قمة بيروت: “ما بين الدراما.. والمهزلة “
"قمة بيروت العربية بدأت بقنبلة وإنتهت بقبلة" هكذا وصف مسؤول عربي بارز في الجامعة العربية لـ "سويس انفو" حصيلة القمة العربية العادية الـرابعة عشر التي انعقدت في بيروت يومي 27 و28 مارس آذار الحالي
“القنبلة” التي كان المسؤول يقصد، كانت سلسلة المفاجآت المتصلة التي خلقت حالة فوضى حقيقية في المؤتمر وتمثلّت في الغياب المفاجيء للرئيس المصري حسني مبارك والملك الاردني عبد الله، وأيضا في انسحاب الوفد الفلسطيني من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.
أما “القبلة” فكانت في العناق الذي تم بين ولي العهد السعودي الامير عبد الله ونائب الرئيس العراقي عزة ابراهيم خلال الجلسة الختامية للقمة يوم الخميس التي خصصت فقط للوفد الفلسطيني، حيث القى فاروق القدومي خطابا طالب فيه بموقف عربي موحد “ضد الهجوم الاسرائيلي الوشيك على رام الله وباقي الاراضي الفلسطينية المحتلة”، وباعتبار خطاب الرئيس عرفات (الذي عرقل رئيس القمة اميل لحود بثه لاسباب سياسية على الارجح)، وثيقة رسمية من وثائق المؤتمر.
وبين دوي “القنبلة” ورنين “القبلة” كانت مبادرة الأمير عبد الله تولد وقد أرتدت العباءة العربية فوق العباءة السعودية، ولكنها فعلت ذلك بعد ان تم تعديلها مرات عدة، فبدلا من “التطبيع الشامل” مع اسرائيل، كما ورد في صيغة المسودة الاولى للمبادرة، استخدم تعبير “العلاقات الطبيعية” (التي فسرها السوريون بانها تعني العلاقات العادية)، وبدلا من “الحل العادل للاجئين” فقط، ارفق ذلك بالأشارة الى قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 194 لعام 1948 الداعي الى عودة اللاجئين والتعويض لهم، كما ارفق ببند آخر يرفض كل اشكال التوطين كما تنص على ذلك بعض الدساتير في بعض الدول العربية (الدستور اللبناني وحده في الواقع).
وكانت قضية اللاجئين والتوطين قد أدت الى أرجاء الجلسة الختامية للمؤتمر، بعد أن أصّر الوفد اللبناني على بند التوطين.
ولادة قيصرية
وعلمت “سويس انفو” ان المبادرة السعودية شهدت ما يمكن ان يكون بالفعل “ولادة قيصرية”.
ففي اليوم الاول، كاد يعلن أكثر من مرة عن انهيار المؤتمر، بعد ان تغيب عنه ليس فقط الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بل ايضا رئيس مصر وملك الاردن، الامر الذي أحرج الرياض وجعلها تبدو وكأنها تسعى وحدها من خارج دول الطوق المحيطة باسرائيل الى ابرام سلام مع الدولة العبرية.
بيد ان المسؤولين الاميركيين، وعلى أعلى المستويات، تدخلوا بكثافة أمس واليوم، لاعادة وضع قطار القمة على السكة “بمن حضر”، واوضح مصدر عربي مطلع لـ”سويس أنفو” أن المسؤولين الاميركيين قالوا لزملائهم السعوديين في اتصالات هاتفية، انه “ليس مهما حتى ولو تغيّب ثلاثة أرباع القادة، نصف قادة الدول العربية، طالما ان الوفود الممثلة للمتغيبين ستقر المبادرة، وهذا ما يهم واشنطن بالدرجة الاولى”.
وأضاف المصدر انه منذ بدء تلك الاتصالات الاميركية، لم تعد الوفود العربية، تتوقف كثيرا امام شكل المبادرة (عدا مسألة اللاجئين) بعد ان تراجع السعوديون أصلا عن مضمونها الاولّي.
