قمة دمشق.. والحصيلة التوافقية.. والقضايا المعلقة
الآن، وقد انتهت أعمال القمة العشرين وعاد كل قائد إلى بلده وكل رئيس وفد إلى دياره، تبدأ جردة الحساب.
ما الذي حدث وما الذي تم التوصل إليه وما الذي حققته القمة بصورة اختلفت عن سابقاتها، وهل أثّـر غِـياب بعض القادة وأطلق العِـنان لمهاجمة أمريكا والخروج من تحت عباءتها، أم أن غيابهم جاء بأثر عكسي؟.
أسئلة كثيرة تدور في الذهن الجمعي العربي، ولسان حال الغالبية يقول إن القمة لم تختلف كثيرا في نتائجها عن قِـمم سابقة، بل إن بيان دمشق الذي يلخِّـص ما اتفق عليه القادة العرب بعد تمحيص وتأنٍّ، يظهَـر وكأن ثلاثة أرباعه نسخة مكررة من بيانات القِـمم الخمس السابقة، مما يوصف بعضها بأنها كانت واقعة تحت ضغوط أمريكية كثيفة.
نكهة دمشق وفيروسات التميز
فأين إذن نكهة دمشق ـ قلب العروبة النابض ـ وأين روح الممانعة وأين فيروسات التميز التي قضت على فيروسات أمريكا التي لم تحضر القمة، حسب تعبير وليد المعلم، وزير الخارجية السوري، حين بشّـر قبل يوم من عقد القمة بأنها “ستكون مختلفة وستضع خطاًّ فاصِـلا بين ما قبلها وما بعدها”.
هذا الخط لم يظهر بعد، اللَّـهم في جانب حرص سوريا على أن تسترضي الغائبين وأن تكشف عن جانب آخر في سياستها، قِـوامه البراغماتية القصوى.
وإذا كان من حق السوريين أن يشعروا بفخر الإنجاز لمجرّد انعقاد القمة في دمشق بمن حضر ودون مشاكل أو مشاجرات وفضائح، كالتي شهدتها قِـمم عربية سابقة، فإن من حق الذين غابوا أو خفضوا تمثيلهم لأي سبب كان، أن يشعروا بالراحة أيضا، لأن المحصّـلة النهائية للقمة لم تخرج عن الحصيلة التقليدية المعتادة التي ترضي كل الأطراف، بما في ذلك لبنان الغائب رسميا والحاضر بأزمته ومطالبه وحقه المشروع، في أن يكون له رئيس في أقرب فرصة ممكنة.
الخروج من حصار الاتهامات
هذه الحصيلة التي لم تغيِّـر شيئا من أسُـس العلاقات العربية الراسخة، فضلا عن أن سوريا، وهي البلد المضيف، لم تتَـح لها فرصة إلقاء مواعِـظ سياسية أو قومية أو المطالبة بإحداث مواقف بطولية، لاسيما في القضية الفلسطينية أو الدعوة إلى إعادة النظر في حالة التوازن الاستراتيجي بين العرب وإسرائيل، كما حدث من قبل في قمم سابقة (ربما قيل مثل هذا في الجلسات المغلقة).
فقد كانت دمشق مُحاصرة باتِّـهامات سابقة بأنها بقيادتها للعمل العربي المشترك لعام مقبل ستقضي على الحد الأدنى من التوافق العربي إزاء العديد من القضايا، وأنها سوف تقدم العالم العربي على طبق من ذهب إلى حليفتها إيران وأنها ستحاول أن تكيف أزمة لبنان بما يسمح لها بالعودة مدعومة بتأييد من حضر، وليذهب لبنان إلى الجحيم.
وإلى جانب الاتهامات، كان هناك مؤيِّـدون يرون أن قيادة سوريا للعمل العربي المشترك سيُـقوي تيار المُـمانعة العربية ويحاصِـر الضغوط الأمريكية ومن أذعن لها.
