“قوانين العقوبات العربية تحض على الإعدام.. والثقافة المجتمعية أيضا”
باستثناء دولة جيبوتي، لا زالت كافة البلدان العربية تطبق عقوبة الإعدام وهي تتوزع على دول تتقدم قائمة المنفذين لهذه العقوبة في العالم، وأخرى تعمل جاهدة إما لتجميد تنفيذها أو للعمل على إلغائها. لكن هذا النقاش تعترضه عدة عقبات دينية وثقافية واجتماعية كما كشفت عن ذلك أشغال المنتدى الدولي الرابع لمناهضة عقوبة الإعدام المنعقد في جنيف.
من الموائد المستديرة التي انتظمت في سياق المنتدى الذي احتضنته جنيف من 24 إلى 26 فبراير 2010، والتي تطرقت بشكل أو بآخر لموضوع عقوبة الإعدام في المنطقة العربية، تلك التي اهتمت بـ “دور المنظمات الدولية والإقليمية في العمل على إلغاء عقوبة الإعدام”، وأخرى تطرقت خصيصا “لإلغاء عقوبة الإعدام في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، الوسائل والإستراتيجيات”.
ويدفع طرح الموضوع للنقاش بالنسبة لمنطقة تتصدر بعض دولها قائمة الدول المنفذة لعقوبة الإعدام بنسب متفاوتة، ومنطقة لم تعلن سوى جيبوتي عن إلغاء تلك العقوبة فيها، إلى التساؤل عن كيفية نظرة نشطاء المنطقة لتحرك قد يكون مازال في بدايته، ويُغري بالسعي للتعرف على العراقيل التي تحول دون تحقيق تقدم مطلوب.
ويكفي إلقاء نظرة على العنوان الذي اختاره خبير جامعة الدول العربية لتدخله في النقاش لكي يتمكن المرء من إدراك حقيقة الأوضاع وحجم التحدي القائم. إذ يقول طالب السقاف، نائب رئيس لجنة خبراء حقوق الإنسان في جامعة الدول العربية: “تدخلي في هذا المؤتمر سيكون تحت عنوان “العمل في بيئة مؤيدة لعقوبة الإعدام”. سأعرض فيه حجم الصعوبات التي تعترض نشطاء حقوق الإنسان العرب والمنظمات غير الحكومية المعنية بمناهضة عقوبة الإعدام والتي تدلل بالفعل على أن هناك موقفا رسميا وشعبيا مؤيدا لعقوبة الإعدام. وهذا الموقف ينبني على أسس عقائدية واجتماعية وثقافية. وأعرض أيضا الخطورة الكبرى المتمثلة بما يُعرف بحالات الإعدام خارج القانون. وهي قطعا ليست كالنماذج التي شاهدناها في نيجيريا قبل أسابيع لكن نتحدث عن مشاكل قتل الشرف والقتل بدافع الثأر وأيضا في جانب من الجوانب ممكن أن نتحدث عما يعرف بعملية الإنتقام من جانب أو العمليات الإستشهادية من جانب آخر باعتبارها جميعا تشكل ضروبا من القتل خارج القانون. بمعنى أنه ليس فقط أن قوانين العقوبات العربية تحض على الإعدام وإنما هناك ثقافة مجتمعية أيضا تحرض على القتل وتساعد عليه”، على حد تعبيره.
التبرير الديني
التعليل العقائدي لتأييد عقوبة الإعدام كثيرا ما يتردد عندما نتحدث عن عقوبة الإعدام في المنطقة العربية. ولكن كيف يتم التطرق لهذا النقاش في المنطقة العربية وما هي نظرة النشطاء الحقوقيين والفقهاء لذلك على حد سواء؟. هذا ما حاولت swissinfo.ch التعرف عليه من خلال الإتصال بالخبراء العرب المشاركين في المنتدى واستفسارهم.
