لا للتميـيـز في مواقــع العــمــل!
بمناسبة عيد العمال، أكد المكتبُ السويسري لمُكافحة العنصرية أن التمييز بكافة أشكاله في مواقع العمل له انعكاسات سلبية على مستوى المردودية والأرباح واقتصاد البلاد عموما.
جاء ذلك خلال ندوة عقدت يوم 29 أبريل في برن تحت شعار “من أجل عالم شغل دون تمييز” بحضور 150 مهنيا.
لا يؤثر التمييز داخل مواقع العمل على معنويات العمال والعلاقة فيما بينهم فحسب، بل يُحدث أيضا خللا في العجلة الاقتصادية السويسرية. هذا ما أظهرته دراسة حديثة أنجزها مكتبُ الدراسات الخاصة بالسياسات الاجتماعية وسياسة العمل لحساب المكتب الفدرالي لمناهضة العنصرية.
وتكشفُ الدراسة أن التمييز العرقي أو الديني أو الجنسي في مواقع العمل يؤدي إلى تراجع ملموس على مستوى المردودية، لأن ضحايا هذه الممارسات لا يقوون على مزاولة عملهم بالفعالية المطلوبة. وغالبا ما يتسبب هذا التمييز في تغيب المُتضررين عن العمل أو تدهور صحتهم، وهو ما ينجم عنه اضطراب في نسبة حضور العمال ومشاكل إضافية في موقع العمل.
وتشير الدراسةُ أيضا إلى أن التمييز في أوساط الشغل لم يعد يعني الأجانب فحسب بل بات يشمل عددا مُتزايدا من السويسريين.
وللحد من الأضرار النفسية والاقتصادية لهذه الظاهرة، أشرف المكتب الفدرالي لمناهضة العنصرية على تنظيم ندوة عقدت يوم الثلاثاء 29 أبريل في برن بالتعاون مع جمعيات لأرباب العمل والنقابيين وكتابة الدولة للشؤون الاقتصادية والمكتب الفدرالي للتكوين المهني والتكنولوجيا. وشارك في الملتقى 150 مهنيا يمثلون القطاع الصناعي والنقابات والحكومة ومجموعات الدفاع عن حقوق العمال.
أربعة محاور أساسية
وتهدف المبادرةُ إلى توعية كافة الشركاء الاجتماعيين بالانعكاسات السلبية لظاهرة التمييز على اقتصاد الكنفدرالية وعلى جاذبية سويسرا كبلد يستقطب اليد العاملة الأجنبية. ولم تكتف لجنة المُنتدى بطرح الإشكالية بل أطلقت مناقصة عمومية لدعم جملة من المشاريع التجريبية الرامية إلى تعميق وعي المُجتمع بأخطار التمييز وبحث السبل الكفيلة بالقضاء عليه.
وستتكفل هذه المشاريع المُمولة من قبل صندوق مكافحة العنصرية والدفاع عن حقوق الإنسان التابع لوزارة الداخلية بأحد الأهداف الأربعة التي تتصدر قائمة الأولويات. ويتمثل أول هذه المحاور في تحديد التمييز والاعتراف بوجوده. أما المحور الثاني فيكمن في تقديم النصائح للضحايا وحمايتهم. فيما يتلخص المحور الثالث في توفير الشروط الكفيلة بضمان فعالية الإجراءات المناهضة للتمييز. ويهتم المحور الرابع والأخير بالوقاية من التمييز في العمل وتكوين الأشخاص الذين يشغلون مناصب أساسية في المؤسسات.
وُجوه مختلفة لظاهرة واحدة
ويأخذ التمييز في مواقع العمل أشكالا متعددة تظل أكثرها انتشارا ظاهرةُ “الضغط التعسفي” أو التحرش المعنوي المعروف بـ “Mobbing” والذي يتأرجح بين المزحة الثقيلة والتلميحات أو حتى الشتائم.
وقد يقترن الضغط المعنوي بضرر مادي في حال وقوع العامل، وخاصة الأجنبي، ضحية للتمييز في الشغل. ومعروف أن الأجور التي يتقاضاها الأجانب في الكنفدرالية تقل عموما عن رواتب السويسريين عند أداء نفس العمل.
وفي هذا السياق توضحُ رئيسة المكتب الفدرالي لمناهضة العنصرية ميشيل غاليزيا أنه عند مقارنة الأجور، يتبين أن العمال القادمين من أوروبا الوسطى والشرقية يتقاضون رواتب تقل بنسبة 20% مقارنة مع أجور السويسريين. أما مُرتب العمال الأفارقة فيقل بنسبة 42%.
