” لـتـأت الديمقراطية حتى على ظهر بعير”!
تختلف الدول الخليجية بشدة في مقاربتها للمبادرة الأمريكية الجديدة والمعروفة باسم "الشرق الأوسط الكبير"، لكنها لا تتناقض في طروحاتها.
ففي حين سارعت المملكة العربية السعودية إلى رفض سافر للتحرك الأمريكي الجديد ضمن محور “الرياض-القاهرة–دمشق”، جاء موقف قطر مقابلا ومتباينا داعيا إلى عدم الاستعجال في الرفض.
تختلف الدول الخليجية بشدة في مقاربتها للمبادرة الأمريكية الجديدة والمعروفة باسم “الشرق الأوسط الكبير”، لكنها لا تتناقض جوهريا في طروحاتها.
وفي حين عجلت المملكة العربية السعودية إلى رفض سافر للتحرك الأمريكي الجديد ضمن محور الرياض-القاهرة – دمشق، جاء موقف قطر مقابلا ومتباينا بالدعوة إلى عدم الاستعجال في الرفض، وبالحث على دراسة المبادرة ومناقشتها مع أصحابها قبل الرد عليها.
وذهب نائب رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني إلى اقتراح قيام شراكة استراتيجية بين الدول العربية من جهة، وبين القوى العظمى من جهة أخرى، وذلك على خلفية مبادرة الشرق الأوسط الكبير.
وبين الموقفين السعودي والقطري المتباينين، تراوحت ردود فعل دول الخليج الأخرى بين قريب من الموقف السعودي، مثل البحرين التي تحفّـظت على المبادرة منذ إعلانها منحازة لمنطق الإصلاح من الداخل، ورفض الإصلاحات المعروضة من الخارج، وبين صامت عن الأمر، مثل سلطنة عمان التي درجت على اتباع دبلوماسية “غير إعلامية” في مواقفها السياسية.
لكن الدوحة، كانت أكثر عواصم الخليج إحاطة إعلامية بمبادرة الشرق الأوسط الجديد من خلال محاضرات فكرية تضمنها مهرجان الدوحة الثقافي، استُـدعي إليها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، ووزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، ورئيس معهد ابن خلدون في القاهرة، الدكتور سعد الدين إبراهيم الذي كان مباشرا في عنونة محاضرته تحت اسم “حتى لا تُـفرض علينا الديمقراطية من الخارج”.
دعوة إلى “العقلانية”
إذا كان الأمين العام لجامعة الدول العربية قد اعتذر عن الحضور في آخر لحظة، إلا أن سعد الدين إبراهيم، والشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني كانا حاضرين بمحاضرتيهما بقوة وسط المبادرة الأمريكية التي تناولها كل من زاويته.
وفي حين دعا النائب الأول لرئيس وزراء قطر ووزير الخارجية إلى “استجلاء ما تنص عليه المبادرة والتثبت في أفكارها بشكل عقلاني”، وإلى “إقامة حوار وشراكة بين العرب والقوى الكبرى في العالم على خلفية المشروع الأمريكي”، أكّـد أيضا على أن المبادرة يجب أن “تقوم على أساس إرادي” ووصفها بأنها “فرصة للدخول في نقاش لتحديد نقاط الاتفاق والاختلاف، ولتكريس الديمقراطية على الصعيد الدولي أيضا”، مُـعبّـرا عن أمله في أن يكون تحقيق الأهداف الإصلاحية “مُـنطلقا من الشعوب ومتفقا مع هوياتها”.
لكن الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني قال في المقابل: “إن العالم العربي غير جاهز لتقديم مبادرة بسبب الاختلاف حول مفهوم المصلحة العربية”، وأضاف أن “العالم العربي أغرق نفسه بمبادراته وبمبادرات الغير”، داعيا إلى “مناقشة المبادرة في المنتديات العربية”، ومُـنوّها بـعُـجالة إلى محل الصراع العربي الإسرائيلي في المبادرة الأمريكية، وإلى وجوب “إزالة أسباب الإحباط لكي تُـصبح العملية الديمقراطية نموذجية”.