ويبدو أن هذه الاتهامات المسبقة لسوريا لم تذهب سُدىً، فقد مثلت حائطا نفسيا صلدا، كان على السوريين أن يثبتوا عكسه حتى يظلوا محتفظين بشعارهم الأثير “قلب العروبة النابض”، ومن هنا، جاءت القمة في إطارها العام حريصة على التوافق العام وعدم الإخلال بما توصّـل إليه العرب من قرارات ومبادرات جماعية في مناسبات سابقة، لاسيما المبادرة العربية للسلام والمبادرة الخاصة بلبنان، وهو ما جسّـدته أيضا كلمة الرئيس بشار الأسد الافتتاحية، التي جاءت تصالحية في نصها وروحها، ومبشِّـرة بأن سوريا حريصة على ما بقي من شعرة مُـعاوية مع الأطراف العربية الكبرى، كمصر والسعودية والأردن، والتي خفضت تمثيلها، كنوع من الغضب والعِـتاب على تجمّـد الموقف في لبنان وتعثّـر المبادرة العربية بشأنه.
نقاط جديدة محدودة
من يقرأ بيان دمشق، يكتشف أن ثلاث نِـقاط فقط من بين عشرين نقطة، هي التي يمكن وصفها بأنها تمثل مواقف عربية جديدة، وذلك بحُـكم تطوّرات الأحداث، وليس بحُـكم تطوير المواقف العربية نفسها تُـجاه القضايا والتحدّيات المختلفة، وهي تأييد المبادرة اليمنية للمصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، باعتبارها مجالا لجُـهد أكبر مطلوب في الفترة المقبلة، يفترض أن تتعاون فيه سوريا مع اليمن وطرفي النزاع الفلسطينيين.
والثانية، تأييد المبادرة العربية الخاصة بلبنان مع تفويض عمرو موسى استكمال مهمّـته في تذليل الصِّـعاب من أجل انتخاب الرئيس اللبناني التوافقي في أسرع وقت ممكن، وهو تفويض يعني إيجاد قناة حوار بين القِـوى العربية المعنية بالحل في لبنان وِفقا لقاعدة “لا غالِـب ولا مغلوب”.
والثالثة، البحث في الخلافات العربية – العربية، وهو الأمر الذي أكّـد الرئيس بشار أنها عُـولجت بقدر من الصّـراحة والشفافية في الجلستين المُـغلقتين بين رؤساء الوفود، وهنا يلفت النظر اقتراحان مطروحان: الأول، أن تشكّـل لجنة عربية من عدد من القادة العرب تتولّـى تصفية هذه الخلافات، وهناك سابقة تعضّـد هذا المخرج حدثت في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، أو أن تعقد قمة تشاورية أو طارئة تبحث فقط في موضوع إنهاء هذه الخلافات، ولا يعرف بعدُ أي الاقتراحين نال الاستحسان.
لذا، فالقضية مفتوحة على احتمالات عدّة، ولكن يظل في قلبها الخروج من مأزق الفراغ الرئاسي في لبنان، ويلاحظ هنا أن قضية السلام أو الصراع مع إسرائيل لم تعُـد نقطة ارتكاز في الخلافات العربية، فهناك مبادرة أعِـيد التأكيد عليها بنصّـها وروحها، وحتى مسألة مراجعة حصيلة عملية التفاوض مع إسرائيل، باتت نقطة اتفاق عربي وليست نقطة خلاف، كما كان الوضع من قبل.
وربما يُـمكن أن نُـضيف أيضا نقطة رابعة، قِـوامها التأكيد على أهمية القمّـة الاقتصادية العربية، التي ستحتضنها الكويت في نهاية العام الجاري أو مطلع العام المقبل، مع العلم أن الاقتراح أصلا كويتي ذكر في القمة الماضية التي انعقدت قبل عام فى الرياض.
مواقف مكرّرة
ما بقي من نقاط، كالمساندة السياسية للقضية الفلسطينية وإدانة الاستيطان والتعنّـت الإسرائيلي في قبول المبادرة العربية كأساس لتسوية تاريخية شاملة، ومطالبة مجلس الأمن أن يأخذ دوره والتزاماته لرفع الحصار عن قطاع غزة وتأييد حق السودان في سيادته ووحدة أراضيه، وكذلك وحدة الصومال والمطالبة بإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وأن تخضع إسرائيل لالتزامات معاهدة الحدّ من الانتشار النووي وإدانة حملات التشويه للإسلام والمسلمين، فهي كلها أتت في باب المواقف المكرّرة المعروفة سلفا، والتي سبق ذِكرها بالنص أو بالروح في القمم السابقة.
