قمة بلدان العشرين تقترح فرض رقابة على أنشطة البنوك الكبرى
وضع قادة مجموعة العشرين، التي تضم القوى الاقتصادية الرئيسية في العالم، حجر الأساس لإصلاح النظام المالي العالمي وذلك خلال المؤتمر الذي عقدوه يوم 15 نوفمبر 2008 بواشنطن. وفي ختام اللقاء، اقترح المؤتمرون إنشاء "مجموعة مراقبين"، وهي خطوة قد تُجبر مصرفي يو بي إس، وكريدي سويس على تغيير نمط عملهما.
وتشمل حزمة الإجراءات التي أُقرّت خلال مؤتمر واشنطن مساء السبت الماضي 50 مجالا مختلفا، من دون أن تشكل “عملية إعادة تأسيس شاملة للنظام المالي العالمي”، وهو الأمر الذي كان يدعو إليه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ويتمناه الإتحاد الأوروبي اللذان تكهّنا بأن تمثل قمة واشنطن “بريتن وودز ثانية”، وللتذكير، فإن معاهدة “بريتن وودز”، هي التي أرست أسس النظام المالي الذي يحكم العالم إلى اليوم، والذي انبثق عنه صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
الإصلاحات المقترحة تشمل مجالات متنوعة، تنطلق من وضع قواعد لتنظيم عمل صناديق الاستثمار التحوّطي (الاستثمارات القائمة على المضاربة)، إلى توسيع دائرة تمثيل بلدان الجنوب في مؤسسات صندوق النقد الدولي، مرورا بتوفير المزيد من الشفافية على مستوى نظام مراقبة عمل الشركات وتنسيق إجراءات الحوافز الضريبية على المستوى الوطني.
مراقبة المصارف
قد يؤدي واحد من الإجراءات الخمسين التي أقرتها مجموعة العشرين في لقائها الأخير إلى تغيير أسلوب عمل إتحاد المصارف السويسرية، “يو بي إس”، ومصرف “كريدي سويس”. فالبيان الختامي لقمة واشنطن يمنح أهمية كبرى “لتعزيز التنسيق الدولي”، عبر إنشاء “مجموعة مراقبة” يتشكل أعضاؤها من “الأجهزة التنظيمية” في كل بلد وذلك من أجل “تشديد المراقبة على المؤسسات المالية الكبرى النشطة على الساحة الدولية”. وتدعو الفكرة المقترحة، بحسب بيان القمة المؤسسات المالية الكبرى إلى “التواصل بشكل منتظم مع “اللجان الرقابية”، لكشف طبيعة أنشطتها، وتقييم المخاطر التي تواجهها”.
وعلى الرغم من أن البيان الختامي لقمة العشرين لا يورد اسم أي من البنوك الكبرى على الساحة العالمية، ولكن بحسب الحكومة الأمريكية، التي تعود إليها في الأصل الفكرة التي انبثق عنها هذا المشروع، وهي أيضا المقترحة لصيغة “المجموعة الرقابية”، فإن الإجراء يعني في الإجمال “30 مؤسسة مالية كبرى”.
وبحسب جورج دابليو بوش فإن “هذه القمة كانت ناجحة ومثمرة”، كما عبّر رئيس الولايات المتحدة عن سعادته على وجه الخصوص بإعادة تأكيد قادة مجموعة العشرين على أن الرأسمالية والتجارة الحرة، مرفقتيْن بحد أدنى من القواعد المنظمة لعملهما، هما الأسلوبان الأنجع “لضمان النمو وفرص العمل والحد من ظواهر الفقر”.
خطوة أولى
برغم أهمية هذه الإجراءات، لا تشكل قمة واشنطن، بحسب الرئيس الأمريكي الحالي وقادة مجموعة العشرين، سوى خطوة أولى، فهم يفوّضون لوزرائهم مهمة وضع مقترحات تفصيلية في المجالات الخمسين التي تناولوها بالبحث، وذلك إلى 31 مارس 2009، أي قبل انعقاد القمة المقبلة التي من المفترض أن تكون خلال شهر أبريل 2009. وبالتالي، فالإجراءات المتعلقة بإنشاء “مجموعة رقابية” بشأن أنشطة البنوك لن تر النور قبل الربيع القادم.
حتى تلك المرحلة، سيكون أمام باراك أوباما، الرئيس الأمريكي المنتخب، ثلاثة أشهر للتعوّد على دواليب السلطة، واكتشاف الأسلوب الأمثل للتعامل مع الأزمة الاقتصادية. وأعلن جورج بوش، مساء السبت 15 نوفمبر بأنه سيبلغ خليفته في البيت الأبيض بالقرارات التي اتخذت خلال القمة. كما وعد الرئيس المنقضية ولايته بالعمل بلا هوادة “حتى يتم انتقال السلطة من حكومته إلى حكومة أوباما بطريقة سلسة”.
