ليلة ” السكاكين الطويلة” في بيروت
أسئلة كبرى بعضها "تكتيكي-إفتراضي" والآخر "إستراتيجي- إجرائي"، أثارها توقيف جنرالات الاجهزة الامنية الأربعة، ومعهم نائب لبناني سابق، في لبنان للإشتباه بأدوارهم في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
البداية مع الأسئلة “التكتيكية” …
– لماذا أقدم دتليف ميليس، رئيس لجنة التحقيق الدولية، على هذه الخطوة، قبل تسليم مجلس الامن الدولي تقريره النهائي، كما هو مقرر، منتصف الشهر الحالي؟
– وهل سيتحّول توقيف الجنرالات إلى إعتقالات وتوجيه تهم رسمية لهم بتخطيط عملية الأغتيال وتنفيذها؟
– ثم: هل ثمة شخصيات رسمية لبنانية وسورية اخرى مرشحة للتوقيف أو الأعتقال؟
أما الأسئلة “الأستراتيجية” فهي:
– هل بات تدحرج رأس الرئيس اللبناني إميل لحود قريباً، بعد توقيف قائد الحرس الجمهوري المقرّب منه العميد مصطفى حمدان؟
– وهل سيكون توقيف النائب السابق ناصر قنديل (أفرج عنه مساء الثلاثاء 30 أغسطس)، وثيق الصلة للغاية بالأجهزة الأمنية السورية، هو الجسر الذي سيعبر منه دتليف ميليس لقطف بعض الرؤوس الأمنية وغير الأمنية في دمشق ؟
وأخيراً، ما هي المضاعفات الدولية المحتملة لكل هذه التطورات على مستقبل النظامين اللبناني والسوري؟
صاعقة مفاجئة
نبدأ مع الزوج الأول من الأسئلة لنشير إلى أن ” ليلة إعتقالات الجنرالات “، او ما أسماه البعض “ليلة سكاكين ميليس الطويلة”، التي شهدها لبنان فجر يوم الثلاثاء 30 أغسطس، سقطت كصاعقة مفاجئة على رؤوس الجميع، بمن فيهم بالطبع رؤوس الأجهزة الامنية السابقين.
فهي تمت بدون سابق إنذار. وهي نفذّت بسرعة قياسية وفي وقت متزامن، حيث قامت القوات الأمنية اللبنانية باقتحام منازل الجنرالات، وسمحت للمحققين الدوليين بأن يكونوا رأس الحربة في هذه العملية إعتقالاً وبحثاًً وتفتيشاً.
الأجتهادات حول أسباب ضربة ميليس الإستباقية هذه عديدة. فثمة من يقول أنه، وجنباً إلى جنب مع المسؤولين الممسكين بالملف اللبناني في باريس وواشنطن، أرادوا منع الجهاز الأمني اللبناني- السوري من محاولة إعاقة مجريات التحقيق أو حرفه عن أهدافه، عبر سلسلة اغتيالات وتفجيرات جديدة. وهناك من يعتقد أن ميليس وصحبه قرروا تسريع التحقيق الأمني للوصول إلى أهداف سياسية محددة.
لكن، ومهما كانت طبيعة الأجتهادات، ثمة شيء واحد مؤكد: خطوة ميليس الإنقلابية ستليها حتماً خطوات أخرى متسارعة ستطال شخصيات أخرى أمنية ومدنية لبنانية وسورية قد يناهز عددها الخمسين شخصاً، وفق ما ذكرته مصادر خاصة.
وإذا ما وضعنا بعين الاعتبار أن كل الموقوفين والمشتبه بهم في التحقيقات الدولية الراهنة موالون لدمشق، فهذا يعني أن كل الجهاز الأمني الذي أقامته سوريا في لبنان قد يتهم باغتيال الرئيس الحريري.
ومثل هذا التطور، الذي بات شبه محتم الان، ينقلنا مباشرة إلى الأسئلة الإستراتيجية الموالية: إلى أين من هنا؟
مصير لحود.. والأسد
أول ما يتبادر إلى الذهن هنا هو مصير الرئيس لحود. ورأس الخيط في هذا المصير هو مستقبل العميد مصطفى حمدان: فإذا ما تم توجيه التهم الرسمية له بالمشاركة في عملية الأغتيال، فإن المسألة حينذاك ستكون مسألة وقت قبل ان تنتقل التهم إلى لحود نفسه، لأن قائد الحرس الجمهوري كان مفصولاً عن قيادة الجيش ويتلقى تعليماته مباشرة من لحود.