متهربون من استحقاقات الإصلاح
وفي المقابل، كان الدكتور سعد الدين إبراهيم أقل دبلوماسية وهو يحمل بشدة على “النفاق السياسي العربي”، حيث قال “إن بعض الحكام الذين يَصيحون اليوم بأن لا قبول لمشاريع الديمقراطية من الخارج، كانوا قد صمّـوا آذانهم عن مطالبات الداخل بالديمقراطية منذ عام 1983 الذي شهد ميلاد المنظمة العربية لحقوق الإنسان في قبرص بعد أن اعتذرت الدول العربية كافة عن احتضان مؤتمرها التأسيسي”.
وأسهب المتحدث في الكلام عن الصعوبات التي قُـوبل بها مناضلو الديمقراطية في العالم العربي، مستعرضا وقائع حدثت في كل من مصر، والمملكة العربية السعودية “باعتبارهما أول من أعلَـوا صوت الرفض”، على حد قوله.
ورفض سعد الدين إبراهيم مقولة الرئيس المصري محمد حسني مبارك التي نبّـه فيها إلى أن المتطرفين سوف يُـسيطرون على المنطقة في حالة إنجاز المشروع الأمريكي، واصفا ذلك بأنها “فزاعة” يستخدمها المتهربون من استحقاقات الإصلاح، ومستعرضا تاريخ التقصي العربي من مبادرات الإصلاح بدءا من الداخل، ووصولا إلى المبادرة الأمريكية، ومرورا بالالتفاف العربي على مبادرة برشلونة منذ عشر سنوات، وذلك بالاستفادة من المعونات الاقتصادية والأمنية التي تُـوفرها، والتهرب من تنفيذ البُـند الذي ينُـص على ضرورة إدخال الإصلاحات السياسية.
وعبر رئيس معهد ابن خلدون عن وثوقه في أن الحركات الإسلامية قادرة على الانخراط في المسيرة الديمقراطية، وضرب أمثلة من الأردن، وتركيا، والمغرب تُـدلل على أن الإسلاميين لا يُـشكّـلون خطرا على الإصلاح الديمقراطي، وذلك تصدّيا لمقولة الرئيس المصري.
وخلص الباحث المصري إلى أن أحدا لم يُـعارض أن تأتى الديمقراطية على ظهر ناقة أو حمار، إذا كان هناك من يعارض قدومها اليوم على أجنحة الطائرات الأمريكية، قائلا “الأهم أن تأتي وتُـخلّـص العالم العربي من حياة سياسية مُـتخلّـفة أصبحت تشكل خطرا على أوروبا وعلى أمريكا بسبب انسداد الآفاق أمام مواطنيه.
ورغم إسهابه في تشبيه العالم العربي اليوم بوضع “الرجل المريض” في آخر أيام الإمبراطورية العثمانية، وفي التنبيه إلى محاولة استغلال مشاعر العداء لأمريكا من زاوية انحيازها لإسرائيل، لرفض المبادرة الأخيرة، فإن طرح الدكتور سعد الدين إبراهيم لا يتوافق كثيرا مع المزاج العام الخليجي الذي لا يختلف عن المزاج العام العربي في تقييمه السلبي مُـسبقا لكل ما يأتي من واشنطن.
بوادر انقسام شعبي
ولا يُـفيد تنويه وزير خارجية قطر إلى أن ليس كل ما يأتي من أمريكا شر كامل، إذ تزخر الصحف الخليجية بالآراء المعارضة للسياسات الأمريكية في المنطقة، ويُـؤثر ذلك بشكل كبير في الرأي العام الذي يجد صعوبة بالغة في تناسي الانحياز الأمريكي الأعمى لناحية إسرائيل، فضلا عن حربها واحتلالها للعراق.
وقد انعكس هذا الشعور بشكل واضح على المداخلات والأسئلة التي أعقبت المحاضرتين، والتي بدا الكثير منها مُـتوجسا من المبادرة الأمريكية ومتشككا في أهدافها، رغم الاقتناع بحالة الضعف العربي العام، وبالعجز عن فك الاشتباك بين الأولويات المتضاربة للمرحلة الراهنة.
لكن حالة من الانقسام الشعبي بدأت تظهر تجاه المبادرة الأمريكية أسوة بالانقسام الرسمي حولها، وهو ذات الانقسام الذي تُـكرسه النخب الخليجية المتجاذبة بين النموذج الأمريكي المُـهيمن على المنطقة منذ حرب الخليج الثانية، وبين التيار الديني المحافظ والكاره للوجود الأمريكي في المنطقة منذ التاريخ ذاته.
فيصل البعطوط – الدوحة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.