اليابان في المقدمة
من جهته، رأى الرئيس الأمريكي الجديد، الذي حضر القمة، نيابة عنه، مبعوثان من بينهما مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في عهد بيل كلينتون، أن “الأزمة الاقتصادية العالمية تتطلب ردا دوليا”.
أما النتيجة الملموسة لقمة واشنطن، فقد اقتصرت على إعلان اليابان استعداده لمنح صندوق النقد الدولي قرضا مقداره 100 مليار دولار، من اجل مساعدة البلدان النامية التي تواجه مصاعب اقتصادية بسبب الأزمة الحالية.
القرار الياباني وجد الترحيب من دومينيك شتراوس – كان، رئيس الصندوق الذي حيا “روح المبادرة” لدى اليابان، و”وفائها بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي” وتمنّى بالمناسبة “أن تحذو بلدان أخرى حذو اليابان في دعم عمل صندوق النقد الدولي”.
حضور البلدان الصاعدة وغياب سويسرا
هذه هي أول مرة تعقد فيها قمة لمجموعة العشرين التي أنشأت سنة 1999، وبحضور قادة دول ورؤساء حكومات. ويؤكد هذا الحدث غير المسبوق، الأهمية المتزايدة للدول الناشئة، كالصين والهند والبرازيل، على الساحة الدولية، فضلا عن خطورة الأزمة الاقتصادية الحالية.
كما يؤكد الحدث تحوّل الإتحاد الأوروبي إلى شريك قوي على الساحة الدولةي، وفي هذا السياق، تحدثت أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية في واشنطن عمّا أسمته “بداية عهد جديد” في مجال التعاون الدولي.
في المقابل، دعا رئيس البنك الدولي، الأمريكي روبارت زوليك، إلى أن لا يتم “إدماج البلدان الصاعدة على حساب البلدان الأشد فقرا”، وأضاف قائلا: “إنه أمر إيجابي أن نرى قادة الدول المتقدمة يجتمعون إلى قادة الدول الصاعدة، لكن لا يجب أن ترافق ذلك عملية تهميش للبلدان الأشد فقرا”، وبالنسبة إليه فإنه “لا يمكن حل الأزمة الاقتصادية الحالية على المدى البعيد من خلال السماح بظهور عالميْن، عالم للأغنياء، وعالم للفقراء”.
ورغم أهمية الموعد، لم تشارك سويسرا، التي تعتبر إحدى البلدان المتقدمة، في قمة العشرين، وبحسب صحيفة “لوتون” الصادرة في جنيف، كان وزير المالية السويسري هانس – رودولف ميرتس: “قد خصص تاريخ 15 نوفمبر الجاري لحضور القمة”.
وكان بالإمكان لسويسرا التي ليست عضوا في مجموعة العشرين أن تحضر الإجتماع بصفة مراقب، لكن لم توجّه إليها الدعوة. في المقابل، حضرت القمة إسبانيا وهولندا، بالرغم من عدم انتمائهما لمجموعة العشرين، لكن يبدو أن عضويتهما في الإتحاد الأوروبي قد أفادتهما في هذه المناسبة.
سويس انفو – ماري كريستين بونزوم – واشنطن
خلال قمتها الأخيرة، أعلنت مجموعة العشرين إلتزامها باتخاذ الإجراءات التالية:
– تنظيم ومراقبة نشاط الأسواق المالية والعاملين فيها والمنتوجات التي تتداولها.
– تعزيز مكافحة الساحات المالية (الجنان الضريبية مثلا) التي لا تبدي تعاونا مع المجموعة.
– تكثيف تبادل المعلومات حول الساحات الأسواق والساحات المالية.
– إلتزام المجموعة بدراسة قضية وكالات تقدير الجدارة الإئتمانية.
– عقد القمة القادمة للمجموعة خلال شهر أبريل 2009 “للتأكد من أن القرارات والمبادئ التي اعتمدت قد وجدت طريقها للتنفيذ”.
تنسيق عمليات تنشيط الإقتصاد العالمي.
تحسين القواعد المنظّمة لعمل الاسواق المالية.
فتح المؤسسات الإقتصادية الدولية بوجه البلدان الصاعدة والبلدان السائرة في طريق النمو.
رفض الإتجاهات الحمائية والدعوة إلى تسريع المفاوضات الجارية في منظمة التجارة العالمية في إطار جولة الدوحة.
طبقا لتصريحات الناطق الرسمي بإسم وزارة المالية في برن، أخذت الحكومة السويسرية علما بقرارات القمة.
وأضاف المسؤول: “نتمنى أن يتم إدماج الساحات المالية الدولية الرئيسية في هذه العملية”.
ودائما بحسب الناطق الرسمي: “تم إبلاغ هذه الرغبة كتابيا للخزينة الأمريكية”، وهذا ما يؤكد ما سبق أن نقلته صحيفة “لوتون” السويسرية الناطقة بالفرنسية.
لم يقع إستدعاء الساحة المالية السويسرية لحضور قمة مجموعة العشرين في واشنطن، رغم أنها تعد واحدة من أهم عشر ساحات مالية في العالم أجمع.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.