مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لا يوجد مسلمون في سويسرا”!

Keystone Archive

لم تجد إحدى المحاضرات في ندوة "مسلمون في سويسرا" التي عقدت يوم الجمعة الماضي غضاضة من استهلال خطابها بهذه العبارة. لكن الجدل الذي أثير حول عبارتها لم يكن الوحيد. فالخلاف بين بعض المسلمين المقيمين في سويسرا كان لافتا أثناء فعاليات الندوة.

كانت الدهشة هي ردة فعل الحاضرين الأولى على عبارة الدكتورة زارنيكا جوانا فاف أستاذة علم الاجتماع في جامعة بيلفالد في المانيا. فالسيدة فاف لم تجد خيرا من عبارتها الاستفزازية “لا يوجد مسلمون في سويسرا” تستهل بها محاضرتها عن وضع المسلمين في المناطق السويسرية الناطقة باللغة الألمانية.

دهشة إن لم يكن استهجان الحاضرين كان مبررا. فقد استمعوا قبل صعود السيدة فاف إلى المنصة إلى محاضرة للسيد مارسيل هاينيجر الموظف بالمكتب الفدرالي للإحصاء أوضح فيها أن عدد المسلمين المقيمين في سويسرا يصل إلى نحو 310 ألف مسلم. عددٌ يصعب معه نفي وجود المسلمين في الكنفدرالية.

لكن السيدة فاف كانت مصرة على موقفها. فهي تقول إنه لا يوجد مسلمون في سويسرا لأن جنسياتهم ومشاربهم مختلفة و”مشتتة”. قول أثبته السيد هاينيجر بأرقامه في حديثه عن الدول التي ينتمي إليها مسلمو سويسرا، حيث استحوذت يوغسلافيا السابقة على نصيب الأسد فيه 38%، تلتها بعد ذلك تركيا 22% ثم مقدونيا والبوسنة. أما المسلمون من دول شمال إفريقيا (تونس المغرب والجزائر) فلم تزد نسبتهم عن 4%، في حين ان نسبة المسلمين من المشرق العربي وإفريقيا ضعيفة إلى الحد الذي لم يستدع تحديد رقم له.

 “مسلمون في سويسرا” أم “المسلمون في سويسرا”؟

مقابل هذا التعدد في جنسيات ومشارب مسلمي سويسرا فإن “التشتت” في وجودهم يبدو أيضا واضحا. فالسيدة فاف تقول إن نحو أربعين منظمة وجماعة تتنافس فيما بينها لتمثيل الكيانات المسلمة الموجودة في سويسرا. وهو ما يبرز على ما يبدو وجود مشكلة تمنع المسلمين من الاتفاق على هيئة موحدة تمثلهم أمام سلطات الكنفدرالية.

شكلَّ هذا التنوع والتشتت المبرر الأساسي في اختيار اسم “مسلمون” وليس “المسلمون” في سويسرا للندوة التي نظمتها على مدى يومين الجمعية السويسرية للشرق الأوسط والثقافة الإسلامية بالتعاون مع الأكاديمية السويسرية للعلوم الإنسانية والاجتماعية. هذا على الاقل ما أوضحه الدكتور هارتموت فايندريخ المدرس للغة العربية في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيوريخ وأحد مؤسسي الجمعية السويسرية للشرق الأوسط والثقافة الإسلامية.

فعدا عن الرغبة في التعرف على نوعية المشاكل التي تواجهها الجاليات المسلمة في سويسرا فإن أحد الأهداف الرئيسية لعقد الندوة كان في البحث عن نوعية الإسلام المتواجد في الكنفدرالية وطبيعته: هل هناك بالفعل كيان موحد للمسلمين أم أن التنوع الذي يصفه يمنع من الحديث عن هذا الكيان؟

 مسلمون “يختلفون” في سويسرا!

ذلك “التنوع” برز حقا في مداخلات الندوة وورشها الفكرية. بيد أنه ظهر أكثر في صورة خلافات فكرية بين بعض المشاركين من المسلمين. فعلى سبيل المثال، في ورشة العمل الخاصة ب”المساواة بين الجنسين” تحدث إمام جامع زيورخ الشيخ يوسف إبرام عن واقع المرأة المسلمة في سويسرا. ضمن هذا الإطار، أعتبر الشيخ إبرام أن واقع المرأة في العالم العربي الإسلامي سيئ بالفعل، غير أنه يعكس في رأيه واقع الإنسان بصفة عامة في ظل أوضاع التخلف والقهر الذي تعيشه المجتمعات العربية. لا يعبر ذاك الواقع إذن عن وضع المرأة في حال تطبيق النموذج الإسلامي الصحيح.

تعقيبا على حديثه، هاجمت السيدة ميليسا حمودي، وهي سويسرية مسلمة تقيم في لوزان، الشيخ إبرام أثناء النقاش وفي حديث بعد ذلك مع سويس إنفو. حيث اتهمته بأنه “يقول ما لا يعتقد”، دون أن تقدم دليلا مقنعاً على ذلك. ثم شنت هجوما على ما وصفته ب”الوهابية” التي تمثل في رأيها “تطرفا” في تفسير الإسلام.

على نفس الوتيرة، أثناء حلقة النقاش بعنوان “مسلمون في مدن سويسرية: تجارب وتوقعات” تحدث المحاضرون في الحلقة عن المشاكل التي تعاني منها الجاليات المسلمة لا سيما ما يتعلق منها بإنشاء مساجد خاصة بهم. هنا عمد أحد المشاركين من المسلمين إلى طرح سؤال على السيدة نادية كرموس، رئيسة المؤسسة الثقافية للنساء المسلمات في سويسرا، عن الجهة التي ستمول إنشاء تلك المساجد وعما إذا كانت هناك “دول ما” تمول “مثل تلك المشاريع”. وهو ما أدى إلى احتدام الموقف لولا تدخل منظمي الحلقة.

 ليتهم بالفعل “لا يوجدون”

هل قدمت تلك “المصادمات” الفكرية زخما لمقولة الدكتورة باف عن “عدم وجود المسلمين”؟ هذا وارد إلى حد كبير. لكن من الخطأ أخذ عبارتها على علاتها دون تمحيص. فالسيدة باف أعربت عن قناعتها خلال حديثها أنه لا وجود للمسلمين في سويسرا لأن قضاياهم غير ظاهرة في الوعي السويسري:”لأننا لا نراهم كما لا نرى مشاكلهم”. فهل يعقل في بلد الأقليات والديمقراطية أن لا يُسمح للمرأة المسلمة أن تعمل في مهنة التدريس إذا كانت ترتدي غطاء الرأس؟ مشكلة تنتظر بالتأكيد حلاً يحترم حق تلك المرأة.

ليس هذا فقط هو بيت القصيد. فالأهم من كل ذلك في رأي الدكتورة باف أن القول بعدم وجود المسلمين مرجعه أنهم “مواطنون يعيشون بيننا على قدم المساواة”. فمتى ما تم التعامل معهم على أنهم جزء طبيعي من النسيج الاجتماعي السويسري متساوون في الحقوق والواجبات مثل بقية المواطنين يصبح منطقيا القول إنهم غير موجودين كفئة أجنبية غريبة. فرضية جميلة مثالية ليتها فعلا تتحقق على أرض الواقع.

إلهام مانع- فريبورغ

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية