مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كوندي ومادلين: أين الحقيقة؟

هل تطبق كوندوليزا رايس يوما ما التوصيات التاريخية لفريق العمل الذي ترأسته زميلتها السابقة مادلين أولبرايت؟ Keystone

هل كانت السيدة رايس جادة حين أعلنت خلال جولتها الأخيرة بأن "نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط سيكون الاختبار التاريخي لرئاسة جورج بوش برمتها"؟

وهل مطالبتها بإلغاء حال الطوارئ وتسريع الخطوات الديمقراطية في مصر، والاعتراض على قمع الإصلاحيين في السعودية، ودعوة سوريا إلى مواكبة التغييرات الليبرالية في المنطقة، كلها أمور قابلة للتصديق؟

المراقبون في الشرق الأوسط انقسموا حيال هذه الأسئلة إلى معسكرين:

الأول، يقول إن هجوم “كوندي” (كما يطلقون عليها في واشنطن) الديمقراطي في المنطقة سيكون باكورة هجمات أخرى لاحقة تُـمارس خلالها الولايات المتحدة عمليات ضغط متصاعدة على الدول العربية لحملها على أخذ “إستراتيجية الحرية المتقدمة”، التي أعلنها الرئيس بوش عام 2003، ثم كرّرها بوضوح أكبر في خطاب القسم عام 2004 على مأخذ الجد.

فليس أمراً عادياً، برأي أنصار هذا المعسكر، أن تُـعلن رايس في مصر، التي تُـعتبر إلى جانب إسرائيل الركيزة الأساسية لكل الصرح الإستراتيجي الأمريكي في الشرق الأوسط، أن “الخوف من الخيارات الحرة (في إشارة إلى احتمال فوز الإسلاميين بالسلطة) لم يعد يستطيع تبرير تغييب الحرية”، وليس تفصيلاً أن تختلف رايس علناً مع وزير خارجية السعودية سعود الفيصل، الذي تزوّد بلاده بلادها بأكثر من 25% من حاجاتها النفطية، حول اعتقال ثلاثة سعوديين يطالبون بتحويل الملكية الأسرية السعودية إلى ملكية دستورية.

وأخيراً، يورد الأنصار التطورات التالية التي يعتبرونها تأكيداً لجدية حملة الحرية الأمريكية في الشرق الأوسط:

– حصول تحالف الأحزاب المناوئة للنظام السوري في لبنان على الأغلبية في الانتخابات الأخيرة وتحركه برغم الاغتيالات، لإدخال إصلاحات ديمقراطية جديدة في البلاد.

– موافقة الرئيس المصري مبارك على إجراء انتخابات رئاسية تعددية (وإن شكلية) للمرة الأولى منذ عهد مينا الفرعوني قبل آلاف السنين.

– تعيين أول وزيرة في الكويت بعد منح المرأة هناك حق التصويت والترشح.

– موافقة حركة “حماس” الفلسطينية على الاندراج في اللعبة السياسية الديمقراطية، وسير “حزب الله” اللبناني، وإن بتؤدة، على الطريق نفسه.

– إجراء انتخابات بلدية في السعودية للمرة الأولى في تاريخ البلاد.

– إجراء أول انتخابات حرة في العراق وأفغانستان.

– اضطرار حزب البعث السوري تحت الضغط الدولي، لبدء البحث بتغيير دوره المُـسيطر على السياسات السورية منذ أكثر من 35 عاماً.

فوضى واستبداد

هذا ما يقوله المتفائلون بالهجوم الديمقراطي الأمريكي. فماذا يقول المتشائمون؟

ينظر هؤلاء حولهم، فلا يرون سوى الفوضى بدل الحرية، والاستبداد بدل الديمقراطية. ويقولون إن البداية كانت في أفغانستان، حيث نقلت القوات الأمريكية المنتصرة السلطة من حُـضن رجعيي “طالبان” إلى جحور اللصوص والإقطاعيين، وأمراء الحرب ومافيات المخدرات. ثم تلاها العراق، الذي أغرقته “إستراتيجية الحرية المتقدمة” في حال انقسامات طائفية ومذهبية وعرقية حادّة لا سابق لها منذ الحروب الصفوية – العثمانية.

وأخيراً، جاء دور لبنان الذي دفع بدوره، مع انطلاقة “العهد الأمريكي” فيه، إلى ذروة الانقسامات الطائفية، وذرى الاستقطابات المذهبية، والحبل ما زال على الجرار.

وتوافق “الغارديان” البريطانية على هذه الرؤية المتشائمة، وهي تشير إلى أن الأشكال الديمقراطية التي ظهرت في هذه الدول، تخفي تحتها حقائق مختلفة، مثلا ً، صحيح أن لبنان حاز على قدر من الحرية من سوريا، والعراق على قدر من الديمقراطية، بيد أن هذا تم لمصلحة العشائر السياسية القديمة والبنى الطائفية الأقدم.

ومثلاً أيضاً، وكما أن بشار الأسد في سوريا ورث أبوه في السلطة، كذلك سيَـرث الشاب اليافع سعد الحريري (35 عاماً) والده في لبنان، وربما أيضاً جمال مبارك في مصر، كما تريد السيدة سوزان مبارك (والكلام ما زال لـ “الغارديان”).