السيدة تغريد جبر، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا بالمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي ترى أن هناك “تفسيرا وفهما خاطئا لما ورد في الشريعة الإسلامية حول عقوبة الإعدام أو ما نستطيع أن نسميه بحد الرجم او بالتعزير او بالقصاص”. وتضيف الناشطة الحقوقية الأردنية “يعتقد البعض أن الشريعة الإسلامية تدعو إلى تنفيذ عقوبة الإعدام. ووفقا للعديد من الفقهاء والمفكرين الإسلاميين الذين تحدثوا عن هذا الموضوع فقد قالوا إن الشريعة الإسلامية تجسد الحق في الحياة باعتباره هبة الخالق لنا في هذه الدنيا. كما أن الشريعة الإسلامية تضع الكثير من القيود والعراقيل على تطبيق الحدود التي شرعها الله سبحانه وتعالى بما يضمن عدم تطبيقها أو استحالة تنفيذها على أرض الواقع. ومن حيث المبدأ هناك دول قليلة هي التي تلتزم بتطبيق عقوبة الإعدام وفقا للشريعة الإسلامية، بينما القوانين العربية الأخرى (مثل القوانين اليمنية والمغربية) هي قوانين وضعية من وضع البشر وليست مستمدة فيما يتعلق خاصة بالجزئية الخاصة بعقوبة الإعدام، من أحكام الشريعة” الإسلامية.
ولا يكتفي المحامي طالب السقاف، نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان بجامعة الدول العربية بذلك بل يذهب الى حد اعتبار أن ما تطبقه بعض الدول يفوق ما تطالب به الشريعة الإسلامية ويقول: “شاركت خلال العشر سنوات الماضية بأكثر من حوار وملتقى كان فيه صوت الإسلام واضحا وتم بحث موقف الشريعة الإسلامية من عقوبة الإعدام. وقبل ثلاث سنوات أمكننا أن نصل الى قاسم مشترك وهو تقليص عدد الحالات المُعاقب عليها بالإعدام بما هو قصاص في الشريعة الإسلامية إلى ثلاث حالات على أن تكون هذه الحالات مدخلا للبحث والتأمل في جدوى هذه العقوبة في الشريعة الإسلامية”.
ويضيف المحامي طالب السقاف: “الحالات الثلاثة التي يكاد يكون بشأنها شبه إجماع عند المذاهب جميعا هي حالة ما يُعرف النفس بالنفس التي هي القتل العمد، وحالة الزاني المحصن وهي حالة معقدة الإثبات كما نعرف، والحالة الثالثة هي قتل المرتد مع أن المرتد يكاد يكون جزء كبير من المذاهب الفقهية الإسلامية لا ترى أن قتل المرتد يُعتبر قصاصا أو فريضة أو واجبا شرعيا، وإنما هذه مسالة تخضع لضوابط التعزير التي يملكها الحاكم المسلم والتي من الممكن أن تبدأ بما يُعرف بالتوبة وقد تصل إلى عقوبات مثل الحبس وغيرها من العقوبات لكن قد لا تصل إلى الإعدام”.
لكن المحامي السقاف يستدرك قائلا: “تفاجأنا في العام الماضي والذي سبقه بأن هناك وجهات نظر إسلامية ظهرت جديدة تسعى الى زيادة عدد هذه الحالات فصار يجري الحديث عما يعرف بالزندقة والسحر والشعوذة وغيرها وحاجة مثل هذه الممارسات او الجرائم الى عقوبات رادعة قد تصل الى درجة الإعدام. لكن بحدود علمي ليس هناك دولة عربية طبقت الإعدام في مثل هذه الأوصاف الجرمية وإن كانت قوانين العقوبات تعاقب على أعمال السحر والشعوذة وغيرها بعقوبات لا تصل الى درجة الإعدام وتعتبر عقوبات شديدة في هذا السياق. بالمحصلة يمكن القول إن هناك انقساما في الفقه الإسلامي حول الحالات التي يُعاقب عليها بالإعدام وضروراتها ومبرراتها بل وأيضا شروط تطبيق مثل هذه العقوبات ونأمل من التجمعات الفقهية الإسلامية، ومن الحوارات الإسلامية أن تستطيع الوصول الى نتيجة محددة بهذه المسألة تأخذ بعين الاعتبار مقتضيات الشريعة الإسلامية ومقتضيات المعايير الدولية لحقوق الإنسان”.