وهكذا وافق السعوديون، تابع المصدر، على اطلاق مبادرة جديدة لم تأت في الواقع بجديد، لا في ما يتعلق بالأنسحاب الاسرائيلي من الاراضي العربية الى حدود 4 حزيران واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ولا بما يرتبط بمسألة “العلاقات الطبيعية” والسلام والامن بين الدول العربية واسرائيل، فهذه كلها نصت عليها مرجعية قرارات مدريد العام 1991 والقرارات الدولية الاخرى.
لا بل عل العكس: جاء “اعلان بيروت” الذي تضمن المبادرة السعودية ليغيّر هذه الاخيرة تغييرا جذريا خاصة، كما اشرنا، في بندي التطبيع واللاجئين، وليضيف اليها بنودا “تفصيلية” تتعلق بالجولان وجنوب لبنان ورفض التوطين. وبالطبع لن تكون اي حكومة اسرائيلية، سواء كانت ليكودية او عمالية، مستعدة لقبول مبادرة من هذا النوع.
ويتساءل المحللون هنا: ماذا بعد أن تعلن حكومة شارون، كما هو متوقع، اغلاق الابواب في وجه هذه المبادرة؟ و يسارعون للاجابة: “حسنا. السعوديون سيجدون حينذاك ان أبواب واشنطن على مصراعيها قد فتحت امامهم للمرة الاولى منذ احداث 11 سبتمبر، وهذا كان كل ما أرادوه أصلا من اطلاق المبادرة”.
ويتابع المحللون: “لقد كانت قمة بيروت بالنسبة للسعوديين، مجرد تمهيد لقمة تكساس التي ستعقد هذه الشهر بين الامير عبد الله والرئيس الاميركي بوش، هذا كل ما في الامر”.
اما بالنسبة للاميركيين، فأن المبادرة ستتقلص بالنسبة اليهم الى مجرد تطبيق خطة تينيت في الضفة الغربية الهادفة الى وضع حد للعنف (أي الانتفاضة) في الضفة الغربية وغزة، بدعم علني هذه المرة من السعودية.
“مفاجاة ” العراق
أما على “الجبهة” العراقية في قمة بيروت، فقد كان في وسع الكثيرين الحديث عن وقوع “مفاجأة كبرى” تمثلت في القبل الملكية- الجمهورية السعودية والعراقية، وفي البيان الختامي الذي تضمن تعهدا عراقيا باحترام سيادة الكويت وعدم تكرار الغزو العراقي للاراضي الكويتية مجددا.
بيد أن مصادر سياسية عربية كانت في عداد الوفود المشاركة في القمة، قدمت صورة اخرى مغايرة، فهي تتحدث عن “مقايضة” أبرمها العراق مع السعودية، يقوم بموجبها الاول بوقف اعتراضاته القوية على مبادرة عبد الله وبالتعهد بعدم تكرار غزو الكويت، في مقابل تشديد القمة العربية على رفضها أي هجوم اميركي على العراق.
وأضافت المصادر ان الوفدين السعودي والكويتي وافقا على هذه “المقايضة” لسببين: الاول، أنهما سيربحان من هذه التنازلات العراقية السخية الناجمة عن خوف بغداد الشديد من الضربة الاميركية.
والثاني، أن “المصالحة وتبويس اللحى” (على حد تعبير المصادر) لن تكلّف الكويت والرياض شيئا، لا بل هي ستساعدهما على غسل اليدين من الضربة الاميركية للعراق التي يعتقد الكثيرون انها باتت حتمية ووشيكة أيضا.
نجاح ام فشل؟
الان، وبعد قول كل شيء عن اجواء وكواليس هذه القمة، أي صفة يمكن اطلاقها عليها وفق معايير النجاح والفشل؟
وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، كان حريصا للغاية في مؤتمر صحافي عقده عقب اختتام القمة على التشديد على ان المؤتمر “حقق نجاحا كاملا”، برغم غياب نصف القادة العرب عنه.
بيد ان ديبلوماسيا عربيا في بيروت كان له رأي مغاير تماما لذلك. إذ سُمع وهو يقول لمراسل صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية في المركز الاعلامي للقمة: “هذا(أي المؤتمر) لم يكن دراما.. انه كان مهزلة”!
سعد محيو – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.