حقنة في العضل

أي المدرستين على حق؟ تلقّـت المدرسة الثانية حُـقنة قوية في العضل حتى قبل بدء رايس جولتها الشرق أوسطية، حين نشرت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت تقريراً تاريخياً موّله مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي وقع في 80 صفحة بعنوان “دعماً للديمقراطية العربية: لماذا وكيف”، تضمن عملياً كل ما لا تفعله إدارة بوش في المنطقة، وهذا يشمل:

– وضع إستراتيجية لتحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في كل دولة عربية على حدة، لكن بشرط التمسك بمبادئ عامة تشمل، حقوق الإنسان، التمثيل السياسي، قواعد الحل والربط الدستورية، التسامح، حكم القانون، حقوق المرأة وشفافية اتخاذ القرار. ويلاحظ تقرير أولبرايت هنا أنه برغم تشديد واشنطن مؤخراً على الديمقراطية في الشرق الأوسط، إلا أنه لا يزال عليها التصرف بشكل متسق حيال كل الدول العربية في هذه القضايا المهمة.

– على إدارة بوش تشجيع القادة العرب على تطوير “ممرات إلى الإصلاح” مفصَّـلة وعلنية تتجاوب مع مطالب المواطنين في التغيير. الطبيعة العلنية لمثل هذه الخطط ستمكِّـن المواطنين من محاسبة الحكام على ما يفعلون.

– لا يتعيّـن على واشنطن قبول منطق القادة العرب الذي يقول بأن التقدم نحو الديمقراطية ليس ممكناً قبل تسوية القضية الفلسطينية، لكن عليها أيضاً ألا تقبل المنطق الإسرائيلي بأنه لا يجب استئناف مفاوضات السلام، إلا حين تُـصبح السلطة الفلسطينية ديمقراطية بالكامل.

– سواء كان هذا حسناً أو سيئاً، يحتمل أن تلعب الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية دوراً مُـهماً في شرق أوسط أكثر ديمقراطية. يجب أن تبقى الولايات المتحدة يقِـظة في تصدّيها للمنظمات الإرهابية، لكنها في الوقت ذاته، لا يجب أن تسمح لقادة الشرق الأوسط باستخدام الأمن القومي كذريعة لقمع المنظمات الإسلامية غير العنيفة. كما يتعين على واشنطن أن تدعم المشاركة السياسية لأية مجموعة أو حزب يلتزم بقواعد ومعايير العملية الديمقراطية.

– ولتقليص الاحتمال بأن تكتسح الحركات الإسلامية الأنظمة السياسية الشرق أوسطية الأكثر انفتاحا، يجب على الولايات المتحدة أن تدعم ترتيبات دستورية تقيّـد سلطة الأغلبية لمنعها من الدسّ على حقوق الأقليات. معظم الديمقراطيات لديها ميكانيزمات، مثل مجلس الشيوخ أو المحكمة العليا اللذين يمنعان “طغيان الأكثرية”.

– على واشنطن تعزيز الإصلاحات السياسية والاقتصادية في وقت واحد، ووقف تفتّـت السوق الاقتصادي الشرق أوسطي عبر إزاحة العقبات من طريقه، ومكافحة الفساد الذي يعطل التنمية.

هذه الفقرات المطولة من تقرير أولبرايت، أوردناها ليس فقط لأهميتها التاريخية، بل أيضاً لسببين آخرين:

الأول، لأن ما تقوله مادلين، يكشف ما لا تفعله كوندي!؟ أنصار هذه الأخيرة، وعلى رأسهم “الإستراتيجي” باتريك كلاوسن، يبررون “لا فعل” رايس بالقول بأن الشرق الأوسط لا يشبه بشيء أوروبا الشرقية، لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا ثقافياً. لكن هل يبرر هذا تبنّـي رايس وإدارتها لمفهوم “الفوضى البنّـاءة”، الذي يدمّـر الآن كل بُـنى المجتمعات المدنية العربية بدون أن يَـبني فوقها أي نظام جديد؟ ثم، أليس النفط وإسرائيل غير الموجودين أصلاً في أوروبا الشرقية، هما السبب الحقيقي وراء كل هذه السياسات المدمّرة؟

السبب الثاني، هو أن تقرير أولبرايت قد يصبح برنامج عمل الحزب الديمقراطي الأمريكي في حال عودته إلى السلطة، هذا مع التحفظ الكبير بأن الأحزاب الأمريكية تقول شيئاً خلال الانتخابات، ولا تنفذ إلا القليل بعدها.

على أي حال، “الاختبار التاريخي” لولاية بوش الثانية لم يكتمل فصولاً بعد، كي يتم الحكم عليه بشكل نهائي. لكن ما يمكن استنتاجه بثقة، هو أن تردد إدارة بوش في تنفيذ وعودها الديمقراطية، سببه الحقيقي التزامها بمصالحها الاقتصادية والإستراتيجية والإسرائيلية، وهذه الأخيرة كثراً ما يحققها الدعم الأمريكي لاستبداد الأنظمة (كما في آسيا الوسطى، وباكستان، وليبيا، وتونس وغيرها) لا العكس!

سعد محيو – بيروت

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية