كيف يجب أن يتعامل العرب مع أمريكا؟
من بين الشخصيات العربية ذات الانتماء القومي الراسخ والرؤية الدولية المتكاملة، الدكتور مصطفى الفقي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري والكاتب والمفكر.
السيد الفقي زار مؤخرا الولايات المتحدة للتحدث عن العلاقات العربية الأمريكية.
دعا الدكتور مصطفى الفقي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري، في ختام اجتماعاته في واشنطن بكبار المسؤولين في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأمريكي، وزعماء الكونغرس الأمريكي، إلى ضرورة رسم استراتيجيات جديدة للتعامل بين الدول العربية والولايات المتحدة تعتمد على خلق أرضية مشتركة تستند إلى مصالح متبادلة، بحيث يمكن للعالم العربي ممارسة التأثير الإيجابي في السياسات الأمريكية من خلال تبادل المصالح.
وشدّد الدكتور الفقي على أنه من الناحية التاريخية لم تكن هناك مشكلة حقيقية بين الشعوب العربية والشعب الأمريكي، بل أن هناك إعجابا عاما بين الشباب العربي بالنمط الأمريكي في الحياة وبالثقافة الأمريكية.
ولم تكن أبدا المشكلة هي العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وكل بلد عربي على حدة، ولكن المشكلة الحقيقية بين العرب والولايات المتحدة تكمُـن باختصار في الانحياز الأمريكي شبه المطلق إلى جانب إسرائيل، والإصرار على أن تحتفظ إسرائيل بالتفوق النوعي على كل دول المنطقة العربية.
ودلل على ذلك بأنه بينما لا تسمح الولايات المتحدة للدول العربية بحيازة القدرات النووية حتى للأغراض السلمية، تتغاضى عن كون إسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي دخلت في صمت النادي النووي.
وفي معرض إشارته إلى التعاون العربي مع الولايات المتحدة، والذي لا تبادله الولايات المتحدة بنفس المعاملة، قال الدكتور الفقي، إن العرب استجابوا لنداء واشنطن بالتحالف لإخراج القوات العراقية من الكويت، ثم كانت المساندة العربية للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب والتعاطف معها بعد هجمات سبتمبر الإرهابية، ولكن استقبال الولايات المتحدة لذلك التعاطف العربي يدعو إلى التساؤل.
فسرعان ما كان الرد الأمريكي دعما مطلقا لإسرائيل وإهدارا كاملا للحقوق الفلسطينية، بل وتسمية شارون برجل السلام بعد سلسلة من الأعمال العدوانية والتصفيات والاغتيالات للكوادر الفلسطينية، بالإضافة إلى عدم استجابة أمريكا لما يجري في المنطقة. وكما لو كانت المشكلة الفلسطينية ليست كافية كهم عربي لعشرات السنين، خلقت الولايات المتحدة للعرب مشكلة أخرى هي المشكلة العراقية.
الاستباحة الكاملة
وتساءل الدكتور الفقي عن الحكمة من رد جميل فتح الدول العربية لملفاتها الأمنية في خدمة الحملة الأمريكية ضد الإرهاب باستهداف دولة عربية مثل سوريا بقانون للعقوبات، رغم اعتراف مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية بأنه لا توجد دولة عربية ساعدت الولايات المتحدة من النواحي الأمنية في المنطقة مثلما فعلت سوريا! وقال إن الأغرب من ذلك هو أنه لمس من خلال لقاءاته مع المسؤولين والمشرعين الأمريكيين تفهمهم، بل وإدراكهم لحقيقة المواقف ووجهات النظر العربية.
ومع ذلك، فإن مواقفهم لا تأخذ مصالح العرب والمسلمين في الاعتبار، وربما هذا هو ما شجع رئيس وزراء ماليزيا إلى إصدار تصريحه المثير للجدل حول تحكم اليهود في العالم. ولكن الدكتور مصطفى الفقي حذر مما وصفه بتديين الصراعات والخلافات القائمة بين العرب والمسلمين من ناحية، وبين الولايات المتحدة من ناحية أخرى.
وقال، إن إضفاء الصبغة الدينية على كل خلاف أو صراع يشكل ظاهرة خطيرة، وضرب مثالا على تديين قضية القدس بالقول إن القدس يجب أن تعود للحكم الإسلامي لأنها مدينة مقدسة فيها ثالث الحرمين، لأن ذلك يمكن الجانب الآخر من حشد مبررات دينية مثل جبل الهيكل وما يشكله بالنسبة للدين اليهودي.
وقال الدكتور الفقي: “طالما لدينا حجج سياسية قوية، يجب ألا نتجه إلى الجوانب الدينية لإثبات صحة منطقنا”. فالرد على مطالبة إسرائيل بالإبقاء على القدس موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، يجب أن يعتمد على القانون الدولي وانطباق قرار 242 الذي يطالب بانسحابها من الأراضي المحتلة ومنها القدس الشرقية.