يذكر أن حمدان كان أول شخصية يعلن ميليس إشتباهه بها (خلال مقابلة مع “الفيغارو” قبل أكثر من شهرين)، لان الأول عمد فور وقوع عملية الإغتيال إلى تغيير معالم مسرح الجريمة عبر سحب السيارات الست المدمرة التي كانت تشكّل موكب الحريري.
وعلى أي حال، يبدو ان السياسيين اللبنانيين باتوا، على ما يبدو، موقنين بأن أيام لحود باتت معدودة. ولذا فهم يتقاطرون الان على باريس، كما أفادت مصادر موثوقة، للإتفاق مع الفرنسيين والأميركيين على اسم الرئيس الجديد للجمهورية.
على رأس هؤلاء السياسيين الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان أول الداعين إلى إقالة لحود فور وقوع عملية الأغتيال، ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وأعضاء لقاء قرنة شهوان المسيحي المدعوم من البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير والممثل في باريس برئيس تحرير “النهار” جبران تويني.
وفي حال تدحرج رأس لحود سريعاً بالفعل، سيكون تفكيك النظام الامني السوري في بيروت قد تم بالكامل، وستنتقل الجهود الدولية حينذاك إلى الخطوة التالية: دمشق. وحينها سينبثق سؤالان مثيران:
الأول، هل سيقتصر التحقيق الدولي على خمسة من قادة أجهزة الأمن السوريين، بينهم اللواءان غازي كنعان ورستم غزالة، كما قيل، أم انه قد يطال أيضاً الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق كما قد يطال الرئيس لحود في بيروت؟
والثاني، هل يمكن ان تعني هذه الخطوة أن واشنطن وباريس، إتفقتا على وضع عملية تغيير النظام في سوريا على نار حامية؟
قد يقال هنا أنه من المبكر الأن القفز بنتائج التحقيق الدولي من بيروت إلى دمشق قبل إقفال ملف الجهاز الامني السوري- اللبناني. وهذا صحيح. لكن وضع إسم ناصر قنديل في لائحة واحدة مع أسماء قادرة الأجهزة الامنية اللبنانيين، أثار الكثير من علامات الشك والإستفهام حول احتمال قيام ميليس بتوجيه “ضربة إستباقية” جديدة في سوريا شبيهة بتلك التي نفذها في لبنان، والطبع بدعم كامل من مجلس الامن وأمريكا وفرنسا.
وإذا ما حدث ذلك، ستكون كل الأحتمالات مفتوحة في سوريا.
القانون والعدالة
الأن، وبعد قول كل شيء عن المضاعفات الأمنية والسياسية المحتملة لنتائج التحقيق في جريمة إغتيال الحريري، نأتي إلى الأبعاد القانونية.
للوهلة الأولى، صورة هذه الأبعاد تبدو كمشهد جميل، حيث القانون وسيادته هما اللذان يحكمان سعيداً، لا شريعة غاب أجهزة الأستخبارات، ولا غياب شريعة الحق والعدالة.
هناك جريمة إغتيال سياسية كبرى. وهناك تحقيقات جدّية قد تؤدي إلى كشف القتلة والمدبرين والمنفذين ومحاكتمهم ربما امام محكمة دولية. وهذا سيكون في حد ذاته رادعاً لكل القتلة “الرسميين” في لبنان والعالم العربي، الذين استباحوا الأرواح والأعراض بلا رادع أو وازع طيلة أكثر من نصف قرن.
لكن المواطنين اللبنانيين العاديين يتساءلون: أين كانت العدالة الدولية حين تم اغتيال كمال جنبلاط والمفتي حسن خالد والرئيس رينيه معوض والرئيس رشيد كرامي وداني شمعون والشيخ العلامة صبحي الصالح وعشرات الصحافيين على رأسهم رياض طه وسليم اللوزي؟. لماذا لم يستفق الضمير العالمي إلا الآن، ولماذا لم يكشّر مجلس الامن الدولي عن أنيابه سوى في هذه المرحلة التي انفصمت فيها عرى “الصداقة” بين واشنطن وبين الانظمة التوتاليتارية العربية؟.
بيد أن مثل هذه الأسئلة، على أهميتها، ليست هي الموضوع الأبرز في هذه المرحلة. الأهم هو ما يقوم به، وما سيقوم به، دتليف ميليس. وطبيعة هذا الذي يقوم به، وسيقوم به، سيتوقف عليه مصير النظامين اللبناني والسوري برمتهما.
سعد محيو- بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.