لمن تُقرع أجراس الإنذار؟
تعاني سويسرا من ظاهرة في مواقع العمل لها انعكاسات عملية واقتصادية خطيرة. هذا ما أظهرته دراسة أعدتها كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية.
لكن ظاهرة “الضغط التعسفي” ليست حصرا على مواقع العمل السويسرية. فلعلك أنت نفسك ضحية لها، ولا تعي ذلك!
إذا كنت تعاني من تحرش رئيسك المستمر، أو من تقليله المتواصل من قيمة عملك، أو رفضه منحك الإمكانيات اللازمة لأداء مهام وظيفتك، أو تجاهله لاستفساراتك، أو امتناعه عن مجرد الحديث معك، فإن هذا يعني أنك ضحية لظاهرة “الضغط التعسفي” في مواقع العمل أو ألMobbing .
مصطلح “الضغط التعسفي” جديد في الاستخدام العلمي أو التوصيفي، لكنه ممارس منذ قدم العمل نفسه. غير أن الاهتمام به أزداد على نطاق دولي واسع مع اتضاح نتائجه الاقتصادية المكلفة. فسقوط الموظف ضحية لهذه الظاهرة كفيل بإصابته بالأمراض (التي تتحمل جهة العمل تكاليف علاجها)، أو استقالته (ومن ثم تكبدها من جديد لخسائر تتعلق بالتعويضات المستحقة له وتعيين خليفة له).
وسويسرا، وهي السباقة إلي تبني أساليب التعامل والعمل العقلانية الكفيلة بترشيد التكاليف، عمدت إلى إجراء دراسة حول هذه الظاهرة لتقييم حجمها وأثارها. أجرت الدراسة كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية، ونشرتها تحت عنوان “الضغط التعسفي وغيره من أشكال التوتر النفسية في مواطن العمل في سويسرا”. وكانت النتيجة مفاجأة.
كي لا يتعسف الموظف بدوره!
عّرفت الدراسة أل Mobbing بكونه “ظاهرة يتم بموجبها استهداف أحد العاملين، بصورة منظمة وعلى مدى فترة زمنية طويلة، من قبل أحد رؤساءه أو عدد من العاملين معه، وتعريضه إلى أشكال من الاضطهاد والتعسف”.
وحددت معايير يمكن من خلالها قياس المشكلة من بينها: مقاطعة الموظف بصورة مستمرة كلما حاول الحديث، أو إجباره على العمل في ظروف ستؤدي حتما إلى تعرض صحته إلى الضرر، أو عدم تلقيه لأي رد عند محاولته الحديث مع الشخص المعني، أو تكليفه بصورة متواصلة بمهام جديدة، أو الاستخفاف بنتائج عمله والسخرية منه شخصيا.
ثم أجرت استبيانا عبر الهاتف شارك فيه 3220 من العاملين في سويسرا. ولأن الباحثين أرادوا تجنب أي “تعسف” من جانب المستبيَنين، أو إدلائهم بمعلومات مغلوطة (تعبر عن أحقاد شخصية اكثر منها عن واقع فعلي)، فقد صاغوا أسئلتهم بطريقة تجنبوا فيها الإشارة بصورة مباشرة إلى مصطلح “الضغط التعسفي”، وطرحوا بدلا من ذلك على المشارك عددا من الاستفسارات تتعلق بجو العمل الوظيفي، وبأوضاعه الصحية، هذا عدا عن البيانات الشخصية المتعلقة بمؤهلاته وجنسيته.. الخ.
بدت أهمية ذلك الأجراء الاحترازي بعد إجراء الدراسة. فقد أعلن نحو 4. 4% من المستبيَنين من البداية، ودون سؤال من الباحثين، عن تعرضهم لظاهرة الضغط التعسفي. غير أن مطابقة المعايير أظهرت أن نسبة خمسين في المائة منهم فقط تنطبق عليها هذا الوصف. بيد أن هذا تفصيل ثانوي. فالنتائج الأساسية للدارسة جاءت مثيرة للدهشة، وللمخاوف على حد سواء.
نتائج غير متوقعة!
يتعرض نحو 7.6% من العاملين في سويسرا لظاهرة “الضغط التعسفي”، وثلاثة أرباعهم لا يدركون ذلك. لكن الأخطر هو أن هذه النسبة تزيد عن تلك المتواجدة في العديد من بلدان أوروبا التي أجرت أبحاثا في هذا المضمار؛ وأن عدد العاملين الأجانب الذين يتعرضون لهذا التعسف في مواقع العمل السويسرية هو ضعف عدد نظرائهم من السويسريين.
ولئن كان من المعتاد تعرض الموظف السويسري لهذا النوع من العنف الوظيفي من قبل رئيسه المباشر، فإن الموظف الأجنبي يتم إستهدافه عادة من قبل نظرائه من العاملين السويسريين.
عدا عن ذلك، أظهرت الدراسة أن ضحايا هذه الظاهرة يعانون من مشاعر الانكسار والاكتئاب والإحساس بقلة الحيلة والقلق والخوف، هذا عدا عن إحساسهم المتواصل بالتعب والضعف وانعدام المقدرة على العمل. وكانت النغمة السائدة في أحاديثهم هي شعورهم بعدم الرضا عن عملهم (اهتزاز الثقة بالنفس)، وعن علاقتهم برؤسائهم وزملائهم.
وكما يبدو واضحا من تلك الأعراض، فإن نتائجها تظل وخيمة، سواء على الموظف أو على العمل نفسه. ولذا، لم يكن من المستغرب أن تقرع كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية أجراس الإنذار محذرة من أن عدم معالجة المشكلة سيكون لها آثارها البعيدة المدى على الاقتصاد السويسري. ولعل من المناسب أن نقرع نحن أيضا تلك الأجراس متسائلين عن حجمها في مواقع عمل أخرى وبلدان أخرى. ونسألك بدورنا: هل تعاني أنت الأخر من هذه الظاهرة؟
إلهام مانع- سويس إنفو
يتعرض 7.6% من العاملين في سويسرا إلى ظاهرة الضغط التعسفي
نسبة تعرض العاملين الأجانب لهذه الظاهرة هي ضعف نسبة نظرائهم من السويسريين
يعاني ضحايا هذه الظاهرة من مشاعر الاكتئاب وعدم الرضا
من نتائج الظاهرة إصابة الضحايا بالمرض أو اضطرارهم إلى الاستقالة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.