ضد الإسلام؟
ونبه الدكتور الفقي إلى أن اتهام الولايات المتحدة بأنها ضد الإسلام ليس صحيحا. فالرئيس أيزنهاور شارك بنفسه في افتتاح المركز الإسلامي في واشنطن، والمسلمون في الولايات المتحدة ينعمون بحرياتهم الدينية ويبنون المساجد، والرئيس الأمريكي يهنئ المسلمين في العالم برمضان وبالمناسبات الدينية، بل ويدعو السفراء وزعماء المسلمين إلى إفطار في البيت الأبيض.
والإسلام كان حليفا للسياسة الأمريكية لعقود من الزمن، ولعل أقرب مثال هو الحزام الإسلامي الذي حال دون وصول النفوذ الشيوعي إلى المنطقة العربية والإسلامية، ولكن الثورة الإسلامية في إيران كانت نقطة تحول حقيقية أظهرت للساسة الأمريكيين أن الظاهرة الإسلامية ليست بالضرورة مسايرة للهوى الأمريكي.
ومن هنا، بدأ الفصل الأمريكي بين احترام الإسلام كدين، وبين استخدامه سياسيا ضد المصالح الأمريكية أو في تبرير استخدام العنف، وضرب الدكتور مصطفى الفقي مثالا على عدم اعتبار الولايات المتحدة، الإسلام أو المسلمين هدفا لها بقيادتها للحملة العسكرية ضد الصرب، وهم من المسيحيين الأرثودوكس لصالح أغلبية مسلمة في كوسوفو.
وخلص إلى أن الخلاف ليس دينيا، وإنما هو حول المصالح، ولذلك، قال إنه ينبغي أن ننتزع من العقل العربي النزوع إلى تديين كل صراع وإضفاء الصبغة الدينية لتبرير كل خلاف، ويجب التنبه إلى أن العرب والمسلمين شركاء في الحضارة الغربية وكل مسلم عربي سيجد في خلفيته الثقافية إلى جانب الإسلام والعروبة جزءا من الحضارة الغربية المسيحي، وكل غربي مسيحي سيجد في خلفيته الثقافية جزءا من الحضارة العربية الإسلامية.
بُـعبُـع جديد في يد أمريكا!
ويرى الدكتور مصطفى الفقي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري، أن الأنظمة العربية بدأت تُـعيد ترتيب أوضاعها تماشيا مع عواقب هجمات 11 سبتمبر الذي تحول إلى يوم لصناعة عدو جديد للولايات المتحدة هو التطرف الإسلامي، والذي أفلح في تقويض نظرية سيادة الدولة، بحيث لم يعد أحد يأمن على نفسه من التدخل الأجنبي لملاحقة الدولة الأقوى والأقدر لفلول المتطرفين أو الجماعات التي تتخذ من العنف وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية.
وعندما طرحت الولايات المتحدة مبادرة الشراكة لإحداث تغييرات مواتية داخل المجتمعات العربية من خلال التحول نحو الديمقراطية وتحقيق إصلاحات سياسية واجتماعية وثقافية وتعليمية استقبلتها بعض الأنظمة العربية، بما وصفه الدكتور الفقي، بمحاولات سرقة التغيير وإجهاض الإصلاح، من خلال مسارعة القوى التي ينبغي أن ينالها التغيير والإصلاح باحتواء قضية الإصلاح، وسرقة شعارات التحول ورفع لواء التغيير، بحيث لا يجسر المعارضون على انتقادها لأنها رفعت لواء التغيير، وبحيث تحرم أنصار الإصلاح من القيام بدورهم بدعوى أنها تقوم بالفعل بالإصلاح والتغيير.
ومن ثم، بدأ التنافس بين تلك الأنظمة لتقديم صورة أكثر إشراقا لإرضاء واشنطن دون إدراك جوهري لحقيقة أن التغيير بات حتميا ابتداء من مقررات التعليم المتدهور في العالم العربي، ومرورا بالثقافة الهابطة ليتم تخطي مرحلة العبثية والتراخي، وضعف الهوية الثقافية العربية.
لغة المصالح في العلاقات مع أمريكا
وتطرق الدكتور مصطفى الفقي إلى الحديث عن كيفية التعامل مع الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في عالم اليوم، يحاول الجميع أن يخطبوا ودها من العملاق الصيني إلى دول العالم الأخرى، بل يمر ذلك التودد إلى الولايات المتحدة في أحيان كثيرة بإظهار دول العالم لتعاطفها مع إسرائيل والرغبة في التعاون معها، وربما يكون هذا بسبب إشارات أمريكية واضحة تدفع الكثيرين إلى محاولة التودد لأمريكا عن طريق إسرائيل المدللة.