وحتى التحفظ، الذي أبداه نائب الرئيس العراقي على الفقرة الخاصة بالعراق، التي تدعو إلى وقف الاقتتال الأهلي وتأييد وحدة العراق وسيادته والمناداة بالمصالحة الوطنية، هو نفسه تحفّـظ قيل من قبل، نظرا لأن القرار العربي الجماعي بشأن العراق، لا يتطابق مع رُؤية الحكومة العراقية بشأن كل أنواع العنف الجاري هناك باعتباره إرهابا. ففي صفوف العرب، ومن بينهم سوريا نفسها، هناك مَـن يرى أن جُـزءا من العنف الجاري في العراق، لاسيما في مواجهة القوات الأمريكية، هو عنف مشروع، لأنه مقاومة مشروعة لاحتلال أجنبي، وبالتالي، لا يجوز إدانة كل العنف أو وضعه على مستوى واحد.
حصيلة توافقية ولكن!
وبالرغم من هذه الحصيلة الكُـلية التوافقية، فإن مسار العلاقات العربية العربية بعد القمة ليس بالضرورة أن يكون توافقيا، وهنا احتمالان نظريان: الأول، أن تتدعّـم حالة الاستقطاب التي سبقت القمة بين مَـن وُصِـفوا بعرب الممانعة الذين أصرّوا على عقد القمة بمَـن حضر، وعرب الموالاة لأمريكا، الذين خفضوا تمثيلهم بسبب أزمة لبنان وما يعتبرونه دورا سوريا سلبيا يؤدّي إلى إطالة عُـمر الأزمة وليس حلّـها، وأن لسوريا دورا في تأجيج الخلاف الفلسطيني، مع هواجس معتادة بشأن سوريا كبوابة لنفوذ إيران.
والثاني، أن تفعل الرسائل التوافقية فعلها، مع جهد بعض العرب الذين يروْن أن الفجوة القائمة بين المواقف ليست كبيرة، كما هي في الإعلام. ولاحظ هنا أن الرئيس الجزائري بوتفليقة، الذي شارك في القمة، سيزور القاهرة في اليوم التالي لانتهاء أعمالها. والمتصور أن يدور الحديث مع الرئيس مبارك حول ما بعد القمة، وكيف يمكن الإسراع في حل الأزمة اللبنانية لكي تعود المياه إلى مجاريها المعتادة بين مصر والسعودية من ناحية، وسوريا من ناحية أخرى، خاصة في ضوء التأكيدات السورية بأن دمشق في ظل وضعها كرئيس للقمة العربية، “يمكن أن تلعب دورا إيجابيا مع أطراف أخرى، كالسعودية، لإنهاء المأزق اللبناني”، حسب ما قال المعلّـم.
بهذا المعنى، فإن حل مشكلة لبنان سيكون له مردود إيجابي متوقع على حالة الخلافات العربية العربية، ولكن مع ذلك، ستظل هناك نقطة إشكالية يجب البحث فيها تفصيلا، تتعلّـق أساسا في الطريقة التي تثبت فيها سوريا بأن تحالفها مع إيران، ليس على حساب المصالح العربية، وتلك بدورها قضية يرى بعض العرب أنها بحاجة إلى ضمانات واضحة، وقد تأخذ وقتا طويلا في البحث والدراسة، ثم اتّـخاذ القرار المناسب لاحقا.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
دمشق (رويترز) – أبلغت القمة العربية، التي غاب عنها زعماء ينتقدون سوريا يوم الأحد 30 مارس، إسرائيل بأن الدول العربية ستُـعيد النظر في مبادرة السلام العربية، ما لم تغير إسرائيل سلوكها.
وأرسل الزعماء العرب التحذير في ختام القمة، التي استمرت يومين في العاصمة السورية دمشق، ولم يوضح البيان الصادر عن القمة الخيارات التي يجري النظر فيها أو متى ستجري المراجعة.
