لبنان يواصل الانحدار… وفرنسا تنظم مؤتمرا للمساعدة
خطا لبنان خطوة جديدة نحو المجهول مع إعلان سعد الحريري اعتذاره عن عدم تشكيل حكومة، فيما انتقدت الدول الغربية المسؤولين اللبنانيين متّهمةً إياهم بالوقوف خلف المأزق “بشكل متعمّد”.
وأعلنت فرنسا التي كانت تقود جهودا دولية لإخراج لبنان من الأزمة، الجمعة، أنها ستستضيف مؤتمرا دوليا لحشد المساعدات للبنان في الرابع من آب/أغسطس.
ويتزامن هذا المؤتمر الذي ينظم بدعم من الأمم المتحدة، مع الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص ودمّر أجزاء كاملة من العاصمة وفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهي أسوأ الأزمات في التاريخ منذ منتصف القرن التاسع عشر بحسب البنك الدولي.
وعنونت صحيفة النهار اللبنانية صفحتها الأولى الجمعة “اعتذر الحريري.. لبنان إلى الأخطر”.
وكتبت صحيفة “لوريان لوجور” اللبنانية اليومية الناطقة بالفرنسية “مع اعتذار الحريري، لا مفر من تفاقم الأزمة”.
ومع استمرار الأزمة منذ حوالى سنة ونصف السنة، بات لبنان يواجه معدلات فقر مرتفعة وتدهوراً تاريخياً في قيمة العملة الوطنية وارتفاعاً حاداً في الأسعار مع قيود مصرفية صارمة، بينما تحصل احتجاجات شعبية في الشارع في ظل نقص في المواد الأساسية بما في ذلك الأدوية والوقود.
في مدينة طرابلس الشمالية، وقعت مواجهات الجمعة بين متظاهرين والجيش ما أسفر عن سقوط 19 جريحاً، بحسب الصليب الأحمر اللبناني. وأعلن الجيش أن شباناً ألقوا قنبلة يدوية ورموا حجارة ما أسفر عن إصابة 15 جندياً.
في صيدا جنوباً، أشعل متظاهرون إطارات.
وحتى مع تصاعد الضغط الدولي بقيادة فرنسا وتهديد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على القادة اللبنانيين المتّهمين بالفساد وعدم الكفاءة، لا تزال الخلافات السياسية تعيق جهود تشكيل الحكومة التي يُفترض أن تنفّذ إصلاحات مقابل الحصول على مساعدات دولية أساسية جداً.
– “تعطيل منظّم” –
بعد تسعة أشهر من تسميته لتشكيل حكومة، أعلن الحريري الخميس من القصر الرئاسي اعتذاره.
وكان قد رشّح لمنصب رئيس الوزراء في تشرين الاول/أكتوبر 2020 بعد أن فشل مصطفى أديب، وهو دبلوماسي غير معروف نسبيا، في تشكيل حكومة بسبب الضغوط والمصالح المتضاربة للسياسيين.
وفي مقابلة تلفزيونية مساء الخميس مع قناة الجديد، قال الحريري إن رئيس الجمهورية ميشال عون “يريد الثلث المعطل” في الحكومة (أي ثلث الوزراء زائد واحد، وتتخذ القرارات الأساسية في الحكومة بغالبية الثلثين).
وأضاف “إذا شكلت حكومة ميشال عون… لن استطيع أن أدير البلد، لأنها ليست حكومة استطيع أن أعمل معها”، في وقت تدير البلاد حكومة تصريف أعمال منذ آب/أغسطس 2020.
بدوره اتّهم الرئيس عون، حليف حزب الله، الحريري بعرقلة تشكيل حكومة.
واعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية أن “هذا التطوّر الأخير يؤكد المأزق السياسي الذي يبقي القادة اللبنانيون بشكل متعمد البلاد فيه منذ أشهر، في وقت تغرق (هذه الأخيرة) في أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة”، متحدثين عن “تعطيل منظّم”.
وتحدثت عن “تدمير ذاتي”، فيما دعت الولايات المتحدة القادة اللبنانيين إلى “وضع خلافاتهم جانباً بدون تأخير” بعد “هدر” أشهراً.
وصرح وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الجمعة أنه “من مسؤولية القادة اللبنانيين حلّ الأزمة الداخلية الحالية، التي خلقوها بأنفسهم”.
– “وداعاً لبنان” –
بعد اعتذار الحريري، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات المناهضة للسياسيين، في وقت يطالب جزء كبير من الشعب اللبناني برحيل كلّ الطبقة السياسية.
وكتب ناشط على فيسبوك “وداعاً لبنان. لقد قتلوكَ عمداً”.
من جهته، كتب الناشط لوسيان بو رجيلي “كلهم يعني كلهم (أي جميع القادة السياسيين) دمروا البلد وهم مستمرّون في ذلك”.
ويواجه اللبنانيون كل يوم تفاقم الأزمة أكثر فأكثر. فقد أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن رفع الدعم عن بعض الأدوية للحدّ من استنزاف احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية.
وفور اعتذار الحريري، تجاوز سعر صرف الليرة عتبة عشرين ألفا مقابل الدولار، في معدل قياسي جديد، وفق ما قال صرافون لوكالة فرانس برس.
وأثار انهيار العملة إقامة حواجز واحتجاجات ليل الخميس الجمعة وسط غضب متزايد ضد الطبقة السياسية.
ويتعين على الرئيس عون أن يحدد في الأيام المقبلة موعداً جديداً لاستشارات نيابية من أجل تكليف شخصية جديدة تأليف الحكومة، في مهمة لن تكون سهلة على الإطلاق ومن شأنها أن تزيد الانقسام بين القوى السياسية المتناحرة أساساً.