ثغرة قانونية
وتُذكر الدراسة الجديدة حول التمييز في مواقع العمل أنه يتعين على الموظفين أن يُدركوا أن التمييز مُمارسة غير مسموح بها، بل تُعرض مُرتكبها للعقوبات. لكن المُشكلة هنا تكمن في افتقار سويسرا لقانون يمنع بالتحديد ظاهرة التمييز في العمل.
فالمادة الثامنة من الدستور السويسري “تعاقب التمييز في أبعاده الواسعة” على حد تعبير السيدة غاليزيا. وبالتالي، يصعب على العُمال في سويسرا الدفاع عن أنفسهم أمام مُمارسات التمييز في أوساط الشغل. ولهذا السبب، تظلُّ المعاهدات المناهضة للتمييز المبرمة بين الشركاء الإجتماعيين أداة أساسية لتعزيز مبدأ تكافئ الفرص وتحسين الأسس القانونية في قطاع الشغل. وقد شددت الدّراسة على ضرورة تشجيع إدماج مبادئ مناهضة التمييز في مُعاهدات العمل الاجتماعية.
“تعديل القانون ليس حلا صائبا”؟
لكن فكرة تعديل القانون السويسري الخاص بمكافحة التمييز لا تحظى بإجماع كافة الشركاء الاجتماعيين الذين يفضل بعضهم الاكتفاء بإبرام اتفاقيات بين أرباب العمل والعمال تدين وتعاقب التمييز في العمل.
ويعرب جون لوك نوردمان المسؤول في وزارة الاقتصاد السويسرية عن قناعته بعدم الحاجة إلى إصدار قانون جديد. ويقول السيد نوردمان في هذا الصدد:”استصدار قانون جديد لن يغير الحقيقة، يجب إعادة النظر في الأساس، في المدارس مثلا، إذا ما أردنا تغيير المجتمع”.
ويقترح نوردمان أن يتم إبراز نجاح الأجانب المقيمين في سويسرا مثل عدد من نجوم فريق بازل لكرة القدم (الذي يعد حاليا مفخرة كرة القدم السويسرية). ويعتقد السيد نوردمان أن مثل هذه الأمثلة وسيلة جيدة لمحاربة النظرة الدونية للعمال الأجانب.
من جانبه، يرى بيير تريبونيز من الجمعية السويسرية للشركات الصغرى والمتوسطة أن تبني قانون جديد سيطرح إشكالية معقدة حيث يقول: “لا أعتقد أن يثمر مثل هذا التركيز على ظاهرة التمييز. إن مجتمعنا يتكون من أصناف متنوعة من البشر، من عجزة وشباب ورجال ونساء وسويسريين وأجانب. فإذا ما ركزنا على التمييز فقد نتناسى مبدأ أساسيا ألا وهو مبدأ التسامح”.
لكن هذه المواقف تثير استياء مجموعات الدفاع عن حقوق العمال مثل الجمعية السويسرية للعمال التي ترى في هذه التصريحات وسيلة لتفادي اتخاذ إجراءات ملموسة ضد التمييز. أما السيد باتريك تاران من منظمة العمل الدولية، فقد أوضح في تصريح لـ “سويس انفو” أن المنظمة قامت بأبحاث معمقة حول ظاهرة التمييز في العمل واستنتجت أن القانون هو الخطوة الأولى للتصدي لهذه الظاهرة في كافة البلدان التي أنجزت فيها الأبحاث.
في المُقابل، يشير السيد تاران إلى أن العمل التطوعي ضروري أيضا في هذا المجال، مضيفا أن طرح مسألة التمييز بهذه الطريقة هو مبادرة ممتازة في سويسرا ستجعل من هذا الملف “قضية حوار وطني”.
إصلاح بخات – سويس انفو
25% من عمال سويسرا أجانب
معدل أجور العمال الأجانب يقل بكثير عن نظرائهم السويسريين حيث تصل نسبة الفرق أحيانا الى 42%
تقل حظوظ شاب من منطقة البلقان، على سبيل المثال، بـ75% مقارنة مع مواطن سويسري حينما يتعلق الأمر بالالتحاق بمعاهد التأهيل المهني
لا تتوفر سويسرا على قانون يحظر التمييز في مواقع العمل بالتحديد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.