جرائم الشرف.. وحالات الإستشهاديين
من الحالات الأخرى التي تكثر في المنطقة العربية والتي لها علاقة بعقوبة الإعدام، ما يُعرف بجرائم الشرف. فالأردن مثلا ورغم كونه من الدول الرائدة في مجهودات الحد من تنفيذ عقوبة الإعدام في المنطقة العربية، لا زال يعاني من جرائم الشرف التي كثيرا ما تثار أمام لجان حقوق الإنسان.
لكن الناشطة نسرين زريقات من المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن تعتبر أن هناك مبالغة زائدة عن الحد وتقول: “قضية جرائم الشرف في الأردن قضية أخذت أكثر من حجمها في الواقع وتم تضخيمها أكثر من اللازم. لأنه عندما نتحدث عن جرائم الشرف قد يفهم من ذلك أن فيه إفلاتا من العقوبة بالنسبة للأشخاص الجناة أو لا تطبق ضمانات المحاكمة العادلة. ولكن كما صرح بذلك وزير العدل مؤخرا أصبح في قضايا الشرف الجناة يقدمون للمحاكمة ويعاقبون بجريمة القتل القصد، وتصل العقوبة إلى 15 سنة سجنا”.
ومن وجهة نظرها كناشطة في حقوق الإنسان تقول السيدة زريقات: “هناك ثقافة في قضايا القتل من أجل الشرف، ولكن أرى أن القضاء يتجه اليوم نحو تجريم مرتكبيها بجريمة القتل القصد. وكثيرا ما تكون الإشكالية في جرائم الشرف ليس في القوانين بل في التطبيق وفي الثقافة السائدة. ومن يصدر الأحكام هم رجال وجزء من المجتمع ومتأثرون بثقافة المجتمع. لكن أعتقد أيضا بأن حركة حقوق الإنسان قد أبلت بلاءا حسنا وأن القضاة أصبحوا مقتنعين بضرورة التصدي لهذه الجرائم وأصبح الجناة يتلقون عقابهم المفروض بموجب القانون”.
أما بخصوص العمليات الإستشهادية وكيفية نظرة النشطاء الحقوقيين لتلك العمليات، يقول الخبير طالب السقاف: “قيمة الشهادة في الشريعة الإسلامية قيمة عليا وسامية وعظمى، وحتى مراتب البشر في الجنة مربوطة بفكرة الشهادة ومراتب الشهداء. فهناك الكثير من الحالات التي لها مراتب مثل مراتب الشهيد مثل كافل اليتيم وبر الوالدين وغيرهم. أما ما يتم على ارض الواقع فهو تعزيز الروح الاستشهادية لأبناء العالم العربي والإسلامي. فهذه نزعة واضحة تعطي للقتل مشروعية دينية. بمعنى أنا إن قتلتُ فأقوم بواجبي الجهادي وإن قُتلت فأحظى بالشهادة”. واستدرك المحامي طالب السقاف قائلا: “آن الأوان لكي نفكر كيف يكون نضالنا موجها لضمان الحق في الحياة وليس لتبرير الموت”.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
عادة ما يُقدم الأردن في المحافل الدولية على أنه من دول المنطقة العربية الذي عرف تطورا كبيرا في مسألة مناهضة تطبيق عقوبة الإعدام.
في هذا السياق، تشرح نسرين زريقات من المركز الوطني لحقوق الإنسان: “الأردن يشكل نموذجا في المنطقة العربية فهو كدولة إسلامية، لا يمكن أن يأتي من يوم لآخر ويقول إنه ألغى عقوبة الإعدام. لكنه يتبع إستراتيجية عملت على تقليص الجرائم التي يُعاقب عليها بعقوبة الإعدام إلى حدود 23 جريمة فقط. وانتهينا في عام 2008 من إعداد قانون معدل لقانون العقوبات يطلب من السلطات استبدال عقوبة الإعدام في ثلاث حالات بعقوبة المؤبد وهو ما سيجعل في حال قبول هذا التعديل حصر حالات الإعدام في الأردن في حدود 20 نص يعاقب بعقوبة الإعدام.
ويتمثل الجزء الثاني من الإستراتيجية التي يتبعها الأردن، في قيامه منذ عام 2006 بتجميد تنفيذ عقوبة الإعدام، وهذان المساران: تجميد التنفيذ وتقليص حالات العقوبة بالإعدام يقودان، في اعتقادي الأردن نحو الإلغاء الفعلي لعقوبة الإعدام في غضون الخمسة أعوام القادمة. وهذا ما تضغط من أجل تحقيقه منظمات المجتمع المدني الأردنية”.
تضيف الناشطة الأردنية: “هناك بعض التيارات الإسلامية المتشددة في الأردن التي تطالب بالإبقاء على عقوبة الإعدام. ولكن أعتقد أن الحوار مازال مفتوحا مع هذه التيارات، فنحن في الأردن لم نلغ حتى هذا الوقت عقوبة الإعدام بل جمدنا تنفيذها فقط، ولم يتم تطبيق عقوبة الإعدام منذ حزيران 2006. وقد تعرف السنوات القادمة نقاشا مشددا عندما تثار مسألة إلغاء عقوبة الإعدام” بشكل نهائي.
شارك المحامي الأردني طالب السقاف في المنتدى الدولي الرابع لمناهضة عقوبة الإعدام بوصفه نائبا لرئيس لجنة خبراء حقوق الإنسان بجامعة الدول العربية.
ولدى سؤاله عن مدى اهتمام جامعة الدول العربية بمسألة مناهضة عقوبة الإعدام في الوقت الذي تعتبر فيه المنطقة العربية من المناطق التي لازالت تطبق فيها عقوبة الإعدام بكثرة، يجيب بدون تردد: “يعني بوضوح وصراحة ومباشرة، يكاد يكون اهتمام جامعة الدول العربية بموضوع عقوبة الإعدام محدودا. ولا يتم إفراد بند لعقوبة الإعدام لأي من المجالس الوزارية أو اللجان المتخصصة في الجامعة العربية، وإنما يتم بحث هذا الموضوع في إطار ما يُعرف بإصلاح نظام العدالة الجنائية سواء ضمن المواضيع التي تدخل في اختصاص مجلس وزراء الداخلية العرب، أو مجلس وزراء العدل العرب.
وبالنسبة للجان المتخصصة مثل اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان، فيدخل بحث هذه المسالة في إطار الخطط الإستراتيجية المعنية بوضعها لأغراض تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في العالم العربي.
أما اليوم وفي القمة العربية القادمة التي ستعقد في مدينة سرت بليبيا، هناك مقترح تقدمت به المملكة المغربية وعملت لجنة خبراء حقوق الإنسان ومن ورائها اللجنة العربية الدائمة على إنضاجه لإعداد ما يُعرف بـ (خطة عربية لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان). وموضوع محور إصلاح نظام العدالة الجنائية هو أحد المحاور الأساسية في هذه الخطة والذي فيه إشارات تكاد تكون دلالاتها واضحة بأن مسالة حماية الحق في الحياة والسلامة الجسدية يدخل فيها مناهضة التعذيب وغيره من العقوبات القاسمة وعلى رأسها عقوبة الإعدام. ونتطلع أن يتم إقرار هذه الخطة من قبل قمة سرت القادمة”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.