوى التي رفعها الأشخاص المفصولون بخصوص “الفصل التعسفي”، يؤكد كل طرف أنه سيواصل خدمة المسلمين على طريقته وبالوسائل المتاحة أمامه.
مدير المؤسسة الثقافية الجديد السيد فتحي نعمة الله يقول أنه شرع في تحسين علاقة المسجد بالجيران لمنع التجاوزات التي كانت ترتكب من قبل المتوافدين على المسجد بإيقاف سياراتهم امام مرائب سيارات جيران المسجد، وذلك بتنظيم حفل للجيران قريبا. كما يعتزم الشروع في إجراءات تسجيل المؤسسة لمزيد من الشفافية ولتفادي دفع الضرائب باعتبارها مؤسسة خيرية.
أما عن العمل الذي قامت به المؤسسة وبالأخص ما قام به الناطق باسمها عبد الحفيظ الورديري من انفتاح على المجتمع السويسري وعلى السلطات في جنيف وما إذا كان ذلك الانفتاح سيتواصل، يقول السيد فتحي نعمة الله “كان الأشخاص الموجودون يعملون لأغراض شخصية ولم يكونوا يعملون لأغراض المؤسسة”.
أما عن كيفية مواصلة الاتصال بالمجتمع السويسري والسلطات والإعلام، فيؤكد المدير الجديد أن “المؤسسة ستكون منفتحة كليا وليس فيها حاجة للتستر وبالتالي فهي ليست في حاجة لمن يتكلم باسمها والموظفين الموجودين في المؤسسة أي واحد منهم بإمكانه أن يتكلم باسم المؤسسة مثل الشيخ يوسف إبرام الإمام الذي يجيد الفرنسية والألمانية والعربية وهو يستطيع أن يقوم بتمثيل المؤسسة بأمان وإخلاص لم يكونا موجودين في السابق” على حد تعبيره.
أما السيد عبد الحفيظ الورديري فأشار الى “وجود مبادرة شعبية في أوساط الجالية لتعزيز مكاسب ما قامت به المؤسسسة من انفتاح لحد اليوم وتطالب بتأسيس مجلس للحكماء يشرف على سير المؤسسة الثقافية الإسلامية”. وأضاف الورديري “هناك شخصيات قادرة على القيام بذلك بشكل واضح وشفاف لتجنيب المؤسسة إدارة تشتغل من وراء الكواليس لأننا لحد الآن لم نستطع فهم ما يحدث لنا”.
أما عن مخاوف الجالية من فقدان هذا الانفتاح الذي عرفته المؤسسة الثقافية الإسلامية في وقت هي في حاجة الى صوت يتحدث باسمها فيقول السيد الورديري “لا اعتقد أن ما تم تحقيقه سيتم تدميره، لأن هذه الأزمة يجب أن تساعدنا على التحول أكثر نحو الشفافية والمصداقية في حوارنا مع الآخرين. ولكن أخشى أن يكون ما تم هو بمثابة اقتلاع جذور شجرة وليس فقط تقليم أغصان”. مشيرا إلى أن “من لا يقوى على فتح حوار مع الآخرين في هذه القضية، هل هو قادر على فتح حوار مع المجتمع؟”
وأضاف السيد الورديري “سنواصل ذلك من خارج المؤسسة بمزيد من الحرية وحرية التعبير لأن تسوية مشكلة المسلمين سوف لن تحل من داخل المؤسسة الثقافية الإسلامية خصوصا في وقت يتعرضون فيه لهجمات من كل الجهات والأحزاب الشعوبية التي تنتهز تفكك المسلمين. وعلينا كمسلمين أن نراجع أنفسنا وان نحاول بدل انعزالنا وغموضنا أن نشرح للسويسريين بأننا بإسلامنا قادرون على التعايش مع الديمقراطية لأننا جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع ولإن الإسلام ليس به ما يتعارض مع كل ما يقدمه هذا المجتمع من حريات وبذلك نكون قادرين على تبديد كل ما هو مبعث قلق وخوف بالنسبة لهم”.
واختتم السيد الورديري كلامه بالقول “وحتى ولم يحدث ان ظهرت تصريحات من جهات متطرفة، فعلينا نحن المسلمين ان نواجه هذا التطرف الأصولي سواء كان داخل المساجد او خارجها لأنه ليس من حقنا ان نترك الإسلام بين ايدي جهلة من أبناء ديننا او بين ايدي من يستغلون ذلك من الطرف الثاني لأغراض انتخابية”.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
عبد الحفيظ الورديري (يحمل الجنسيات المغربية والجزائرية والفرنسية)، كان مسؤولا عن حسابات المؤسسة منذ تأسيسها في عام 1978 إلى عام 2004 وعُـيِّـن بعد ذلك ناطقا رسميا باسم المؤسسة إلى موفى مارس 2007.
محمود فضل (مصري الجنسية)، عمل مسؤولا عن المدرسة العربية التابعة للمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف على مدى 18 عاما.
محفوظ فريحة (جزائري الجنسية)، سكرتير في المؤسسة.
حسن البشير (سواداني الجنسية)، مدرِّس لدى المؤسسة.
تبنى فكرة إقامة وبناء المؤسسة الإسلامية الثقافية وأمر بتنفيذها الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود في عام 1972.
تم افتتاح المؤسسة يوم 1 يونيو 1978 من طرف العاهل السعودي الراحل الملك خالد بن عبد العزيز بحضور رئيس الحكومة الفدرالية وأعضاء حكومة جنيف المحلية والوزراء وعدد من سفراء الدول الإسلامية والبعثات الدبلوماسية المعتمدة في سويسرا إضافة إلى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.
بلغت قيمة الأرض وتكاليف البناء والتجهيز والتأثيث حوالي 21 مليون فرنك سويسري تحملتها حكومة المملكة العربية السعودية وحدها بالكامل.
تقع المؤسسة الإسلامية الثقافية والمسجد التابع لها في حي Petit Saconnex بمدينة جنيف وهي مقامة على أرض تبلغ مساحتها 4000 متراً مربعا.
تبلغ مساحة المسطحات بالمؤسسة أكثر من 8000 متراً مربعاُ تشمل الجامع الذي يتسع لأكثر من 1500 مُصلي كما يوجد مكان خاص للنساء يتسع لأكثر من 500 مُصلية.
تتوفر المؤسسة الإسلامية الثقافية على مكتبة ضخمة وقاعة كبيرة للمحاضرات وإحياء المناسبات الدينية والوطنية والإعلامية وعلى مطبخ كبير وعلى غرفة واسعة بها ثلاجة كبيرة مجهزة لحفظ الأموات من المسلمين ريثما يتم غسلهم وتجهيزهم أو إرسالهم إلى بلادهم ليُدفنوا فيها.
تعتمد المؤسسة الثقافية الاسلامية في مصروفاتها المختلفة على إيراد العقار الذي تم بناؤه على نفقة العاهلين السعوديين الراحلين الملك خالد والملك فهد وعلى دعم حكومة المملكة العربية السعودية.
(المصدر: الموقع الرسمي للمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.