لبنانيون تضرروا من انفجار مرفأ بيروت يريدون محاسبة السلطة عبر صناديق الاقتراع
بعد الإدلاء بصوتها في مركز انتخابي قريب من مرفأ بيروت الذي شهد انفجارا مروعا قبل حوالى سنتين، تأمل نسرين أن تترك مع لبنانيين راغبين بالتغيير، بصمتهم في البرلمان المقبل، تمهيداً لمحاسبة المسؤولين عن الانفجار الذي يتعثر التحقيق حوله، وعن أزمات البلاد المتلاحقة.
وتقول السيدة (40 عاماً) التي نجت من انفجار المرفأ المروّع في الرابع من آب/أغسطس 2020 لوكالة فرانس برس من محلة الكرنتنيا “أنتخب اليوم لأن قلبي محروق، محروق على كل الدمار والدماء وعلى مستقبل أولادي”.
وتضيف “إذا حققت الانتخابات تغييراً بنسبة خمسة في المئة، نكون قد خطونا الخطوة الأولى”.
ويشهد لبنان الأحد انتخابات برلمانية تعقب سلسلة أزمات عصفت بالبلاد أبرزها انهيار اقتصادي متسارع واحتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد السلطة وانفجار المرفأ الذي أودى بحياة أكثر من مئتي شخص وأصاب أكثر من 6500 آخرين بجروح.
ونتج الانفجار، وفق تقارير أمنية وإعلامية، عن الإهمال وتخزين كميات ضخمة من مواد خطرة تدور تحقيقات حول مصدرها، من دون أي إجراءات وقاية. وتبيّن أن مسؤولين على مستويات عدّة كانوا على دراية بمخاطر تخزين هذه المادة ولم يحركوا ساكناً.
خارج مركز الانتخاب، ترتفع صور القتلى العشرة من فوج الإطفاء الذين كانوا في طليعة من وصل الى المرفأ قبل دقائق من الانفجار. وفي أزقة الكرنتينا، الحي القريب من المرفأ، لا تزال معالم الدمار شاهدة على انفجار غيّر ملامح العاصمة.
وتوضح نسرين بينما دمغت إصبعها بالحبر الأزرق دلالة على إدلائها بصوتها، “انتخبت للتغيير، وهذا واجبنا” في ظل وجود “سلطة فاسدة”. وتضيف “من المؤسف أن ينتخب الشعب مجدداً زمرة مماثلة”.
ويثير التحقيق في انفجار المرفأ انقساماً سياسياً مع اعتراض قوى رئيسية أبرزها حزب الله ، القوة السياسية والعسكرية الأبرز والمرجح أن تحتفظ بأكثرية برلمانية، وفق خبراء، على عمل المحقق العدلي القاضي طارق بيطار. ولا يزال التحقيق معلقاً منذ أشهر بينما يخوض نائبان حاليان مدعي عليهما في القضية، السباق الانتخابي.
– “استعادة لبناننا” –
ويقول آران دونريان (23 عاماً) الذي تضرّر منزله جراء عصف الانفجار، وهو يقترع للمرة الأولى في حياته في مركز انتخابي في الكرنتنيا “جئت أقترع بكل صراحة للشباب المستقلين لأنني شخصياً أكره كل ما يتعلق بالأحزاب والطوائف”.
ويضيف “آمل أن يحقق جيلنا تغييراً من أجل المستقبل، لأن الانتخاب اليوم لن يغير شيئاً على المدى القصير، لكن سيغير على المدى الطويل”.
ورغم النقمة التي ولّدها انفجار المرفأ وتبعات الانهيار الاقتصادي، لم تفقد الأحزاب التقليدية التي تستفيد من تركيبة طائفية ونظام محاصصة متجذر، قواعدها الشعبية التي جيّشتها خلال الحملة الانتخابية. ويستبعد محللون أن تحدث الانتخابات تغييراً في المشهد السياسي العام في البلاد.
في محلة الجميزة التي تعرف بمقاهيها وحاناتها ومعارضها الفنية، وحيث أعيد ترميم بعض الأبنية التي تدمرت نتيجة الانفجار، أدلى شادي (38 عاماً) بصوته باكراً وانصرف الى ممارسة رياضة الجري.
ويقول الشاب الذي نجا “بأعجوبة” على حد وصفه من الانفجار المرفأ بينما أصيب والداه بجروح، لفرانس برس، “أعتبر هذه الانتخابات وسيلة لاقتلاع الطبقة السياسية من أساسها، لا محاسبتها فحسب”.
ويتابع بانفعال “نريد استعادة لبناننا، لبنان الحياة والسهر والاختلاط”.
على بعد أمتار عدّة، تؤكد المهندسة ليا غريّب التي اضطرت إثر الانفجار للانتقال الى منزل جديد بعدما تدمر منزلها أنّ “الانتخابات وسيلة لمحاسبة السلطة”.
وتشدد على أن “صوتنا هو القوة الوحيدة التي ما زلنا نملكها. وإذا لم ننتخب اليوم فيعني ذلك أننا سنعيش لأربع سنوات مقبلة في الوضع السيء ذاته”.
ومنذ بدء الانهيار الاقتصادي الذي فاقمه انفجار المرفأ، يعيش اللبنانيون في ظروف صعبة، مع تراجع قدراتهم الشرائية وفقدان الليرة اكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار. ويعيش ثمانون في المئة من السكان تحت خط الفقر اليوم، مع عجز الدولة عن توفير أبسط الخدمات من كهرباء وطبابة ومحروقات.
ولم تُقدِم السلطة على أي اجراءات ملموسة للتخفيف من معاناتهم. ويحصل ذلك في غياب توافق سياسي على إصلاحات بنيوية للحصول على دعم يشترطه المجتمع الدولي لتقديم المساعدة.
واختار مالك فرن رفض الكشف عن اسمه في مار مخايل قرب المرفأ، أن يفتح باب رزقه عوضاً عن التوجه الى مركز الانتخاب للإدلاء بصوته.
ويقول الرجل (48 عاماً) لفرانس برس “لن أدلي بصوتي لأن الانتخابات لن تؤدي الى المحاسبة، فلا أحد يحاسب نفسه”، في إشارة الى أن الانتخابات ستعيد إنتاج الطبقة السياسية ذاتها.
ويضيف “إصلاح القضاء هو الأساس، والقضاء هو من يحاسب”.