قيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي تستقيل بعد هزيمة انتخابية مدوية بالمغرب
أعلنت الأمانة العامة للعدالة والتنمية الإسلامي في المغرب الخميس استقالة جميع أعضائها وعلى رأسهم رئيس الحكومة المنتهية ولايته سعد الدين العثماني من قيادة الحزب غداة هزيمة انتخابية مدوية، لصالح حزب التجمّع الوطني للأحرار برئاسة رجل الأعمال عزيز أخنوش، وفق النتائج الجزئية المعلنة حتى الآن.
وقالت الأمانة العامة للحزب الذي تولى رئاسة الحكومة لعقد منذ الربيع العربي، إنها “تتحمل كامل مسؤوليتها السياسية عن تدبيرها لهذه المرحلة، ويقرر أعضاؤها وفي مقدمتهم الأخ الأمين العام تقديم استقالتهم”، داعية إلى مؤتمر استثنائي في أقرب وقت.
قبيل ذلك كان رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران (العدالة والتنمية) دعا العثماني إلى الاستقالة من الأمانة العامة “بعد اطلاعي على الهزيمة المؤلمة التي مُني بها حزبنا”.
وأظهرت النتائج الجزئية للانتخابات البرلمانية التي جرت الأربعاء انهيارا تاما للحزب من المرتبة الأولى بـ125 مقعدا في البرلمان المنتهية ولايته، إلى 12 مقعدا فقط (من أصل 395). وكان أمينه العام سعد الدين العثماني أبرز مرشحي الحزب الذين فشلوا في الظفر بمقعد نيابي عن إحدى دوائر العاصمة الرباط.
ووصفت قيادة الحزب مساء الخميس النتائج بأنها “غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ببلادنا ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي”، معلنة اصطفاف الحزب في “المعارضة موقعه الطبيعي”.
-“إرادة التغيير”-
في وقت سابق الخميس أشاد رئيس حزب التجمع عزيز أخنوش بالانتصار الذي حققه حزبه (97 مقعدا) مؤكدا أنه “انتصار للديمقراطية”و”تعبير صريح عن الإرادة الشعبية للتغيير”.
ويرتقب أن يعيّن الملك محمد السادس خلال الأيام المقبلة رئيس وزراء من حزب التجمع لتشكيل فريق حكومي جديد لخمسة أعوام، خلفاً لسعد الدين العثماني. ويعد أخنوش المرشح الأوفر حظا لهذا المنصب، وهو وزير الزراعة منذ 2007.
من جهته حافظ حزب الأصالة والمعاصرة على المرتبة الثانية بـ82 مقعداً. وكان المنافس الرئيسي للعدالة والتنمية منذ أن أسّسه مستشار الملك محمد السادس فؤاد عالي الهمّة العام 2008، قبل أن يغادره في 2011، لكنه فشل في هزمهم العام 2016.
بدوره حقق حزب الاستقلال (يمين وسط) تقدما في المقاعد التي حصل عليها محتلا المرتبة الثالثة (78 مقعدا). وكان كلا الحزبين ضمن المعارضة خلال الولاية البرلمانية المنتهية.
وعلق المحلل السياسي مصطفى السحيمي “اليوم أغلق قوس الإسلاميين، نحن أمام مرحلة جديدة بأحزاب لا تعارض أسس الحكم ولديها قرب من القصر”.
ونددت الأمانة العامة للحزب الخميس “بممارسة الضغط على مرشحي الحزب من قبل بعض رجال السلطة”، و”الاستخدام المكثف للأموال”.
وقال وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت خلال تقديم النتائج الأولية ليل الأربعاء الخميس إن “عملية التصويت مرت بظروف عادية، باستثناء بعض الأحداث المعزولة”، مشددا على “الاحترام التام لسرية الاقتراع ونزاهة عمليات الفرز والإحصاء”.
تعد الهزيمة المدوية للحزب الإسلامي المعتدل مفاجأة كبيرة إذ ظلّت تقديرات محلّلين ووسائل إعلام محلية ترشحه للمنافسة على المراتب الأولى، في غياب استطلاعات للرأي حول توجهات الناخبين قبل الاقتراع.
وظلّ الحزب يحقق نتائج تصاعدية منذ مشاركته في أول انتخابات برلمانية العام 1997، إلى أن وصل إلى رئاسة الحكومة في أعقاب احتجاجات حركة 20 فبراير 2011 المطالبة “بإسقاط الفساد والاستبداد”، لكن من دون السيطرة على الوزارات الأساسية.
ويمنح الدستور الذي أقرّ في سياق تلك الاحتجاجات صلاحيات واسعة للحكومة والبرلمان، لكنّ الملك يحتفظ بمركزية القرار في القضايا الاستراتيجية والمشاريع الكبرى التي لا تتغير بالضرورة بتغيّر الحكومات.
-“مستعد للعمل”-
وبعد خمسة أعوام على رأس الحكومة استطاع الحزب الحفاظ على موقعه وفاز بانتخابات 2016 بفارق مهمّ عن أقرب منافسيه، بقيادة أمينه العام السابق عبد الإله بنكيران. واشتهر الأخير بحضوره الإعلامي البارز وانتقاده المتواصل “التحكّم”، في إشارة منه إلى الدولة العميقة.
لكنّ بنكيران لم يستطع تشكيل حكومة ثانية لتشبثه برفض شروط وضعها عزيز أخنوش في أزمة سياسية استمرت أشهراً، قبل أن يعفيه الملك ويعين بدله الرجل الثاني في الحزب سعد الدين العثماني. وقبل الأخير أياما بعد ذلك بشروط أخنوش، ما أظهر الحزب في صورة ضعيفة.
ولعب حزب التجمع أدواراً رئيسية في حكومة العثماني حيث تولى فيها وزارات هامة مثل الزراعة، التي يسيرها أخنوش منذ 2007، والاقتصاد والمالية والصناعة والسياحة.
وشارك الحزب الذي أسّسه مقرّب من الملك الراحل الحسن الثاني العام 1978 لمواجهة المعارضة اليسارية آنذاك، في الحكومات المتعاقبة منذ 23 عاما، باستثناء عام ونصف من حكومة عبد الإله بنكيران.
وقال رئيسه الخميس إنه “مستعد للعمل بثقة ومسؤولية مع كل الأحزاب التي تتقاطع معنا في المبادئ والبرامج، تحت القيادة السامية لجلالة الملك”.
وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 50,35 بالمئة وفق ما أعلن وزير الداخلية، علماً أنها المرة الأولى في تاريخ المملكة التي تجري فيها في اليوم نفسه انتخابات برلمانية (395 مقعدا) ومحلية وجهوية (أكثر من 31 ألفاً).
وكانت هذه النسبة استقرّت في حدود 43 بالمئة في آخر انتخابات برلمانية قبل خمسة أعوام، و53 بالمئة في آخر انتخابات محلية وجهوية العام 2015.
وسجّلت أعلى نسب المشاركة في الجهات الجنوبية للمملكة، التي تضم أيضا الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو، وأدناها في جهة الدارالبيضاء (غرب) بحسب الأرقام الرسمية.