ووقعت بعض الدول العربية في هذا الكمين، فتصورت أن قدرتها على الاقتراب من الولايات المتحدة الأمريكية تأتي من خلال التقرب لإسرائيل، وقطعت في ذلك أشواطا طويلة بفتح قنوات سرية وعلنية مع إسرائيل لمجرد استرضاء البيت الأبيض.
وطالب الدكتور الفقي بأن يتخذ العرب الطريق العملي في التعامل مع الولايات المتحدة ويتوقفوا عن التفسير التآمري، خاصة مع وجود مصالح استراتيجية لأمريكا في العالم العربي، ومع ضعف الدول العربية في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، بحيث تم اختزاله إلى نزاع فلسطيني إسرائيلي.
ونصح الدكتور الفقي بأن يتعامل العرب مع أمريكا على أساس المصالح المتبادلة، فيكون وقوفهم مع أمريكا في الحرب ضد الإرهاب في إطار تفاهم بأن لا يحدث خلط بين تعريف الإرهاب وبين المقاومة المشروعة ضد الاحتلال، وعلى العرب أن يدركوا أن أحداث سبتمبر غيّـرت العالم بشكل غير مسبوق وقال: “إن ما جرى أكبر بكثير مما نرى”، ولذلك، حدث تراجع في الدعم الدولي للقضية الفلسطينية بسبب العمليات الانتحارية التي استهدفت المدنيين، وتسببت في دمغ أعمال المقاومة بصفة الإرهاب.
ولذلك، يجب تغيير الخطاب العربي في التعامل الواقعي مع واشنطن، بحيث يركز على الرغبة في العيش بسلام والتعايش مع إسرائيل وإدانة العنف من الجانبين مع توضيح أن السبب في العنف الفلسطيني هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
الإصلاح.. الإصلاح!
ونبه الدكتور مصطفى الفقي إلى حاجة العالم العربي إلى موجة من الإصلاح السياسي والدستوري والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، بغض النظر عن الدعوة الموجهة من الولايات المتحدة للقيام بتلك الإصلاحات التي تستهدف المحافظة على حقوق الإنسان، والتحول الديمقراطي، وتوفير الفرص الاقتصادية لمكافحة الفقر، وتوفير الشفافية الكفيلة بمحاصرة الفساد قبل أن يتم فرض تلك الإصلاحات من الخارج بدعاوى حماية حقوق الإنسان أو التعامل مع أسباب ومبررات لجوء الشباب إلى العنف والإرهاب الذي وصل بأياديه إلى الأرض الأمريكية في 11 سبتمبر 2001.
وخلص الدكتور الفقي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري، إلى أن السياسة هي فن إدارة المصالح، وليست فنا لإدارة المشاعر ولا توظيف الشعارات، لذلك، ناشد الدول العربية أن تبحث بعناية عن المصالح التي تهم الولايات المتحدة ويمكنها التأثير فيها، ثم تشرع في حوار مع واشنطن للتوصل إلى تفاهم مُـشترك حول ما الذي يمكن أن يحصل عليه العرب من الولايات المتحدة إذا تعاونوا في تحقيق تلك المصالح الأمريكية استنادا إلى نوع من الندية والقدرة على طرح الأفكار بوضوح، ويستلزم ذلك وجود أنظمة حكم عربية راسخة تتمتع بشعبية حقيقية، وتستند إلى رأي عام فعال ومؤثر، وشرعية لا تخفى على الولايات المتحدة. كما يتطلب ذلك قدرا كبيرا من التنسيق المتكامل والهادئ بين الأنظمة العربية.
وقال الدكتور الفقي، إن افتقار معظم الأنظمة العربية لتلك المقومات هو السبب في طريقة التعامل الأمريكية غير السوية مع العالم العربي، حيث تتعامل الولايات المتحدة مع إسرائيل كحليف استراتيجي يتمتع بـ 100% من المصداقية، من منظور أنها دولة ديمقراطية على النمط الغربي تقوم بدور رأس الحربة لحماية المصالح الأمريكية الحيوية في المنطقة، بينما لا تزيد مصداقية أي دولة عربية لدى الولايات المتحدة عن 40% في أحسن الأحوال بسبب المخاوف من عدم استقرار الأوضاع أو عدم رسوخ السياسات التي تتبعها تلك الدولة العربية إزاء الولايات المتحدة.
وبدون التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، سيستحيل على الدول العربية تغيير السياسات الأمريكية إزاء المنطقة مهما حاولت الظهور بمظهر أكثر إشراقا وقال: “من المستحيل إضفاء صورة مشرقة على أصل سيئ، وعندما تتقدم الأوضاع في العالم العربي، سيظهر صداها وأثرها بشكل فوري في كيفية التعامل مع الولايات المتحدة”.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.