قهوة بطعم “أكثر إنسانية”
بادر الفرع البريطاني لشركة نستلي بإطلاق قهوة تحمل علامة "التجارة العادلة" في خطوة تُـعتبر الأولى من نوعها بالنسبة للشركة السويسرية العابرة للجنسيات.
فهل يتعلق الأمر بتغيير في سياسة عملاق المنتجات الغذائية، أم أنه مجرّد ذرّ للرماد في العيون من أجل تحسين الصورة؟ الأجوبة متباينة.
ما هي الشركة المتعدّدة الجنسيات الأقل تحمّـلا للمسؤولية في العالم؟ ردّا على هذا السؤال الذي طُـرح عبر الإنترنت على هامش منتدى “عين الجمهور على دافوس” الأخير، أجابت الأغلبية الساحقة بصوت واحد، إنها نستلي.
وتبعا لذلك، حصُـل العملاق السويسري المتخصّـص في المنتجات الزراعية والغذائية جائزة الجمهور – غير المرغوب فيها – التي أسنِـدت له في موفى يناير الماضي على هامش الإجتماع الذي تعقده سنويا المنظمات غير الحكومية بالتوازي مع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. لكن الشركة التي يوجد مقرها في فوفي Vevey قُـرب لوزان، أعلنت قبل أيام قليلة عن أول تغيير محدود في منهجها.
نسكافي “مستديم”
لقد أصبحت نستلي أول شركة (من بين كبريات الشركات الأربع التي تسيطر على سوق القهوة في العالم، وهي كرافت وبروكتر أند غامبل ولاسارا لي)، تُـطلِـق منتوجا يحمل علامة “التجارة العادلة”، وهي العلامة التي تضمن للمنتجين سعرا أدنى أعلى مما هو معمول به في السوق.
هذه الخطوة تقتصر حاليا على السوق البريطانية، إذ جاءت المبادرة من الفرع البريطاني لنستلي، الذي اشترك مع منظمة Fairtrade (التي تُـعتبر معادلة لمؤسسة ماكس هافلار السويسرية التي أدخلت منذ 10 أعوام مفهوم التجارة العادلة في الكنفدرالية) لإطلاق المنتوج الجديد.
لكن هل سيكون امتداد لهذه المبادرة في سويسرا مثلا؟ المتحدث باسم الشركة روبان تيكل اكتفى بالإجابة: “من المبكّـر قول ذلك”، وأشار إلى أنه لابدّ من تقييم التجربة البريطانية قبل إطلاق نفس المنتوج في أسواق أخرى.
هل هو منعرج؟
في تقرير حول القهوة نُـشِـر قبل عدّة أشهر، اعترفت نستلي بإيجابيات “التجارة العادلة”، لكنها عبّـرت عن رأي متحفّـظ، حيث ورد في التقرير أنه “لو دُفِـع إلى منتجي القهوة، وعلى نطاق واسع، أسعار “التجارة العادلة والتضامنية” المرتفعة عن أسعار السوق، فسوف يتم تشجيع أولئك المنتجين على زيادة الإنتاج، وهو ما سينعكس تاليا في تعميق عدم التوازن الحالي القائم بين العرض والطلب، وبالنتيجة إلى تدنّـي الأسعار”.
لذلك، يتساءل المراقبون ما الذي تغيّــر في ظرف بضعة أشهر، حتى تتحوّل الشركة التي تعتبر أول مُـشترٍ في العالم لحبوب القهوة والمتهمة على نطاق واسع بارتكاب مخالفات خطيرة على المستويين الاجتماعي والبيئي، بل التي تعرّضت لحملة مقاطعة دولية، إلى داعم قوي للتجارة العادلة؟.
يُـجيبُ جاين باسهام، المتحدث باسم الفرع البريطاني لنستلي قائلا: “لقد قلنا على الدوام، إننا نريد العمل مع الآخرين من أجل تخفيف حدّة الفقر في صفوف منتجي القهوة”. ويرى باسهام أن الانتقادات التي تعتبر أن نستلي “مهتمّـة بالخصوص بوضع قدم في سوق لازالت غائبة عنها، وتحسين صورتها في نفس الوقت”، لا أساس لها من الصحة.
سوق تُـثير الأطماع
ويضيف المتحدث باسم الفرع البريطاني لنستلي، “نتعاون منذ 30 عاما مباشرة مع منتجي القهوة، وفي عام 2002، أطلقت شركتنا بالإشتراك مع شركات أخرى المبادرة من أجل الزراعة المستديمة. واليوم، تقوم نستلي بتطبيق ما تعلّـمته على مدى العشريات الماضية من أجل مساعدة المزارعين. لقد تطوّر عملنا باتجاه مقاربة مستديمة، تركّـز الاهتمام على ثلاث مجالات: الاقتصادية، والاجتماعية والبيئية”.
في المقابل، لا يُـخفي أليستير سايكس، المدير الإداري للفرع البريطاني، أن هناك اعتباراتِ ذات طابع تجاري تقفُ وراء القرار، “إن حُـججا من قبيل توفير سعرٍ عادلٍ للقهوة، تُـعتبر من المسائلِ التي تشغلُ بالَ المستهلك، والتي أدّت إلى زيادة المنتجات التضامنية”.
هذه الزيادة تدعمها الأرقام. فعلى سبيل المثال، ارتفعت مبيعات المواد الحاملة لعلامة “التجارة العادلة” ما بين عامي 2003 و2004 في بريطانيا بحوالي 40%، أما فيما يتعلّـق بالقهوة تحديدا، فقد بلغت الزيادة 4% بالنسبة لمسحوق القهوة و18% بالنسبة للحبوب. ومع أن هذه النسب تبدو ضئيلة جدا، إلا أنه لا يمكن لشركة مثل نستلي أن تتغافل عنها.
في هذا السياق، يجدر التذكير بأن العديد من الشركات الكبرى قد أقدمت في الآونة الأخيرة على خطوات مشابهة، مثل ماكدونالدز في سويسرا بالاشتراك مع قهوة ماكس هافلار، وشركتا دول وشيكيتا للموز في كل من فرنسا والولايات المتحدة.
آراء متباينة
المنظمات غير الحكومية تتابع بشيء من الحذر هذه الخطوات، ولا يخفي جوليان رينهارد من منظمة إعلان برن غير الحكومية، (التي تعمل من أجل إقرار علاقات تضامنية بين سويسرا والبلدان السائرة في طريق النمو)، انتقاده الشديد لشركة نستلي، ويقول: “إن ما تعتزم نستلي القيام به، غير كافٍ بالمرّة مقارنة بما يمكن توقّـعه من لاعب محوري في سوق القهوة”. ويضيف رينهارد: “إن على نستلي أن تغيّـر كامل سياستها تجاه المستهلكين”.
من جهته، تلقّـى ديديي ديرياز، المتحدث باسم مؤسسة ماكس هافلار، بشيء من الارتياح خطوة نستلي، وقال: “نحن سعداء لأن شركات جديدة تعرض منتجات تحمل علامة “التجارة العادلة”. ولكن، ألا يتعلق الأمر بمجرد ذرّ للرماد في العيون؟ السيد ديرياز يرى أنه من المبكر جدا قول ذلك، ويقول: “لا نعرف الآن، هل ستتوقف نستلي عند هذا الحد، أم أنها ستقترح منتجات جديدة في المستقبل”؟
على العكس من ذلك، يبدو جوليان رينهارد أكثر حسما، ويقول: “إن تقديم عملية نستلي على اعتبار أنها شيء إيجابي، يعني مغالطة الجمهور، إن عملية من هذا القبيل، إذا ما قورنت بسلطة وحجم هذه الشركة المتعددة الجنسيات، لا تستحق أن تُـوصف حتى بأنها قطرة في المحيط”، على حد قوله.
دانييل ماريني – سويس انفو
هناك 25 مليون منتج للقهوة في العالم تتوقف حياتهم على هذه المادة الأولية.
بلغت قيمة المنتجات الحاملة لعلامة التجارة العادلة، التي بيعت في السوق البريطانية في عام 2004، 140 مليون جنيه استرليني (315 مليون فرنك سويسري).
بلغ حجم مبيعات قهوة ماكس هافلار في سويسرا عام 2004، 1469 طن، أي ما يساوي 6% من حجم السوق في الكنفدرالية.
حققت منتجات ماكس هافلار في سويسرا عام 2004 رقم معاملات بـ 210 مليون فرنك.
في عام 2004، اقتنت شركة نستلي 110 آلاف طن من القهوة الخضراء مباشرة من المزارعين، وهو ما يساوي 14% من إجمالي محاصيل القهوة في العالم.
يبلغ رقم معاملات نستلي سنويا، حوالي 90 مليار فرنك سويسري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.