وأفاد إعلان دمشق بأن “استمرار الجانب العربي في طرح مبادرة السلام العربية مرتبط ببدء تنفيذ إسرائيل لالتزاماتها في إطار المرجعيات الدولية لتحقيق السلام في المنطقة”.
وتعرِض مبادرة السلام العربية، التي طرحت عام 2002 السلام وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل الدول العربية، مقابل الانسحاب من كل الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967.
وكان ردّ فعل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، إما تجاهل أو رفض هذا العرض، الذي من شأنه إلزام إسرائيل بتفكيك المستوطنات التي تؤوي مئات الآلاف من اليهود. وأضاف البيان، الذي قرأه عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن رؤساء الدول العربية قرروا “القيام بإجراء تقييم ومراجعة للإستراتيجية العربية ولخطّـة التحرك إزاء مسار جُـهود عملية السلام”.
وعلى الرغم من أن البيان لم يحدّد إطارا زمنيا، قال موسى في مؤتمر صحفي في وقت لاحق، إن وزراء الخارجية العرب سيبدؤون المراجعة في منتصف العام الجاري.
ولم تمثل اللّـهجة التي وردت عن خطة السلام العربية مفاجأة، لأنها كانت شِـبه مطابقة لقرار وافق عليه وزراء الخارجية العرب في اجتماع عُـقد بالقاهرة قبل ثلاثة أسابيع.
ويقول موسى وغيره من المسؤولين العرب، إن سحب خطة السلام ليس خيارا مطروحا ولم يقترحوا أي بدائل بشكل علني.
وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلّـم في مؤتمر صحفي، “المبادرة شيء وإستراتيجية التحرك من أجل تفعيل عملية السلام شيء آخر، لم نتقدم بأي ورقة لتعديل المبادرة العربية للسلام”. ووصف المعلم القمة بأنها ناجحة، لأنها استطاعت تجاوز التوقعات بأنها ستكون كارثة، إذا لم يحل العرب الأزمة السياسية في لبنان، قبل بدء القمة.
وقاطع لبنان قمّـة دمشق، احتجاجا على ما يقول إنها إعاقة سوريا لعملية انتخاب رئيس لبناني جديد من خلال حلفائها داخل لبنان.
وتغيّـب رؤساء ثلاث دول، هي المملكة العربية السعودية ومصر والأردن عن القمة، تضامنا مع الحكومة اللبنانية.
ولم يذكر إعلان دمشق شيئا جديدا عن لبنان، وقال إن الزعماء العرب يقِـفون إلى جانب المبادرة العربية، التي تعترف بالعِـماد ميشال سليمان، كمرشح توافُـقي لكل اللبنانيين.
وتتفق الحكومة اللبنانية والمعارضة المتحالفة مع سوريا وإيران على سليمان، ولكن الخلاف على ما إذا كان يمكن لقِـوى المعارضة التمتع بحق النقض داخل الحكومة.
وجاء في إعلان دمشق أن الزعماء العرب يعلنون “التمسك بالمبادرة العربية لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته، ودعم جهود الأمين العام لتشجيع الإطراف اللبنانية على التوافق فيما بينها، لتجاوز هذه الأزمة بما يصُـون أمن ووحدة واستقرار لبنان وازدهاره”.
وقالت الحكومة العراقية، التي تخوض صراعا مع ميليشيات شيعية تعارض تحالفها مع الولايات المتحدة، إنها تحفظت على البيان الختامي للقمة. ويقول العراقيون، إن القمة لم تعبِّـر عن التأييد للحكومة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة أو تُـدين العمليات التي يشنّـها مسلحون.
وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لرويترز، إن العراق يعتبر الفقرة الخاصة به “ليست ايجابية”، وطالب الجامعة العربية بإعادة صياغتها.
واعترضت إيران على دعم القمة لمطالب الإمارات العربية المتحدة بشأن ثلاث جزر في الخليج، ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية قوله، أن هذه المطالب “باطلة ولا أساس لها”، لان هذه الجزر جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 مارس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.